٢٨٢-٢٨٣

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْل...}

١) الدَّيْن

٢) الرهن

٣) تفسير (السفيه)

٤) الشهادة (في البيوع)

٥) الشهادة (في الدين)

٦) المعاملات (لزوم إجابة الكاتب لكتابة الدين)

٧) الشهادة (حكمها)

٨) الشهادة (عدد الشهود وصفتهم)

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، ثنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ} ؛

وقال جلّ ثناؤه: {وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} .

قال: وكان بيِّناً - فى الآية - الأمرُ بالكتاب: فى الحضر والسفر؛ وذكَرَ اللّه (عزّ وجلّ) الرهنَ: إذا كانوا مسافرين، فلم يجدوا كاتباًوكان معقولا، (واللّه أعلم) فيها: أنهم أُمِرُوا بالكتاب والرهن: احتياطاً لمالك الحق: بالوثيقة؛ والمملوك عليه: بأن لا ينسى ويذكرَ. لا: أنه فَرْضٌَ عليهم: أن يكتبوا، أو يأخذوا رهنا. لقول اللّه عزّوجلّ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}.

قال الشافعى: وقول اللّه عزّوجلّ: {ذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ}؛ يحتمل: كلَّ دَيْن؛ ويحتمل: السَّلَفَ خاصةً. وقد ذهب فيه ابن عباس:إلى أنه فى السلف؛ وقلنا به فى كل دين: قياساً عليه؛ لأنه فى معناه..

* * *

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: أثبت اللّه (عزَّ وجلّ) الولايةَ على السفيه، والضعيف، والذى لا يستطيع أن يُمِلَّ هو: وأمَر وليَّه بالإملاء عنه؛ لأنه أقامه فيما لا غَناء له عنه -: من ماله. - مُقامه.

قال: وقد قيل الذى: {لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ} يحتمل: أن يكون المغلوبَ على عقله. وهو أشبهَ معانيه، واللّه أعلم..

* * *

وممَّا أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظُ (إجازةً): أنَّ أبا العباس حدثهم: أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه جل ثناؤه: {وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} .فاحتَمَل أمْرُ اللّه: بالإشهادِ عندَ البيعِ؛ أمريْنِ: (أحدهما): أنْ يكونَ دَلالةً: على ما فيه الحظُّ بالشهادة؛ ومباحُ ترْكُها. لا: حَتْماً؛ يكونُ مَن تَرَكَه عاصياً: بترْكِه. (واحتَمَل): أنْ يكونَ حَتْماً منه؛ يَعصِى مَن ترَكَه: بترْكِه.والذى أختارُ: أن لا يَدَعَ المُتبَايِعانِ الإشهادَ؛ وذلك: أنهما إذا أشهدَا: لم يَبقَ فى أنفسِهِما شىءٌ؛ لأنَّ ذلك:إنْ كان حتْماً: فقد أدَّيَاه؛ وإنْ كان دَلالةً: فقد أخَذا بالحظِّ فيها.

قال: وكلُّ ما نَدَبَ اللّه (عز وجل) إليه -: من فرْضٍ، أو دَلالةٍ. -: فهو برَكةٌ على مَن فَعَلَه. ألاَ تَرَى: أنَّ الإشهادَ فى البيعِ، إذا كان دَلالة: كان فيه: أنَّ المُتَبايِعيْنِ، أو أحدَهما: إنْ أراد ظُلماً: قامتْ البَيِّنةُ عليه؛ فيُمنَعُ من الظلم الذى يأثَمُ به. وإن كان تارِكاً:لا يمنعُ منه ولو نسِىَ، أو وَهِمَ -: فجَحَد. -: مُنِع من المأثَم على ذلك: بالبَيِّنةِ؛ وكذلك: ورَثَتُهُما بعدهما.؟!أَوَلاَ تَرَي: أنهما، أو أحدَهما: لو وَكَّل وكيلاً: أنْ يَبيعَ؛ فباع هو رجلاً، وباع وكيلُه آخَرَ -: ولم يُعرَفْ: أىُّ البَيْعَيْنِ أوَّلُ؟-: لم يُعطَ الأولُ: من المشترِيَيْنِ؛ بقولِ البائعِ. ولو كانتْ بَيِّنَةٌ، فأثْبَتَتْ: أيُّهما أوَّلُ؟ -: أُعطِىَ الأولُ؟؟!فالشهادةُ: سببُ قطْعِ المظَالِمِ، وتَثْبِيتِ الحقوقِ. وكلُّ أمْرِ اللّه (جل ثناؤه)، ثم أمْرِ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): الخيرُ الذى لا يَعْتاضُ منه مَن تَرَكَه.

قال الشافعى: والذى يُشْبهُ - واللّه أعلمُ؛ وإيَّاهُ أسألُ التوفيقَ -: أنْ يكونَ أمْرَه: بالإشهادِ فى البيعِ؛ دَلالةً؛ لا: حَتْماً له. قال اللّه عز وجل: {وَأَحَلَّ ٱللّه ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا} ؛ فذَكَر: أنَّ البيعَ حلالٌ؛ ولم يَذكُرْ معه بَيِّنَةً.وقال فى آيةِ الدَّيْنِ: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ} ؛ والدَّيْنُ: تَبَايُعٌ؛ وقد أمَر اللّه فيه: بالإشهادِ؛ فبَيَّنَ المعنى: الذى أمَر له: به. فدَلَّ ما بَيَّنَ اللّه فى الدّيْنِ، على أنَّ اللّه أمَر به: على النَّظَرِ والاختيارِ؛ لا: على الحَتْمِ قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ}؛ ثم قال فى سِياقِ الآيةِ:{وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} ؛ فلَمَّا أمَر -: إذا لم يَجِدُوا كاتباً. -: بالرَّهْنِ؛ ثم أباحَ: تَرْكَ الرَّهنِ؛

قال: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي} -: فدَلَّ: على أنَّ الأمرَ الأوَّلَ: دَلالةٌ على الحظِّ؛ لا: فرْضٌ منه، يَعصِى مَن ترَكَه؛ واللّه أعلم..

ثم استَدَلَّ عليه: بالخَبرِ؛ وهو مذكورٌ فى موضعٍ آخَرَ.

* * *

وبهذا الإسنادِ،

قال الشافعى: قال اللّه تبارك: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ}؛ الآيةَ والتى بعدها: ؛ وقال فى سِياقِها:{وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ}.

قال الشافعى: فذَكَر اللّه (عز وجل) شُهودَ الزِّنا؛ وذَكَر شُهودَ الطلاقِ والرَّجْعةِ؛ وذَكَر شُهودَ الوَصِيَّة - يعنى: فى قوله تعالى: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} . - فلم يَذكُرْ معهم امرأةً.فوجَدنا شُهودَ الزِّنا: يَشهدون على حَدٍّ، لا: مالٍ: وشُهودَ الطلاقِ والرَّجْعةِ: يشهدون على تحريمٍ بعدَ تحليلٍ، وتَثْبِيتِ تحليلٍ؛ لا مالَ: فى واحدٍ منهما.وذَكَر شُهودَ الوَصِيّةِ: ولا مالَ للمَشْهودِ: أنه وصِىٌّ.ثم: لم أعلَمْ أحداً -: من أهلِ العلمِ. - خالَفَ: فى أنه لا يجوزُ فى الزِّنا، إلاَّ: الرجالُ. وعلِمتُ أكثرَهم

قال: ولا فى طلاقٍ ولا رَجْعةٍ: إذا تناكَرَ الزَّوْجانِ. وقالوا ذلك: فى الوَصِيّةِ. فكان ما حكَيْتُ -: من أقاوِيلِهِم. - دَلالةً: على مُوافقةٍ ظاهرِ كتابِ اللّه (عز وجل)؛ وكان أوْلى الأمورِ: أنْ يُقاسَ عليه، ويُصارَ إليه.وذَكَر اللّه (عزوجل) شُهودَ الدَّيْنِ: فذَكَر فيهم النساءَ؛ وكان الدَّيْنُ: أخْذَ مالٍ من المشْهودِ عليه.فالأمر -: على ما فَرَّق اللّه (عز وجل) بيْنَه: من الأحكامِ في الشَّهاداتِ.-: أنْ يُنظَرَ:كلُّ ما شُهِدَ به على أحدٍ، فكان لا يُؤخَذُ منه بالشَّهادةِ نفسِها مالٌ؛ وكان: إنما يَلزَمُ بها حقٌّ غيرُ مالٍ؛ أو شُهِدَ به لرجلٍ: كان لا يَسْتَحِقُّ به مالاً لنفسِه؛ إنما يَسْتَحِقُّ به غيرَ مالٍ -: مِثلُ الوَصِيّةِ، والوَكالةِ، والقِصاصِ، والحُدود، وما أشْبَهَ ذلك. -: فلا يجوزُ فيه إلاَّ شهادةُ الرجالِ.ويُنظَر: كلُّ ما شُهِد به -: ممَّا أخَذ به المشْهودُ له، من المشْهودِ عليه، مالاً. -: فتُجازُ فيه شهادةُ النساءِ معَ الرجالِ؛ لأنه فى مَعنى الموضِع الذى أجازهُنَّ اللّه فيه: فيجوزُ قياساً؛ لا يَختلفُ هذا القولُ، ولا يجوزُ غيرُه. واللّه أعلم..

* * *

(أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس الأصَمُّ، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه تبارك وتعالى: {وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللّه} ؛ يَحتَمِلُ: أنْ يكونَ حَتْماً على مَن دُعِيَ لكتابٍ؛ فإنْ ترَكه تارِكٌ: كان عاصياً. ويَحتَمِلُ: أنْ يكونَ على مَن حَضَر -: من الكُتَّابِ. -: أن لا يُعَطِّلُوا كتابَ حقٍّ بيْن رجُليْنِ؛ فإذا قام به واحدٌ: أجْزَأ عنهم. كما حُقّض عليهم: أنْ يُصَلُّوا على الجَنائزِ ويَدفِنُوها؛ فإذا قام بها مَن يَكْفِيها: أخرَج ذلك مَن تَخلَّف عنها، من المَأْثَمِ. وهذا: أشْبَهُ معانِيه به؛ واللّه أعلم.

* * *

قال: وقولُ اللّه عز وجل: {وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ} ؛ يَحتَمِلُ ما وصَفتُ: من أن لا يأبَى كلُّ شاهدٍ: ابتُدِىء، فيُدْعَى:ليَشهدَ.ويَحتَمِلُ: أنْ يكونَ فرْضاً على مَن حَضَر الحقَّ: أنْ يَشهدَ منهم مَن فيه الكفايةُ للشهادةِ؛ فإذا شهِدُوا: أخرَجُوا غيرَهم من المأثَم؛ وإنْ ترَك مَن حَضَر، الشهادةَ: خِفتُ حَرَجَهُم؛ بل: لا أشكُّ فيه؛ واللّه أعلم.

وهذا: أشْبَهُ معانِيه به؛ واللّه أعلم.

قال: فأمَّا مَن سَبَقتْ شهادتُه: بأنْ شَهِد؛ أو عَلِم حقّاً: لمسلمٍ، أو معاهَدٍ -: فلا يَسَعُه التَّخلُّفُ عن تأديَةِ الشهادةِ: مَتى طُلِبتْ منه فى موضعِ مَقْطَعِ الحقِّ..

* * *

(أنبأنى) أبو عبداللّه (إجازةً): أن أبا العباس حدثهم: أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمها للّه تعالى): قال اللّه تبارك وتعالى: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} ؛ وقال اللّه تعالى: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ} .فكان الذى يَعرِفُ مَن خُوطِبَ بهذا، أنه أُريد به: الأحرارُ، المَرْضِيُّونَ، المسْلمون. من قِبَلِ: أنَّ رجالَنا ومَن نَرضَى: من أهل دِينِنا؛ لا: المشركون؛ لقطْعِ اللّه الوِلايةَ بيْننا وبيْنهم: بالدِّينِ. و:رجالَنا: أحرارُنا؛ لا: مَمَالِيكُنا؛ الذين: يَغلِبُهم مَن تَملّكَهم، على كثيرٍ: من أمورِهِم. و: أنَّا لا نَرضَى أهلَ الفِسقِ منا؛ و: أنَّ الرِّضَا إنما يَقَعُ على العُدُولِ منا؛ ولا يَقَعُ إلاَّ: على البالِغينَ؛ لأنه إنما خُوطِبَ بالفرائضِ: البالِغُون؛ دُونَ: مَن لم يَبلُغْ.. وبسَطَ الكلامَ فى الدَّلالةِ عليه.

(أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): فى قولِ اللّه عز وجل: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ}؛ إلى: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ}، وقولِه تعالى: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ؛ دَلالةٌ: على أنَّ اللّه (عز وجل) إنما عَنَى: المسْلمين؛ دُونَ غيرِهم.

ثم ساقَ الكلامَ، إلى أنْ

قال: ومَن أجازَ شهادةَ أهلِ الذِّمَّةِ، فأعْدَلُهُم عندَه: أعظَمُهُم باللّه شِرْكاً: أسْجَدُهم للصَّليبِ، وألْزَمُهُم للكَنيسةِ.فإنْ قال قائلٌ: فإنَّ اللّه (عز وجل) يقولُ: {حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ؛ أىْ مِن غيرِ أهلِ دِينِكُم.

قال الشافعى: فقد سمِعتُ مَن يَتَأَوَّلُ هذه الآيةَ، على: مِن غيرِ قَبِيلتِكم: من المسْلمين..

قال الشافعى: والتنزيلُ (واللّه أعلم) يدُلُّ على ذلك: لقولِ اللّه تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ} ؛ والصلاةُ المُوَقَّتَةُ:للمسْلمين. ولقولِ اللّه تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} ؛ وإنما القَرابَةُ: بيْن المسْلمين الذين كانوا معَ النبيِّ (صلى اللّه عليه وسلم): من العرَبِ؛ أوْ: بيْنهم وبيْن أهلِ الأوْثانِ. لا: بيْنهم وبيْن أهلِ الذِّمَّةِ. وقولِ اللّه: {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللّه إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ} ؛ فإنما يَتَأثَّمُ من كِتْمانِ الشهادةِ للمسْلمين: المسْلمون؛ لا: أهلُ الذِّمَّةِ.

قال الشافعى: وقد سمِعتُ مَن يَذكُرُ: أنها منسوخةٌ بقولِ اللّه عز وجل: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ؛ واللّه أعلم.

ثم جَرَى فى سِياقِ كلامِ الشافعىِّ (رحمه اللّه) أنه

قال: قلتُ له: إنما ذَكَر اللّه هذه الآيةَ: فى وصِيَّةِ مسْلمٍ: أفَتُجِيزُها: فى وصِيّةِ مسْلمٍ فى السفَرِ؟.

قال: لا. قلتُ: أوَ تُحَلِّفُهُم: إذا شهِدُوا.؟.

قال: لا قلتُ: ولِمَ: وقد تَأوَّلْتَ: أنها فى وصِيَّةِ مسْلمٍ.؟!.

قال: لأنها مَنسُوخةٌ قلت: فإنْ نُسِخَتْ فيما أُنزِلَتْ فيه -: فلِمَ تُثْبِتُها فيما لم تُنْزَلْ فيه؟!..

وأجاب الشافعىُّ (رحمه اللّه) - عن الآيةِ -: بجواب آخَرَ؛ على ما نُقِل عن مُقاتِل بن حَيَّانَ، وغيرِه: فى سببِ نزولِ الآيةِ.

وذلك: فيما أخبرَنا أبو سعيد بنُ أبى عمرو،

قال: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أخبرنى أبو سعيدٍ: مُعاذُ بن موسى الجَعْفَرِىُّ؛ عن بُكَيْرِ بن مَعروفٍ، عن مُقاتلِ بن حَيَّانَ (قال بُكَيْرٌ: قال مُقاتلٌ: أخذتُ هذا التفسير، عن: مُجاهدٍ، والحسنِ، والضَّحَّاكِ.) -: فى قولِ اللّه عز وجل: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}؛ الآيةَ. -: أنَّ رجليْنِ نَصْرانِيَّيْنِ من أهلِ دَارينَ؛ أحدُهما: تَمِيمىٌّ؛ والآخَرث يَمَانيٌّ؛ (وقال غيرُه: من أهلِ دَارِينَ؛ أحدُهما: تميمٌ؛ والآخَرُ: عَدِىٌّ.) -: صَحبَهما مَوْلًى لقُرَيْشٍ فى تجارةٍ، فركِبُوا البحرَ: ومعَ القُرَشِىِّ مالٌ معلومٌ، قد علِمه أولياؤه - من بيْنِ آنِيَةٍ، وبَزٍ، ورِقَةٍ . - فمرِض القُرَشِىُّ: فجَعَل وصِيّتَه إلى الدَّارِيَّيْنِ؛ فمات، وقبَض الداريَّان المالَ والوصِيّةَ: فدَفَعاه إلى أوْلياءِ الميِّتِ، وجاءا ببعضِ مالِه. فأنكرَ القومُ قِلَّةَ المالِ، فقالوا للدَّارِيّيْنِ: إنَّ صاحِبَنا قد خرَج: ومعه مالٌ أكثرُ مما أتيْتُمُونا به؛ فهل باع شيئاً، أو اشتَرَى شيئاً: فوَضَع فيه؛ أو هل طال مرضُه: فأنفقَ على نفسهِ؟. قالا: لا. قالوا: فإنكما خُنتُمُونا فقبَضُوا المالَ، ورفَعُوا أمْرَهما إلى النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم): فأنزل اللّه تعالى: {يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}؛ إلى آخِرِ الآيةِ. فلمَّا نزَلتْ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ}: أمَرَ النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) الدَّارِيَّيْنِ؛ فقاما بعدَ الصلاةِ، فحَلَفا باللّه رَبِّ السموَاتِ: ما تَرَك موْلاكُم: من المالِ، إلاَّ ما أتَيْناكم به؛ وإنَّا لا نشترِى بأيْمانِنا ثمناً قليلاً: من الدُّنْيا؛ {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللّه إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ}. فلَمَّا حَلَفا: خُلِّىَ سبيلُهما. ثم: إنهم وجَدُوا - بعد ذلك - إناءً: من آنِيةِ الميِّتِ؛ فأُخِذَ الدَّارِيَّان، فقالا: اشترَيْناه منه فى حياتِه؛ وكذَبا؛ فكُلِّفا البَيِّنةَ: فلم يَقدِرا عليها. فرُفِعَ ذلك إلى النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم): فأنزلَ اللّه عزوجل: {فَإِنْ عُثِرَ}؛ يقول: فَإنْ اطُّلِعَ {عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً} يعنى: الدّارِيَّيْنِ؛ أىْ: كَتَما حَقّاً؛ {فَآخَرَانِ}: من أوْلياءِ الميِّتِ؛ {يِقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه}: فيَحلِفانِ باللّه: إنَّ مالَ صاحبِنا كان كذا وكذا؛ وإنّ الذى نَطلُبُ -: قِبَلَ الدّاريَّيْنِ. -لَحَقٌّ؛ {وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ} . فهذا: قولُ الشاهِدَيْنِ أوْلياءِ الميِّت: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ} ؛ يَعنى:الدّارِيّيْنِ والناسَ؛ أنْ يَعُودُوا لِمثْلِ ذلك.

قال الشافعى: يَعنى: مَن كان فى مِثْلِ حالِ الدّارِيّيْنِ: من الناس. ولا أعلمُ الآيةَ تَحتَمِلُ معنًى: غيرَ جُمْلَةِ ما قال.وإنما معنى{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}: أيْمانُ بيْنِكم؛ كما سُمِّيَتْ أيْمانُ المُتَلاعِنَيْنِ: شهادةً، واللّه تعالى أعلم..

وبسَطَ الكلامَ فيه، إلى أنْ

قال: وليس فى هذا: رَدُّ اليمين، إنما كانتْ يمينُ الدَّارِيَّيْنِ: على ما ادَّعى الورَثةُ: من الخيانةِ: ويمينُ ورَثةِ الميِّتِ: على ما ادّعى الدّارِيَّانِ: أنه صار لهما مِن قِبَلِه.وقولُه عز وجل: {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} ، فذلك (واللّه أعلم): أنّ الأيْمانَ كانتْ عليهم:بدَعْوَى الورثةِ: أنهم اخْتانُوا؛ ثم صار الورَثةُ حالِفينَ: بإقْرارِهم: أنَّ هذا كان للميِّت، وادِّعَائهم شِراءَه منه. فجاز: أنْ يُ

قالَ: {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ}: تُثَنَّى عليهم الأيْمانُ. بما يَجِبُ عليهم إنْ صارتْ لهم الأيْمانُ؛ كما يَجبُ على مَن حَلَف لهم.وذلك قوله - واللّه أعلم -: {يِقُومَانِ مَقَامَهُمَا}. فيُحْلَفَانِ كما أُحْلِفا.وإذا كان هذا كما وَصَفْتُ: فليْستْ هذه الآيةُ: ناسِخةً، ولا مَنسُوخةً..

قال الشيخ: وقد روَيْنا عن ابن عباس، ما دَلَّ: على صحةِ ما قال مُقاتلُ بن حَيَّانَ. ويَحتَمِلُ: أنْ يكونَ المرادُ بقوله تعالى:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ} -: الشهادةَ نفسَها. وهو: أنْ يكونَ للمُدَّعِى اثْنانِ ذَوَا عدْلٍ -: من المسلمين. - يَشهَدان لهم بما ادَّعَوْا على الدّارِيّيْنِ. من الخِيانةِ. ثم

قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}؛ يَعنى: إذا لم يكنْ للمُدَّعِينَ: منكم؛ بَيِّنةٌ -: فآخَرَانِ: من غيرِكم؛ يَعنى: فالدّارِيّان - اللّذانِ ادُّعِى عليهما. - يُحْبَسانِ من بعدِ الصلاةِ. {فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه}؛ يعنى. يَحْلِفَانِ على إنكارِ ما ادُّعِىَ عليهما؛ على ما حكاه مُقاتلٌ، واللّه أعلم.

(أنا) أبو سعيدٍ، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال: قال الشافعي: والحُجَّةُ فيما وَصفْتُ -: من أنْ يُسْتَحْلَفَ الناسُ: فيما بيْن البَيْتِ والمَقامِ، وعلى مِنْبَرِ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، وبعدَ العصْرِ. -: قولُه تبارك وتعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه} ؛ وقال المفسِّرون: هى صلاةُ العصرِ.. ثم ذَكَر. شهادةَ المُتَلاعِنَيْن، وغيرَها.

﴿ ٢٨٢