١٠٦

{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللّه عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

١) النسخفصل فى النسخ

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع

قال:

قال الشافعى رحمه اللّه: إن اللّه خلق الناس لما سبق فى علمه مما أراد بخلقهم وبهم، {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ}  وأنزل الكتاب عليهم {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ}  وفرض فيه. فرائض أثبتها، وأخرى نسخها، رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم. زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم: جنته والنجاة من عذابه. فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ، فله الحمد على نعمه. وأبان اللّه لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب وإنما هى تبع للكتاب بمثل ما نزل نصاً، ومفسرة معنى ما أنزل اللّه منه جملا. قال اللّه تعالى: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}  فأخبر اللّه (عز وجل): أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه، ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه وفى قوله: {مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ} بيان ما وصفت: من أنه لا ينسخ كتاب اللّه إلا كِتَابهُ كما كان المبتدىءَ لفرضه: فهو المزيل المثبت لما شاء منه (جل ثناؤه)؛ ولا يكون ذلك لأحد من خلقه لذلك

قال: {يَمْحُواْ ٱللّه مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ}  قيل يمحو فرض ما يشاء ويثبت فرض ما يشاء وهذا يشبه ما قيل واللّه أعلم. وفى كتاب اللّه دلالة عليه: قال اللّه عز وجل: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} . فأخبر اللّه (عز وجل): أن نسخ القرآن، وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله.

قال: {وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللّه أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ} . وهكذا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا ينسخها إلا سنة لرسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وبسط الكلام فيه.

قال الشافعى: وقد قال بعض أهل العلم - فى قوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ} - واللّه أعلم - دلالةٌ على أن اللّه تعالى جعل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل به كتاباً. واللّه أعلم.

(أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ، نا أبو العباس - هو: الأصم - أنا الربيع: أن الشافعى رحمه اللّه

قال: قال اللّه تبارك وتعالى فى الصلاة: {إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً}  فبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلمعن اللّه عز وجل تلك المواقيت؛ وصلى الصلوات لوقتها، فحوصر يوم الأحزاب، فلم يقدر على الصلاة فى وقتها، فأخرها للعذر، حتى صلى الظهر، والعصر والمغرب، والعشاء فى مقام واحد.

قال الشافعى رحمه اللّه: أنا ابن أبى فُدَيْك، عن ابن أبى ذئب، عن المقْبُرىّ، عن عبدالرحمن بن أبى سعيد الخدرى، عن أبيه

قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بِهُوِىّ من الليل حتى كفينا، وذلك قول اللّه عز وجل: {وَكَفَى ٱللّه ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ} .

قال: فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلالا، فأمره فأقام الظهر فصلاها، فأحسن صلاتها كما كان يصليها فى وقتها؛ ثم أقام العصر فصلاها هكذا؛ ثم أقام المغرب فصلاها كذلك؛ ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضاً، وذلك قبل أن يقول اللّه فى صلاة الخوف: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} 

قال الشافعى رحمه اللّه: فبين أبو سعيد: أن ذلك قبل أن ينزل اللّه على النبى صلى اللّه عليه وسلم الآية التى ذكرت فيها صلاة الخوف وهى قول اللّه عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ} الآية 

قال تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ} الآية . وذكر الشافعى رحمه اللّه حديث صالح ابن خَوّات عمن صلى مع النبى صلى اللّه عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرِّقَاع. ثم

قال: وفى هذا دلالة على ما وصفت: من أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سن سنة، فأحدث اللّه فى تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها -: سن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سنة تقوم الحجة على الناس بها، حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التى بعدها -.

قال: فنسخ اللّه تأخير الصلاة عن وقتها فى الخوف إلى أن يصلوها - كما أمر اللّه فى وقتها ونسخ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سنته فى تأخيرها، بفرض اللّه فى كتابه ثم بسنته، فصلاها فى وقتها كما وصفنا

قال الشافعى رحمه اللّه: أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر - أُراه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم - فذكر صلاة الخوف ف

قال: إن كان خوفاً أشد من ذلك: صلوا رجالا وركبانا، مستقبلى القبلة وغير مستقبليها.

قال: فدلت سنة رسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، على ما وصفت. من أن القبلة فى المكتوبة على فرضها أبداً، إلا فى الموضع الذى لا يمكن فيه الصلاة إليها، وذلك عند المسايفة والهرب؛ وما كان فى المعنى الذى لا يمكن فيه الصلاة إليها وبينت السنة فى هذا أن لا تترك الصلاة فى وقتها كيف ما أمكنت المصلى.

﴿ ١٠٦