سورة آل عمران

الأحكام الواردة في سورة ( آل عمران )

٣٣

{ إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }

١) الأنبياء صفوة الخلق

ثم أبَانَ (جلَّ ثناؤه): أنَّ خيرَتَه مِنْ خلقِه: أنبياؤه؛ ف

قال تعالى: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللّه ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} ؛ فجعَل النبيينَ (صلى اللّه عليه وسلم) من أصْفِيائه -دون عباده -: بالأمانةِ على وحيِه، والقيامِ بحُجَّتِهِ فيهم.ثم ذَكر مِن خاصَّةِ صَفْوَتِهْ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ}  فَخَصَّ آدمَ ونوحاً: بإعادةِ ذِكْرِ اصْفِائِهما. وذَكرَ إبراهيمَ(عليه السلامُ)، ف

قال: {وَٱتَّخَذَ ٱللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . وذَكرَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ، ف

قال: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} .ثم أنعم اللّه (عزّوجلّ) على آل إبراهيمَ، وآلِ عمرانَ فى الأُمم؛ ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .ثم اصْطَفَى محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) من خَيْر آلِ إِبراهيمَ؛ وأنزَل كتُبَه - قبل إنزالِ القرآنِ على محمد صلى اللّه عليه وسلم -: بصفة فضيلتِه، وفضيلةِ مَن اتبعه؛ ف

قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللّه وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللّه وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ} الآية: .وقال لأمته: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؛ ففَضَّلهم: بكَيْنُونَتِهم من أمَّتِهِ، دون أُمم الأنبياءِ قبلَه.ثم أخبر (جلَّ ثناؤه): أنه جعله فاتحَ رحمتهِ، عند فَتْرَة رسلِه؛ ف

قال: {يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} ؛

قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ} . وكان فى ذلك، ما دل: على أنه بعثه إلى خلقه -: لأنهم كانوا أهلَ كتاب وَأميين: - وأنهُ فَتَحَ به رحمتَه.وختَم به نُبُوَّتَه: قال عز وجل: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ}  .وقَضَى: أن أظهَرَ دينَهُ على الأديان؛ ف

قال: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

٣٩

{ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللّه يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللّه وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ}

١) تفسير (الحصُور)

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى: وذكر عبدا أكرمه، ف

قال: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً}: . والحصور: الذى لا يأتى النساء، ولم يندبه إلى النكاح..

٤٤

{ ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }

١) المعاملات (الاستهام والقرعة)مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْقُرْعَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَلاَءِ، وَالْكِتَابَةِ

وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظُ (إجازةً): عن أبى العباس الأصَمِّ، عن الربيع، عن الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} ؛

قال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ} .فأصلُ القُرْعةِ - فى كتابِ اللّه عز وجل -: فى قِصَّةِ المُقْتَرِعِين على مَريمَ، والمُقَارِعِينَ يُونُسَ (عليه السلام): مُجتَمِعةً.ولا تكونُ القُرْعةُ (واللّه أعلم) القُرْعةُ (واللّه أعلم) إلاَّ بيْنَ القومِ: مُسْتَوِينَ فى الحُجَّةِ.ولا يَعْدُو (واللّه أعلم) المُقْتَرِعُون على مَريمَ (عليها السلامُ)، أنْ يكونوا: كانوا سَوَاءً فى كَفَالَتِها؛ فتَنافَسُوها: لَمَّا كان: أنْ تكونَ عندَ واحدٍ، أرْفَقَ بها. لأنها لوْ صُيِّرَتْ عندَ كلِّ واحدٍ يوماً أو أكثرَ، وعندَ غيرِه مثلَ ذلك -:أشبَهَ أنْ يكونَ أضَرَّ بِها؛ مِن قِبَلِ: أنَّ الكافِلَ إذا كان واحداً: كان أعْطَفَ لها عَليها، وأعلَمَ له بما فيه مَصلَحتُها -: للعِلمِ: بأخلاقِها، وما تَقْبَلَ، وما تَرُدُّ؛ وما يَحْسُنُ به اغْتِذاؤها. - وكلَّ مَن أعْتَنَفَ كَفالتَها، كفَلَها: غير خابِرٍ بما يُصْلِحُها؛ ولعله لا يَقَعُ على صلاحِها:حتى تَصيرَ إلى غيره؛ فيَعْتَنِفُ: من كَفالتِها؛ ما اعْتَنفَ غيرُه.وله وَجْهٌ آخَرُ: يَصِحُّ؛ وذلك: أنَّ وِلاَيَةَ واحدٍ إذا كانت صبيَّة: غيرَ مُمتنِعةٍ ممَّا يمتَنِعُ منه مَن عَقَل -: يَستُرُ ما يَنبَغِى سَتْرُه. -: كان أكرَمَ لها، وأسْتَرَ عليها: أنْ يكْفُلَها واحدٌ، دونَ الجماعةِ.ويجُوزُ:أنْ تكونَ عندَ كافِلٍ، ويَغْرَمَ مَن بَقِىَ مُؤْنَتَها: بالحِصَصِ. كما تكونُ الصبيَّةُ عندَ خالتِها، و عندَ أمِّها: ومُؤْنَتُها: على مَن عليه مُؤْنَتُها.

قال: ولا يَعْدُو الذين اقْتَرَعُوا على كَفَالةِ مَريمَ (عليها السلام): أنْ يكونوا تَشَاحُّوا على كَفَالتِها - فهو: أشْبَهُ؛ واللّه أعلم - أو:يكونوا تَدَافَعُوا كَفَالتَها؛ فاقْتَرَعُوا: أيُّهم تَلزَمُه؟. فإذا رضىَ مَن شَح على كفالتِها، أنْ يَمُونَها -: لم يُكلِّفُ غيرَه أنْ يُعطِيَه:من مُؤْنَتِها؛ شيئاً. برضاه: بالتَّطَوُّعِ بإِخْراجِ ذلك من مالِه.

قال: وأىُّ المعنَييْنِ كان: فالقُرْعةُ تُلْزِمُ أحدَهم ما يَدفَعُه عن نفسه؛ أو تُخَلِّصُ له ما تَرغَبُ فيه نفسُه؛ وتَقطَعُ ذلك عن غيرِه:ممَّن هو فى مِثْلِ حالِه.وهكَذا معنى قُرْعةِ يُونُسَ (عليه السلامُ): لَمَّا وقَفتْ بهم السَّفِينةُ، فقالوا: ما يَمنَعُها أنْ تَجرِىَ إلاَّ: عِلّةٌ بها؛ وما عِلَّتُها إلاَّ: ذُو ذَنْبٍ فيها؛ فتَعَالَوْا: نَقْتَرِعْ. فاقتَرَعُوا: فوقَعتْ القُرْعةُ على يُونُسَ (عليه السلام): فأخرَجُوه منها، وأقامُوا فيها.وهذا: مِثْلُ معنى القُرْعةِ فى الذين اقتَرَعُوا على كَفَالةِ مَريمَ (عليها السلام)؛ لأنَّ حالةَ الرُّكْبانِ كانتْ مُسْتَوِيَةً؛ وإن لم يكنْ فى هذا حُكْمٌ: يُلْزِمُ أحدَهم فى مالِه، شَيئاً: لم يَلزَمُه قبْلَ القُرْعةِ؛ ويُزِيلُ عن أحدٍ شيئاً: كان يَلزَمُه -: فهو يُثْبتُ على بعضٍ الحقَّ، ويُبَيِّنُ فى بعضٍ: أنه بَرِيىءٌ منه. كما كان فى الذين اقتَرَعُوا على كَفَالةِ مَريمَ (عليها السلامُ): غُرْمٌ، وسُقوطُ غُرْمٍ

قال: وقُرْعةُ النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم) - فى كلِّ موضعٍ أقْرَعَ فيه -: فى مِثْلِ معنى الذين اقتَرَعُوا على كَفَالةِ مَريمَ (عليها السلامُ)، سَواءً: لا يُخالِفُه.وذلك: أنه (عليه السلامُ) أقْرَعَ بيْن مَمَالِيكَ: أُعْتِقُوا معاً؛ فَجَعل العِتْقَ: تامّاً لثُلُثِهم؛ وأسقَط عن ثُلُثَيْهِم:بالقُرْعةِ. وذلك: أنَّ المُعْتِقَ - فى مرضِه - أعتَقَ مالَه ومالَ غيرِه: فجاز عِتْقُه فى مالِه، ولم يَجُزْ فى مالِ غيرِه. فجَمَع النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) العِتْقَ: فى ثلاثةٍ؛ ولم يُبَعِّضْه. كما يَجْمَعُ: فى القَسْمِ بيْن أهلِ الموَاريثِ؛ ولا يُبَعَّضُ عليهم.وكذلك: كان إقْرَاعُه لنسائه: أنْ يَقْسِمَ لكلِّ واحدةٍ منهُنَّ: فى الحَضَرِ؛ فلَمَّا كان فى السفَرِ: كان مَنزِلةً: يَضِيقُ فيها الخُروجُ بكلِّهِنَّ؛ فأقْرَع بيْنهنَّ:فأيَّتهُنَّ خرَج سَهمُها: خرج بها، وسقَط حقُّ غيرِها: فى غَيْبَتِه بها؛ فإذا حَضَر: عادَ للقَسْمِ لغيرِها، ولم يَحْسِبْ عليها أيامَ سفَرِهاوكذلك: قَسَمَ خَيْبَرَ: فكان أربعةُ أخْماسِها لَمن حَضَر؛ ثم أقرَع: فأيُّهُم خرَج سَهمُه على جُزْءٍ مُجتَمِعٍ -: كان له بكمالِه، وانْقَطَع منه حقُّ غيرِه؛ وانْقَطَع حقُّه عن غيرِه..

الأحكام الواردة في سورة ( آل عمران )

٩٣

{ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

١) المطعومات (ما حرّمه اللّه تعالى على بني إسرائيل وحكمها في الإسلام)

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ} الآيةَ: ؛

قال: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} ؛ يعنى (واللّه أعلم): طيِّباتٍ: كانت أُحِلَّتْ لهم.

قال تعالى: {وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): الحَوَايا: ما حَوَى الطعامَ والشرابَ، فى البَطْنِ.فلم يَزَلْ ما حرَّم اللّه (عز وجل) على بنى إسرائيلَ -:اليهودِ خاصَّةً، وغيرِهم عامّةً. - مُحرَّماً: من حِينَ حرَّمه، حتى بَعَث اللّه (تبارك وتعالى) محمداً (صلى اللّه عليه وسلم): ففَرضَ الإيمانَ به، وأمَر: باتِّباعِ نبىِّ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وطاعةِ أمرِه: وأعلَم خلْقَه: أنّ طاعتَه: طاعتُه؛ وأنّ دِينَه: الإسلامُ الذى نَسَخ به كلَّ دِينٍ كان قبْلَه؛ وجَعَل مَن أدرَكَه وعلِم دِينَه -: فلم يَتّبِعْه. -: كافراً به. ف

قال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللّه ٱلإِسْلاَمُ} .وأنزَل فى أهلِ الكتابِ -: من المشركينَ. -: {قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللّه وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} الآيةُ، إلى: {مُسْلِمُونَ} ؛ وأمَر: بقتالِهِم حتى يُعطُوا الجِزْيةَ: إن لم يُسْلِمُوا؛ وأنزَل فيهم:{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ} الآية: . فقيل (واللّه أعلم): أوْزارَهم، وما مُنِعُوا-: بما أحْدَثُوا. - قبلَ ما شُرِعَ: من دِينِ محمدٍ صلى اللّه عليه وسلم.فلم يَبْقَ خلْقٌ يَعقِلُ -: مُنْذُ بَعَث اللّه محمداً صلى اللّه عليه وسلم. -: كِتابىٌّ، ولا وَثَنِىٌّ، ولا حَىٌّ برُوحٍ -: من جِنٍّ، ولا إنْسٍ. -: بَلَغَتْه دعوَةُ محمدٍ (صلى اللّه عليه وسلم)؛ إلاّ قامتْ عليه حُجّةُ اللّه: باتِّباعِ دِينِه؛ وكان مؤمناً: باتِّباعِه؛ وكافراً: بتَرْكِ اتِّباعِه.ولَزِم كلَّ امْرِىءٍ منهم -: آمَن به، أو كفرَ. - تحريمُ ما حرَّم اللّه(عز وجل) على لسانِ نبيِّه صلى اللّه عليه وسلم -: كان مُباحاً قبلَه فى شيء: من المِلَلِ؛ أو غيرَ مُباحٍ. - وإحْلالُ ما أحَلّ عَلَى لسانِ محمدٍ (صلى اللّه عليه وسلم: كان حراماً فى شىء: من المِلَلِ؛ أو غيرَ حراموأحَلَّ اللّه (عز وجل): طعامَ أهلِ الكتابِ؛ وقد وصَف ذبائحَهُم، ولم يَسْتَثْنِ منها شيئاً.فلا يجوزُ أَنْ تَحْرُمَ ذَبِيحةُ كِتابِىٍّ؛ وفِى الذَّبِيحةِ حرامٌ - على كلِّ مسْلمٍ -: مما كان حَرُم على أهلِ الكتابِ، قبلَ محمدٍ (صلى اللّه عليه وسلم). ولا يجوزُ: أنْ يَبقَى شىءٌ: من شَحْمِ البقر والغَنمِ. وكذلك: لو ذَبَحها كِتابىٌّ لنفسه، وأباحَها لمسلم -: لم يَحرُ على مسلم: من شَحْمِ بقرٍ ولا غنمٍ منها، شىءٌ.ولا يجوزُ: أنْ يكونَ شىءٌ حلالاً -: من جِهةِ الذَّكاةِ. -لأحد، حراماً على غيره. لأنَّ اللّه (عز وجل) أباحَ ما ذُكرَ: عامَّةَ لا: خاصَّةً.و هل يَحرُمُ على أهلِ الكتابِ، ما حَرُم عليهم قبلَ محمدٍصلى اللّه عليه وسلم -: من هذه الشُّحُومِ وغيرِها. -: إذا لم يَتَّبِعُوا محمداً صلى اللّه عليه وسلم

قال الشافعى: قد قيل: ذلك كلُّه محرَّمٌ عليهم، حتى يؤْمنوا.ولا يَنْبَغى: أنْ يكونَ محرَّماً عليهم: وقد نسِخ ما خالف دِين محمدٍ (صلى اللّه عليه وسلم): بدِينِه. كما لا يجوزُ -: إذا كانتْ الخمرُ حلالاً لهم. - إلا: أنْ تكون محرّمةً عليهم -: إذ حُرِّمتْ على لسانِ نبيِّنا محمدٍ صلى اللّه عليه وسلم. -: وإن لم يَدخُلوا فى دِينهِ..

٩٧

{ فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللّه عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللّه غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

١) الحج

٢) الحج (فرضيته)مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْحجِّ

وفيما أنبأنا أبو عبد اللّه الحافظ (إجازةً): أنبأنا أبو العباس، حدثهم،

قال: أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): الآية التى فيها بيانُ فَرْض الحج على من فُرِض عليه، هى: قول اللّه تبارك وتعالى: {وَللّه عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} .

قال تعالى: {وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للّه} .

قال الشافعى: أنا ابن عُيينة، عن ابن أبى نَجِيح، عن عكرمة،

قال: لما نزلت: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} الآية.  - قالت اليهود: فنحن مسلمون؛ فقال اللّه لنبيه (صلى اللّه عليه وسلم): فَحُجَّهُمْ؛ فقال لهم النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم): حُجُّوا؛ فقالوا: لم يكتب علينا؛ وأبَوْا أن يحجوا. فقال اللّه تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللّه غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ} . قال عكرمة: ومن كفر -: من أهل الملل. -: فإن اللّه غنىٌّ عن العالمين..

قال الشافعى: وما أشْبَه ما قال عكرمة، بما قال (واللّه أعلم) -: لأن هذا كفر بفرض الحج: وقد أنزله اللّه؛ والكفر بآية من كتاب اللّه: كُفْرٌ..

قال الشافعى: أنا مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، عن ابن جريج،

قال: قال مجاهد - فى قول اللّه: {وَمَن كَفَرَ}: -

قال: هو فيما: إن حجّ لم يره بِرّاً، وإن جلس لم يره إثما.كان سعيد بن سالم، يذهبُ: إلى أنه كفر بفرض الحجّ.

قال: ومن كفر بآية من كتاب اللّه عزّوجلَ -: كان كافراً.وهذا (إن شاء اللّه): كما قال مجاهد؛ وما قال عكرمة فيه: أوضحُ؛ وإن كان هذا واضحاً..

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَللّه عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. والاستطاعة - فى دلالة السنة والإِجماع -: أن يكون الرجلُ يقدر على مركب وزادٍ: يُبَلِّغُهُ ذاهباً وجائيا؛ وهو يقوى على المركَب. أو: أن يكون له مال، فيستأجر به من يحج عنه.أو: يكون له مَنْ: إذا أمره أن يحجّ عنه،أطاعه.. وأطال الكلام فى شرحه.

وإنما أراد به: الاستطاعةَ التى هي سبب وجوب الحج. فأما الاستطاعة - التى هى: خَلْقُ اللّه تعالى، مع كَسْبِ العبد. -: فقد

قال الشافعى في أول كتاب (الرسالة):والحمد للّه الذى لا يُؤَدَّى شُكْرُ نعمةٍ - من نعمه - إلا بنعمة منه: تُوجِبُ على مُؤَدِّى ماضى نِعَمِه، بأدائها -: نعمةً حادثةً يجبُ عليه شكرُه بها..

وقال بعد ذلك: وأسْتهْدِيهِ بِهُدَاهُ: الذى لا يَضِلُّ مَنْ أنْعَم به عليه..

وقال فى هذا الكتاب: الناسُ مُتَعَبَّدُونَ: بأن يقولوا، أو يفعلوا ما أُمِرُوا: أن ينتهوا إليه، لا يُجاوزونه. لأنهم لم يُعطوا أنفسهم شيئاً، إنما هو: عطاءُ اللّه (جلَّ ثناؤه). فنسألُ اللّه: عطاءً: مُؤَدِّياً لحقه، مُوجِباً لمزيده..

وكلُّ هذا: فيما أنبأنا أبو عبداللّه، عن أبى العباس، عن الربيع، عن الشافعى.

وله - فى هذا الجنس - كلامٌ كثيرٌ: يدلُّ على صحة اعتقاده فى التَّعَرِّى من حَوْله وقُوَّته، وأنه لا يستطيع العبدُ أن يعمل بطاعة اللّه (عزَّ وجلَّ)، إلا بتوفيقه. وتوفيقُهُ: نعمتُه الحادثةُ: التى بها يُؤَدَّى شكرُ نعمته الماضيةِ؛ وعطاؤه: الذى به يُؤَدَّى حقُّه؛ وهُداه:الذى به لا يَضِلُّ مَنْ أنعم به عليه.

١١٠

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

١) الأنبياء صفوة الخلق

ثم أبَانَ (جلَّ ثناؤه): أنَّ خيرَتَه مِنْ خلقِه: أنبياؤه؛ ف

قال تعالى: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللّه ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} ؛ فجعَل النبيينَ (صلى اللّه عليه وسلم) من أصْفِيائه -دون عباده -: بالأمانةِ على وحيِه، والقيامِ بحُجَّتِهِ فيهم.ثم ذَكر مِن خاصَّةِ صَفْوَتِهْ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ}  فَخَصَّ آدمَ ونوحاً: بإعادةِ ذِكْرِ اصْفِائِهما. وذَكرَ إبراهيمَ(عليه السلامُ)، ف

قال: {وَٱتَّخَذَ ٱللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . وذَكرَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ، ف

قال: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} .ثم أنعم اللّه (عزّوجلّ) على آل إبراهيمَ، وآلِ عمرانَ فى الأُمم؛ ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .ثم اصْطَفَى محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) من خَيْر آلِ إِبراهيمَ؛ وأنزَل كتُبَه - قبل إنزالِ القرآنِ على محمد صلى اللّه عليه وسلم -: بصفة فضيلتِه، وفضيلةِ مَن اتبعه؛ ف

قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللّه وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللّه وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ} الآية: .وقال لأمته: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؛ ففَضَّلهم: بكَيْنُونَتِهم من أمَّتِهِ، دون أُمم الأنبياءِ قبلَه.ثم أخبر (جلَّ ثناؤه): أنه جعله فاتحَ رحمتهِ، عند فَتْرَة رسلِه؛ ف

قال: {يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} ؛

قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ} . وكان فى ذلك، ما دل: على أنه بعثه إلى خلقه -: لأنهم كانوا أهلَ كتاب وَأميين: - وأنهُ فَتَحَ به رحمتَه.وختَم به نُبُوَّتَه: قال عزوجل: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ}  .وقَضَى: أن أظهَرَ دينَهُ على الأديان؛ ف

قال: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

الأحكام الواردة في سورة ( آل عمران )

١٢٠

{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

١) المغازي

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ،

قال: وقال الحسن بن محمدٍ - فيما أُخبِرْتُ عنه، وقرأتُه فى كتابِه -: أنا محمد بن سُفيانَ، نا يونُسُ بن عبد الأعْلَى،

قال: وقال لى الشافعى: ما بعْدَ عِشرينَ ومِائةٍ -: من آلِ عِمرانَ. - نزَلتْ فى أُحِدٍ: فى أمرِها؛ وسُورةُ الأنْفالِ نزَلتْ: فى بَدْرٍ؛ وسُورةُ الأحْزابِ نزَلتْ: فى الْخَنْدَقِ، وهى: الأحْزابُ؛ وسُورةُ الْحَشْرِ نزَلتْ: فى النَّضِيرِ.

١٤٤

{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللّه شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللّه ٱلشَّاكِرِينَ }

١) حجيّة خبر الواحدفصل فى تثبيت خبر الواحد من الكتاب

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع ابن سليمان،

قال:

قال الشافعى رحمه اللّه: وفى كتاب اللّه عز وجل دلالة على ما وصفت. قال اللّه عز وجل: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ} .

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ} 

وقال عز وجل: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} .

قال تعالى: {وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} .

قال تعالى: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً} .

قال تعالى: {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} .

وقال جل وعز: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللّه وَأَطِيعُونِ} .

وقال تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} .

قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ} .

قال الشافعى: فأقام (جل ثناؤه) حجته على خلقه فى أنبيائه بالأعلام التى باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجة على من شاهد أمور الأنبياء دلائلهم التى باينوا بها غيرهم؛ وعلى من بعدهم - وكان الواحد فى ذلك وأكثر منه سواء - تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر.

قال تعالى: {وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ} .

قال: فظاهر الحجة عليهم باثنين ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد؛ وليس الزيادة فى التأكيد مانعة من أن تقوم الحجة بالواحد إذَا أعطاه اللّه ما يباين به الخلق غير النبيين. واحتج الشافعى بالآيات التى وردت فى القرآن فى فرض اللّه طاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم ومن بعده إلى يوم القيامة واحداً واحداً، فى أن علي كل واحد طاعته؛ ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعلم أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم، وشَرَّف وكرَّم) إلا بالخبر عنه. وبسط الكلام فيه.

١٥٩

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللّه لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللّه إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ }

١) السياسة الشرعية (الشورى)

قال الشافعى: قال اللّه عز وجل: {وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ} ؛ و: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ} .

قال الشافعى: قال الحسنُ: إنْ كان النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) عن مُشاوَرَتِهِمْ، لَغَنِيّاً؛ ولكنه أراد: أنْ يَسْتَنَّ بذلك الْحُكَّامُ بعدَه.

قال الشافعى: وإذا نزَل بالحاكمِ أمْرٌ: يَحْتَمِلُ وُجُوهاً؛ أو مُشْكِلٌ -: انْبَغَى له أنْ يُشاوِرَ: مَن جَمَع العلْمَ والأمانةَ.. وبَسَط الكلامَ فيه.

الأحكام الواردة في سورة ( آل عمران )

١٦٤

{ لَقَدْ مَنَّ ٱللّه عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }

١) أصول فقه (حجية الكتاب والسنة)

قال الشافعى رحمه اللّه: وفرض اللّه تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فقال فى كتابه: {رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ} .

قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ ٱللّه عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} ،

قال تعالى: {وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللّه وَٱلْحِكْـمَةِ} . وذكر غيرها من الآيات التى وردت فى معناها.

قال: فذكر اللّه تعالى الكتاب، وهو القرآن؛ وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وهذا يشبه ما قال (واللّه أعلم) بأن القرى، ذكر وأتبعته الحكمة؛ وذكر اللّه (عز وجل) منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة. فلم يجز (واللّه أعلم) أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللّه، وأن اللّه افترض طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وحتم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول: فرض؛ إلا لكتاب اللّه، ثم سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مبينة عن اللّه ما أراد دليلاً على خاصه وعامه؛ ثم قرن الحكمة بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم ذكر الشافعى رحمه اللّه الآيات التى وردت فى فرض اللّه (عز وجل) طاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم. منها: قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللّه وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ}  فقال بعض أهل العلم: أولو الأمر أمراء سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وهكذا أخبرنا واللّه أعلم، وهو يشبه ما قال واللّه أعلم -: أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن تعطى بعضها بعضاً طاعة الإمارة؛ فلما دانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رَسولِ اللّه صلى اللّه عليه وَسلم؛ فأمروا أن يطيعوا أولى الأمر الذين أمرهم رسُولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لا طاعة مطلقة، بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم.

قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللّه} . يعنى إن اختلفتم فى شىء، وهذا إن شاء اللّه كما قال فى أولى الأمر.لأنه يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} يعنى (واللّه أعلم) هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم. {فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللّه وَٱلرَّسُولِ} يعنى (واللّه أعلم) - إلى ما قال اللّه والرسول إن عرفتموه؛ وإن لم تعرفوه سألتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه إذا وصلتم إليه، أو من وصل إليه. لأن ذلك الفرض الذى لا منازعة لكم فيه: لقول اللّه عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللّه وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . ومن تنازع ممن - بعد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - رد الأمر إلى قضاء اللّه؛ ثم إلى قضاء رسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضا نصا فيهما، ولا فى واحد منهما - ردوه قياساً على أحدهما.

١٧٣

{ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللّه وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ }

١) أصول فقه (العام والخاص)

قال الشافعى رحمه اللّه: قال اللّه تعالى: {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللّه وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ} الآية .

قال الشافعى رحمه اله: فإذا كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ناس غير من جمع لهم من الناس، وكان المخبرون لهم ناس غير من جمع لهم، وغير من معه ممن جمع عليه معه، وكان الجامعون لهم ناساً - فالدلالة بينة. لما وصفت: من أنه إنما جمع لهم بعض الناس دون بعض؛ والعلم يحيط أن لم يجمع لهم الناس كلهم، ولم يخبرهم الناس كلهم ولم يكونوا هم الناس كلهم.ولكنه لما كان اسم الناس يقع على ثلاثة نفر، وعلى جميع الناس، وعلى من بين جميعهم وثلاثة منهم - كان صحيحا فى لسان العرب، أن ي

قال: {قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ}.

قال: وإنما كان الذين قالوا لهم ذلك أربعة نفر؛ إن الناس قد جمعوا لكم، يعنون المنصرفين من أُحُد، وإنما هم جماعة غير كثيرين من الناس، جامعون منهم غير المجموع لهم، والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين، والأكثرون من الناس فى بلدانهم غير الجامعين والمجموع لهم ولا المخبرين.

﴿ ٠