١٨٣-١٨٥{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللّه بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللّه عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ١) أصول فقه (العام والخاص) ٢) الصوم (زمانه) ٣) الصيام (فرضيته) ٤) الصوم (أعذار الفطر) ٥) الصيام (الفدية)فصل فى معرفة العموم والخصوص (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى رحمه اللّه: قال اللّه تبارك تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} . قال تعالى: {خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ} . قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللّه رِزْقُهَا} . فهذا عام لا خاص فيهِ، فكل شىء: من سماء، وأرض، وذى روح، وشجر، وغير ذلك - فاللّه خالقه. وكل دابة فعلى اللّه رزقها ويعلمُ مُستقرَّها ومُستودَعَها، وقال عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ} . قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ * فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية: . قال تعالى: {إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} الآية . قال الشافعي: فبين فى كتاب اللّه أن فى هاتين الآيتين العموم والخصوص. فأما العموم منها ففى قوله عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ} . فكل نفس خوطب بهذا فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقبله وبعده -مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل.والخاص منها فى قوله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ} لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها -: من البالغين من بنى آدم - دون المخلوقين من الدواب سواهم، ودون المغلوب على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم. فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها. وفى السنة دلالة عليه؛ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: رُفعَ القلمُ عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبى حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق. قال الشافعى رحمه اللّه: وهكذا التنزيل فى الصوم، والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله، ودون الحيض فى أيام حيضهن. * * * (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه (تبارك وتعالى) فى شهر رمضان: {وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللّه عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} . قال: فسمعت من أرضى -: من أهل العلم بالقرآن. - يقول: (لتكملوا العدة): عدة صوم شهر رمضان؛ (ولتكبرُوا اللّه): عند إكماله؛ {عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ}؛ وإكماله: مغيب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان. وما أشبه ما قال، بما قال. واللّه أعلم.. * * *مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فى الصِّيَامِ قرأتُ - فى رواية المزنى، عن الشافعى - أنه قال: قال اللّه جلّ ثناؤه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} ؛ ثم أبان: أن هذه الأيامَ: شهرُ رمضانَ؛ بقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ} ؛ إلى قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ..وكان بَيِّناً - فى كتاب اللّه عزّ وجلّ -: أنّه لا يجب صومٌ، إلا صومُ شهر رمضان. وكان عِلْمُ شهر رمضان - عند من خوطب باللسان -: أنه الذى بَيْنَ شعبانَ وشوَّال.. وذكره - فى رواية حرملة عنه - بمعناه، وزاد؛ قال: فلما أعلم اللّه الناس: أنَّ فَرْضَ الصوم عليهم: شهرُ رمضان؛ وكانت الأعاجم: تَعُدُّ الشهورَ بالأيام، لا بالأهِلَّةِ:وتذهب: إلى أن الحساب - إذا عدت الشهور بالأهلة - يختلف.-: فأبانَ اللّه تعالى: أن الأهلة هى: المواقيت للناس والحجّ؛ وذكر الشهور، ف قال: {إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللّه ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللّه} ؛ فدلّ على أن الشهور للأهلة _: إذ جعلها المواقيت - لا ما ذهبت إليه الأعاجم: من العدد بغير الأهلة.ثم بين رسولُ اللّه (صلى اللّه عليهِ وسلم) ذلك، على ما أنزل اللّه (عزَّ وجلَّ)؛ وبين: أن الشهر: تسع وعشرون؛ يعنى: أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين. وذلك: أنهم قد يكونون يعلمون: أن الشهر يكون ثلاثين؛ فأعلمهم:أنه قد يكون تسعاً وعشرين؛ وأعلمهم: أن ذلك للأهلة.. * * * (أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: قال اللّه (تعالى) فى فرض الصوم: {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ}؛ إلى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فَبَيَّنَ - فى الآية -: أنه فرض الصيام عليهم عِدَّةً، وجعل لهم: أن يفطروا فيها: مرضي ومسافرين؛ ويُخصوا حتى يُكملوا العدَّة. وأخبر أنه أراد بهم اليسر.وكان قول اللّه عزّوجلّ: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ يحتمل معنيين: (أحدهما): أن لا يجعل عليهم صوم شهر رمضان: مرضى ولا مسافرين؛ ويجعلَ عليهم عدداً - إذا مضى السفر والمرض -: من أيام أخر. (ويحتمل): أن يكون إنما أمرهم بالفطر فى هاتين الحالتين: على الرخصة إن شاءوا؛ لئلا يُحْرَجُوا إن فعلوا..وكان فرض الصوم، والأمرُ بالفطر فى المرض والسفر -: فى آية واحدة. ولم أعلم مخالفاً: أن كل آية إنما أنزلت متتابعةً، لا مفرَّقة. وقد تنزل الآيتان فى السورة مفرقتين؛ فأما آية: فلا؛ لأن معنى الآية: أنها كلام واحد غير منقطع، يُسْتَأنَفُ بعده غيرُه وقال فى موضع آخرَ من هذه المسألة: لأن معنى الآية: معنى قَطْع الكلام..فإذ صام رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى شهر رمضان -: وفرضُ شهر رمضان إنما أنزل فى الآية. -: علمنا أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصةٌ.. قال الشافعى (رحمه اللّه): فمن أفطر أياما من رمضان - من عذر -: قضاهنَّ متفرقات، أو مجتمعات. وذلك: أن اللّه (عزَّوجلَّ) قال: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ ولم يذكرهنّ متتابعات.. * * * وبهذا الإسناد، قال: قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} فقيل: (يطيقونه): كانوا يطيقونه ثم عجزوا؛ فعليهم -فى كل يوم -: طعام مسكين.. فى كتاب الصيام (وذلك: بالإجازة.) قال: والحال (التى يترك بها الكبير الصوم): أن يجهده الجهد غير المحتمل. وكذلك: المريضُ والحامل: إن زاد مرض المريض زيادةً بَيِّنَةً: أفطر؛ وإن كانت زيادة محتملة: لم يفطر. والحامل إذا خافت على ولدها: أفطرت. وطكذلك المرضع: إذا أضرّ بلبنها الإضرار البيِّن.. وبسط الكلام فى شرحه. وقال فى القديم (رواية الزعفرانى عنه): سمعتُ من أصحابنا، مَنْ نقلوا - إذا سئل عن تأويل قوله تعالى: {وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. - فكأنه يُتَأَوَّلُ: إذا لم يُطِقِ الصومَ: الفديةُ. |
﴿ ١٨٣ ﴾