أحكام القرآنللشافعي جمع البيهقي الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إدريس، بن العباس، بن شافع، بن السائب، بن عبيد، بن عبد يزيد، بن هاشم، بن عبد المطلب، بن مناف، بن قصى، القرشي المطلبي الشافعي الحجازي المكي (ت ٢٠٤ هـ ٨٢٠ م) ------- أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت ٤٥٨ هـ ١٠٦٦ م) _________________________________ سورة البقرة٢٤{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } ١) أصول فقه (العام والخاص) وقال اللّه عز وجل: {وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ} . فدل كتاب اللّه عز وجل على أنه إنما وقودها بعض الناس؛ لقوله عز وجل:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} . ١٠٦{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللّه عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ١) النسخفصل فى النسخ (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع قال: قال الشافعى رحمه اللّه: إن اللّه خلق الناس لما سبق فى علمه مما أراد بخلقهم وبهم، {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ} وأنزل الكتاب عليهم {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} وفرض فيه. فرائض أثبتها، وأخرى نسخها، رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم. زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم: جنته والنجاة من عذابه. فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ، فله الحمد على نعمه. وأبان اللّه لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب وإنما هى تبع للكتاب بمثل ما نزل نصاً، ومفسرة معنى ما أنزل اللّه منه جملا. قال اللّه تعالى: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فأخبر اللّه (عز وجل): أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه، ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه وفى قوله: {مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ} بيان ما وصفت: من أنه لا ينسخ كتاب اللّه إلا كِتَابهُ كما كان المبتدىءَ لفرضه: فهو المزيل المثبت لما شاء منه (جل ثناؤه)؛ ولا يكون ذلك لأحد من خلقه لذلك قال: {يَمْحُواْ ٱللّه مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ} قيل يمحو فرض ما يشاء ويثبت فرض ما يشاء وهذا يشبه ما قيل واللّه أعلم. وفى كتاب اللّه دلالة عليه: قال اللّه عز وجل: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} . فأخبر اللّه (عز وجل): أن نسخ القرآن، وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله. قال: {وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللّه أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ} . وهكذا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا ينسخها إلا سنة لرسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وبسط الكلام فيه. قال الشافعى: وقد قال بعض أهل العلم - فى قوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ} - واللّه أعلم - دلالةٌ على أن اللّه تعالى جعل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل به كتاباً. واللّه أعلم. (أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ، نا أبو العباس - هو: الأصم - أنا الربيع: أن الشافعى رحمه اللّه قال: قال اللّه تبارك وتعالى فى الصلاة: {إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} فبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلمعن اللّه عز وجل تلك المواقيت؛ وصلى الصلوات لوقتها، فحوصر يوم الأحزاب، فلم يقدر على الصلاة فى وقتها، فأخرها للعذر، حتى صلى الظهر، والعصر والمغرب، والعشاء فى مقام واحد. قال الشافعى رحمه اللّه: أنا ابن أبى فُدَيْك، عن ابن أبى ذئب، عن المقْبُرىّ، عن عبدالرحمن بن أبى سعيد الخدرى، عن أبيه قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بِهُوِىّ من الليل حتى كفينا، وذلك قول اللّه عز وجل: {وَكَفَى ٱللّه ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ} . قال: فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلالا، فأمره فأقام الظهر فصلاها، فأحسن صلاتها كما كان يصليها فى وقتها؛ ثم أقام العصر فصلاها هكذا؛ ثم أقام المغرب فصلاها كذلك؛ ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضاً، وذلك قبل أن يقول اللّه فى صلاة الخوف: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} قال الشافعى رحمه اللّه: فبين أبو سعيد: أن ذلك قبل أن ينزل اللّه على النبى صلى اللّه عليه وسلم الآية التى ذكرت فيها صلاة الخوف وهى قول اللّه عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ} الآية قال تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ} الآية . وذكر الشافعى رحمه اللّه حديث صالح ابن خَوّات عمن صلى مع النبى صلى اللّه عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرِّقَاع. ثم قال: وفى هذا دلالة على ما وصفت: من أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سن سنة، فأحدث اللّه فى تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها -: سن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سنة تقوم الحجة على الناس بها، حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التى بعدها -. قال: فنسخ اللّه تأخير الصلاة عن وقتها فى الخوف إلى أن يصلوها - كما أمر اللّه فى وقتها ونسخ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سنته فى تأخيرها، بفرض اللّه فى كتابه ثم بسنته، فصلاها فى وقتها كما وصفنا قال الشافعى رحمه اللّه: أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر - أُراه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم - فذكر صلاة الخوف ف قال: إن كان خوفاً أشد من ذلك: صلوا رجالا وركبانا، مستقبلى القبلة وغير مستقبليها. قال: فدلت سنة رسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، على ما وصفت. من أن القبلة فى المكتوبة على فرضها أبداً، إلا فى الموضع الذى لا يمكن فيه الصلاة إليها، وذلك عند المسايفة والهرب؛ وما كان فى المعنى الذى لا يمكن فيه الصلاة إليها وبينت السنة فى هذا أن لا تترك الصلاة فى وقتها كيف ما أمكنت المصلى. ١٢٥{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } ١) الحج (مكانه) (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه تبارك وتعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}؛ إلى قوله: {وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} . قال الشافعى: المثابةُ - فى كلام العرب -: الموضعُ: يَثُوبُ الناس إليه، ويؤوبون: يعودون إليه بعد الذَّهَاب عنه. وقد ي قالُ: ثاب إليه: اجتمع إليه؛ فالمثابة تجمع الاجتماع؛ ويؤوبون: يجتمعون إليه: راجعين بعد ذهابهم عنه، ومبتدئين. قال وَرَقَةُ بن نَوْفَلٍ، يذكر البيت: * مَثَاباً لأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا * تَخُبُّ إِلَيْهِ اليَعْمَلاَتُ الذَّوَابِلُ * وقال خِدَاشُ بن زهير [النَّصْرِيّ]: * فَمَا بَرِحَتْ بَكْرٌ تَثُوبُ وَتَدَّعِى * وَيَلْحَقُ مِنْهُمْ أوَّلُونَ فَآخِرُ * قال الشافعى: وقال اللّه تبارك وتعالى: {وَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} ؛ يعنى (واللّه أعلم): آمنا من صار إليه: لا يُتَخَطَّفُ اختطافَ من حولهم. وقال (عزّ وجلّ) لإبراهيم خليلِه - عليه السلام -: {وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} . قال الشافعى: سمعتُ بعض من أرْضى - من أهل العلم - يذكر: أن اللّه (عزّ وجلّ) لما أمر بها، إبراهيمَ (عليه السلام): وقف على المقام، وصاح صيحة: عباد اللّه؛ أجيبوا داعىَ اللّه. فاستجاب له حتى مَنْ فى أصلابِ الرجال، وأرحامِ النساء. فمن حج البيت بعد دعوته، فهو: ممن أجاب دعوته. ووافاه من وافاه، يقول: لَبَّيْكَ داعِى ربِّنا لبيك.. وهذا -: من قوله: وقال لإبراهيم خليله.-: إجازةٌ؛ وما قبله: قراءةٌ. ١٢٩{ رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } ١) أصول فقه (حجية الكتاب والسنة) قال الشافعى رحمه اللّه: وفرض اللّه تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فقال فى كتابه: {رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ} . قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ ٱللّه عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} ، قال تعالى: {وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللّه وَٱلْحِكْـمَةِ} . وذكر غيرها من الآيات التى وردت فى معناها. قال: فذكر اللّه تعالى الكتاب، وهو القرآن؛ وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وهذا يشبه ما قال (واللّه أعلم) بأن القرى، ذكر وأتبعته الحكمة؛ وذكر اللّه (عز وجل) منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة. فلم يجز (واللّه أعلم) أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللّه، وأن اللّه افترض طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وحتم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول: فرض؛ إلا لكتاب اللّه، ثم سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مبينة عن اللّه ما أراد دليلاً على خاصه وعامه؛ ثم قرن الحكمة بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم ذكر الشافعى رحمه اللّه الآيات التى وردت فى فرض اللّه (عز وجل) طاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم. منها: قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللّه وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ} فقال بعض أهل العلم: أولو الأمر أمراء سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وهكذا أخبرنا واللّه أعلم، وهو يشبه ما قال واللّه أعلم -: أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن تعطى بعضها بعضاً طاعة الإمارة؛ فلما دانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رَسولِ اللّه صلى اللّه عليه وَسلم؛ فأمروا أن يطيعوا أولى الأمر الذين أمرهم رسُولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لا طاعة مطلقة، بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم. قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللّه} . يعنى إن اختلفتم فى شىء، وهذا إن شاء اللّه كما قال فى أولى الأمر.لأنه يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} يعنى (واللّه أعلم) هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم. {فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللّه وَٱلرَّسُولِ} يعنى (واللّه أعلم) - إلى ما قال اللّه والرسول إن عرفتموه؛ وإن لم تعرفوه سألتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه إذا وصلتم إليه، أو من وصل إليه. لأن ذلك الفرض الذى لا منازعة لكم فيه: لقول اللّه عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللّه وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . ومن تنازع ممن - بعد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - رد الأمر إلى قضاء اللّه؛ ثم إلى قضاء رسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضا نصا فيهما، ولا فى واحد منهما - ردوه قياساً على أحدهما. ١٤٤-١٥٠{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ...} ١) الصلاة (القبلة) قرأت فى كتاب المختصر الكبير - فيما رواه أبو إبراهيم المُزَنِىُّ، عن الشافعى (رحمه اللّه) أنه قال، أنزل اللّه عز وجل على رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) فَرْضَ القبلة بمكة، فكان يصلى فى ناحية يستقبل منها البيت الحرام، وبيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة، استقبل بيت المقدس، موليا عن البيت الحرام؛ سنة عشر شهرا -: وهو يحب: لو قضى اللّه إِليه باستقبال البيت الحرام.لأن فيه مقام أبيه إبراهيم، وإسماعيل؛ وهو: المثَابة للناس والأمْنُ، وإليه الحج؛ وهو: المأمور به: أن يطهر للطائفين، والعاكفين، والركَّعِ السجود. مع كراهية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لِما وافق اليهود فقال لجبريل عليه السلام: لَوِددْتُ أن ربى صرفنى عن قبلة اليهود إِلى غيرها؛ فأنزل اللّه عز وجل: {وَللّه ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللّه} - يعنى (واللّه أعلم)، فثمَّ الوجه الذى وجَّهكم اللّه إِليه فقال جبريل عليه السلام للنبى (صلى اللّه عليه وسلم) يا محمد أنا عبد مأمور مثلك، لا أملك شيئاً؛ فسل اللّه. فسأل النبى (صلى اللّه عليه وسلم) ربه: أن يوجهه إلى البيت الحرام؛ وصعِدَ جبريل (عليه السلام) إلى السماء؛ فجعل النبى (صلى اللّه عليه وسلم) يُدِيم طَرْفَهُ إلى السماء: رجاءَ أن يأتيه جبريل (عليه السلام) بما سأل. فأنزل اللّه عز وجل: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} إلى قوله: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي} ..فىقوله: {وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} ، ي قال: يجدون - فيما نزل عليهم -: أن النبىّ الأمىّ -: من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام: - يخْرج من الحرم، وتعود قبلته وصلاته مَخْرَجه. يعنى: الحرم. وفى قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} ؛ قيل فى ذلك (واللّه أعلم): لا تستقبلوا المسجد الحرام من المدينة، إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس؛ وإن جئتم من جهة نجد اليمن - فكنتم تستقبلون البيت الحرام، وبيت المقدس -: إستقبلتم المسجد الحرام. لا: أنّ إرادتكم: بيتُ المقدس؛ وإن استقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. و لأنتم كذلك: تستقبلون ما دونه ووراءه؛ لا إرادةَ أن يكون قبلةً، ولكنه جهة قبلة..وقيل: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}: فى استقبال قبلة غيركم..وقيل: فى تحويلكم عن قبلتكم التى كنتم عليها، إلى غيرها.وهذا أشبهُ ما قيل فيها (واللّه أعلم) -: لقول اللّه عز جل: {سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا}، إلى قوله تعالى: {مُّسْتَقِيمٍ} . فأعلم اللّه نبيه (صلى اللّه عليه وسلم): أن لا حجةَ عليهم فى التحيول؛ يعنى: لا يتكلم فى ذلك أحد بشىء، يريد الحجة؛ إلا الذين ظلموا منهم. لا: أنَّ لهم حجةً؛ لأن عليهم؛ أن ينصرفوا عن قبلتهم، إلى القبلة التى أُمروا بها.وفى قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ} ؛ لقوله إلا لنعلم أن قد علمهم من يتبع الرسول؛ وعِلْمُ اللّه كان - قبل اتباعهم وبعده - سواء..وقد قال المسلمون: فكيف بما مضى من صلاتنا، ومن مضي منا؟. فأعلمهم اللّه (عز وجل): أنَّ صلاتهم إيمان؛ ف قال: {وَمَا كَانَ ٱللّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية .وي قال: إنَّ اليهود قالت: البِرُّ فى استقبال المغرب، وقالت النصارى: البرُّ فى استقبال المشرق بكل حال. فأنزل اللّه (عز وجل) فيهم:{لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ} . يعنى (واللّه أعلم): وأنتم مشركون؛ لأن البرَّ لا يكتب لمشرك.فلما حوَّلَ اللّه رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) إلى المسجد الحرام -: صلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أكثر صلاته، مما يلى الباب: من وجه الكعبة؛ وقد صلى من ورائها والناس معه: مطيفين بالكعبة، مستقبليها كلها، مستدبرين ما وراءها: من المسجد الحرام. قال: وقوله عزوجل: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} ، فَشَطرُه وتلقاؤه وجهَتُهُ: واحد فى كلام العرب.. واستدل عليه ببعض ما فى كتاب الرسالة. أخبرنا أبو عبداللّه الحافظ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)، قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} .فَفَرَضَ عليهم حيثُ ما كانوا: أن يولوا وُجُوهَهُم شَطْرَهُ. وشطرُهُ: جهتُهُ؛ فى كلام العرب. إذا قلت: أقصد شطر كذا: معروفٌ أنك تقول: أقصد قَصْدَ عين كذا؛ يعنى: قَصْدَ نفس كذا. وكذلك: تلقاءَهُ وجهته، أى: أستقبل تلقاءه وجهته. وكلها بمعنى واحد: وإن كانت بألفاظ مختلفة قال خُفَافُ بن نُدْبَةَ: * أَلاَ مَنْ مُبْلِغٌ عَمْراً رَسُولاً * وَمَا تُغْنِى الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو* وقالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ: * أَقُولُ لأُمِّ زِنْبَاعٍ: أَقِيمِى * صُدُورَ الْعِيْسِ، شَطْرَ بَنِى تَمِيمِ * وقال لَقِيطٌ الإيادىُّ: * وَقَدْ أَظَلَّكُمُ مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمُ * هَوْلٌ لَهُ ظُلْمٌ تَغْشَاكُمُ قِطَعَا * وقال الشاعر: * إنَّ الْعَسِيبَ بهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا * فَشَطْرَهَا بَصَرُ الْعَيْنَيْنِ مَسْحُورُ * قال الشافعىّ (رحمه اللّه): يريد: تِلْقَاءَهَا بصرُ العينين ونحوها -: تلقاءَ جهتها.. وهكذا كله - مع غيره من أشعارهم - يُبَيِّنُ:أنَّ شَطر الشيء: قَصْدُ عين الشىء: إذا كان مُعايَنا: فبالصواب؛ وإن كان مُغَيَّباً: فبالاجتهاد والتوجُّه إليه. وذلك: أكثرُ ما يمكنه فيه.وقالَ اللّه تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ} ؛ قال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} . فخلق اللّه لهم العلامَاتِ، وَنَصَبَ لهم المسجد الحرامَ؛ وأمرَهم: أن أن يتوجَّهوا إِليه. وإنما تَوَجُّهُهُمْ إليه: بالعلامات التى خَلَقَ لهم، والعقول التى ركبَهَا فيهم: التى استدلوا بها على معرفة العلامات. وكلُّ هذا: بيانٌ ونعمةٌ منهُ جلَّ ثناؤه. قال الشافعى: ووجَّهَ اللّه رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) - إلى القبلة فى الصلاة - إلى بيت المقدس؛ فكانت القبلةَ التى لا يحلّ - قبل نسخها - استقبالُ غيرها. ثمَّ نسخَ اللّه قبلةَ بيت المقدس، و وَجَّهه إلى البيت. فلا يحلُّ لأحدٍ استقبالُ بيت المقدس أبداً لمكتوبة، ولا يحلّ أن يَستقبلَ غير البيت الحرام. وكلٌّ كانَ حقا فى وقتهِ. وأطالَ الكلامَ فيه. ١٥٥{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } ١) تفسير (أنا) أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمى، قال: سمعت محمد ابن عبد اللّه بن شاذان، يقول: سمعت جعفر بن أحمد الخلاطى، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:سئل الشافعى عن قول اللّه عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ} قال: الخوف: خوف العدو؛ والجوع: جوع شهر رمضان؛ ونقص من الأموال: الزكوات؛ والأنفس: الأمراض، والثمراتِ:الصدقات، وبشر الصابرين على أدائها. ١٧٨{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ١) القصاص ٢) الدّيات (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه) - فى قول اللّه عز وجل: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ} . قال: لا يَقْتُلْ غيرَ قاتلهِ؛ وهذا يُشْبِه ما قيل (واللّه أعلم): قال اللّه عزوجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى} ؛ فالقصاصُ إنما يكون: ممن فَعَلَ ما فيه القصاصُ؛ لا: ممن لا يفعلُه.فأَحْكَمَ اللّه (عز وجل) فَرْض القصاص: فى كتابه؛ وأبَانَتْ السنةُ: لِمَن هو؟ وعلى مَنْ هو؟. (أنا) أبو عبد اللّه، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: مِن العِلْم العامِّ الذى لا اختلافَ فيه بين أحد لَقِيتُه: فَحَدَّثَنِيهِ، وبلَغَنى عنه -: من علماء العرب. -: أنها كانت قبلَ نزول الوحىِ على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): تَبَايَنُ فى الفَضْل، ويكونُ بينها ما يكونُ بين الجيران: من قتلِ العَمْدِ والخطإِ.وكان بعضُها: يَعرِفُ لبعضٍ الفَضْلَ فى الدِّيَاتِ، حتى تكونُ ديةُ الرجل الشريفِ: أضعافَ ديةِ الرجل دونَه.فأخذ بذلك بعضُ مَنْ بيْن أظْهُرِهَا -من غيرها -: بأقْصَدَ مما كانت تأخذ به؛ فكانت ديةُ النَّضِيرِىِّ: ضِعفَ ديةِ القُرَظىِّ.وكان الشريفُ من العرب: إذا قُتِل يُجَاوَزُ قاتِلُه، إلى مَن لم يَقتلْه: من أشراف القبيلة التى قتله أحدُها وربما لم يَرْضَوْا: إلا بعَدَدٍ يَقتُلونهم. فقَتَل بعضُ غَنِىٍّ شَأْسَ بن زُهَيْرٍ العَبْسِىَّ: فَجَمَعَ عليهم أبوه زُهيرُ بن جَذِيمَةَ؛ فقالوا له - أو بعضُ مَن نُدِبَ عنهم -: سَلْ فى قتل شأس؛ ف قال: إحدى ثلاثٍ لا يُرضِينِى غيرُها؛ فقالوا: ما هى؟ ف قال: تُحْيُونَ لى شَأساً، أو تَمْلأُون رِدائى من نجوم السماء، أو تَدْفَعون لى غَنِيّاً بأسْرها: فأقتلُها، ثم لا أَرى: أنى أخذتُ منه عِوَضاً.وقُتِل كُلَيْبُ وائلٍ: فاقتتلوا دهراً طويلاً، واعتَزَلَهُمْ بعضُهم فأصابوا ابناً له - يقال له: بُجَيْرٌ. -: فأتاهم، ف قال: قد عرَفتم عُزْلتى، فبُجَيْرٌ بكُلَيْبٍ - وهو أعَزُّ العرب - وكُفُّوا عن الحرب. فقالوا: بُجَيْرٌ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ. فقاتَلَهم: وكان مُعْتَزِلا. قال: قال: إنه نَزَلَ فى ذلك وغيرِه -: مما كانوا يحكمون به فى الجاهلية. - هذا الحكمُ الذي أحكيه كلَّه بعد هذا؛ وحَكم اللّه بالعدل: فسَوَّى فى الحكم بين عباده: الشريفِ منهم، والوضيع: {أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللّه حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.ف قال: إن الإسلامَ نَزَل: وبعضُ العرب يَطلُبُ بعضاً بدماءٍ وجِرَاحٍ؛ فنزل فيهم: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ} الآية: .. قال: وكان بَدْءُ ذلك فى حَيَّيْنِ -: من العرب -: اقتتلوا قبل الإسلام بقليل؛ وكان لأحخد الحيَّيْنِ فضلٌ عَلَى الآخَر: فأقسموا باللّه: لَيَقْتُلُنَّ بالأنثى الذكرَ، وبالعبد منهم الحرَّ. فلما نزلت هذه الآيةُ: رَضُوا وسَلمُوا. قال الشافعى: وما أشْبَهَ ما قالوا من هذا، بما قالوا -: لأن اللّه (عز وجل) إنما ألزَم كلَّ مذنب ذنبَه، ولم يَجْعلْ جُرْمَ أحد على غيره: ف قال: {ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ}: إذا كان (واللّه أعلم) قاتلا له؛ {وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ}: إذا كان قاتلا له؛ {وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ}: إذا كانت قاتلةً لها. لا: أنْ يُقْتَلَ بأحد -: ممن لم يَقتلْه. -: لفضل المقتولِ على القاتلِ. وقد جاء عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): أعدي الناس على اللّه (عز وجل): مَنْ قَتل غيرَ قاتِله.وما وصفتُ -: من أنْ لم أعلمْ مخالفاً: فى أنْ يُقتلَ الرجلُ بالمرأة. - دليلُ: أنْ لو كانت هذه الآيةُ غيرَ خاصة - كما قال مَن وصفتُ قولَه: من أهل التفسير. -: لم يُقتَلْ ذكرٌ بأنثى.. (أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، نا أبو العباس، نا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى}.فكان ظاهرُ الآية (واللّه أعلم): أن القصاصَ إنما كُتب على البالغينَ المكتوبِ عليهم القصاصُ -: لأنهم المخاطَبون بالفرائض. -: إذا قتلوا المؤمنين. بابتداء الآية، وقولِه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ؛ لأنه جَعَل الأُخُوَّةَ بين المؤمنين، ف قال: {إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ؛ وقَطَع ذلك بين المؤمنين والكافرين. قال: ودَلَّتْ سنةُ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): على مثل ظاهر الآية.. قال الشافعى: قال اللّه (جل ثناؤه) فى أهل التوراة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ} . قال: ولا يجوز (واللّه أعلم) فى حكم اللّه (تبارك وتعالى) بيْن أهل التوراة -: أن كان حكما بَيِّناً. - إلا: ما جاز فى قوله:{وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ} .ولا يجوز فيها إلا: أن يكون: كلُّ نفس مُحرَّمةِ القتل: فعلى مَنْ قَتَلها القَوَدُ. فيلزمُ من هذا: أن يُقتَلَ المؤمنُ: بالكافر المعاهَدِ، والمسْتَأمَنِ؛ والمرأةِ والصبىِّ: من أهل الحربِ؛ والرجلُ: بعبده وعبدِ غيره: مسلماً كان، أو كافراً؛ والرجلُ: بولده إذا قتله.أو: يكونَ قولُ اللّه عزوجل: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً}: ممن دمُه مكافىءٌ دمَ قتلَه؛ وكلُّ نفس: كانت تُقَادُ بنفس: بدلالة كتاب اللّه، أو سنةٍ، أو إجماعٍ. كما كان قولُ اللّه عزوجل: {وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ}: إذا كانت قاتلةً خاصةً؛ لا: أن ذَكَراً لا يُقْتَلُ بأنثى.وهذا أولى معانيه به (واللّه أعلم): لأن عليه دلائلَ، منها: قولُ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم):لا يُقتَلُ مؤمنٌ بكافر؛ والإجماعُ: على أن لا يُقتلَ المرءُ بابنه: إذا قتله؛ والإجماعُ: على أن لا يُقتلَ الرجلُ: بعبده، ولا بمُسْتَأْمَنٍ: من أهل دار الحرب؛ ولا بامرأةٍ: من أهل دار الحرب؛ ولا صبىٍّ. قال: وكذلك: ولا يُقتلُ الرجلُ الحرُّ: بالعبد، بحال.. * * * (أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، وأبو زكريا بنُ أبى إسحاقَ؛ قالا: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا مُعاذُ بن موسى، عن بُكَيْرِ ابن معروف، عن مُقاتِل بن حَيَّانَ؛ قال معاذٌ: قال مُقاتلٌ: أخذتُ هذا التفسيرَ عن نفرٍ - حفظ معاذ منهم: مُجاهدا، والحسنَ، والضَّحَاكَ ابنَ مُزَاحِمٍ. - فى قوله عز وجل {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}؛ إلى آخر الآية: . قال: كان كُتِب على أهل التوراة: مَن قَتل نفساً بغير نفس، حَقَّ: أن يُقَاد بها؛ ولا يُعفَى عَنهُ، ولا يُقبلُ منه الديةُ. وفُرِض على أهل الإنجيل: أن يُعفَى عنه، ولا يُقتلَ. ورُخِّص لأمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم): إن شاء قَتَل، وإن شاء أخَذ الدِّيةَ، وإن شاء عَفى. فذلك: قولُه عز وجل: {ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}؛ يقول: الدِّيَةُ تخفيفٌ من اللّه: إذ جَعَل الديةَ، ولا يُقتلُ. ثم قال: {فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ يقول: فمن قَتَل بعد أخذِ الدِّيَةِ: فله عذابٌ أليمٌ. ١٧٩{ وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ١) القصاص (حكمته)وقال - فى قوله عز وجل: {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ} . -: يقول: لكم فى القصاص، حياةٌ يَنْتَهِى بها بعضُكم عن بعض، أنْ يُصِيبَ: مخافةَ أنْ يُقتَلَ.. (وأخبرنا) أبو عبد اللّه، وأبو زكريّا؛ قالا: أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا ابن عُيَيْنَةَ، أنا عمرو بن دينار، قال: سمعتُ مجاهداً، يقولُ: سمعتُ ابنَ عباس، يقولُ: كان فى بنى إسْرَائيلَ القِصاصُ، ولم يكن فيهم الدِّيةُ؛ فقال اللّه (عز وجل)لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ؛ فإن العفوَ:أنْ يُقبَلَ الدِّيَةُ فى العمد؛ {فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} : مما كُتِبَ على مَن كان قبلَكم؛{فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .. قال الشافعى - فى رواية أبى عبد اللّه -: وما قال ابنُ عباس فى هذا، كما قال (واللّه أعلم). وكذلك: قال مُقاتلٌ. وتَقَصِّي مُقاتِلٍ فيه: أكثَرُ من تَقَصِّى ابن عباس.والتنزيل يَدُلُّ على ما قال مُقاتِلٌ: لأن اللّه (جل ثناؤه) -: إذ ذّكَرَ القصاصَ، ثم قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} . - لم يَجُزْ (واللّه أعلم) أن ي قالَ: إنْ عُفِىَ: إنْ صُولِحَ على أخذ الدّيَةِ. لأن العفوَ: تركُ حقٍّ بلا عِوَضٍ؛ فلم يَجُزْ إلا أن يكونَ: إنْ عُفِىَ عن القتل؛ فإذا عُفِىَ: لم يكنْ إليه سبيلٌ، وصار لِمَا فِى القتلِ مالٌ فى مال القاتلِ - وهو: دِيَةُ قتيلِهِ. -: فيَتَّبِعُهُ بمعروفٍ، ويُؤَدِّي إليه القاتلُ بإحسانٍ.وإن كان: إذا عفا عن القاتل، لم يكن له شىءٌ -: لم يكن للْعَافى: أن يَتَّبِعَه؛ ولا على القاتل: شىءٌ يُؤَدّيهِ بإحسانٍ. قال: وقد جاءت السنة - مع بيان القرآنِ -: فى مثل معنى القرآن.. فذكَرَ حديث أبى شُرَيْحٍ الكَعْبِىّ: أن النبى (صلى اللّه عليه وسلم) قال: مَنْ قَتَل بعده قتيلا، فأهْلُه بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إنْ أحَبُّوا: قتلوه؛ وإنْ أحَبُّوا أخذوا العَقْلَ.. قال الشافعى: قال اللّه عز وجل: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} ؛ وكان معلوماً عند أهل العلم -: ممن خُوطِبَ بهذه الآيةِ. - أنّ وَلِىَّ المقتولِ: من جعل اللّه له ميراثاً منه.. ١٨٠{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } ١) الوصية (ما نسخ منها) ٢) الوديعة ٣) الوصيةمَا نُسِخَ مِنَ الْوَصَايَا (أنا) أبو سعيد محمد بن موسى، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: قال اللّه عزّ وجلّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ} . قال: فكان فرضاً فى كتاب اللّه (عزّ وجلّ)، على مَنْ ترك خيراً - والخيرُ: المالُ. -: أن يُوصِيَ لوالديْه وأقربيه.وزعم بعض أهل العلم بالقرآن: أن الوصية للوالدَين والأقربين الوارثين؛ منسوخةٌ.واختلفوا فى الأقربين: غيرُ الوارثين؛ فأكثرُ مَنْ لقيت -: من أهل العلم وممن حفظت عنه. - قال: الوصايا منسوخة؛ لأنه إنما أُمِر بها: إذا كانت إنما يُورَثُ بها؛ فلما قسم اللّه الميراثَ: كانت تطوُّعاً.وهذا - إن شاء اللّه - كلُّه: كما قالوا.. واحتجّ الشافعى (رحمه اللّه) فى عدم جواز الوصية للوارث: بآية الميراث، وبما روى عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): منقوله: ولا وصيةَ لوارث. واحتجّ فى جواز الوصية لغير ذى الرحم، بحديث عِمْرَانَ ابن لُحصَيْنِ: أن رجلا أعتق ستة مملوكين له: ليس له مالٌ غيرُهم؛ فجَزَّأَهُم النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) ثلاثةَ أجزاء، فأعتق اثنين، وأرَقَّ أربعةً.. ثم قال: والمعتِق: عربى؛ وإنما كانت العرب: تَملِكُ مَنْ لا قرابةَ بينها وبينه. فلو لم تجز الوصية إلا لذى قرابة: لم تجز للمملوكين؛ وقد أجازها لهم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم.. (أخبرنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، قال: قال الشافعى فى المُسْتَوْدَع: إذا قال: دفعتها إليك، فالقول: قولُه. ولو قال: أمرتنى أن أدفعَها إلى فلان، فدفعتها؛ فالقول: قولُ المُسْتَوْدِع قال اللّه عزّ وجلّ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} ؛ وقال فى اليتامى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ} .وذلك: أن ولِىَّ اليتيم إنما هو: وصىُّ أبيه، أو وصىُّ وصاه الحاكم: ليس أن اليتيم استودعه. والمدفوعُ إليه: غير المسْتَوْدِع؛ وكان عليه: أن يُشْهِدَ عليه؛ إن أراد أن يَبْرَأ. و كذلك:الوصىُّ.. * * *وقال اللّه عز وجل: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً} ؛ فعَقَلْنا: أنه: إنْ ترَك مالاً؛ لأنَّ المالَ: المَتْروكُ؛ ولقولِه:{ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ}.فَلمَّا قال اللّه عز وجل: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} : كان أظهَرث مَعانِيها -: بدَلالةِ ما اسْتَدْلَلْنا به: من الكتابِ. - قُوَّةً على اكتِساب المالِ، وأمانةً. لأنه قد يكونُ: قوِيّاً فيَكسِبُ؛ فلا يُؤَدِّى: إذا لم يكن ذا أمانةٍ. و: أميناً، فلا يكونُ قَوِيّاً على الكَسْبِ: فلا يُؤَدِّى. ولا يَجُوز عندى (واللّه أعلم) - فى قولهِ تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}. - إلا هذا.وليس الظاهرُ: أنَّ القولَ: إِنْ علِمتَ فى عبدِك مالاً؛ لمَعْنَيَيْنِ: (أحدُهما): أنَّ المالَ لا يكونُ فيه؛ إنما يكونُ: عندَه؛ لا: فيه. ولكنْ: يكونُ فيه الاكتِسابُ:الذى يفيدُه المالَ. (والثانى): أنَّ المالَ - الذى في يدِه - لسَيِّدِه: فكيفَ يُكاتِبُه بمالِه؟! - إنما يُكاتِبُه: بما يُفيدُ العبدُ بعدَ الكتابةِ -: لأنه حينَئذٍ، يُمنَعُ ما أفاد العبدُ: لأداءِ الكتابةِ.ولعلَّ مَن ذهبَ: إلى أنَّ الخيرَ: المالُ؛ أراد: أنه أفاد بكَسبِه مالاً للسَّيدِ؛ فيَسْتَدِلُّ: على أنه يُفيدُ مالاً يَعتِقُ به؛ كما أفاد أوَّلاً. قال الشافعى: وإذا جَمع القُوَّةَ على الاكتِسابِ، والأمانةَ -: فأحَبُّ إلىَّ لسَيدِه: أنْ يُكاتِبَه. ولا يَبِينُ لى: أنْ يُجبَرُ عليه؛ لأنَّ الآيةَ مُحتَمِلةٌ: أنْ يكونَ: إرشاداً، أو إباحةً؛ لا: حَتْما. وقد ذَهب هذا المذهَب، عددٌ: ممن لقِيتُ من أهلِ العلمِ.. وبَسطَ الكلامَ فيه؛ واحتَجَّ - فى جُملةِ ما ذَكَر -: بأنه لو كان. واجباً: لكان مَحدُوداً: بأقلِّ ما يقَعُ عليه اسمُ الكتابةِ؛ أو: لغايةٍ معلومةٍ.. (أنا) أبو سعيدٍ، نا أبو العباس، أنا الربيع، نا الشافعى: أنا الثِّقةُ، عن أيُّوبَ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ: أنه كاتب عبداً له بخمسةٍ وثلاثينَ ألفاً؛ ووَضَع عنه خمسةَ آلافٍ. أحسَبُه قال: من آخِرِ نُجُومِه.قال الشافعي: وهذا عندى (واللّه أعلم): مِثْلُ قولِ اللّه عز وجل: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ} . فيُجْبَرُ سَيدُ المُكاتَبِ: على أنْ يَضَعَ عنه -: ممَّا عقَد عليه الكِتابةَ. - شيئاً؛ وإذا وَضَع عنه شيئاً ما كان: لم يُجْبَرْ على أكثرَ منه.وإذا أدَّى المكاتَبُ الكِتابةَ كلَّها، فعلى السَّيدِ: أنْ يَرُدَّ عليه منها شيئاً، ويُعطِيَه ممَّا أخَذ منه: لأنَّ قوله عز وجل: {مِّن مَّالِ ٱللّه ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ} ؛ يُشْبِهُ (واللّه أعلم): آتاكم منهم؛ فإذا أعطاه شيئاً غيرَه: فلم يُعطِه مِن الذى أُمِر: أنْ يُعطِيَه منه.. وبَسَط الكلامَ فيه. ١٨٣-١٨٥{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللّه بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللّه عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ١) أصول فقه (العام والخاص) ٢) الصوم (زمانه) ٣) الصيام (فرضيته) ٤) الصوم (أعذار الفطر) ٥) الصيام (الفدية)فصل فى معرفة العموم والخصوص (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى رحمه اللّه: قال اللّه تبارك تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} . قال تعالى: {خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ} . قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللّه رِزْقُهَا} . فهذا عام لا خاص فيهِ، فكل شىء: من سماء، وأرض، وذى روح، وشجر، وغير ذلك - فاللّه خالقه. وكل دابة فعلى اللّه رزقها ويعلمُ مُستقرَّها ومُستودَعَها، وقال عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ} . قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ * فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية: . قال تعالى: {إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} الآية . قال الشافعي: فبين فى كتاب اللّه أن فى هاتين الآيتين العموم والخصوص. فأما العموم منها ففى قوله عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ} . فكل نفس خوطب بهذا فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقبله وبعده -مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل.والخاص منها فى قوله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ} لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها -: من البالغين من بنى آدم - دون المخلوقين من الدواب سواهم، ودون المغلوب على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم. فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها. وفى السنة دلالة عليه؛ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: رُفعَ القلمُ عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبى حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق. قال الشافعى رحمه اللّه: وهكذا التنزيل فى الصوم، والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله، ودون الحيض فى أيام حيضهن. * * * (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه (تبارك وتعالى) فى شهر رمضان: {وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللّه عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} . قال: فسمعت من أرضى -: من أهل العلم بالقرآن. - يقول: (لتكملوا العدة): عدة صوم شهر رمضان؛ (ولتكبرُوا اللّه): عند إكماله؛ {عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ}؛ وإكماله: مغيب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان. وما أشبه ما قال، بما قال. واللّه أعلم.. * * *مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فى الصِّيَامِ قرأتُ - فى رواية المزنى، عن الشافعى - أنه قال: قال اللّه جلّ ثناؤه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} ؛ ثم أبان: أن هذه الأيامَ: شهرُ رمضانَ؛ بقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ} ؛ إلى قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ..وكان بَيِّناً - فى كتاب اللّه عزّ وجلّ -: أنّه لا يجب صومٌ، إلا صومُ شهر رمضان. وكان عِلْمُ شهر رمضان - عند من خوطب باللسان -: أنه الذى بَيْنَ شعبانَ وشوَّال.. وذكره - فى رواية حرملة عنه - بمعناه، وزاد؛ قال: فلما أعلم اللّه الناس: أنَّ فَرْضَ الصوم عليهم: شهرُ رمضان؛ وكانت الأعاجم: تَعُدُّ الشهورَ بالأيام، لا بالأهِلَّةِ:وتذهب: إلى أن الحساب - إذا عدت الشهور بالأهلة - يختلف.-: فأبانَ اللّه تعالى: أن الأهلة هى: المواقيت للناس والحجّ؛ وذكر الشهور، ف قال: {إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللّه ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللّه} ؛ فدلّ على أن الشهور للأهلة _: إذ جعلها المواقيت - لا ما ذهبت إليه الأعاجم: من العدد بغير الأهلة.ثم بين رسولُ اللّه (صلى اللّه عليهِ وسلم) ذلك، على ما أنزل اللّه (عزَّ وجلَّ)؛ وبين: أن الشهر: تسع وعشرون؛ يعنى: أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين. وذلك: أنهم قد يكونون يعلمون: أن الشهر يكون ثلاثين؛ فأعلمهم:أنه قد يكون تسعاً وعشرين؛ وأعلمهم: أن ذلك للأهلة.. * * * (أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: قال اللّه (تعالى) فى فرض الصوم: {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ}؛ إلى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فَبَيَّنَ - فى الآية -: أنه فرض الصيام عليهم عِدَّةً، وجعل لهم: أن يفطروا فيها: مرضي ومسافرين؛ ويُخصوا حتى يُكملوا العدَّة. وأخبر أنه أراد بهم اليسر.وكان قول اللّه عزّوجلّ: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ يحتمل معنيين: (أحدهما): أن لا يجعل عليهم صوم شهر رمضان: مرضى ولا مسافرين؛ ويجعلَ عليهم عدداً - إذا مضى السفر والمرض -: من أيام أخر. (ويحتمل): أن يكون إنما أمرهم بالفطر فى هاتين الحالتين: على الرخصة إن شاءوا؛ لئلا يُحْرَجُوا إن فعلوا..وكان فرض الصوم، والأمرُ بالفطر فى المرض والسفر -: فى آية واحدة. ولم أعلم مخالفاً: أن كل آية إنما أنزلت متتابعةً، لا مفرَّقة. وقد تنزل الآيتان فى السورة مفرقتين؛ فأما آية: فلا؛ لأن معنى الآية: أنها كلام واحد غير منقطع، يُسْتَأنَفُ بعده غيرُه وقال فى موضع آخرَ من هذه المسألة: لأن معنى الآية: معنى قَطْع الكلام..فإذ صام رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى شهر رمضان -: وفرضُ شهر رمضان إنما أنزل فى الآية. -: علمنا أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصةٌ.. قال الشافعى (رحمه اللّه): فمن أفطر أياما من رمضان - من عذر -: قضاهنَّ متفرقات، أو مجتمعات. وذلك: أن اللّه (عزَّوجلَّ) قال: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ ولم يذكرهنّ متتابعات.. * * * وبهذا الإسناد، قال: قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} فقيل: (يطيقونه): كانوا يطيقونه ثم عجزوا؛ فعليهم -فى كل يوم -: طعام مسكين.. فى كتاب الصيام (وذلك: بالإجازة.) قال: والحال (التى يترك بها الكبير الصوم): أن يجهده الجهد غير المحتمل. وكذلك: المريضُ والحامل: إن زاد مرض المريض زيادةً بَيِّنَةً: أفطر؛ وإن كانت زيادة محتملة: لم يفطر. والحامل إذا خافت على ولدها: أفطرت. وطكذلك المرضع: إذا أضرّ بلبنها الإضرار البيِّن.. وبسط الكلام فى شرحه. وقال فى القديم (رواية الزعفرانى عنه): سمعتُ من أصحابنا، مَنْ نقلوا - إذا سئل عن تأويل قوله تعالى: {وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. - فكأنه يُتَأَوَّلُ: إذا لم يُطِقِ الصومَ: الفديةُ. ١٨٧{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللّه أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللّه لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللّه فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللّه ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } ١) الصوم (الاعتكاف ومحذوراته) وقرأتُ فى كتاب حرملة - فيما روى عن الشافعى رحمه اللّه -: أنه قال: جِمَاعُ العُكُوف: ما لزمه المرء، فحبس عليه نفسه: من شىء، بِرّاً كان أو مَأثَماً. فهو: عاكف.واحتجَّ بقوله عزّ وجلّ:{فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ} ؛ وبقوله تعالى حكاية عمن رضيَ قولَهُ: {مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} .قيل:فهل للاعتكاف الْمُتَبَرَّر، أصلٌ فى كتاب اللّه عز وجل؟. قال: نعم؛ قال اللّه عزَّوجلّ: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي ٱلْمَسَاجِدِ} ؛ والعكوف فى المساجد: صَبْرُ الأنفس فيها، وحَبْسُهَا على عبادة اللّه تعالى وطاعته. ١٩٠-١٩١{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللّه لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ * وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ} ١) الجهاد (الإذن به) ٢) الجهاد (الأمر به)مُبْتَدَأُ الإِذْنِ بِالقِتَالِ وبهذا الإسنادِ: قال الشافعى (رحمه اللّه): فأُذِن لهم بأحد الجهادَيْنِ: بالهجرة؛ قبل أن يُؤذَنَ لهم: بأنْ يَبْتَدِئوا مشركا بقتال ثم أُذِنَ لهم: بأن يَبْتَدِئوا المشركينَ بقتالٍ؛ قال اللّه عزوجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللّه عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ؛ وأباح لهم القتالَ، بمعنًى: أبَانَه فى كتابه؛ ف قال: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللّه لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ * وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم}؛ إلى: {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ} . قال الشافعى (رحمه اللّه): ي قال: نزل هذا فى أهل مكةَ -: وهم كانوا أشدَّ العدوِّ على المسلمين. - ففُرِض عليهم فى قتالهم، ما ذكر اللّه عزوجلثم ي قالُ: نُسِخ هذا كلُّه، والنهىُ عن القتالِ حتى يُقَاتَلُوا، والنهىُ عن القتالِ فى الشهر الحرامِ - بقول اللّه عز وجل{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} .ونزولُ هذه الآيَةِ: بعد فرْض الجهادِ؛ وهى موضوعةٌ فى موضعها.. ١٩٣{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للّه فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } ١) الجهاد (الإذن به) ٢) الجهاد (الأمر به)مُبْتَدَأُ الإِذْنِ بِالقِتَالِ وبهذا الإسنادِ: قال الشافعى (رحمه اللّه): فأُذِن لهم بأحد الجهادَيْنِ: بالهجرة؛ قبل أن يُؤذَنَ لهم: بأنْ يَبْتَدِئوا مشركا بقتال ثم أُذِنَ لهم: بأن يَبْتَدِئوا المشركينَ بقتالٍ؛ قال اللّه عزوجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللّه عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ؛ وأباح لهم القتالَ، بمعنًى: أبَانَه فى كتابه؛ ف قال: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللّه لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ * وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم}؛ إلى: {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ} . قال الشافعى (رحمه اللّه): ي قال: نزل هذا فى أهل مكةَ -: وهم كانوا أشدَّ العدوِّ على المسلمين. - ففُرِض عليهم فى قتالهم، ما ذكر اللّه عز وجلثم ي قالُ: نُسِخ هذا كلُّه، والنهىُ عن القتالِ حتى يُقَاتَلُوا، والنهىُ عن القتالِ فى الشهر الحرامِ - بقول اللّه عز وجل{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} .ونزولُ هذه الآيَةِ: بعد فرْض الجهادِ؛ وهى موضوعةٌ فى موضعها.. ١٩٦{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للّه فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللّه وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللّه شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ١) الحج (فرضيته) ٢) الحج (الحاضر والمسافر) ٣) الحج (إتمامه) ٤) الحج (رخصه) ٥) الحج (الإحصار) ٦) الذبائح (الضحايا)مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْحجِّ وفيما أنبأنا أبو عبد اللّه الحافظ (إجازةً): أنبأنا أبو العباس، حدثهم، قال: أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): الآية التى فيها بيانُ فَرْض الحج على من فُرِض عليه، هى: قول اللّه تبارك وتعالى: {وَللّه عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} . قال تعالى: {وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للّه} . قال الشافعى: أنا ابن عُيينة، عن ابن أبى نَجِيح، عن عكرمة، قال: لما نزلت: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} الآية. - قالت اليهود: فنحن مسلمون؛ فقال اللّه لنبيه (صلى اللّه عليه وسلم): فَحُجَّهُمْ؛ فقال لهم النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم): حُجُّوا؛ فقالوا: لم يكتب علينا؛ وأبَوْا أن يحجوا. فقال اللّه تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللّه غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ} . قال عكرمة: ومن كفر -: من أهل الملل. -: فإن اللّه غنىٌّ عن العالمين.. قال الشافعى: وما أشْبَه ما قال عكرمة، بما قال (واللّه أعلم) -: لأن هذا كفر بفرض الحج: وقد أنزله اللّه؛ والكفر بآية من كتاب اللّه: كُفْرٌ.. قال الشافعى: أنا مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد - فى قول اللّه: {وَمَن كَفَرَ}: - قال: هو فيما: إن حجّ لم يره بِرّاً، وإن جلس لم يره إثما.كان سعيد بن سالم، يذهبُ: إلى أنه كفر بفرض الحجّ. قال: ومن كفر بآية من كتاب اللّه عزّوجلَ -: كان كافراً.وهذا (إن شاء اللّه): كما قال مجاهد؛ وما قال عكرمة فيه: أوضحُ؛ وإن كان هذا واضحاً.. (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَللّه عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. والاستطاعة - فى دلالة السنة والإِجماع -: أن يكون الرجلُ يقدر على مركب وزادٍ: يُبَلِّغُهُ ذاهباً وجائيا؛ وهو يقوى على المركَب. أو: أن يكون له مال، فيستأجر به من يحج عنه.أو: يكون له مَنْ: إذا أمره أن يحجّ عنه،أطاعه.. وأطال الكلام فى شرحه. وإنما أراد به: الاستطاعةَ التى هي سبب وجوب الحج. فأما الاستطاعة - التى هى: خَلْقُ اللّه تعالى، مع كَسْبِ العبد. -: فقد قال الشافعى في أول كتاب (الرسالة):والحمد للّه الذى لا يُؤَدَّى شُكْرُ نعمةٍ - من نعمه - إلا بنعمة منه: تُوجِبُ على مُؤَدِّى ماضى نِعَمِه، بأدائها -: نعمةً حادثةً يجبُ عليه شكرُه بها.. وقال بعد ذلك: وأسْتهْدِيهِ بِهُدَاهُ: الذى لا يَضِلُّ مَنْ أنْعَم به عليه.. وقال فى هذا الكتاب: الناسُ مُتَعَبَّدُونَ: بأن يقولوا، أو يفعلوا ما أُمِرُوا: أن ينتهوا إليه، لا يُجاوزونه. لأنهم لم يُعطوا أنفسهم شيئاً، إنما هو: عطاءُ اللّه (جلَّ ثناؤه). فنسألُ اللّه: عطاءً: مُؤَدِّياً لحقه، مُوجِباً لمزيده.. وكلُّ هذا: فيما أنبأنا أبو عبداللّه، عن أبى العباس، عن الربيع، عن الشافعى. وله - فى هذا الجنس - كلامٌ كثيرٌ: يدلُّ على صحة اعتقاده فى التَّعَرِّى من حَوْله وقُوَّته، وأنه لا يستطيع العبدُ أن يعمل بطاعة اللّه (عزَّوجلَّ)، إلا بتوفيقه. وتوفيقُهُ: نعمتُه الحادثةُ: التى بها يُؤَدَّى شكرُ نعمته الماضيةِ؛ وعطاؤه: الذى به يُؤَدَّى حقُّه؛ وهُداه: الذى به لا يَضِلُّ مَنْ أنعم به عليه. * * * وقال - فى قوله تعالى: {ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} -: فحاضِرُه: مَنْ قَرُب منه؛ وهو: كل من كان أهله من دون أقرب المواقيت، دونَ ليلتين * * * (وأنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشعفى (رحمه اللّه) - فيما بَلغه عن وكِيعٍ، عن شُعبةَ، عن عمرو بن مُرَّةَ، عن عبداللّه بن سَلَمَة، عن علىّ - فى هذه الآية: {وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للّه} . - قال: أن يُحْرِمَ الرجل من دُوَيْرَةِ أهله. * * * (وأنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، نا الشافعى، قال: ولا يجبُ دمُ الْمُتْعَةِ على المتمتع، حتى يُهِلَّ بالحج: لأن اللّه (جلّ ثناؤه) يقول: {فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ} . وكان بيِّناً - فى كتاب اللّه عزّوجلّ -: أن التمتع هو: التمتع بالإهلال من العمرة إلى أن يدخل فى الإحرام بالحج؛ وأنهإذا دخل فى الإحرام بالحج: فقد أكمل التمتع، ومضى التمتع؛ وإذا مضي بكماله: فقد وجب عليه دمه. وهو قول عمرو بن دينار. قال الشافعى: ونحن نقولُ: ما استيسر -: من الهدى. - شاة؛ (ويُرْوى عن ابن عباس). فمنْ لم يجدْ: فصيامُ ثلاثة أيامٍ: فيما بَيْنَ أن يُهلَّ بالحجّ إلى يوم عرفة؛ فإذا لم يصم: صام بعد منى: بمكة أو فى سفره؛ وسبعة أيام بعد ذلك.وقال فى موضع آخر: وسبعة فى المرجِع. وقال فى موضع آخرَ: إذا رجع إلى أهله.. * * * وقال - فى قوله: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ}. - أما الظاهر: فإنه مأذون بحِلاَق الشعر: للمرض، والأذى فى الرأس: وإن لم يمرض.. * * * (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: الإحصار الذى ذكره اللّه (تبارك وتعالى) فى القرآن. - ف قال: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ} . - نزل يوم الحُدَيبِيَة؛ وأُحْصِرَ النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) بعدو. فمن حال بينه وبين البيت، مرضٌ حابسٌ -: فليس بداخل فى معنى الآية. لأن الآية نزلت فى الحائل من العدو؛ واللّه أعلم. وعن ابن عباس: لا حصْرَ إلا حصْرُ العدو؛ وعن ابن عمر وعائشة، معناه. قال الشافعى: ونحر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): فى الحِلّ؛ وقد قيل: نحر فى الحرم.وإنما ذهبنا إلى أنه نحر فى الحلّ -: وبعض الحديبية فى الحلّ، وبعضها فى الحرم. -: لأن اللّه (تعالى) يقول: {وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} ؛ والحرم: كله مَحَلُّهُ؛ عند أهل العلم.فحيثُ ما أُحصر الرجل: قريباً كان أو بعيدا؛ بعدوّ حائل: مسلم أو افر؛ وقد أحرمَ -: ذبح شاة وحلّ؛ ولا قضاء عليه -؛ إلا أن يكون حجه: حِجَّةَ الإسلام؛ فيحجُّها. -: من قِبَلِ قول اللّه عزّ وجلّ:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ}؛ ولم يذكر قضاء.. * * * (أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): وإذا كانت الضَّحايَا، إنما هو: دمٌ يُتَقَرّبُ به؛ فخيرُ الدماءِ: أحَبُّ إلىَّ. وقد زَعَم بعضُ المفَسِّرينَ: أنَّقولَ اللّه عز وجل: {ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللّه} -: اسْتِسْمانُ الهَدْىِ واسْتِحْسانُه. وسُئل رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أىُّ الرِّقابِ أفْضلُ؟ ف قال: أغْلاها ثَمناً، وأنْفَسُها عندَ أهلِها. قال: والعقلُ مُضطَرٌّ إلى أنْ يَعلَمَ: أنَّ كلّ ما تُقُرِّبَ به إلى اللّه (عز وجل): إذا كان نَفِيساً، فكلَّما عَظُمَتْ رَزِيَّتُه على المُتقَرِّبِ به إلى اللّه (عز وجل): كان أعْظَمَ لأجْرِه.وقد قال اللّه (عز وجل) فى المُتَمَتِّعِ: {فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ} ؛ وقال ابن عباس: فما استَيْسَر -من الهَدْىِ. -: شاةٌ. وأمَرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أصحابَه -: الذين تَمَتَّعُوا بالعُمْرَةِ إلى الحجِّ. -: أنْ يَذبَحُوا شاةً شاةً. وكان ذلك أقَلَّ ما يُجْزِيهم. لأنه إذا أجزأه أدْنَى الدمِ: فأعْلاه خيرٌ منه.. ١٩٧{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللّه وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } ١) الحج (وقته) (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، نا الشافعى - فى قوله تعالى: {ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} . قال: أشهر الحج: شَوَّالٌ، وذو القَعْدَة، وذو الْحِجَّة. ولا يُفرض الحج إلا فى شوالٍ كلِّه، وذى القَعدة كلِّه، وتسعٍ من ذى الحِجة. ولا يُفرض: إذا خَلَتْ عشرُ ذى الحجة؛ فهو: من شهور الحجّ؛ والج بعضه دون بعض.. ١٩٩{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللّه إِنَّ ٱللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ١) الحج (الوقوف بعرفة) (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، قال: وقال الحسين بن محمد الماسر جسى - فيما أخبرنى عنه أبو محمد بن سفيان -: أنا يونس بن عبد الأعلى، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه تعالى) - فى قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ} . - قال: كانت قريش وقبائل لا يقفون بعرفاتٍ وكانوا يقولون: نحنُ الْحُمْسُ، لم نُسَبَّ قطّ، ولا دُخِلَ علينا فى الجاهلية، وليس نفارقُ الحرم. وكان سائر الناس يقفون بعرفاتٍ. فأمرهم اللّه (عزّ وجلّ): أن يقفوا بعرفةَ مع الناس.. قال: وقال لى محمد بن إدريس: الأيام المعلومات: أيام العشر كلها؛ والمعدودات: أيام منى فقط.. زاد فى كتاب البُوَيْطِيِّ:ويظن أنه كذلك روى عن ابن عباس.. ٢١٣{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللّه ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللّه ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللّه يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ١) الأنبياء صفوة الخلق ثم أبَانَ (جلَّ ثناؤه): أنَّ خيرَتَه مِنْ خلقِه: أنبياؤه؛ ف قال تعالى: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللّه ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} ؛ فجعَل النبيينَ (صلى اللّه عليه وسلم) من أصْفِيائه -دون عباده -: بالأمانةِ على وحيِه، والقيامِ بحُجَّتِهِ فيهم.ثم ذَكر مِن خاصَّةِ صَفْوَتِهْ، ف قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ} فَخَصَّ آدمَ ونوحاً: بإعادةِ ذِكْرِ اصْفِائِهما. وذَكرَ إبراهيمَ(عليه السلامُ)، ف قال: {وَٱتَّخَذَ ٱللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . وذَكرَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ، ف قال: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} .ثم أنعم اللّه (عزّ وجلّ) على آل إبراهيمَ، وآلِ عمرانَ فى الأُمم؛ ف قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .ثم اصْطَفَى محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) من خَيْر آلِ إِبراهيمَ؛ وأنزَل كتُبَه - قبل إنزالِ القرآنِ على محمد صلى اللّه عليه وسلم -: بصفة فضيلتِه، وفضيلةِ مَن اتبعه؛ ف قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللّه وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللّه وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ} الآية: .وقال لأمته: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؛ ففَضَّلهم: بكَيْنُونَتِهم من أمَّتِهِ، دون أُمم الأنبياءِ قبلَه.ثم أخبر (جلَّ ثناؤه): أنه جعله فاتحَ رحمتهِ، عند فَتْرَة رسلِه؛ ف قال: {يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} ؛ قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ} . وكان فى ذلك، ما دل: على أنه بعثه إلى خلقه -: لأنهم كانوا أهلَ كتاب وَأميين: - وأنهُ فَتَحَ به رحمتَه.وختَم به نُبُوَّتَه: قال عز وجل: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ} .وقَضَى: أن أظهَرَ دينَهُ على الأديان؛ ف قال: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} . ٢١٦{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللّه يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ١) الجهاد ٢) الجهاد (حكمه) ٣) الجهاد (الحث عليه) ٤) الجهاد (من لا يجب عليه الجهاد)فَصْلٌ فِى أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ قال الشافعى (رحمه اللّه): ولَمَّا مَضَتْ لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مُدَّةٌ: من هِجرتِه؛ أنعَمَ اللّه فيها على جماعاتٍ، باتِّباعِه -: حدَثَتْ لهم بها، معَ عَوْنِ اللّه (عز وجل)، قُوَّةٌ: بالعَدَد؛ لم يكن قبلها.فَفَرض اللّه (عز وجل) عليهم، الجهادَ - بعدَ إذ كان:إباحةً؛ لا: فرْضاً. - فقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} الآية: ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} الآية: ؛ وقال تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛ قال: {وَجَاهِدُوا فِي ٱللّه حَقَّ جِهَادِهِ} ؛ قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ} ؛ قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ}؛ إلى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية: ؛ قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .ثم ذَكر قوماً: تَخَلَّفُوا عن رسولِ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) -: ممن كان يُطْهِرُ الإسلامَ. - ف قال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ} . فأبَانَ فى هذه الآيةِ: أنَّ عليهم الجِهادَ قَرُبَ وبَعُدَ؛ مَع إبَانَتِهِ ذلك فى غير مكانٍ: فى قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ إلى: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} . قال الشافعى (رحمه اللّه): سنُبَيِّنُ من ذلك، ما حَضَرَنا: على وَجْهِه؛ إن شاء اللّه عز وجل.وقال جل ثناؤه: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه}؛ إلى: {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ؛ قال: {إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ؛ قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} . معَ ما ذَكر به فَرْضَ الجهادِ، وأوْجَب على المُتَخلِّفِ عنه.. * * *فَصْلٌ فِيمَنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وبهذا الإسناد، قال الشافعى: فلما فَرَض اللّه (عز وجل). الجهادَ -: دَلَّ فى كتابه، ثم على لسانِ نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم): أن ليس يُفْرَضُ الجهادُ على مملوكٍ، أو أنثى: بالغٍ؛ ولا حُرّ: لم يَبْلُغْ.لقول اللّه عزوجل: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} ؛ فكان حَكَم. أن لا مالَ للمملوكِ؛ ولم يكنْ مجاهدٌ إلا: وعليه فى الجهاد، مُؤْنَةٌ: من المال؛ ولم يكن للمملوك مالٌ.وقال (تعالى) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ} ؛ فدَلَّ: على أنه أراد بذلك: الذُّكورَ، دونَ الإناثِ. لأن الإناثَ: المؤمناتُ. قال تعالى: {وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} ؛ قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} ؛ وكل هذا يَدُلُّ: على أنه أراد به: الذُّكورَ، دونَ الإناثِوقال عزوجل -: إذ أمَر بالاسْتِئْذانِ. -: {وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} ؛ فأعلَم: أنَّ فَرْضَ الاسْتِئْذانِ، إنما هو: على البالِغِينَ. قال تعالى: {وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} ؛ فلم يَجعلْ لرُشْدِهم حُكْماً:تَصِيرُ به أموالُهم إليهم؛ إلا: بعدَ البلوغِ. فدَلَّ: على أن الفرضَ فى العملِ، إنما هو: على البالِغينَ.ودَلَّتْ السنةُ، ثم ما لم أعلمْ فيه مخالفا -: من أهل العلمِ. -: على مثل ما وصَفتُ.. وذَكر حديثَ ابن عمرَ فى ذلك وبهذا الإسناد، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه (جل ثناؤه) فى الجهاد: {لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للّه وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ}؛ إلى: {وَطَبَعَ ٱللّه عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ؛ وقال عزوجل: {لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ} . قال الشافعى: وقيل: الأعرَجُ: المُقْعَدُ. والأغلَبُ: أن العَرَجَ فى الرِّجلِ الواحدةِ.وقيل: نزلتْ فى أن لا حَرَجَ عليهم: أن لا يُجاهِدوا.وهو: أشْبَهُ ما قالوا، وغيرُ مُحتَمِلَةٍ غيرَه. وهم: داخلونَ فى حَدِّ الضُّعَفَاءِ، وغيرُ خارجينَ: من فرْضِ الحجِّ، ولا الصلاةِ، ولا الصومِ، ولا الحُدودِ. فلا يَحْتَمِلُ (واللّه أعلم): أنْ يكونَ أُرِيدَ بهذه الآيةِ، إلا: وَضْعُ الحرَجِ: فى الجهادِ؛ دونَ غيرِه: من الفرائضِ.. وقال فيما بَعُدَ غَزْوُه عن المُغازى - وهو: ما كان على الليْلتَينِ فصاعداً. -: إنه لا يَلْزَمُ القوىَّ السالمَ البَدَنِ كلِّه: إذا لم يَجِدْ مَرْكباً وسلاحاً ونفقةً؛ ويَدَعْ لمن يَلْزَمُه نفقتُه، قوَته: إلى قَدْرِ ما يَرى أنه يَلبَثُ فى غزوِه. وهو: ممن لا يَجدُ ما يُنفِقُ. قال اللّه عزوجل: {وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ} .. ٢١٧{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ... } ١) الجهاد (الغنائم) ٢) الغنائم (أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، وأبو سعيد بن أبى عمرو؛ قالا: نا أبو العباس (هو: الأصمُّ)، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ للّه وَٱلرَّسُولِ} إلى: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ؛ فكانت غنائمُ بَدْرٍ، لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): يَضَعُها حيثُ شاء.وإنما نزلتْ: {وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ} ؛ بعدَ بدْرٍ.وقسَمَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كلَّ غنيمةٍ بعدَ بدْرٍ - على ما وصفْتُ لك: يَرْفَعُ خُمُسَها، ثم يَقْسِمُ أربعةَ أخماسِها:وافِراً؛ على مَن حضَر الحربَ: من المسلمينَ.إلا: السَّلَبَ؛ فإنه سُنّ: للقاتل فى الإقبال. فكان السلَبُ خارجاً منه. وإلا: الصَّفِىَّ؛ فإنه قد اختُلِفَ فيه: فقيل: كان رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يأخذُه: خارجاً من الغنيمة. وقيل: كان يأخذُه: من سَهْمه من الخُمُس.وإلا: البالِغينَ من السَّبْىِ؛ فإن رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) سَنَّ فيهم سُنَناً: فقَتَل بعضَهم، وفادَى ببعضهم أسْرَي المسلمينَ. قال الشافعى: فأمَّا وَقْعةُ عبدِاللّه بن جَحْش، وابنِ الحَضْرَمِى -: فذلك: قبْلَ بدرٍ، وقبلَ نزولِ الآيةِ (يعنى فى الغنيمة). وكانتْ وقْعتُهم: فى آخر يومٍ من الشهرِ الحرامِ؛ فتوَقَّفُوا فيما صنعوا: حتى نزلتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} الآية: .. ٢٢١{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللّه يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ١) النكاح (المحرمات) وقال اللّه عز وجل: {وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} . قال الشافعى: وقد قيل فى هذه الآية: إنها نزلت فى جماعة مشركى العرب: الذين هم أهل الأوثان؛ فحُرِّم: نكاح نسائهم، كما حُرِّم: أن يُنكَحَ رجالُهم المؤمناتِ فإن كان هذا هكذا: فهذه الآية ثابتة ليس فيها منسوخ.وقد قيل: هذه الآية فى جميع المشركين؛ ثم نزلت الرخصة بعدها: فى إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة؛ كما جاءت فى إحلال ذبائح أهل الكتاب. قال اللّه عزوجل: {أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} . قال: فأيُّهما كان: فقد أبيح فيه نكاحُ حرائر أهل الكتاب. قال: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ} ؛ إلى قوله:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ} الآية قال: ففى هذه الآية (واللّه أعلم)، دلالةٌ: على أن المخاطَبين بهذا: الأحرارُ؛ دون المماليك -: لأنهم الواجدون للطَّوْل، المالكون للمال، والمملوك لا يملك ما لا بحال.ولا يحل نكاح الأمة، إلا: بأن لا يجدَ الرجل الحر بصداق أمة، طَوْلا لحرة، و: بأن يخاف العنت. والعنتُ: الزنا. قال: وفى إباحة اللّه الإماءَ المؤمناتِ - على ما شرَط: لمن لم يجد طَوْلا وخاف العنت. - دلالة (واللّه أعلم): على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب، وعلى أن الإماء المؤمنات لا يَحْلِلْن إلا: لمن جمع الأمرين، مع إيمانهن.. وأطال الكلام في الحجة قال الشافعى (رحمه اللّه): وإن كانت الآية نزلت فى تحريم نساء المسلمين على المشركين -: من مشركى أهل الأوثان. -(يعنى: قوله عز وجل: {وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ} ): فالمسلمات محرَّمات على المشركين منهم، بالقرآن: بكل حال؛ وعلى مشركى أهل الكتاب: لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين، وما لم يختلف الناس فيه. علمتُه.. ٢٢٢{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللّه إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } ١) الطهارة (الحيض) ٢) النكاح (الحيض) وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه (إجازة) عن الربيع، قال: قال الشافعى: (رحمه اللّه تعالى): قال اللّه تبارك وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ}الآية. . فأبان: أنها حائض غير طاهر، وأَمَرَنَا: أن لا نَقْرُبَ حائضاً حتى تطهر، ولا إذا طهرت حتى تتطهر بالماء، وتكون ممن تحل لها الصلاة. وفى قوله عز وجل: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللّه}، قال الشافعى: قال بعض أهل العلم بالقرآن: فأتوهن من حيث أمركم اللّه أن تعتزلوهن؛ يعنى فى مواضع الحيض. وكانت الآية محتملةً لما قال؛ ومحتملة: أن اعتزالهن: اعتزال جميع أبدانهن، ودلت سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: على اعتزال ما تحت الإزار منها، وإباحة ما فوقها. قال الشافعى: وكان مبينا فى قول اللّه عز وجل: {حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ}: أنهن حُيَّضٌ فى غير حال الطهارة، وقضى اللّه على الجنب: أن لا يقرب الصلاة حتى يغتسل، فكان مبينا: أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل، ولا مدة لطهارة الحائض إِلا ذهاب الحيض، ثم الغسل: لقول اللّه عز وجل: {حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ}، وذلك: انقضاء الحيض: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، يعنى: بالغسل؛ لأن السنة دلت على أن طهارة الحائض: الغسل؛ ودلت على بيان ما دل عليه كتاب اللّه: من أن لا تصلى الحائض.، فَذكر حديث عائشة (رضى اللّه عنها)، ثم قال: وامْرُ النبى (صلى اللّه عليه وسلم) عائشة (رضى اللّه عنها) -: أن لا تطوفى بالبيت حتى تطهرى: -: يدل على أن لا تصلى حائضا؛ لأنها غير طاهر ما كان الحيض قائماً. ولذلك قال اللّه عز وجل: {حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ}. * * * (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى - فى قول اللّه عزوجل: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ} -: يعنى (واللّه أعلم): الطهارةَ التى تَحِل بها الصلاةُ لها-: الغسلَ والتيممَ.. قال الشافعى (رحمه اللّه): وتحريمُ اللّه (تبارك وتعالى) إتيانَ النساء فى المحيض -: لأذى الحيض. -: كالدلالة على أن إتيان النساء فى أدبارهن محرَّمٌ.. ٢٢٣{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ١) النكاح (أحكامه) (أنا) أبو عبد اللّه، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: قال اللّه عز وجل: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} . قال: وبَيِّنٌ: أن موضعَ الحرث: موضعُ الولد؛ وأن اللّه (عز وجل) أباح الإتيانَ فيه: إلا: فى وقت الحيض. و {أَنَّىٰ شِئْتُمْ}: من أين شئتم. قال: وإباحة الإتيان فى موضع الحرث، يشبه أن يكون: تحريمَ إتيان فى غيرهوالإتيان فى الدُّبُر -: حتى يَبْلُغَ منه مَبْلَغَ الإتيان فى القُبُل. - محرَّمٌ: بدلالة الكتاب، ثم السنة.. ٢٢٥{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللّه بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللّه غَفُورٌ حَلِيمٌ } ١) الأيمان والنذور (اليمين اللغو) ٢) الأيمان والنذور (اليمين المنعقدة) ٣) الأيمان (كفارة اليمين) {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللّه بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ} (أنا) أبو سعيدٍ، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قلتُ للشافعى: ما لَغْوُ اليَمِين؟. قال: اللّه أعلم؛ أمَّا الذى نَذهَبُ إليه: فما قالتْ عائشةُ (رضي اللّه عنها)؛ أنا مالكٌ، عن هِشَامٍ، عن عُرْوَةَ، عن عائشةَ (رضي اللّه عنها): أنها قالتْ: لَغْوُ اليمينِ: قولُ الإنسان: لا واللّه؛ وبَلى واللّه. قال الشافعى: اللَّغْوُ فى كلامِ العربِ: الكلامُ غيرُ المَعْقُودِ عليه قَلْبُه؛ وجِمَاعُ اللَّغْوِ يكونُ: فى الخَطإ.. وبهذا الإسنادِ - فى موضعٍ آخَرَ -: قال الشافعى: لَغْوُ اليمينِ - كما قالت عائشةُ (رضي اللّه عنها)؛ واللّه أعلم -: قولُ الرجلِ: لا واللّه، وبَلى واللّه. وذلك: إذا كان: اللّجَاجُ. والغَضبُ، والعَجَلةُ؛ لا يَعْقِدُ؛ على ما حَلَف عليه.وعَقْدُ اليمينِ: أنْ يَعْنِيهَا على الشىء بعَيْنِه: أن لا يَفعَلَ الشىءَ؛ فيَفعَلُه؛ أو: لَيَفعلَنّه؛ فلا يَفعلُه؛ أو: لقد كان؛ وما كان.فهذا: آثِمٌ؛ وعليه الكفّارةُ: لِمَا وَصَفَتُ: من أَنَّ اللّه (عز وجل) قد جَعَل الكفّاراتِ: فى عَمْدِ المَأْثَمِ. قال: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} ؛ وقال {لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}؛ إلى قوله: {هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} . ومِثلُ قولِه فى الظِّهارِ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً} ؛ ثم أمَر فيه: بالكفَّارةِ. قال الشافعى: ويُجْزِى: بكفَّارةِ اليمينِ، مُدٌّ -: بمُدِّ النبىِّ صلى اللّه عليه وسلم. -: من حِنْطَةٍ. قال: وما يَقْتاتُ أهلُ البُلْدانِ -: من شيء. - أجْزَأَهُم منه مُدٌّ. قال: وأقَلُّ ما يَكْفى -: من الكِسْوَةِ. -: كلُّ ما وقَع عليه اسمُ كِسْوَةٍ -: من عِمامَةٍ، أو سَرَاوِيلَ، أو إزَارٍ، أو مِقْنَعَةٍ؛ وغيرِ ذلك -:للرجلِ، والمرأةِ، والصبىِّ. لأنَّ اللّه (عز وجل) أطلَقَه: فهو مُطْلَقٌ. قال: وليس له - إذا كَفَّر بالإطعامِ -: أنْ يُطْعِمَ أقَلَّ من عشَرةٍ؛ أو بالكِسْوَةِ: أنْ يَكْسُوَ أقلَّ من عشَرةٍ.قال وإذا أعتَق فى كفَّارةِ اليمينِ: لم يُجْزِه إلا رقَبةٌ مؤمنةٌ؛ ويَجْزِى كلُّ ذى نقْصٍ: بعيْبٍ لا يُضِرُّ بالعملِ إضراراً بَيِّناً.. وبسَطَ الكلامَ فى شرحه. ٢٢٦-٢٢٧{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ١) الطلاق (الإيلاء) (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه عز وجل: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُوا فَإِنَّ ٱللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .فقال الأكثر ممن رُوىَ عنه -: من أصحاب النبى صلى اللّه عليه وسلم. عندنا: إذا مضت أربعةُ أشهر: وُقِفَ المُولِى؛ فإما: أن يَفِىءَ، وإما: أن يُطلِّقَ.ورُوى عن غيرهم -: من أصحاب النبى . -: عَزيمةُ الطلاق: انقضاءُ أربعة أشهر قال: والظاهر فى الآية أن مَنْ أنظَرَه اللّه أربعةَ أشهر، فى شىء -: لم يكن عليه سبيل، حتى تمضِىَ أربعةُ أشهر. لأنه إنما جَعل عليه: الفَيْئَة أو الطلاقَ - والفَيْئةُ: الجماعُ: إن كان قادراً عليه. - وجَعل له الخِيَارَ فيهما: فى وقت واحد؛ فلا يتقدمُ واحد منهما صاحبَه: وقد ذُكِرَا فى وقت واحد. كما يقال له: افده، أو نَبيعَه عليك. بلا فصل.. وأطال الكلام فى شرحه، وبيان الاعتبار بالعزم. وقال فى خلال ذلك: وكيف يكون عازماً على أن يَفِىءَ فى كل يوم، فإذا مضت أربعةُ أشهر، لزمه الطلاق: وهو لم يَعزِم عليه، ولم يتكلم به.؟ أتُرى هذا قولاً يصح فى العقول لأحد؟!.. وقال فى موضع آخر - هو لى مسموع من أبى سعيد بإسناده . -: ولِمَ زَعَمْتم: أن الفَيْئة لا تكون إلا بشىء يُحدثه -: من جماع، أو فَىْءٍ بلسان: إن لم يَقدِر على الجماع. - و: أنَّ عزيمة الطلاق هو: مُضِيُّ الأربعة أشهرٍ؛ لا: شىءٌ يُحدثه هو بلسان، ولا فعل.؟ أرأيتَ الإيلاءَ: طلاقٌ هو؟ قال: لا. قلنا: أفرأيتَ كلاماً قط -: ليس بطلاق. -: جاءت عليه مدةٌ، فجعلَتْه طلاقا.؟!. وأطال الكلام فى شرحه؛ وقد نقلته إلى (المبسوط). ٢٢٨{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللّه فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللّه وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ١) النكاح (الحقوق والواجبات) ٢) الطلاق (العدة) ٣) العدّة ٤) العدّة (اليائس والحامل) (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه عزوجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} ؛ قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} . قال: وجِمَاعُ المعروف: إتيانُ ذلك بما يَحْسُن لك ثوابُه؛ وكفُّ المكروه.. وقال فى موضع آخرَ (فيما هو لى: بالإجازة؛ عن أبى عبداللّه): وفَرَض اللّه: أن يؤدىَ كلٌّ ما عليه: بالمعروف. وجِمَاعُ المعروف: إعفاءُ صاحب الحق من المُؤْنة فى طلبه، وأداؤه إِليه: بطيب النفس. لا: بضرورته إلى طلبه؛ ولا: تأديتُه:بإظهار الكراهية لتأديته.وأيُّهما ترَكَ: فظُلْمٌ؛ لأن مَطْلَ الغَنىِّ ظلمٌ؛ ومَطْلُه تأخير الحق. قال: وقال اللّه عزوجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ}؛ واللّه أعلم؛ أى: فمالَهنّ مثلُ ما عليهنَّ: من أن يُؤَدَّى إليهنّ بالمعروف.. وفى رواية المُزَنِىِّ، عن الشافعى: وجِماعُ المعروف بين الزوجين: كفُّ المكروه، وإعفاءُ صاحب الحق من المُؤْنة فى طلبه. لا:بإظهار الكراهية فى تأديته. فأيُّهما مَطَلَ بتأخيره: فمطلُ الغنىِّ ظلمٌ.. وهذا: مما كَتب إلىَّ أبو نُعَيمٍ الإسْفِرَايْنِىُّ: أن أبا عَوانةَ أخبرهم عن المزني، عن الشافعى. فذَكَرَه. * * * (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعي، قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ؛ قال تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللّه فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللّه وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً} . قال الشافعى - فى قول اللّه عز وجل: {إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً} . -: ي قال: إصلاحُ الطلاق: بالرجعة؛ واللّه أعلم.فأيُّما زوجٍ حرٍّ طلق امرأتَه - بعدما يُصيبُها - واحدةً أو اثنتَين، فهو: أحق برجعتها: مالم تنقض عدتُها. بدلالة كتاب اللّه عزوجل. * * * (أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى - فى المرأة: يطلقها الحرُّ ثلاثا. - قال: فلا تَحِلُّ له: حتى يجامعَها زوج غيرُه؛ لقوله (عز وجل) فى المطلقة الثالثة: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} . قال: فاحتملت الآية: حتى يجامعهَا زوج غيرُ؛ و دلت على ذلك السنة. فكان أولى المعانى - بكتاب اللّه عز وجل -: ما دلت عليه سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال: فإِذا تزوجت المطلقة ثلاثاً، بزوج: صحيحِ النكاح؛ فأصابها، ثم طلقها وانقضت عِدَّتُها -: حل لزوجها الأولِ: ابتداءُ نكاحِها؛ لقول اللّه عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}. وقال فى قول اللّه عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللّه} . - واللّه أعلم بما أرَاد؛ فأمَّا الآية فتحتمل: إن أقاما الرجعة؛ لأنها من حدود اللّه.وهذا يُشْبه قولَ اللّه عز وجل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً} : إصلاحَ ما أفسدوا بالطق -: بالرجعة.. ثم ساق الكلامَ، إلى أن قال: فأحِب لهما: أن ينويا إقامة حدود اللّه فيما بينهما، وغيرِه: من حدوده.. قال الشيخ: قوله: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ}؛ إن أراد به: الزوجَ الثانىَ: إذا طلقها طلاقاً رجعياً -: فإقامةُ الرجعة، مثلُ: أن يراجعها فى العدة. ثم تكون الحجةُ - فى رجوعها إلى الأول: بنكاح مبتدإ. -: تعليقَه التحريمَ بغايته. وإن أراد به: الزوجَ الأولَ؛ فالمراد بالتراجع: النكاحُ الذى يكون بتراجعهما وبرضاهما جميعاً، بعد العدة. واللّه أعلم. * * *مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْعِدَّةِ، وَفِى الرَّضَاعِ، وَفِى النَّفَقَاتِ (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ (قرأتُ عليه): أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)، قال: قال اللّه تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ} .قالت عائشةُ (رضى اللّه عنها): الأقْراءُ: الأطهارُ؛ فإذا طعَنتْ فى الدم: من الحَيْضة الثالثة؛ فقد حَلَّتْ. وقال بمثل معنى قولها، زيدُ بن ثابت، وعبدُاللّه بن عمرَ، وغيرُهما.وقال نَفَرٌ -:من أصحاب النبى صلى اللّه عليه وسلم. -: الأقراءُ: الحِيَضُ؛ فلا تَحِلُّ المطلقةُ: حتى تغتسلَ من الحيْضة الثالثة. ثم ذكر الشافعى حُجةَ القولين، واختار الأول؛ واستدل عليه: بأن النبى (صلى اللّه عليه وسلم) أمر عمرَ (رضى اللّه عنه) -حين طلق ابنُ عمرَ امرأتَه: حائضاً.-: أن يأمرَه: برَجْعَتها وحَبْسِها حتى تطهر ثم يطلقُها: طاهراً، من غير جماع. وقال رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم): فتلك العدةُ: التى أمَر اللّه (عز وجل): أن يُطَلَّقَ لها النساءُ. قال الشافعى: يعنى - واللّه أعلم -: قولَ اللّه عز وجل: {إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ؛ فأخبَر النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) - عن اللّه عز وجل -: أن العِدَّةَ: الطُّهْرُ، دون الحيض. واحتَج: بأن اللّه (عز وجل) قال: {ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ}؛ ولا معنى للغُسل: لأن الغُسل رابع.. واحتَج: بأن الحيْضَن هو: أنْ يُرْخِىَ الرَّحِمُ الدمَ حتى يظهَر؛ والطُّهرَ هو: أن يَقْرِىَ الرحمُ الدمَ، فلا يظهرُ. فالقَرْءُ: الحبْسُ؛ لا: الإرسالُ. فالطهرُ -: إذا كان يكون وقتاً. - أولى فى اللسان، بمعنى القرء؛ لأنه: حبْسُ الدم. وأطال الكلام فى شرحه. (أنبأنى) أبو عبداللّه (إجازةً): أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: قال اللّه جل ثناؤه: {وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللّه فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللّه وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} الآية. قال الشافعى (رحمه اللّه): فكان بَيِّناً فى الآية - بالتنزيل -: أنه لا يحِل للمطلَّقة: أن تَكْتُم ما فى رحمها: من المحيض. فقد يحدث له - عند خوفه انقضاءَ عِدَّتها - رأىٌ فى نكاحها؛ أو يكونُ طلاقُه إياها: أدباً لها.. ثم ساق الكلامَ، إلى أن قال: وكان ذلك يَحتمِل: الحملَ مع المحيض؛ لأن الحمل: مما خلق اللّه فى أرحامهن.فإذا سأل الرجلُ امرأتَه المطلَّقةَ:أحاملٌ هىَ؟ أو هل حاضت؟-: فهى عندى، لا يحل لها: أن تكتُمه ولا أحداً رأت أن يُعلمه. وإن لم يسألها، ولا أحدٌ يُعلمه إياه:فأحَبُّ إلىَّ: لو أخبرته به.. ثم ساق الكلامَ، إلى أن قال: ولو كتمتْه بعد المسألة، الحملَ والأقراء حتى خلَتْ عِدَّتُها -: كانت عندى، آثمةً بالكتمان: إذ سُئلت وكتمتْ - وخفتُ عليها الإثمَ: إذا كتمتْ وإن لم تُسْأل. - ولم يكن له. عليها رجعةٌ: لأن اللّه (عز وجل) إنما جعلها له حتى تَنقضِى عدتها.. وروى الشافعى (رحمه اللّه) - فى ذلك - قولَ عطاءٍ، ومجاهدٍ وهو منقول فى كتاب (المبسوط) و (المعرفة). * * * وبهذا الإسناد، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): سمعت من أرضى -: من أهل العلم - يقول: إن أول ما أنزل اللّه (عز وجل) -: من العِدَد. -:{وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ} ؛ فلم يَعلموا: ما عِدَّةُ المرْأةِ التى لا قَرْء لها؟ وهى: التى لا تحيض، والحاملُ. فأنزل اللّه عز وجل: {وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ} ؛ فجعل عدَّةَ المُؤْيَسَةِ والتى لم تحِض: ثلاثة أشهر. و قولُه: {إِنِ ٱرْتَبْتُمْ}: فلم تدروا: ما تعتَدُّ غيرُ ذوات الأقراء؟ - قال: {وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . قال الشافعى: وهذا (واللّه أعلم) يشبه ما قالوا.. ٢٢٩{ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللّه فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللّه فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللّه فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللّه فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } ١) النكاح (الخلع) ٢) الطلاق ٣) الطلاق (عدد الطلقات) ٤) الطلاق (العدة) قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه عز وجل: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللّه فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللّه فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ} .فقيل (واللّه أعلم): أن تكون المرأة تكره الرجل: حتى تخافَ أن لا تُقشيمَ حدود اللّه -: بأداء ما يجب عليها له، أو أكثرِهِ، إليه. ويكونَ الزوج غير مانع لها ما يجب عليه، أو أكثرَه.فإذا كان هذا: حلت الفدية للزوج؛ وإذا لم يُقم أحدهما حدودَ اللّه: فليسا معا مقيمَيْن حدودَ اللّه. وقيل: و هكذا قولُ اللّه عزوجل: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ}.: إذا حل ذلك للزوج: فليس بحرام على المرأة؛ والمرأةُ فى كل حال: لا يحرم عليها ما أعطت من مالها. وإذا حل له ولم يَحرُم عليها: فلا جُناحَ عليهما معاً. وهذا كلام صحيح. وأطال الكلامَ فى شرحه؛ ثم قال:وقيل: أن تمتنع المرأة من أداء الحق، فتخافَ على الزوج: أن لا يؤدِّىَ الحقَّ؛ إذا منعته حقاً. فتَحِل الفدية.وجِماع ذلك:أن تكون المرأةُ: المانعةَ لبعض ما يجب عليها له، المفتدية: تَحَرُّجاً من أن لا تؤدىَ حقَّه، أو كراهيةَ له. فإذا كان هكذا: حَلت الفدية للزوج.. * * * (أنا) أبو زكريا بن أى إسحقَ (فى آخرين)، قالوا: أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: ثنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان الرجل إذا طلَّق امرأته، ثم ارْتَجَعَهَا قبل أن تَنقضيَ عدتُها -: كان ذلك له؛ وإن طلقها ألف مرةٍ. فعَمَد رجل إلى امرأة له: فطلقها، ثم أمهلها؛ حتى إذا شارفَتْ انقضاءَ عدتِها: ارتجعها؛ ثم طلقها قال: واللّه لا آوِيك إلىَّ، ولا تَحِلِّين أبدا. فأنزل اللّه عز وجل: {ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ؛ فاستقبل الناسُ الطلاقَ جديداً - من يومئِذ -: من كان منهم طَلَّق، أو لم يُطَلِّق.. قال الشافعى (رحمه اللّه): وذكر بعض أهل التفسير هذا. قال الشيخ (رحمه اللّه): قد روينا عن ابن عباس، فى معناه. * * * (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعي، قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ؛ قال تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللّه فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللّه وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً} . قال الشافعى - فى قول اللّه عز وجل: {إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً} . -: ي قال: إصلاحُ الطلاق: بالرجعة؛ واللّه أعلم.فأيُّما زوجٍ حرٍّ طلق امرأتَه - بعدما يُصيبُها - واحدةً أو اثنتَين، فهو: أحق برجعتها: مالم تنقض عدتُها. بدلالة كتاب اللّه عز وجل. ٢٣٠{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللّه وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللّه يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ١) الطلاق ٢) الطلاق (أحكام رجعة المطلقة ثلاثاً) (أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى - فى المرأة: يطلقها الحرُّ ثلاثا. - قال: فلا تَحِلُّ له: حتى يجامعَها زوج غيرُه؛ لقوله (عز وجل) فى المطلقة الثالثة: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} . قال: فاحتملت الآية: حتى يجامعهَا زوج غيرُ؛ و دلت على ذلك السنة. فكان أولى المعانى - بكتاب اللّه عزوجل -: ما دلت عليه سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال: فإِذا تزوجت المطلقة ثلاثاً، بزوج: صحيحِ النكاح؛ فأصابها، ثم طلقها وانقضت عِدَّتُها -: حل لزوجها الأولِ: ابتداءُ نكاحِها؛ لقول اللّه عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}. وقال فى قول اللّه عزوجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللّه} . - واللّه أعلم بما أرَاد؛ فأمَّا الآية فتحتمل: إن أقاما الرجعة؛ لأنها من حدود اللّه.وهذا يُشْبه قولَ اللّه عز وجل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً} : إصلاحَ ما أفسدوا بالطق -: بالرجعة.. ثم ساق الكلامَ، إلى أن قال: فأحِب لهما: أن ينويا إقامة حدود اللّه فيما بينهما، وغيرِه: من حدوده.. قال الشيخ: قوله: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ}؛ إن أراد به: الزوجَ الثانىَ: إذا طلقها طلاقاً رجعياً -: فإقامةُ الرجعة، مثلُ: أن يراجعها فى العدة. ثم تكون الحجةُ - فى رجوعها إلى الأول: بنكاح مبتدإ. -: تعليقَه التحريمَ بغايته. وإن أراد به: الزوجَ الأولَ؛ فالمراد بالتراجع: النكاحُ الذى يكون بتراجعهما وبرضاهما جميعاً، بعد العدة. واللّه أعلم. ٢٣١{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللّه هُزُواً وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللّه عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ١) الطلاق (آدابه) وقال - فى قول اللّه عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} . -: إذا شارَفْنَ بلوغَ أجلهن، فراجعوهن بمعروف، أو دعوهن تنقضى عِدَدُهن بمعروف. ونهاهم: أن يُمسكوهن ضراراً:ليعتدوا؛ فلا يَحل إمساكُهن: ضرارا.. زاد على هذا، فى موضع آخرَ - هو عندى: بالإجازة عن أبى عبداللّه، بإسناده عن الشافعى. -:والعرب تقول للرجل -: إذا قارب البلدَ: يريده؛ أو الأمرَ: يريده -: قد بَلغتَه؛ وتقوله: إذا بلغه.فقوله فى المطلَّقات: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} : إذا قاربن بلوغَ أجلهن. فلا يؤمرُ بالإمساك، إلا: مَن كان يَحل له الإمساكُ فى العِدّة. وقولُه (عز وجل) فى المُتَوَفَّى عنها زوجُها: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} ؛ هذا:إذا قضَيْن أجلَهن.وهذا: كلام عربى؛ والآيتان يدلان: على افتراقهما بيِّناً: والكلامُ فيهما: مثلُ قوله (عز وجل) فى المتوفَّى عنها:{وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ} : حتى تنقضى عِدَّتُهَا، فيَحِلَّ نكاحُها.. ٢٣٢{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللّه وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَٱللّه يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ١) النكاح (حرمة العضل) ٢) النكاح (الولاية على الإماء والثيّب) ٣) النكاح وبهذا الإسناد، قال: قال الشافعى: حتم لازم لأولياء الأيامى، والحرائر: البوالغ -: إذا أردن النكاح، ودُعُوا إلى رَضِىٍّ: من الأزواج. -: أن يُزوّجوهنَّ؛ لقول اللّه عزّوجلّ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ}.فإن شُبِّه على أحدٍ: بأن مبتدأ الآية على ذكر الأزواج. -: ففى الآية، دلالةٌ: على أنه إنما نهى عن العضل الأولياءَ؛ لأن الزوج إذا طلق، فبلغت المرأة الأجلَ -: فهو أبعد الناس منها؛ فكيف يَعضُلها من لا سبيل، ولا شِرْكَ له فى أن يعضلها فى بعضها؟!.فإن قال قائلٌ: قد يحتَمِل: إذا قاربن بلوغ أجلهنَ؛ لأنَّ اللّه (تعالى يقول للأزواج: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} الآية. يعنى: إذا قاربن بلوغ أجلهنَّ.. قال الشافعى: فالآية تدل على أنه لم يُرَدْ بها هذا المعنى، وأنها لا تحتمله: لأنها إذا قاربت بلوغ أجلها، أو لم تبلغه -:فقد حَظَرَ اللّه (عزَّ وجلَّ) عليها: أن تنكح، لقول اللّه عزّوجلّ: {وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ} ؛ فلا يَأمر: بأن لا يَمنعَ من النكاح؛ مَن قد منعها منه. إنما يَأمر: بأن لا يمتنع مما أباح لها، مَنْ هو بسبب من منعِها. قال: وقد حفظ بعض أهل العلم: أن هذه الآية نزلت فى مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ، وذلك: أنه زوّج أخته رجلا، فطلقها وانقضت عدتها، ثم: طلبَ نكاحَها وطلبتْه، ف قال: زوجتك - دون غيرك - أختى، ثم: طلقتها، لا أُنكحُكَ أبدا. فنزلت: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}. قال: وهذه الآية أبين آية فى كتاب اللّه (عزّ وجلّ): دلالةً على أن ليس للمرأة الحرة: أن تُنكح نفسَها.وفيها: دلالةٌ على أنَّ النكاح يتمُّ برضا الولى مع المزَوَّج والمُزَوَّجَةِ.. قال الشيخ (رحمه اللّه): هذا الذى نقلتُه -: من كلام الشافعىّ (رحمه اللّه) فى أمهات المؤمنين، إلى ههنا. - بعضه فى مسموع لى: قراءةً على شيخنا؛ وبعضه غير مسموع: فإنه لم يسمعه فى النقل. فرويتُ الجميع بالإجازة؛ وباللّه التوفيق. * * * (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، نا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه عزَّ وجلَّ: {وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} . قال: ودلت أحكام اللّه، ثم رسولِهِ (صلى اللّه عليه وسلم): على أن لا مِلْكَ للأَولياء آباءً كانوا أو غيرَهم؛ على أيَامَاهم -وأيَامَاهم: الثيِّباتُ. -: قال اللّه عزوجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} ؛ وقال (تعالى) فى المُعْتَدَّات: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ} الآية؛ وقال رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): الأَيِّمُ أحقُّ بنفسها من وليِّها؛ والبكرُ تُسْتأذَن فى نفسها؛ وإذنُها: صُمَاتُها.. مع ما سوى ذلك.ودل الكتابُ والسنةُ: على أن المماليك لمن ملَكهم، وأنهم لا يملكون من أنفسهم شيئا.ولم أعلم دليلا: على إيجاب إنكاح صالحى العبيد والإماء - كما وجدت الدلالة: على إنكاح الحرائر. - إلا مطلقا.فأحَبُّ إلىَّ: أن يُنْكَحَ من بلغ: من العبيد والإماء، ثم صالحوهم خاصة.ولا يَبِين لى: أن يُجْبرَ أحد عليه؛ لأن الآية محتملة: أن تكون أريد بها: الدلالة؛ لا الإيجاب.. وذَهبَ فى القديم: إلى أن للعبد أن يشترىَ: إذا أذن له سيده.. وأجاب عن قوله: {ضَرَبَ ٱللّه مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ} ؛ بأن قال: إنما هذا - عندنا -: عبدٌ ضربه اللّه مثلا؛ فإن كان عبدا: فقد يُزْعَم: أن العبد يقدر على أشياء؛ (منها): ما يُقِرُّ به على نفسه: من الحدود التى تُتْلفه أو تَنْقُصُه. (ومنها): ما إذا أُذِنَ له فى التجارة: جاز بيعه وشراؤه وإقراره.فإن اعتُلَّ بالإذن: فالشرى بإذن سيده أيضا. فكيف يَملك بأحد الإذنين، ولا يَملك بالآخَر؟!.. ثم رَجع عن هذا، فى الجديد؛ واحتج بهذه الآية، وذكر قولَهُ تعالى: {وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} و . ثم قال: فدل كتاب اللّه (عز وجل): على أن ما أباح -: من الفروج. - فإنما أباحه من أحد وجهين: النكاحِ، أو ما ملكتْ اليمينُ فلا يكون العبد مالكا بحال.. وبسط الكلام فيه. ٢٣٣{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ١) النكاح (الرضاع المحرم) ٢) النكاح (نفقة المرضع) (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصمُّ، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَاعَةِ} . قال الشافعى: حرم اللّه (عز وجل) الأمَّ والأخت: من الرَّضاعة؛ واحتمل تحريمها معنيين (أحدهما) -: إذ ذكر اللّه تحريمَ الأم والأخت من الرَّضاعة، فأقامهما: فى التحريم، مُقامَ الأم والأخت من النسب. -: أن تكونَ الرَّضاعة كُلُّها، تقوم مقام النسب: فما حَرُم بالنسب حَرُم بالرَّضاعة مثلُه.وبهذا، نقول: بدلالة سنةِ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، والقياسِ على القرآن. (والآخر): أن يَحرم من الرضاع الأمُّ والأختُ، ولا يَحرمَ سواهما.. ثم ذكر دلالة السنة، لما اختار: من المعنى الأولِ. قال الشافعى (رحمه اللّه): والرَّضاعُ اسمٌ جامعٌ، يَقَعُ: على المَصَّة، وأكثرَ منها: إلى كمال إرضاع الحَوْلَيْن. ويَقَعُ: على كل رضاع: وإن كان بعد الحولين.فاستدللنا: أن المراد بتحريم الرَّضاع: بعضُ المُرْضَعِين، دون بعض. لا: مَنْ لزمه اسمُ: رَضاعٍ.. وجَعَلَ نظيرَ ذلك: آيةَ السارق والسارقة، وآية الزانى والزانية وذكَر الحجةَ فى وقوع التحريم بخمس رَضعاتٍ. واحتَجَّ فى الحوْلَيْنِ بقول اللّه (عز وجل): {وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ} . ثم قال: فَجَعَلَ (عز وجل) تمامَ الرَّضَاعة: حوْليْن كاملين؛ قال: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} ؛ يعنى (واللّه أعلم): قبل الحوْليْن.فدَلَّ إرخاصُه (حل ثناؤه) -: فى فصال المولود، عن تراضِي والدَيْه وتشاوُرِهما، قبل الحوْليْن. -: على أن ذلك إنما يكون: باجتماعهما على فصاله، قبل الحوْليْن.وذلك لا يكون (واللّه أعلم) إلا بالنظر للمولود من والدَيْهِ: أن يكونا يريان: فصالَه قبل الحوْليْن، خيرا من إتمام الرَّضاع له لعلة تكون به، أو بمُرْضِعِه -: وإنه لا يَقبل رضاعَ غيرها. - وما أشبه هذا.وما جعل اللّه (تعالى) له، غايةً - فالحكمُ بعد مُضِيِّ الغاية، فيه: غيرُه قبل مُضِيِّهَا. قال اللّه عز وجل: {وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ} ؛ فحكمُهُنَّ - بعد مُضِىِّ ثلاثةِ أقراءٍ-: غير حكمِهِن فيها. قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ} ؛ فكان لهم: أن يَقصُروا مسافرين؛ وكان- فى شرْط القَصْر لهم: بحال موصوفة. - دليلٌ: على أن حكمهم فى غير تلك الصفة: غيرُ القَصْر. * * * (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصمُّ، أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه تبارك وتعالى: {وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} ؛ وقال تبارك وتعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ} . قال الشافعى: ففى كتاب اللّه (عز وجل)، ثم فى سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - بيانُ: أن الإجاراتِ جائزةٌ: على ما يَعرِف الناسُ. إذ قال اللّه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}؛ والرَّضاع يختلف: فيكونُ صبىٌّ أكثرَ رَضاعا من صبى، وتكونُ امرأةٌ أكثرَ لبناً من امرأة؛ ويختلف لبنها. فَيقِلُّ ويكثُر.فتجوزُ الإجاراتُ على هذا: لأنه لا يوجد فيه أقْرَبُ مما يُحيط العلمُ به: من هذا وتجوز الإجارات على خدمة العبد: قياساً على هذا؛ وتجوز فى غيره -: مما يعرفُ الناسُ. -: قياساً على هذا. قال: وبيانُ: أن على الوالد: نفقةَ الولد؛ دونَ أمه: متزوجةً، أو مطلَّقةً.وفى هذا، دلالةٌ: على أن النفقة ليست على الميراث؛ وذلك:أن الأم وارثةٌ، وفَرْضُ النقةِ والرَّضاعِ على الأب، دونَها. قال ابن عباس - فى قول اللّه عزوجل: {وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ} -: من أن لا تُضَارَّ والدةٌ بولدها؛ لا: أن عليها الرضاعَ.. وبهذا الإسناد فى (الإمْلاَء): قال الشافعى: ولا يَلزمُ المرأةَ رَضاعُ ولدِها: كانت عند زوجها، أو لم تكن. إلا: إن شاءت. وسواءٌ: كانت شريفةً، أو دَنِيَّةً، أو مُوسِرَةً، أو مُعْسِرَةً. لقول اللّه عز وجل: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ} .. ٢٣٥{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللّه أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه غَفُورٌ حَلِيمٌ } ١) النكاح (الخطبة) (أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: (رحمه اللّه): قال اللّه تعالى تبارك وتعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ}؛ إلى قوله:{وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ} . قال الشافعى: بلوغ الكتاب أجلَه (واللّه أعلم): انقضاءُ العدَّة. قال: وإذا أذن اللّه فى التعريض بالخِطبة: فى العدّة؛ فبيِّنٌ: أنه حَظَر التصريحَ فيها. قال تعالى: {وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً}؛ يعنى (واللّه أعلم): جِماعا؛ {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}: : حسنا لا فَحشَ فيه.وذلك: أن يقول: رضِيتُكِ؛ إن عندى لجماعا يُرضي مَن جُومِعه.وكان هذا - وإن كان تعريضا - كان منهيا عنه: لقبحه. وما عَرَّض به مما سوى هذا -: مما تفهم المرأة به: أنه يريد نكاحها. -: فجائز له؛ وكذلك: التعريضُ بالإجابة له، جائز لها. قال: والعدَّة التى أذن اللّه بالتعريض بالخِطبة فيها -: العدةُ من وفاة الزوج. ولا يبِينُ: أن لا يجوز ذلك فى العدَّة من الطلاق: الذى لا يملك فيه المطلِّقُ، الرجعةَ.. واحتَج فى موضع آخر - على أن السر: الجِماعُ. -: بدلالة القرآن؛ ثم قال: فإذا أباح التعريض -: والتعريضُ، عند أهل العلم، جائزٌ: سراً وعلانِيةً. -: فلا يجوز أن يُتَوَهَّمَ: أن السر: سرُّ التعريض؛ ولا بد من معنًى غيرِه؛ وذلك المعنى: الجِماعُ. قال امْرُؤ القَيْس * ألاَ زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ، اليومَ: أنّنِى * كَبِرْتُ، وأن لاّ يُحْسِنَ السِّرَّ أمْثَالِى * * كذَبْتِ: لَقدْ أُصْبِي على المرْءِ عِرْسَهُ * وأَمنَعُ عِرْسِى: أن يُزَنَّ بها الْخَالِى * وقال جَرِيرٌ يَرثى امرأته: * كَانَتْ إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا: * خُزِنَ الحديثُ، وعَفَّتِ الأسْرارُ. * قال الشافعى: فإذا عُلم: أن حديثها مخزونٌ، فخَزْنُ الحديث: أن لا يُبَاحَ به سراً ولا علانية. فإذا وصفها بهذا: فلا معنى للعفاف غيرُ الأسرار؛ و الأسرار: الجماع.. وهذا: فيما أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى؛ فذكَرَه. ٢٣٦{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } ١) النكاح (المهر) (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس الأصمُّ، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)، قال: قال اللّه عزوجل: {وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} ؛ قال: {فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .. وذكر سائر الآيات التى وردت فى الصداق، ثم قال: فَأَمَرَ اللّه (عز وجل) الأزواجَ: بأن يُؤْتوا النساء أُجُورَهُنَّ وصَدُقَاتِهِنَّ؛ والأجر هو: الصداق؛ والصداق هو: الأجرُ والمهرُ. وهى كلمة عربيةٌ: تسمى بعدة أسماء.فَيَحتَمل هذا: أن يكون مأموراً بصداقٍ، مَنْ فَرَضَه - دون مَنْ لم يَفْرِضْهُ -: دَخَل، أو لم يَدْخُل. لأنه حق ألزمه المرءُ نفسَه: فلا يكون له حبْسُ شيء منه، إلا بالمعنى الذى جعله اللّه له؛ وهو: أن يُطلِّقَ قبل الدخول. قال اللّه عز وجل: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ} .ويَحتَمل: أن يكون يجب بالعَقد: وإن لم يسم مهراً، ولم يدخل.ويَحتَمل: أن يكون المهر لا يَلزم أبدا، إلا: بأن يُلزِمَهُ المرءُ نفسه، أو يَدْخُلَ بالمرأة: وإن لم يُسمِّ مهرا.فلمَّا احتَمل المعانىَ الثلاثَ، كان أوْلاها أن يقال به: ما كانت عليه الدلالة: من كتاب، أو سنةٍ، أو إجماعٍ. فاستدللنا -: بقول اللّه عزوجل: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} . -: أن عَقد النكاح يصح بغير فريضةِ صداق؛ وذلك: أن الطرق لا يقع إلا على مَنْ عُقد نكاحُهُ.. ثم ساق الكلام، إلى أن قال: وكان بيِّنا فى كتاب اللّه (جل ثناؤه): أن على الناكح الواطئ، صداقا: بفرْض اللّه (عز وجل) فى الإماء: أن يُنْكَحْنَ بإذن أهلهن، ويُؤتَيْنَ أُجورَهن - والأجر: الصداق. - وبقوله تعالى: {فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ؛ وقال عز وجل: {وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} : خالصةً بهبة ولا مهر؛ فأعلم: أنها للنبى (صلى اللّه عليه وسلم) دون المؤمنين. وقال مرة أخرى - فى هذه الآية -: يريد (واللّه أعلم): النكاحً والمسيسَ بغير مهر. فدل: على أنه ليس لأحد غيرِ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم): أن ينكح فَيَمسَّ، إلا لزمه مهر. مع دلالة الآى قبله.. وقال - فى قوله عز وجل {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ}. -: يعنى: النساء.. وفى قوله: {أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ} . -: يعنى: الزوج؛ وذلك: أنه إنما يعفو مَنْ له ما يعفوه.. ورواه عن أمير المؤمنين: على بن أبى طالب (رضى اللّه عنه) وجُبَيْر ابن مُطْعِمٍ. وابن سيرينَ، وشُرَيْح، وابن المسَيَّبِ، وسعيد بن جُبيْرٍ، ومجاهد. وقال - فى رواية الزَّعْفَرَانِىّ عنه -: وسمعت من أرضى، يقول: الذى بيده عُقْدةُ النكاح: الأبُ فى ابنته البكر، والسيدُ فى أمته؛ فعفوه جائز.. ٢٣٧{ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ١) النكاح (المهر) قال: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ} .فدلت هذه الآية: على أنَّ على الرجل: أن يسلم إلى المرأة نصف مهرها؛ كما كان عليه: أن يسلم إلى الأجنبيِّينَ - من الرجال - ما وجب لهم. وأنها مُسَلَّطَةٌ على أن تعفوَ عن مالها. ونَدَبَ اللّه (عزّ وجلّ): إلى العفو؛ وذكر: أنه أقربُ للتقوى. وسوَّى بين الرجل والمرأة، فيما يجوز: من عفو كل واحدٍ منهما، ما وجب له. * * * (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس الأصمُّ، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)، قال: قال اللّه عز وجل: {وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} ؛ قال: {فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .. وذكر سائر الآيات التى وردت فى الصداق، ثم قال: فَأَمَرَ اللّه (عز وجل) الأزواجَ: بأن يُؤْتوا النساء أُجُورَهُنَّ وصَدُقَاتِهِنَّ؛ والأجر هو: الصداق؛ والصداق هو: الأجرُ والمهرُ. وهى كلمة عربيةٌ: تسمى بعدة أسماء.فَيَحتَمل هذا: أن يكون مأموراً بصداقٍ، مَنْ فَرَضَه - دون مَنْ لم يَفْرِضْهُ -: دَخَل، أو لم يَدْخُل. لأنه حق ألزمه المرءُ نفسَه: فلا يكون له حبْسُ شيء منه، إلا بالمعنى الذى جعله اللّه له؛ وهو: أن يُطلِّقَ قبل الدخول. قال اللّه عز وجل: { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ} .ويَحتَمل: أن يكون يجب بالعَقد: وإن لم يسم مهراً، ولم يدخل.ويَحتَمل: أن يكون المهر لا يَلزم أبدا، إلا: بأن يُلزِمَهُ المرءُ نفسه، أو يَدْخُلَ بالمرأة: وإن لم يُسمِّ مهرا.فلمَّا احتَمل المعانىَ الثلاثَ، كان أوْلاها أن يقال به: ما كانت عليه الدلالة: من كتاب، أو سنةٍ، أو إجماعٍ. فاستدللنا -: بقول اللّه عز وجل: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} . -: أن عَقد النكاح يصح بغير فريضةِ صداق؛ وذلك: أن الطرق لا يقع إلا على مَنْ عُقد نكاحُهُ.. ثم ساق الكلام، إلى أن قال: وكان بيِّنا فى كتاب اللّه (جل ثناؤه): أن على الناكح الواطئ، صداقا: بفرْض اللّه (عز وجل) فى الإماء: أن يُنْكَحْنَ بإذن أهلهن، ويُؤتَيْنَ أُجورَهن - والأجر: الصداق. - وبقوله تعالى: {فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ؛ وقال عزوجل: {وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} : خالصةً بهبة ولا مهر؛ فأعلم: أنها للنبى(صلى اللّه عليه وسلم) دون المؤمنين. وقال مرة أخرى - فى هذه الآية -: يريد (واللّه أعلم): النكاحً والمسيسَ بغير مهر. فدل: على أنه ليس لأحد غيرِ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم): أن ينكح فَيَمسَّ، إلا لزمه مهر. مع دلالة الآى قبله.. وقال - فى قوله عز وجل {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ}. -: يعنى: النساء.. وفى قوله: {أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ} . -: يعنى: الزوج؛ وذلك: أنه إنما يعفو مَنْ له ما يعفوه.. ورواه عن أمير المؤمنين: على بن أبى طالب (رضى اللّه عنه) وجُبَيْر ابن مُطْعِمٍ. وابن سيرينَ، وشُرَيْح، وابن المسَيَّبِ، وسعيد بن جُبيْرٍ، ومجاهد. وقال - فى رواية الزَّعْفَرَانِىّ عنه -: وسمعت من أرضى، يقول: الذى بيده عُقْدةُ النكاح: الأبُ فى ابنته البكر، والسيدُ فى أمته؛ فعفوه جائز.. ٢٣٨{حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للّه قَٰنِتِينَ ١) الصلاة (مواقيت الصلاة) ٢) الصلاة (الأمر بتعجيلها) ٣) الصلاة (الصلاة الوسطى) ٤) الصلاة (القنوت) ٥) الصلاة (القيام فيها) قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ} الآيتين. فلما لم يرخص اللّه فى أن تؤخر الصلاة فى الخوف، وأرخص: أن يصليها المصلى كما أمكنته رجالا وركباناً؛ قال: {إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} ؛ وكان مَنْ عَقَلَ الصلاة من البالغين، عاصيا بتركها: إذا جاء وقتها وذكرها، وكان غير ناس لها؛ وكانت الحائض بالغة عاقلةً، ذاكرةً للصلاة، مطيقةً لها؛ وكان حكم اللّه: أن لا يقربها زوجها حائضا؛ ودل حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: على أنه إذا حرم على زوجها أن يقربها للحيض، حرم عليها أن تصلى -: كان فى هذا دليل على أن فرض الصلاة فى أيام الحيض زائلٌ عنها فإذا زال عنها - وهى ذاكرة عاقلة مطيقة -: لم يكن عليها قضاء الصلاة.وكيف تقضى ما ليس بفرض عليها: بزوال فرضه عنها؟! وهذا ما لم أعلم فيه مخالفاً. واحتَج فى فضل التعجيل بالصلوات - بقول اللّه عزوجل: {قِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ} ؛ ودلوكها: ميلها.وبقوله: {أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } ؛ وبقوله: {حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ} ؛ والمحافظة على الشىء: تعجيله. وقال فى موضع آخر: ومَنْ قدم الصلاة فى أول وقتها، كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن أول وقتها. وقال فى قوله {وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ} : فذهبنا: إلى أنها الصبح. [وكان أقل ما فى الصبح] إن لم تكن هي -: أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه.. وذكر - فى رواية المزنى، وحَرْمَلَةَ - حديث أبى يونس مولى عائشة (رضى اللّه عنها) أنها أمْلَتْ عليه: (حَافظوا عَلَى الصلوات، والصلاة الوسطى، وصلاة العصر، ثم قالت: سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال الشافعى: فحديث عائشة يدل على أن الصلاة الوسطى، ليست صلاة العصر. قال: واختلف بعض أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، فروى عن على، وروى عن ابن عباس: أنها الصبح؛ وإلى هذا نذهب. وروى عن زيد بن ثابت: الظهرُ؛ وعن غيره: العصرُ. وروى فيه حديثاً عن النبى صلى اللّه عليه وسلم. قال الشيخ: الذى رواهُ الشافعى فى ذلك، عن على، وابن عباس: فيما رواه مالك فى الموطأ عنهما فيما بلغه؛ ورويناه موصولا عن ابن عباس وابن عمر، وهو قول عطاءٍ، وطاووسٍ، ومجاهدٍ، وعكرمةَ. وروينا عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن على (رضي اللّه عنه)، قال: كنا نرى أنها صلاة الفجر، حتى سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يوم الأحزاب: يقول: شغلونا عن صلاة الوسطى، صلاة العصر؛ حتى غابت الشمس، ملأ اللّه قبورهم وأجوافهم ناراً. وروايته فى ذلك - عن النبى صلى اللّه عليه وسلمصحيحة، عن عبيدة السلمانى: وغيره عنه، وعن مرة، عن ابن مسعود. وبه قال أبىُّ بن كعب، وأبو أيوب، وأبو هريرة، وعبداللّه ابن عمرو، و هو فى إحدى الروايتين، عن ابن عمر، وابن عباس، وأبى سعيد الْخُدْرىّ، وعائشة رضي اللّه عنهم. وقرأتُ فى كتاب السنن (رواية حرملة، عن الشافعى، رحمه اللّه): قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَقُومُواْ للّه قَانِتِينَ}. قال الشافعى: من خوطب بالقنوت مطلقا، ذهبَ: إلى أنه: قيام فى الصلاة. وذلك: أن القنوت: قيام لمعنى طاعة اللّه (عزَّ وجلَّ)؛ وإذا كان هكذا: فهو موضع كف عن قراءة؛ وإذا كان هكذا، أشبهَ: أن يكون قياماً - فى صلاة - لدعاء، لا قراءةٍ. فهذا أظهر معانيه، وعليه دلالةُ السنة؛ وهو أولى المعانى أن يقال به، عندى؛ واللّه أعلم. قال الشافعى (رحمه اللّه): وقد يحتمل القنوت: القيامَ كله فى الصلاة. وروى عن عبد اللّه بن عمر: قيل: أى الصلاة؟ قال: طول القنوت..وقال طاوس: القنوت، طاعة اللّه عزَّ وجلَّ..و قال الشافعى (رحمه اللّه): وما وصفتُ -: من المعنى الأول.- أولى المعانى به؛ واللّه أعلم. قال: فلما كان القنوت بعضَ القيام، دون بعض -: لم يَجزْ (واللّه أعلم) أن يكون إلا ما دلت عليه السنة: من القنوت للدعاء، دون القراءة. قال: واحتمل قول اللّه (عزَّ وجلَّ): {وَقُومُواْ للّه قَانِتِينَ}: قانتين فى الصلاة كلها، وفى بعضها دون بعض. فلما قنتَ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) فى الصلاة، ثم ترك القنوت فى بعضها؛ وحُفظ عنه القنوت فى الصبح بخاصة -: دلَّ هذا على أنه إِن كان اللّه أراد بالقنوت: القنوتَ فى الصلاة؛ فانما أراد به خاصا..واحتمل: أن يكون فى الصلوات، فى النازلة. واحتمل طولُ القنوت:طولَ القيام. واحتمل القنوت: طَاعة اللّه؛ واحتمل السُّكات.. قال الشافعى. ولا أرخص فى ترك القنوت فى الصبح،. قال: لأنه إن كان اختياراً من اللّه ومن رسوله (صلى اللّه عليه وسلم): لم أرخص فى ترك الاختيار؛ وإن كان فرضا: كان مما لا يتبين تركه. ولو تركه تارك: كان عليه أن يسجد للسهو؛ كما يكون ذلك عليه: لو ترك الجلوسَ فى شىء.. قال الشيخ - فى قوله: احتمل السكات.-: أراد: السكوتَ عن كلام الآدميين؛ وقد روينا عن زيد بن أرقم: أنهم كانوا يتكلمون فى الصلاة؛ فنزتل هذه الآية. قال: فنهينا عن الكلام، وأُمِرْنا بالسكوت. وروينا عن أبى رجاء العطاردىِّ: أنه قال: صلى بنا ابن عباس صلاة الصبح - وهو أمير على البَصرة - فقنت، ورفع يديه: حتى لو أن رجُلا بين يديه لرَأى بياض إبْطَيْهِ، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه، ف قال: هذه الصلاة: التى ذكرها اللّه (عزَّ وجلَّ) فى كتابه: {حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للّه قَانِتِينَ}. (أنا) أبو على الروذبارى، أنا إسماعيل الصفار، نا الحسن بن الفضل بن السمح، ثنا سهل بن تمام، نا أبو الأشبه، ومسلم بن زيد، عن أبى رجاء؛ فذكره، قال: قبل الركوع. (أخبرنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال السافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَقُومُواْ للّه قَانِتِينَ}. فقيل (واللّه أعلم: قانتين: مطيعين؛ وأمر رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بالصلاة قائما؛ وإنما خوطبَ بالفرائض من أطاقها؛ فإِذا لم يطق القيامَ: صلى قاعداً.. ٢٣٩{ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللّه كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } ١) الصلاة (صلاة الخوف) وبهذا الإسناد، قال: قال الشافعى: قال اللّه عزَّوجلَّ: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ} . قال الشافعى: فأمَرَهم - خائفين، محروسين.-: بالصلاة؛ فدلَّ ذلك على أنه أمرهم بالصلاة: للجهة التى وُجُوهُهُم لها: من القبلة.. قال تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} . فدلَّ إرخاصه - فى أنْ يصلوا رجالا أو ركباناً -: على أن الحال التى أجاز لهم فيها: أن يصلوا رجالا وركباناً من الخوف؛ غيرُ الحال الأولى التى أمرهم فيها: بأن يحرس بعضهم بعضاً. فعلمنا: أن الخوفين مختلفان، وأن الخوف الآخر -: الذى أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركباناً.- لا يكون إلا أشد من الخوف الأول. ودلَّ: على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا: مستقبلى القبلة، وغيرَ مستقبليها فى هذه الحال؛ وقعوداً على الدواب، وقياماً على الأقدام. ودلت على ذلك السنة.. فذَكَرَ حديث ابن عمر فى ذلك. (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى - فى قوله عزَّوجلَّ: {فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ} -. قال: فاحتمل: أن يكونوا إذا سجدوا ما عليهم: من السجود كله؛ كانوا من ورائهم. ودلت السنة على ما احتمل القرآن من هذا؛ فكان أولى معانيه، واللّه أعلم. ٢٤٠{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ١) العدّة (متعة المعتدة بالوفاة) ٢) العدّة وبهذا الإسناد، قال: قال الشافعى: قال اللّه عز وجل: {وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ} . قال الشافعى: حفِظت عن غير واحد -: من أهل العلم بالقرآن.: أن هذه الآيةَ نزلتْ قبل نزول آية المواريث، وأنها منسوخةٌ.وكان بعضهم، يذهب: إلى أنها نزلتْ مع الوصِيَّة للوالديْن والأقربِينَ، وأنَّ وصيّةَ المرأة محدودةٌ بمتاعِ سنةٍ - وذلك:نفقتُها، وكسوتُها، وسكَنُهَا. - وأنْ قد حُظِرَ على أهل زوجها إخراجُها، ولم يُحظَرْ عَلَيْها أن تَخْرُجَ. قال: وكان مذهبُهم: أن الوصِيَّة لها: بالمتاع إلى الحَوْل والسُّكْنَى؛ منسوخة. يعنى: بآية المواريث. و بَيِّنٌ: أن اللّه (عز وجل) أثبت عليها عدةً: أربعةَ أشهُر وعَشْراً؛ ليس لها الخِيارُ فى الخروج منها، ولا النكاحُ قبلها. إلا: أن تكونَ حاملا؛ فيكونُ أجَلُها: أن تَضَعَ حَمْلَها: بَعُد أوْ قَرُبَ. ويسقط بوضع حَمْلها: عدةُ أربعةِ أشهر وعشرٍ. وله - فى سُكْنَى المُتَوَفَّي عنها - قولٌ آخر: أن الاختيارَ لورثته: أن يُسْكِنوهَا؛ وإن لم يفعلوا: فقد مَلَكوا المالَ دونه.. وقد رويناه عن عطاءٍ، ورواه الشافعى عن الشَّعْبِىّ عن علىّ. (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: قال اللّه (عز وجل) فى المطلَّقات: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} . قال الشافعى: والفاحشة: أن تَبْذُوَ على أهل زوجها، فيأتىَ من ذلك: ما يُخاف الشقاقُ بينها وبينهم.فإذا فعلتْ: حَلَّ لهم إخراجُها؛ وكان عليهم: أن يُنْزِلُوهَا منزلاً غيرَه.. وروي الشافعى معناه - بإِسناده - عن ابن عباس. ٢٤١{ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } ١) النكاح (متعة المطلقة) (وأنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: قال اللّه عزوجل: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ} ؛ وقال عزوجل: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} الآية. فقال عامة لقِيت -: من أصحابنا -: المُتعة هى: للتى لم يُدْخَل بها قطُّ، ولم يُفْرض لها مهرٌ، وطُلِّقت. وللمطلقة المدخولِ بها: المفروضُ لها؛ بأن الآية عامة على المطلقات. ورواه عن ابن عمرَ. وقال فى كتاب الصَّدَاق (بهذا الإسناد) - فيمن نكَح امرأةً بصداق فاسد -: فإن طلقها قبل أن يَدْخل بها: فلها نصفُ مهر مثلِها؛ ولا مُتْعةَ لها فى قول من ذهب: إلى أن لا متعةَ للتى فُرِضَ لها: إذا طلقت قبل أن تُمَسَّ ولها المتعةُ فى قول من قال: المتعة لكل مطلقة.. ورَوى القولَ الثانىَ عن ابن شهاب الزُّهْرِىِّ؛ وقد ذكرنا إسناده فى ذلك، فى كتاب: (المعرفة) وحَمَلَ المسِيسَ المذكورَ فى قوله: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} . -:على الوَطْءِ. ورواه عن ابن عباس، وشُرَيْحٍ. وهو بتمامه، منقول فى كتاب: (المعرفة) و (المبسوط)؛ مع ما ذهب إليه فى القديم. ٢٤٤{ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ١) الجهاد ٢) الجهاد (حكمه) ٣) الجهاد (الحث عليه)فَصْلٌ فِى أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ قال الشافعى (رحمه اللّه): ولَمَّا مَضَتْ لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مُدَّةٌ: من هِجرتِه؛ أنعَمَ اللّه فيها على جماعاتٍ، باتِّباعِه -: حدَثَتْ لهم بها، معَ عَوْنِ اللّه (عز وجل)، قُوَّةٌ: بالعَدَد؛ لم يكن قبلها.فَفَرض اللّه (عز وجل) عليهم، الجهادَ - بعدَ إذ كان:إباحةً؛ لا: فرْضاً. - فقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} الآية: ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} الآية: ؛ وقال تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛ قال: {وَجَاهِدُوا فِي ٱللّه حَقَّ جِهَادِهِ} ؛ قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ} ؛ قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ}؛ إلى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية: ؛ قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .ثم ذَكر قوماً: تَخَلَّفُوا عن رسولِ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) -: ممن كان يُطْهِرُ الإسلامَ. - ف قال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ} . فأبَانَ فى هذه الآيةِ: أنَّ عليهم الجِهادَ قَرُبَ وبَعُدَ؛ مَع إبَانَتِهِ ذلك فى غير مكانٍ: فى قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ إلى: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} . قال الشافعى (رحمه اللّه): سنُبَيِّنُ من ذلك، ما حَضَرَنا: على وَجْهِه؛ إن شاء اللّه عزوجل.وقال جل ثناؤه: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه}؛ إلى: {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ؛ قال: {إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ؛ قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} . معَ ما ذَكر به فَرْضَ الجهادِ، وأوْجَب على المُتَخلِّفِ عنه.. ٢٥٥{ ٱللّه لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ } ١) عقائد (الشفاعة) قال الشافعى: واسْتَنْبَطْتُ البَارِحَةَ آيَتَيْنِ - فما أشْتَهِى، باسْتِنْباطِهِما، الدُّنيا وما فيها -: {يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} ؛ وفى كتابِ اللّه، هذا كثيرُ: { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}؟! ؛ فتَعَطَّلُ الشُّفَعاءُ، إلا بإذْنِ اللّه. ٢٦٧{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه غَنِيٌّ حَمِيدٌ } ١) الزكاة (وجوب إخراج الطيب منها) (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، وأبو سعيد بن أبى عمرو، قالا: أنا أبو العباس، أنا الربيع بن سليما، قال: قال الشافعى: قال اللّه عزّ وجلّ: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} . يعنى (واللّه أعلم):لستم بآخذيه لأنفسكم ممن لكم عليه حق؛ فلا تنفقوا مما لم تأخذوا لأنفسكم؛ يعنى: لا تعطوا ما خَبُثَ عليكم (واللّه أعلم):وعندكم الطيِّبُ.. ٢٧٥{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللّه ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللّه وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ١) المعاملات (البيوع) ٢) البيع (حكمه)مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْبُيُوعِ، والْمُعَامَلاَتِوالْفَرَائِضِ، والْوَصَايَا (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصمّ، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَأَحَلَّ ٱللّه ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا} . فاحتَمَل إحلالُ اللّه البيعَ، معنيين: (أحدهما): أن يكون أحَل كلَّ بيع تَبَايَعَهُ المتبايعان -: جائزَى الأمرِ فيما تبايعاه.- عن تراضٍ منهما. وهذا أظهرُ معانيه. (والثانى): أن يكون اللّه أحلَّ البيعَ: إذا كان مما لم يَنْهَ عنه رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): المبيِّنُ عن اللّه (عزّ وجلّ) معنى ما أراد.فيكونُ هذا: من الجملة التى أحكمَ اللّه فَرْضَها بكتابه، وبيَّنَ: كيف هي؟ على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم). أو: من العام الذى أراد به الخاصَّ؛ فبيَّن رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم). أو: من العام الذى أراد به الخاصَّ؛ فبيَّن رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ما أريد بإحلاله منه، وما حُرِّم؛ أو يكونُ داخلا فيهما. أو: من العام الذى أباحه، إلا ما حرّم على لسان نبيه منه، وما فى معناه. كما كان الوضوء فرضا على كل متوضئ: لا خفينِ عليه لَبِسَهما على كمال الطهارة.وأىُّ هذه المعانى كان، فقد ألزمه اللّه خلقَه، بما فَرَض: من طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.فلما نَهَى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عن بيوع:تراضى بهما المتبايعان. -: استدللنا على أن اللّه أراد بما أحلّ من البيوع: ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم)؛ دون ما حرم على لسانه.. ٢٨٠{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ١) الدَّيْن وبهذا الإسناد، قال الشافعى (رحمه اللّه): ولا يُؤَخَّرُ الحُرُّ فى دَيْنٍ عليه: إذا لم يوجد له شىء. قال اللّه جلَّ ثناءه: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ} . ٢٨٢-٢٨٣{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْل...} ١) الدَّيْن ٢) الرهن ٣) تفسير (السفيه) ٤) الشهادة (في البيوع) ٥) الشهادة (في الدين) ٦) المعاملات (لزوم إجابة الكاتب لكتابة الدين) ٧) الشهادة (حكمها) ٨) الشهادة (عدد الشهود وصفتهم) (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، ثنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ} ؛ وقال جلّ ثناؤه: {وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} . قال: وكان بيِّناً - فى الآية - الأمرُ بالكتاب: فى الحضر والسفر؛ وذكَرَ اللّه (عزّ وجلّ) الرهنَ: إذا كانوا مسافرين، فلم يجدوا كاتباًوكان معقولا، (واللّه أعلم) فيها: أنهم أُمِرُوا بالكتاب والرهن: احتياطاً لمالك الحق: بالوثيقة؛ والمملوك عليه: بأن لا ينسى ويذكرَ. لا: أنه فَرْضٌَ عليهم: أن يكتبوا، أو يأخذوا رهنا. لقول اللّه عزّوجلّ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}. قال الشافعى: وقول اللّه عزّوجلّ: {ذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ}؛ يحتمل: كلَّ دَيْن؛ ويحتمل: السَّلَفَ خاصةً. وقد ذهب فيه ابن عباس:إلى أنه فى السلف؛ وقلنا به فى كل دين: قياساً عليه؛ لأنه فى معناه.. * * * (أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: أثبت اللّه (عزَّ وجلّ) الولايةَ على السفيه، والضعيف، والذى لا يستطيع أن يُمِلَّ هو: وأمَر وليَّه بالإملاء عنه؛ لأنه أقامه فيما لا غَناء له عنه -: من ماله. - مُقامه. قال: وقد قيل الذى: {لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ} يحتمل: أن يكون المغلوبَ على عقله. وهو أشبهَ معانيه، واللّه أعلم.. * * * وممَّا أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظُ (إجازةً): أنَّ أبا العباس حدثهم: أنا الربيع، قال: قال الشافعى: قال اللّه جل ثناؤه: {وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} .فاحتَمَل أمْرُ اللّه: بالإشهادِ عندَ البيعِ؛ أمريْنِ: (أحدهما): أنْ يكونَ دَلالةً: على ما فيه الحظُّ بالشهادة؛ ومباحُ ترْكُها. لا: حَتْماً؛ يكونُ مَن تَرَكَه عاصياً: بترْكِه. (واحتَمَل): أنْ يكونَ حَتْماً منه؛ يَعصِى مَن ترَكَه: بترْكِه.والذى أختارُ: أن لا يَدَعَ المُتبَايِعانِ الإشهادَ؛ وذلك: أنهما إذا أشهدَا: لم يَبقَ فى أنفسِهِما شىءٌ؛ لأنَّ ذلك:إنْ كان حتْماً: فقد أدَّيَاه؛ وإنْ كان دَلالةً: فقد أخَذا بالحظِّ فيها. قال: وكلُّ ما نَدَبَ اللّه (عز وجل) إليه -: من فرْضٍ، أو دَلالةٍ. -: فهو برَكةٌ على مَن فَعَلَه. ألاَ تَرَى: أنَّ الإشهادَ فى البيعِ، إذا كان دَلالة: كان فيه: أنَّ المُتَبايِعيْنِ، أو أحدَهما: إنْ أراد ظُلماً: قامتْ البَيِّنةُ عليه؛ فيُمنَعُ من الظلم الذى يأثَمُ به. وإن كان تارِكاً:لا يمنعُ منه ولو نسِىَ، أو وَهِمَ -: فجَحَد. -: مُنِع من المأثَم على ذلك: بالبَيِّنةِ؛ وكذلك: ورَثَتُهُما بعدهما.؟!أَوَلاَ تَرَي: أنهما، أو أحدَهما: لو وَكَّل وكيلاً: أنْ يَبيعَ؛ فباع هو رجلاً، وباع وكيلُه آخَرَ -: ولم يُعرَفْ: أىُّ البَيْعَيْنِ أوَّلُ؟-: لم يُعطَ الأولُ: من المشترِيَيْنِ؛ بقولِ البائعِ. ولو كانتْ بَيِّنَةٌ، فأثْبَتَتْ: أيُّهما أوَّلُ؟ -: أُعطِىَ الأولُ؟؟!فالشهادةُ: سببُ قطْعِ المظَالِمِ، وتَثْبِيتِ الحقوقِ. وكلُّ أمْرِ اللّه (جل ثناؤه)، ثم أمْرِ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): الخيرُ الذى لا يَعْتاضُ منه مَن تَرَكَه. قال الشافعى: والذى يُشْبهُ - واللّه أعلمُ؛ وإيَّاهُ أسألُ التوفيقَ -: أنْ يكونَ أمْرَه: بالإشهادِ فى البيعِ؛ دَلالةً؛ لا: حَتْماً له. قال اللّه عز وجل: {وَأَحَلَّ ٱللّه ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا} ؛ فذَكَر: أنَّ البيعَ حلالٌ؛ ولم يَذكُرْ معه بَيِّنَةً.وقال فى آيةِ الدَّيْنِ: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ} ؛ والدَّيْنُ: تَبَايُعٌ؛ وقد أمَر اللّه فيه: بالإشهادِ؛ فبَيَّنَ المعنى: الذى أمَر له: به. فدَلَّ ما بَيَّنَ اللّه فى الدّيْنِ، على أنَّ اللّه أمَر به: على النَّظَرِ والاختيارِ؛ لا: على الحَتْمِ قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ}؛ ثم قال فى سِياقِ الآيةِ:{وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} ؛ فلَمَّا أمَر -: إذا لم يَجِدُوا كاتباً. -: بالرَّهْنِ؛ ثم أباحَ: تَرْكَ الرَّهنِ؛ قال: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي} -: فدَلَّ: على أنَّ الأمرَ الأوَّلَ: دَلالةٌ على الحظِّ؛ لا: فرْضٌ منه، يَعصِى مَن ترَكَه؛ واللّه أعلم.. ثم استَدَلَّ عليه: بالخَبرِ؛ وهو مذكورٌ فى موضعٍ آخَرَ. * * * وبهذا الإسنادِ، قال الشافعى: قال اللّه تبارك: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ}؛ الآيةَ والتى بعدها: ؛ وقال فى سِياقِها:{وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ}. قال الشافعى: فذَكَر اللّه (عز وجل) شُهودَ الزِّنا؛ وذَكَر شُهودَ الطلاقِ والرَّجْعةِ؛ وذَكَر شُهودَ الوَصِيَّة - يعنى: فى قوله تعالى: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} . - فلم يَذكُرْ معهم امرأةً.فوجَدنا شُهودَ الزِّنا: يَشهدون على حَدٍّ، لا: مالٍ: وشُهودَ الطلاقِ والرَّجْعةِ: يشهدون على تحريمٍ بعدَ تحليلٍ، وتَثْبِيتِ تحليلٍ؛ لا مالَ: فى واحدٍ منهما.وذَكَر شُهودَ الوَصِيّةِ: ولا مالَ للمَشْهودِ: أنه وصِىٌّ.ثم: لم أعلَمْ أحداً -: من أهلِ العلمِ. - خالَفَ: فى أنه لا يجوزُ فى الزِّنا، إلاَّ: الرجالُ. وعلِمتُ أكثرَهم قال: ولا فى طلاقٍ ولا رَجْعةٍ: إذا تناكَرَ الزَّوْجانِ. وقالوا ذلك: فى الوَصِيّةِ. فكان ما حكَيْتُ -: من أقاوِيلِهِم. - دَلالةً: على مُوافقةٍ ظاهرِ كتابِ اللّه (عز وجل)؛ وكان أوْلى الأمورِ: أنْ يُقاسَ عليه، ويُصارَ إليه.وذَكَر اللّه (عزوجل) شُهودَ الدَّيْنِ: فذَكَر فيهم النساءَ؛ وكان الدَّيْنُ: أخْذَ مالٍ من المشْهودِ عليه.فالأمر -: على ما فَرَّق اللّه (عز وجل) بيْنَه: من الأحكامِ في الشَّهاداتِ.-: أنْ يُنظَرَ:كلُّ ما شُهِدَ به على أحدٍ، فكان لا يُؤخَذُ منه بالشَّهادةِ نفسِها مالٌ؛ وكان: إنما يَلزَمُ بها حقٌّ غيرُ مالٍ؛ أو شُهِدَ به لرجلٍ: كان لا يَسْتَحِقُّ به مالاً لنفسِه؛ إنما يَسْتَحِقُّ به غيرَ مالٍ -: مِثلُ الوَصِيّةِ، والوَكالةِ، والقِصاصِ، والحُدود، وما أشْبَهَ ذلك. -: فلا يجوزُ فيه إلاَّ شهادةُ الرجالِ.ويُنظَر: كلُّ ما شُهِد به -: ممَّا أخَذ به المشْهودُ له، من المشْهودِ عليه، مالاً. -: فتُجازُ فيه شهادةُ النساءِ معَ الرجالِ؛ لأنه فى مَعنى الموضِع الذى أجازهُنَّ اللّه فيه: فيجوزُ قياساً؛ لا يَختلفُ هذا القولُ، ولا يجوزُ غيرُه. واللّه أعلم.. * * * (أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس الأصَمُّ، أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه تبارك وتعالى: {وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللّه} ؛ يَحتَمِلُ: أنْ يكونَ حَتْماً على مَن دُعِيَ لكتابٍ؛ فإنْ ترَكه تارِكٌ: كان عاصياً. ويَحتَمِلُ: أنْ يكونَ على مَن حَضَر -: من الكُتَّابِ. -: أن لا يُعَطِّلُوا كتابَ حقٍّ بيْن رجُليْنِ؛ فإذا قام به واحدٌ: أجْزَأ عنهم. كما حُقّض عليهم: أنْ يُصَلُّوا على الجَنائزِ ويَدفِنُوها؛ فإذا قام بها مَن يَكْفِيها: أخرَج ذلك مَن تَخلَّف عنها، من المَأْثَمِ. وهذا: أشْبَهُ معانِيه به؛ واللّه أعلم. * * * قال: وقولُ اللّه عز وجل: {وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ} ؛ يَحتَمِلُ ما وصَفتُ: من أن لا يأبَى كلُّ شاهدٍ: ابتُدِىء، فيُدْعَى:ليَشهدَ.ويَحتَمِلُ: أنْ يكونَ فرْضاً على مَن حَضَر الحقَّ: أنْ يَشهدَ منهم مَن فيه الكفايةُ للشهادةِ؛ فإذا شهِدُوا: أخرَجُوا غيرَهم من المأثَم؛ وإنْ ترَك مَن حَضَر، الشهادةَ: خِفتُ حَرَجَهُم؛ بل: لا أشكُّ فيه؛ واللّه أعلم. وهذا: أشْبَهُ معانِيه به؛ واللّه أعلم. قال: فأمَّا مَن سَبَقتْ شهادتُه: بأنْ شَهِد؛ أو عَلِم حقّاً: لمسلمٍ، أو معاهَدٍ -: فلا يَسَعُه التَّخلُّفُ عن تأديَةِ الشهادةِ: مَتى طُلِبتْ منه فى موضعِ مَقْطَعِ الحقِّ.. * * * (أنبأنى) أبو عبداللّه (إجازةً): أن أبا العباس حدثهم: أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمها للّه تعالى): قال اللّه تبارك وتعالى: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} ؛ وقال اللّه تعالى: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ} .فكان الذى يَعرِفُ مَن خُوطِبَ بهذا، أنه أُريد به: الأحرارُ، المَرْضِيُّونَ، المسْلمون. من قِبَلِ: أنَّ رجالَنا ومَن نَرضَى: من أهل دِينِنا؛ لا: المشركون؛ لقطْعِ اللّه الوِلايةَ بيْننا وبيْنهم: بالدِّينِ. و:رجالَنا: أحرارُنا؛ لا: مَمَالِيكُنا؛ الذين: يَغلِبُهم مَن تَملّكَهم، على كثيرٍ: من أمورِهِم. و: أنَّا لا نَرضَى أهلَ الفِسقِ منا؛ و: أنَّ الرِّضَا إنما يَقَعُ على العُدُولِ منا؛ ولا يَقَعُ إلاَّ: على البالِغينَ؛ لأنه إنما خُوطِبَ بالفرائضِ: البالِغُون؛ دُونَ: مَن لم يَبلُغْ.. وبسَطَ الكلامَ فى الدَّلالةِ عليه. (أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): فى قولِ اللّه عز وجل: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ}؛ إلى: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ}، وقولِه تعالى: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ؛ دَلالةٌ: على أنَّ اللّه (عز وجل) إنما عَنَى: المسْلمين؛ دُونَ غيرِهم. ثم ساقَ الكلامَ، إلى أنْ قال: ومَن أجازَ شهادةَ أهلِ الذِّمَّةِ، فأعْدَلُهُم عندَه: أعظَمُهُم باللّه شِرْكاً: أسْجَدُهم للصَّليبِ، وألْزَمُهُم للكَنيسةِ.فإنْ قال قائلٌ: فإنَّ اللّه (عز وجل) يقولُ: {حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ؛ أىْ مِن غيرِ أهلِ دِينِكُم. قال الشافعى: فقد سمِعتُ مَن يَتَأَوَّلُ هذه الآيةَ، على: مِن غيرِ قَبِيلتِكم: من المسْلمين.. قال الشافعى: والتنزيلُ (واللّه أعلم) يدُلُّ على ذلك: لقولِ اللّه تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ} ؛ والصلاةُ المُوَقَّتَةُ:للمسْلمين. ولقولِ اللّه تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} ؛ وإنما القَرابَةُ: بيْن المسْلمين الذين كانوا معَ النبيِّ (صلى اللّه عليه وسلم): من العرَبِ؛ أوْ: بيْنهم وبيْن أهلِ الأوْثانِ. لا: بيْنهم وبيْن أهلِ الذِّمَّةِ. وقولِ اللّه: {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللّه إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ} ؛ فإنما يَتَأثَّمُ من كِتْمانِ الشهادةِ للمسْلمين: المسْلمون؛ لا: أهلُ الذِّمَّةِ. قال الشافعى: وقد سمِعتُ مَن يَذكُرُ: أنها منسوخةٌ بقولِ اللّه عز وجل: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ؛ واللّه أعلم. ثم جَرَى فى سِياقِ كلامِ الشافعىِّ (رحمه اللّه) أنه قال: قلتُ له: إنما ذَكَر اللّه هذه الآيةَ: فى وصِيَّةِ مسْلمٍ: أفَتُجِيزُها: فى وصِيّةِ مسْلمٍ فى السفَرِ؟. قال: لا. قلتُ: أوَ تُحَلِّفُهُم: إذا شهِدُوا.؟. قال: لا قلتُ: ولِمَ: وقد تَأوَّلْتَ: أنها فى وصِيَّةِ مسْلمٍ.؟!. قال: لأنها مَنسُوخةٌ قلت: فإنْ نُسِخَتْ فيما أُنزِلَتْ فيه -: فلِمَ تُثْبِتُها فيما لم تُنْزَلْ فيه؟!.. وأجاب الشافعىُّ (رحمه اللّه) - عن الآيةِ -: بجواب آخَرَ؛ على ما نُقِل عن مُقاتِل بن حَيَّانَ، وغيرِه: فى سببِ نزولِ الآيةِ. وذلك: فيما أخبرَنا أبو سعيد بنُ أبى عمرو، قال: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أخبرنى أبو سعيدٍ: مُعاذُ بن موسى الجَعْفَرِىُّ؛ عن بُكَيْرِ بن مَعروفٍ، عن مُقاتلِ بن حَيَّانَ (قال بُكَيْرٌ: قال مُقاتلٌ: أخذتُ هذا التفسير، عن: مُجاهدٍ، والحسنِ، والضَّحَّاكِ.) -: فى قولِ اللّه عز وجل: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}؛ الآيةَ. -: أنَّ رجليْنِ نَصْرانِيَّيْنِ من أهلِ دَارينَ؛ أحدُهما: تَمِيمىٌّ؛ والآخَرث يَمَانيٌّ؛ (وقال غيرُه: من أهلِ دَارِينَ؛ أحدُهما: تميمٌ؛ والآخَرُ: عَدِىٌّ.) -: صَحبَهما مَوْلًى لقُرَيْشٍ فى تجارةٍ، فركِبُوا البحرَ: ومعَ القُرَشِىِّ مالٌ معلومٌ، قد علِمه أولياؤه - من بيْنِ آنِيَةٍ، وبَزٍ، ورِقَةٍ . - فمرِض القُرَشِىُّ: فجَعَل وصِيّتَه إلى الدَّارِيَّيْنِ؛ فمات، وقبَض الداريَّان المالَ والوصِيّةَ: فدَفَعاه إلى أوْلياءِ الميِّتِ، وجاءا ببعضِ مالِه. فأنكرَ القومُ قِلَّةَ المالِ، فقالوا للدَّارِيّيْنِ: إنَّ صاحِبَنا قد خرَج: ومعه مالٌ أكثرُ مما أتيْتُمُونا به؛ فهل باع شيئاً، أو اشتَرَى شيئاً: فوَضَع فيه؛ أو هل طال مرضُه: فأنفقَ على نفسهِ؟. قالا: لا. قالوا: فإنكما خُنتُمُونا فقبَضُوا المالَ، ورفَعُوا أمْرَهما إلى النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم): فأنزل اللّه تعالى: {يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}؛ إلى آخِرِ الآيةِ. فلمَّا نزَلتْ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ}: أمَرَ النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) الدَّارِيَّيْنِ؛ فقاما بعدَ الصلاةِ، فحَلَفا باللّه رَبِّ السموَاتِ: ما تَرَك موْلاكُم: من المالِ، إلاَّ ما أتَيْناكم به؛ وإنَّا لا نشترِى بأيْمانِنا ثمناً قليلاً: من الدُّنْيا؛ {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللّه إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ}. فلَمَّا حَلَفا: خُلِّىَ سبيلُهما. ثم: إنهم وجَدُوا - بعد ذلك - إناءً: من آنِيةِ الميِّتِ؛ فأُخِذَ الدَّارِيَّان، فقالا: اشترَيْناه منه فى حياتِه؛ وكذَبا؛ فكُلِّفا البَيِّنةَ: فلم يَقدِرا عليها. فرُفِعَ ذلك إلى النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم): فأنزلَ اللّه عزوجل: {فَإِنْ عُثِرَ}؛ يقول: فَإنْ اطُّلِعَ {عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً} يعنى: الدّارِيَّيْنِ؛ أىْ: كَتَما حَقّاً؛ {فَآخَرَانِ}: من أوْلياءِ الميِّتِ؛ {يِقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه}: فيَحلِفانِ باللّه: إنَّ مالَ صاحبِنا كان كذا وكذا؛ وإنّ الذى نَطلُبُ -: قِبَلَ الدّاريَّيْنِ. -لَحَقٌّ؛ {وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ} . فهذا: قولُ الشاهِدَيْنِ أوْلياءِ الميِّت: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ} ؛ يَعنى:الدّارِيّيْنِ والناسَ؛ أنْ يَعُودُوا لِمثْلِ ذلك. قال الشافعى: يَعنى: مَن كان فى مِثْلِ حالِ الدّارِيّيْنِ: من الناس. ولا أعلمُ الآيةَ تَحتَمِلُ معنًى: غيرَ جُمْلَةِ ما قال.وإنما معنى{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}: أيْمانُ بيْنِكم؛ كما سُمِّيَتْ أيْمانُ المُتَلاعِنَيْنِ: شهادةً، واللّه تعالى أعلم.. وبسَطَ الكلامَ فيه، إلى أنْ قال: وليس فى هذا: رَدُّ اليمين، إنما كانتْ يمينُ الدَّارِيَّيْنِ: على ما ادَّعى الورَثةُ: من الخيانةِ: ويمينُ ورَثةِ الميِّتِ: على ما ادّعى الدّارِيَّانِ: أنه صار لهما مِن قِبَلِه.وقولُه عز وجل: {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} ، فذلك (واللّه أعلم): أنّ الأيْمانَ كانتْ عليهم:بدَعْوَى الورثةِ: أنهم اخْتانُوا؛ ثم صار الورَثةُ حالِفينَ: بإقْرارِهم: أنَّ هذا كان للميِّت، وادِّعَائهم شِراءَه منه. فجاز: أنْ يُ قالَ: {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ}: تُثَنَّى عليهم الأيْمانُ. بما يَجِبُ عليهم إنْ صارتْ لهم الأيْمانُ؛ كما يَجبُ على مَن حَلَف لهم.وذلك قوله - واللّه أعلم -: {يِقُومَانِ مَقَامَهُمَا}. فيُحْلَفَانِ كما أُحْلِفا.وإذا كان هذا كما وَصَفْتُ: فليْستْ هذه الآيةُ: ناسِخةً، ولا مَنسُوخةً.. قال الشيخ: وقد روَيْنا عن ابن عباس، ما دَلَّ: على صحةِ ما قال مُقاتلُ بن حَيَّانَ. ويَحتَمِلُ: أنْ يكونَ المرادُ بقوله تعالى:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ} -: الشهادةَ نفسَها. وهو: أنْ يكونَ للمُدَّعِى اثْنانِ ذَوَا عدْلٍ -: من المسلمين. - يَشهَدان لهم بما ادَّعَوْا على الدّارِيّيْنِ. من الخِيانةِ. ثم قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}؛ يَعنى: إذا لم يكنْ للمُدَّعِينَ: منكم؛ بَيِّنةٌ -: فآخَرَانِ: من غيرِكم؛ يَعنى: فالدّارِيّان - اللّذانِ ادُّعِى عليهما. - يُحْبَسانِ من بعدِ الصلاةِ. {فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه}؛ يعنى. يَحْلِفَانِ على إنكارِ ما ادُّعِىَ عليهما؛ على ما حكاه مُقاتلٌ، واللّه أعلم. (أنا) أبو سعيدٍ، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعي: والحُجَّةُ فيما وَصفْتُ -: من أنْ يُسْتَحْلَفَ الناسُ: فيما بيْن البَيْتِ والمَقامِ، وعلى مِنْبَرِ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، وبعدَ العصْرِ. -: قولُه تبارك وتعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه} ؛ وقال المفسِّرون: هى صلاةُ العصرِ.. ثم ذَكَر. شهادةَ المُتَلاعِنَيْن، وغيرَها. ٢٨٤{ للّه ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللّه فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللّه عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ١) تفسير (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، حدثنى أبو بكر أحمد بن محمد بن أيوب الفارسى المفسر. أنا أبو بكر محمد بن صالح ابن الحسن البستانى بشيراز، نا الربيع بن سليمان المرادى، نا محمد بن إدريس الشافعى (رحمه اللّه)، أنا ابراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن مرجانة: قال عكرمة لابن عباس: إن ابن عمر تلا هذه الآية: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللّه} ؛ فبكى، ثم قال: واللّه لئن أخذنا اللّه بها لنهلكن. فقال ابن عباس: يرحم اللّه أبا عبد الرحمن؛ قد وجد المسلمون منها - حين نزلت - ما وجد؛ فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى لاله عليه وسلم؛ فنزلت: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} من القول والعمل. وكان حديث النفس مما لا يملكه أحد، ولا يقدر عليه أحد. ٢٨٦{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } ١) تفسير ٢) الجهاد (على من يجب) ٣) الجهاد (المهادنة) (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، حدثنى أبو بكر أحمد بن محمد بن أيوب الفارسى المفسر. أنا أبو بكر محمد بن صالح ابن الحسن البستانى بشيراز، نا الربيع بن سليمان المرادى، نا محمد بن إدريس الشافعى (رحمه اللّه)، أنا ابراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن مرجانة: قال عكرمة لابن عباس: إن ابن عمر تلا هذه الآية: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللّه} ؛ فبكى، ثم قال: واللّه لئن أخذنا اللّه بها لنهلكن. فقال ابن عباس: يرحم اللّه أبا عبد الرحمن؛ قد وجد المسلمون منها - حين نزلت - ما وجد؛ فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى لاله عليه وسلم؛ فنزلت: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} من القول والعمل. وكان حديث النفس مما لا يملكه أحد، ولا يقدر عليه أحد. * * * وبهذا الإسناد، قال الشافعى: فَرَض اللّه (عز وجل): قتالَ غيرِ أهلِ الكتابِ حتى يُسلِموا، وأهلِ الكتابِ حتى يُعْطُوا الجِزْيَة قال: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} . فبِذَا فُرِض على المسلمين ما أطاقُوه؛ فإذا عَجَزُوا عنه: فإنما كُلِّفُوا منه ما أطاقُوه؛ فلا بأسَ: أنْ يَكُفُّوا عن قتالِ الفَرِيقَيْنِ: من المشركينَ؛ وأنْ يُهَادِنُوهُم. ثم ساق الكلامَ، إلى أن قال: فهادَنَهُم رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (يعنى: أهلَ مكةَ، بالحُدَيْبِيَةِ) فكانتْ الهُدْنةُ بيْنه وبيْنهم عَشْرَ سِنِينَ؛ ونَزَل عليه - فى سفرِه - فى أمرِهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللّه} . قال الشافعى: قال ابن شهاب: فما كان فى الإسلام فَتْحٌ أعْظمَ منه.. وذَكَر: دُخولَ الناسِ فى الإسلامِ: حينَ أمِنُوا. وذَكَر الشافعى - فى مُهَادَنَةِ مَن يَقْوَى على قتاله -: أنه ليس له مُهادَنَتُهم على النَّظَرِ: على غيرِ جِزْيةٍ؛ أكثرَ من أربعةِ أشهرٍ. لقوله عز وجل: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} . قال الشافعى: لمَّا قَوِىَ أهلُ الإسلامِ: أنزَل اللّه (تعالى) على النبى (صلى اللّه عليه وسلم) مَرْجِعَه من تَبُوكَ: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ}.. ثم ساق الكلامَ. إلى أن قال: فقيل: كان الذين عاهدُوا النبىَّ (صلى اللّه عليه وسلم): قوماً مُوَادِعِينَ، إلى غيرِ مُدَّةٍ معلومةٍ. فجَعلَها اللّه (عز وجل): أربعةَ أشهرٍ؛ ثم جَعلَها رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كذلك. وأمَرَ اللّه نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى قوم -: عاهدَهم إلى مدةٍ، قبلَ نزولِ الآية. -: أنْ يُتِمَّ إليهم عهدَهم، إلى مُدَّتِهم: ما استقاموا له؛ ومَن خاف منه خِيانةً -: منهم - نَبَذَ إليه. فلم يَجُزْ: أنْ يُسْتَأنَفَ مدَّةٌ، بعدَ نزولِ الآيةِ -: وبالمسلمينَ قُوَّةٌ . - إلى أكثرَ من أربعةِ أشهرٍ. |
﴿ ٠ ﴾