سورة النساء

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

٣

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

١) النكاح (جواز التعدد / ما ينعقد به عقد الزواج)

٢) النكاح (النفقة)

٣) تفسير (خلق الإنسان)

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قالَ الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . فكان بيِّنا فى الآية (واللّه أعلم): أن المخاطَبين بها: الأحرار. لقوله عز وجل: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}؛ لأنه لا يملك إلا الأحرارُ، وقولِه تعالى: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ}؛ فإنما يَعُول: مَنْ له المالُ؛ ولا مال للعبد..

وبهذا الإسناد، عن الشافعى: أنه تلا الآياتِ التى وردت - فى القرآن -: فى النكاح والتزويج: ثم

قال: فأسمى اللّه (عزوجل) النكاحَ، اسمين: النكاح، والتزويجَ..

وذكر آيةَ الهبة،

قال: فأبان (جل ثناؤه): أن الهبة لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، دون المؤمنين..

قال: والهبة (واللّه أعلم) تجمع: أن ينعقد له عليها عُقدةُ النكاح؛ بأن تَهَبَ نفسها له بلا مهر وفى هذا، دلالةٌ: على أن لا يجوز نكاح، إلا باسم: النكاح، أو التزويج..

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ (قراءةً عليه): نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه عز وجل: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ} .

قال: وقولُ اللّه عز وجل: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ}؛ يدل (واللّه أعلم): على أن على الزوج، نفقةَ امرأته.و

قولُه: {أَلاَّ تَعُولُواْ}؛ أى: لا يكْثرَ مَن تعولوا، اذا اقتصر المرءُ على واحدة: وإن أباح له أكثرَ منها..

(أنا) أبو الحسن بن بشران العدل ببغداد، أنا أبو عمرَ محمدُ بن عبد الواحد اللغوى (صاحبُ ثعلب) - فى كتاب: (ياقوتة الصراط)؛ فى قوله عزوجل: {أَلاَّ تَعُولُواْ}. -: أى: أن لا تَجُوزوا؛ و (تعولوا): تكثر عِيالكم..

وروينا عن زيد بن أسْلمَ - فى هذه الآية -: ذلك أدنى أن لا يكْثرَ مَن تعولونه.

* * *

(قرأتُ) فى كتابِ: (السُّنَنِ - رِوايةِ حَرْمَلَةَ عن الشافعى رحمه اللّه -:

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} ؛

قال تعالى: {أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ} .وقال تبارك اسمُه: {فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ} ؛ فقيل: يَخْرُجُ من صُلْبِ الرجُلِ، وتَرائبِ المرأةِ.

قال: {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ} ؛ فقيل (واللّه أعلم): نُطْفةُ الرجُلِ: مُخْتَلِطةً بنُطْفةِ المرأةِ. (

قال الشافعى): وما اختَلَطَ سَمَّتْهُ العرَبُ: أمْشاجاً.وقال اللّه تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} الآيةَ .فأخبَرَ(جل ثناؤه): أنَّ كلَّ آدَمِىٍّ: مَخلُوقٌ من ذكَرٍ وأنثَى؛ وسَمَّى الذكَرَ: أباً؛ والأنثَى: أُمَّاً.ونَبَّهَ: أنَّ ما نُسِبَ -: من الوَلَدِ. - إلى أبيه: نِعْمةٌ من نعَمِه؛ ف

قال: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} ؛

قال: {يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ} .

قال الشافعى: ثم كان بَيِّناً فى أحكامِه (جل ثناؤه): أنَّ نِعْمتَه لا تكونُ: من جِهةِ مَعصِيَته؛ فأحَلَّ النكاحَ، ف

قال: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ} ؛

وقال تبارك وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . وحَرَّم الزِّنا، ف

قال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ} ؛ معَ ما ذكَرَه: فى كتابِه.فكان مَعقُولا فى كتابِ اللّه: أنَّ ولَدَ الزِّنا لا يكونُ مَنْسُوباً إلى أبيه: الزّانى بأمِّه. لِمَا وَصَفْنا: من أنَّ نِعْمتَه إنَّما تكونُ: من جِهةِ طاعَتِه؛ لا: من جِهةِ مَعصِيَتِه.ثم: أبَانَ ذلك على لسانِ نبيِّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وبسَطَ الكلامَ فى شرْحِ ذلك.

٤

{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }

١) النكاح (المهر)

٢) النكاح (المهر)

٣) النكاح (جواز الأخذ من مهر الزوجة)

قال تعالى: {وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} . فجعل عليهم: إيتاءهنّ ما فُرض لهنّ: وأحلّ للرجال: كلَ ما طاب نساؤهم عنه نفسا..

واحتجّ (أيضا): بآية الفدية فى الخلع، وبآية الوصية والدّيْن. ثم

قال: وإذا كان هذا هكذا: كان لها: أن تُعطى من مالها ما شاءت، بغير إذن زوجها.. وبسط الكلام فيه.

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس الأصمُّ، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه عزوجل: {وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} ؛

قال: {فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ..

وذكر سائر الآيات التى وردت فى الصداق، ثم

قال: فَأَمَرَ اللّه (عز وجل) الأزواجَ: بأن يُؤْتوا النساء أُجُورَهُنَّ وصَدُقَاتِهِنَّ؛ والأجر هو: الصداق؛ والصداق هو: الأجرُ والمهرُ. وهى كلمة عربيةٌ: تسمى بعدة أسماء.فَيَحتَمل هذا: أن يكون مأموراً بصداقٍ، مَنْ فَرَضَه - دون مَنْ لم يَفْرِضْهُ -: دَخَل، أو لم يَدْخُل. لأنه حق ألزمه المرءُ نفسَه: فلا يكون له حبْسُ شيء منه، إلا بالمعنى الذى جعله اللّه له؛ وهو: أن يُطلِّقَ قبل الدخول. قال اللّه عزوجل: { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ}  .ويَحتَمل: أن يكون يجب بالعَقد: وإن لم يسم مهراً، ولم يدخل.ويَحتَمل: أن يكون المهر لا يَلزم أبدا، إلا: بأن يُلزِمَهُ المرءُ نفسه، أو يَدْخُلَ بالمرأة: وإن لم يُسمِّ مهرا.فلمَّا احتَمل المعانىَ الثلاثَ، كان أوْلاها أن يقال به: ما كانت عليه الدلالة: من كتاب، أو سنةٍ، أو إجماعٍ.

فاستدللنا -: بقول اللّه عزوجل: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} . -: أن عَقد النكاح يصح بغير فريضةِ صداق؛ وذلك: أن الطرق لا يقع إلا على مَنْ عُقد نكاحُهُ..

ثم ساق الكلام، إلى أن

قال: وكان بيِّنا فى كتاب اللّه (جل ثناؤه): أن على الناكح الواطئ، صداقا: بفرْض اللّه (عزوجل) فى الإماء: أن يُنْكَحْنَ بإذن أهلهن، ويُؤتَيْنَ أُجورَهن - والأجر: الصداق. - وبقوله تعالى: {فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ؛ وقال عزوجل: {وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} : خالصةً بهبة ولا مهر؛ فأعلم: أنها للنبى(صلى اللّه عليه وسلم) دون المؤمنين.

وقال مرة أخرى - فى هذه الآية -: يريد (واللّه أعلم): النكاحً والمسيسَ بغير مهر. فدل: على أنه ليس لأحد غيرِ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم): أن ينكح فَيَمسَّ، إلا لزمه مهر. مع دلالة الآى قبله..

وقال - فى قوله عزوجل {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ}. -: يعنى: النساء..

وفى قوله: {أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ} . -: يعنى: الزوج؛ وذلك: أنه إنما يعفو مَنْ له ما يعفوه..

ورواه عن أمير المؤمنين: على بن أبى طالب (رضى اللّه عنه ) وجُبَيْر ابن مُطْعِمٍ. وابن سيرينَ، وشُرَيْح، وابن المسَيَّبِ، وسعيد بن جُبيْرٍ، ومجاهد.

وقال - فى رواية الزَّعْفَرَانِىّ عنه -: وسمعت من أرضى، يقول: الذى بيده عُقْدةُ النكاح: الأبُ فى ابنته البكر، والسيدُ فى أمته؛ فعفوه جائز..

* * *

(أنا) أبو سعيد محمدُ بن موسى، نا أبو العباس محمدُ بن يعقوبَ، أنا الربيع بن سليمانَ، أخبرنا الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه عزوجل: {وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} .فكان فى هذه الآيةِ: إباحةُ أكله: إذا طابت به نفساً؛ ودليلٌ: على أنها إذا لم تَطِب به نفساً: لم يَحِل أكلُه.

٥

{وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللّه لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

١) تفسير (السفيه)

قال: وقال الشافعى (رحمه اللّه) - فى قولِه عز وجل: {وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ} . -: إنَّهم: النساءُ والصِّبْيانُ؛ لا تُمَلِّكْهُم ما أعطَيْتُك -: من ذلك. - وكنْ أنتَ الناظِرَ لهم فيه..

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

٦

{وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللّه حَسِيباً }

١) الصلاة (المكلف بها)

٢) الحِجْر

٣) الشهادة (في أداء الأمانة)

(أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): ذكر اللّه (تعالى) الاستئذان، فقال فى سياق الآية: {وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} ؛

قال: {وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} . فلم يذكر الرشد -: الذى يستوجبون به أن ندفع إليهم أموالهم.- إلا بعد بلوغ النكاح.

قال: وفرض اللّه الجهاد، فأبانَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنه على من استكمل خمسَ عشرةَ سنةً؛ بأن أجاز ابنَ عمر- عام الخندق -: ابنَ خمسَ عشرةَ سنةً؛ ورَدَّه - عام أُحُدٍ -: ابنَ أرْبعَ عشرةَ سنةً.

قال: فإذا بلغ الغلام الحُلُمَ، والجاريةُ المحيضَ -: غيرَ مغلوبين على عقولهما.-: وجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها: وإن كانا ابنى أقلَّ من خمس عشر سنة؛ وأُمِرَ كل واحد منهما بالصلاة: إذا عَقَلَها؛ وإذا لم يفعلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ؛ وأُدِّيا على تركها أدبا خفيفا..

قال: ومن غُلِبَ على عقله بعارض أو مرض أىَّ مرض كان -: ارتفع عنه الفرض. لقول اللّه تعالى: {وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ} ؛ وقولِهِ: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ}  و : وإن كان معقولا: أن لا يخاطب بالأمر والنهى إلا من عَقَلَهما..

* * *

(أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال: قال الشافعي: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} .

قال: فدلت الآية: على أن الحَجْرَ ثابتٌ على اليتامى، حتى يَجْمَعُوا خَصلتين: البلوغَ والرُّشدَ.فالبلوغ: استكمالُ خمسَ عشرةَ سنةً؛ الذكر والأنثى فى ذلك سواء. إلا أن يَحْتَلِمَ الرجل، أو تحيض المرأة: قبل خمسَ عشرةَ سنة؛ فيكونُ ذلك: البلوغَ.

قال: والرشد (واللّه أعلم): الصلاح فى الدِّين: حتى تكونَ الشهادة جائزةً؛ وإصلاح المال. وإنما يعرف إصلاح المال: بأن يختبر اليتيم..

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى: أمر اللّه: بدفع أموالهما إليهما؛ وسَوَّى فيها بين الرجل والمرأة.

* * *

وبهذا الإسنادِ،

قال: قال الشافعي: قال اللّه جل ثناؤه: {وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}؛

قال تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللّه حَسِيباً} .ففى هذه الآيةِ، مَعنَيانِ: (أحدُهما): الأمرُ بالإشهادِ. وهو مِثلُ معنى الآيةِ التى قبلها (واللّه أعلم): من أنْ يكونَ الأمرُ بالإشهادِ: دَلالةً؛ لا: حتْماً. وفى قولِ اللّه: {وَكَفَىٰ بِٱللّه حَسِيباً}؛ أىْ: إن لم يُشهِدُوا؛ واللّه أعلم.

(والمعنى الثانى): أنْ يكونَ ولِىُّ اليتيم -: المأمورُ: بالدفعِ إليه مالَه، والإشهادِ عليه -: يَبْرَأُ بالإشهادِ عليه: إنْ جَحَده اليتيمُ؛ ولا يبْرَأُ بغيرِه أو يكون مأموراً بالإشهادِ عليه -: على الدَّلالة. -: وقد يَبْرَأُ بغيرِ شهادةٍ: إذا صدَّقه اليتيمُ. والآيةُ مُحتَمِلةٌ المعنَيَيْنِ معاً.

واحتَجَّ الشافعى (رحمه اللّه) - فى روايةِ المُزَنِىِّ عنه: فى كتابِ الوَكالةِ. -: بهذه الآيةِ؛ فى الوَكيلِ: إذا ادّعَى دفْعَ المالِ إلى مَن أمَرَه المُوَكِّلُ: بالدَّفع إليه؛ لم يُقْبَل منه إلا بيِّنةٍ: فإنَّ الذى زعم: أنه دفَعه إليه؛ ليس هو: الذى ائتَمَنَه على المالِ؛ كما أنَّ اليتامَى ليسوا: الذين ائتَمَنُوهُ على المال. فأمَرَ بالإشهادِ.وبهذا: فَرَقَ بيْنَه، وبيءنَ قولِه لمن ائتَمَنَه: قد دفَعتُه إليك؛ فيُقبَلُ: لأنه ائتَمَنَه..

وذَكَر (أيضاً) فى كتابِ الوَدِيعةِ - فى روايةِ الربيعِ -: بمعناه.

٧

{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً}

١) الميراث

(أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ،

قال: قال الحسين بن محمد - فيما أخبرت -: أنا محمد بن سفيان، نا يونس بن عبد الأعلى،

قال: قال الشافعي - فى قوله عزّ وجلّ: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ} . -: نُسخ بما جعل اللّه للذكر والأنثى:من الفرائض.

٨

{وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

١) الميراث (الصدقة من الورثة)

وقال لى: فى قوله عزّ وجلّ: {وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ} الآية. -: قسمة المواريث؛ فلْيتق اللّه مَنْ حَضر، وليَحْضَرْ بخير، ولْيَخَفْ: أن يُحْضَر - حين يُخلَفُ هو ايضا -: بما حَضَر غيره..

(وأنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}.فأمر اللّه (عزّ وجلّ): أن يُرزَقَ من القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكينُ: الحاضرون القسمةَ. ولم يكن فى الأمر - فى الآية -:أن يُرزق من القسمة، مَنْ مثلُهم -: فى القرابة واليُتْمِ والمسكنةِ. -: ممن لم يحضر.ولهذا أشباهٌ؛ وهى: أن تُضِيفَ من جاءك، ولا تُضِيفَ من لا يَقْصِد قصدَكَ: ولو كان محتاجا؛ إلا أن تَطَّوَّعَ..

وجَعل نظيرَ ذلك: تخصيصَ النبى (صلى اللّه عليه وسلم) - بالإجْلاس معه، أو تَرْوِيغِه لقمةً - مَنْ وَلِىَ الطعامَ: من مماليكه.

قال الشافعى: وقال لى بعض أصحابنا (يعنى: فى الآية.): قسمةُ المواريث؛ وقال بعضهم: قسمةُ الميراث، وغيره: من الغنائم.فهذا: أوسعُ.وأحَبُّ إلىَّ: أن يُعْطَوْا ما طابت به نفسُ المعطِى. ولا يُوَقَّت، ولا يُحْرَمُون.

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

١١

{يُوصِيكُمُ ٱللّه فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللّه إِنَّ ٱللّه كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

١) أصول فقه (العام والخاص)

٢) تفسير (خلق الإنسان)

قال الشافعى رحمه اللّه: قال اللّه عز وجل: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ}  وذكر سائر الآيات. ثم

قال: فأبان أن للوالدين والأزواجِ مما سمى فى الحالات، وكان عام المخرج. فدلت سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلمعلى أنه إنما أريد بها بعض الوالدين والأزواج دون بعض؛ وذلك أن يكون دين الوالدين، والمولود، والزوجين واحدا؛ ولا يكون الوارث منهما قاتلا، ولا مملوكا.

قال تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} . فأبان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أن الوصايا يقتصر بها على الثلث، ولأهل الميراث الثلثان. وأبان: أن الدين قبل الوصايا والميراث، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفى أهل الدين دينهم. ولولا دلالة السنة ثم إجماع الناس - لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين، ولم تعدو الوصية أن تكون مقدمة على الدين، أو تكون والدين سواء.

وذكر الشافعى رحمه اللّه فى أمثال هذه الآية: آية الوضوء، وورود السنة بالمسح على الخفين، وآية السرقة؛ وورود السنة بأن لا قطع فى ثمر ولا كثر؛ لكونهما غير محرزين؛ وأن لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار. وآية الجلد فى الزانى والزانية، وبيان السنة بأن المراد بها البكران دون الثيبين. وآية سهم ذى القربى، وبيان السنة بأن السلب منها للقاتل. وكل ذلك تخصيص للكتاب بالسنة، ولولا الاستدلال بالسنة كان الطهر فى القدمين، وإن كان لابساً للخفين؛ وقطعنا كل من لزمه اسم سارق؛ وضربنا مائة كل من زنى وإن كان ثيباً؛ وأعطينا سهم ذى القربى من بينه وبين النبى (صلى اللّه عليه وسلم) قرابة، وخمسنا السلب لأنه من الغنيمة.

* * *

(قرأتُ) فى كتابِ: (السُّنَنِ - رِوايةِ حَرْمَلَةَ عن الشافعى رحمه اللّه -:

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} ؛

قال تعالى: {أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ} .وقال تبارك اسمُه: {فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ} ؛ فقيل: يَخْرُجُ من صُلْبِ الرجُلِ، وتَرائبِ المرأةِ.

قال: {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ} ؛ فقيل (واللّه أعلم): نُطْفةُ الرجُلِ: مُخْتَلِطةً بنُطْفةِ المرأةِ. (

قال الشافعى): وما اختَلَطَ سَمَّتْهُ العرَبُ: أمْشاجاً.وقال اللّه تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} الآيةَ .فأخبَرَ(جل ثناؤه): أنَّ كلَّ آدَمِىٍّ: مَخلُوقٌ من ذكَرٍ وأنثَى؛ وسَمَّى الذكَرَ: أباً؛ والأنثَى: أُمَّاً.ونَبَّهَ: أنَّ ما نُسِبَ -: من الوَلَدِ. - إلى أبيه: نِعْمةٌ من نعَمِه؛ ف

قال: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} ؛

قال: {يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ} .

قال الشافعى: ثم كان بَيِّناً فى أحكامِه (جل ثناؤه): أنَّ نِعْمتَه لا تكونُ: من جِهةِ مَعصِيَته؛ فأحَلَّ النكاحَ، ف

قال: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ} ؛

وقال تبارك وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . وحَرَّم الزِّنا، ف

قال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ} ؛ معَ ما ذكَرَه: فى كتابِه.فكان مَعقُولا فى كتابِ اللّه: أنَّ ولَدَ الزِّنا لا يكونُ مَنْسُوباً إلى أبيه: الزّانى بأمِّه. لِمَا وَصَفْنا: من أنَّ نِعْمتَه إنَّما تكونُ: من جِهةِ طاعَتِه؛ لا: من جِهةِ مَعصِيَتِه.ثم: أبَانَ ذلك على لسانِ نبيِّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وبسَطَ الكلامَ فى شرْحِ ذلك.

١٥-١٦

{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللّه لَهُنَّ سَبِيلاً * وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللّه كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

١) النكاح (ما نسخ من أحكامه)

٢) حد الزنا (ما نسخ منه)

٣) الشهادة (في إقامة الحدود)

٤) الشهادات

وذكَرها فى موضع اخر - هو: لى مسموع عن أبى سعيد، عن أبى العباس، عن الربيع، عن الشافعى. - وقال فيه:وقيل: إن هذه الآيةَ نسخت، وفى معنى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللّه لَهُنَّ سَبِيلاً}  نسخت بآية الحدود: فلم يكن على امرأة، حبسٌ، يُمْنَع به حقُّ الزوجة على الزوج؛ وكان عليها الحدُّ..

وأطال الكلامَ فيه؛ وإنما أراد: نسخَ الحبسِ على منع حقها: إذا أتت بفاحشة؛ واللّه أعلم.

* * *مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْحُدُودِ

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه جل ثناؤه: {وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللّه لَهُنَّ سَبِيلاً * وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللّه كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً} .

قال: فكان هذا أولَ عقوبةِ الزانِيَيْنِ فى الدنيا؛ ثم نُسِخ هذا عن الزُّنَاةِ كلِّهم: الحُرِّ والعبدِ، والبِكرِ والثَّيِّبِ. فَحَدَّ اللّه البِكْرَيْنِ:الحُرَّيْنِ المسلمَيْنِ؛ ف

قال: {ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} ..

واحتَجَّ: بحديث عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ - فى هذه الآيةِ: {حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللّه لَهُنَّ سَبِيلاً}. -

قال: كانوا يُمسكوهُنَّ حتى نزلتْ آيةُ الحدودِ، فقال النبى (صلى اللّه عليه وسلم): خُذُوا عنى؛ قد جعل اللّه لهنَّ سبيلا: البِكرُ بالبكرِ: جَلْدُ مِائَةٍ ونَفْىُ سنةٍ؛ والثَّيِّبُ بالثيِّب: جَلْدُ مِائَةٍ والرَّجْمُ..

واحتَجَّ - فى إثبات الرَّجم على الثيِّب، ونَسْخِ الجلدِ عنه. -: بحديث عمرَ (رضى اللّه عنه) فى الرجم؛ وبحديث أبى هُرَيرَة، وزيدِ ابن خالدٍ الْجُهَنِىِّ: أن رجلا ذَكَرَ: أن ابنه زَنَى بامرأة رجل، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللّه. فجلَدَ ابنَهُ مائةً، وغَرَّبَه عاماً؛ وأمَر أُنَيْساً: أن يَغْدُوَ على امرأةِ الآخَرِ؛ فإن اعترفَتْ: فارجُمها. فاعترفَتْ: فرَجَمها..

قال الشافعي: كان ابنُه بِكراً؛ وامرأةُ الآخَر: ثَيِّباً. فذَكرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - عن اللّه جلَّ ثناؤه -: حَدَّ البِكرِ والثَّيِّبِ فى الزنا؛ فدَلَّ ذلك: على مِثْلِ ما قال عمرُ: من حدِّ الثَّيِّبِ فى الزنا..

وقال فى موضع آخَرَ (بهذا الإسناد): فثَبَتَ جَلْدُ مائةٍ والنَّفْىُ: على البِكْرَيْنِ الزانِيَيْنِ؛ والرَّجْمُ: على الثَّيِّبَيْنِ الزانيَيْنِ.فإن كانا ممن أُرِيدا بالجلْدِ: فقد نُسِخَ عنهما الجلْدُ مع الرجم.وإن لم يكونا أُرِيدا بالجلْدِ، وأُرِيد به البِكرانِ -: فهما مخالفانِ للثَّيِّبَيْنِ - بعد آيةِ الجلْدِ -: بما رَوى النبى (صلى اللّه عليه وسلم) عن اللّه (عز وجل). وهذا: أشْبَهُ معانيه، وأوْلاها به عندنا؛ واللّه أعلم..

* * *

وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه (إجازةً): أن أبا العباس حدثهم،

قال: أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ} .فسَمَّى اللّه فى الشهادةِ: فى الفاحشةِ - والفاحشةُ ههنا (واللّه أعلم): الزِّنا. -: أربعةَ شهودٍ. فلا تَتِمُّ الشهادةُ: فى الزِّنا؛ إلاَّ: بأربعةِ شهداءَ، لا امرأةَ فيهم: لأنَّ الظاهرَ من الشهداءِ: الرجالُ خاصّةً؛ دونَ النساءِ.. وبسَطَ الكلامَ فى الحُجَّةِ على هذا.

١٧

{إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللّه لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللّه عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللّه عَلِيماً حَكِيماً }

١) عقيدة (التوبة)

قال: وقال الشافعى رحمه اللّه - فى قولِه عز وجل: {إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللّه لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ} . -: ذكَرُوا فيها مَعنَيَيْنِ: (أحدُهما): أنه مَن عَصَى: فقد جَهِلَ، من جميعِ الخلقِ. (والآخَرُ): أنه لا يَتوبُ أبَداً: حتى يَعْلَمَه؛ وحتى يَعْمَلَهُ: وهو لا يَرَى أنه مُحَرَّمٌ. والأوَّلُ: أوْلاَهُما..

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

١٩

{يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللّه فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

١) النكاح (الحقوق والواجبات)

٢) النكاح (حسن المعاشرة)

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} ؛

قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} .

قال: وجِمَاعُ المعروف: إتيانُ ذلك بما يَحْسُن لك ثوابُه؛ وكفُّ المكروه..

وقال فى موضع آخرَ (فيما هو لى: بالإجازة؛ عن أبى عبد اللّه): وفَرَض اللّه: أن يؤدىَ كلٌّ ما عليه: بالمعروف.

وجِمَاعُ المعروف: إعفاءُ صاحب الحق من المُؤْنة فى طلبه، وأداؤه إِليه: بطيب النفس. لا: بضرورته إلى طلبه؛ ولا: تأديتُه:بإظهار الكراهية لتأديته.وأيُّهما ترَكَ: فظُلْمٌ؛ لأن مَطْلَ الغَنىِّ ظلمٌ؛ ومَطْلُه تأخير الحق.

قال: وقال اللّه عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ}؛ واللّه أعلم؛ أى: فمالَهنّ مثلُ ما عليهنَّ: من أن يُؤَدَّى إليهنّ بالمعروف..

وفى رواية المُزَنِىِّ، عن الشافعى: وجِماعُ المعروف بين الزوجين: كفُّ المكروه، وإعفاءُ صاحب الحق من المُؤْنة فى طلبه. لا:بإظهار الكراهية فى تأديته. فأيُّهما مَطَلَ بتأخيره: فمطلُ الغنىِّ ظلمٌ..

وهذا: مما كَتب إلىَّ أبو نُعَيمٍ الإسْفِرَايْنِىُّ: أن أباعَوانةَ أخبرهم عن المزني، عن الشافعى. فذَكَرَه.

* * *

وبإسناده،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه عز وجل: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ُلِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} .يقال (واللّه أعلم): نزلتْ فى الرجل: يَكره المرأة، فيمنعُها -: كراهيةً لها. - حقَّ اللّه(عز وجل): فى عِشْرتها بالمعروف؛ ويحبِسُها -: مانعاً حقها.-: ليرثها؛ عن غير طِيب نفس منها، بإمساكه إياها على المنع.فحرَّم اللّه (عز وجل) ذلك: على هذا المعنى؛ وحرَّم على الأزواج: أن يَعضُلوا النساء: ليَذهَبوا ببعض ما أوتِينَ؛ واستثنى: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}.وإذا أتَيْنَ بفاحشة مبيِّنَة - وهى: الزنا. - فأَعْطَيْنَ بعضَ ما أوتِين -: ليُفارَقْن. -: حَل ذلك إن شاء اللّه. ولم يكن معصيتُهن الزوجَ - فيما يجب له - بغير فاحشة: أوْلى أن يُحِل ما أعطَيْن، من: أن يَعصِين اللّه (عزوجل) والزوجَ، بالزنا.

قال: وأمرَ اللّه (عز وجل) - فى اللائى: يَكرهُهُن أزواجُهن، ولم يأتِين بفاحشة. -: أن يعاشَرْن بالمعروف. وذلك: تأديةُ الحق، وإجمالُ العِشْرة.

قال تعالى: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللّه فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} .فأبح عِشْرتهن - على الكراهيةَ -:بالمعروف؛ وأخبرَ: أن اللّه (عز وجل) قد يجعل فى الكره خيراً كثيراً.والخير الكثيرُ: الأجرُ فى الصبر، وتأديةُ الحق إلى من يَكره، أو التطَوُّلُ عليه.وقد يَغْتَبِطُ -: وهو كاره لها.-: بأخلاقها، ودِينِها، وكَفاءتِها، وبَذْلِها، وميراثٍ: إن كان لها. وتُصْرَفُ حالاتُه إلى الكراهِيَة لها، بعد الغِبْطَة بها..

٢٠

{ وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }

١) النكاح

٢) النكاح (المهر)

وقد قال اللّه عز وجل: {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً}؟! .وهذه الآيةُ: فى معنى الآية التى كتبنا قبلها. فإذا أراد الرجل الاستبدالَ بزوجته، ولم تُرِد هى فُرقتَه -: لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئاً -: بأن يَسْتَكْرِهَها عليه - ولا أن يطلِّقَها: لتُعطيَه فدية منه.. وأطال الكلامَ فيه.

٢٢

{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً }

وقال - فى قوله عز وجل: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} ؛ وفى قوله عز وجل: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} . -: كان أكبر ولد الرجل: يَخلُف على امرأة أبيه؛ وكان الرجل: يَجمع بين الأختين. فنهى اللّه (عز وجل): عن أن يكون منهم أحد: يجمع فى عمره بين أختين، أو ينكِحُ ما نكح أبوه؛ إلا ما قد سلف فى الجاهلية، قبل علمهم بتحريمه. ليس: أنه أقرّ فى أيديهم، ما كانوا قد جمعوا بينه، قبل الإسلام. كما أقرهم النبى (صلى اللّه عليه وسلم)) على نكاح الجاهلية: الذى لا يَحل فى الإسلام بحال..

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

٢٣

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللّه كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

١) النكاح (المحرمات)

٢) النكاح (الرضاع المحرم)

(أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه عزوجل: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} ؛ دُون أدعيائكم: الذين تسمونهم أبناءكم..

واحتج فى كل بما هو منقولٌ فى كتاب: (المعرفة)؛ ثم

قال: وحَرَّمنا بالرضاع: بما حرم اللّه: قياساً عليه؛ وبما قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنه يَحرُم من الرضاع: ما يَحرُمُ من الولادة.

* * *

وقال - فى قوله عز وجل: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} ؛ وفى قوله عزوجل: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} . -: كان أكبر ولد الرجل: يَخلُف على امرأة أبيه؛ وكان الرجل: يَجمع بين الأختين. فنهى اللّه (عز وجل):عن أن يكون منهم أحد: يجمع فى عمره بين أختين، أو ينكِحُ ما نكح أبوه؛ إلا ما قد سلف فى الجاهلية، قبل علمهم بتحريمه.ليس: أنه أقرّ فى أيديهم، ما كانوا قد جمعوا بينه، قبل الإسلام. كما أقرهم النبى (صلى اللّه عليه وسلم)) على نكاح الجاهلية:الذى لا يَحل فى الإسلام بحال..

* * *

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى: من تزويج امرأة، فلم يدخل بها حتى ماتت، أو طلقها فأبانها -: فلا بأس أن يتزوج ابنتها؛ ولا يجوز له عقدُ نكاح أمها: لأن اللّه (عز وجل)

قال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} . ؛ زاد فى كتاب الرضاع: لان الأم مُبْهَمَةُ التحريم فى كتاب اللّه (عز وجل): ليس فيها شرطٌ؛ إنما الشرط فى الربائب.. ورواه عن زيد بن ثابت.

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصمُّ، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه عزوجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَاعَةِ} .

قال الشافعى: حرم اللّه (عز وجل) الأمَّ والأخت: من الرَّضاعة؛ واحتمل تحريمها معنيين

(أحدهما) -: إذ ذكر اللّه تحريمَ الأم والأخت من الرَّضاعة، فأقامهما: فى التحريم، مُقامَ الأم والأخت من النسب. -: أن تكونَ الرَّضاعة كُلُّها، تقوم مقام النسب: فما حَرُم بالنسب حَرُم بالرَّضاعة مثلُه.وبهذا، نقول: بدلالة سنةِ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، والقياسِ على القرآن.

(والآخر): أن يَحرم من الرضاع الأمُّ والأختُ، ولا يَحرمَ سواهما..

ثم ذكر دلالة السنة، لما اختار: من المعنى الأولِ.

قال الشافعى (رحمه اللّه): والرَّضاعُ اسمٌ جامعٌ، يَقَعُ: على المَصَّة، وأكثرَ منها: إلى كمال إرضاع الحَوْلَيْن. ويَقَعُ: على كل رضاع: وإن كان بعد الحولين.فاستدللنا: أن المراد بتحريم الرَّضاع: بعضُ المُرْضَعِين، دون بعض. لا: مَنْ لزمه اسمُ: رَضاعٍ..

وجَعَلَ نظيرَ ذلك: آيةَ السارق والسارقة، وآية الزانى والزانية وذكَر الحجةَ فى وقوع التحريم بخمس رَضعاتٍ.

واحتَجَّ فى الحوْلَيْنِ بقول اللّه (عز وجل): {وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ} .

ثم

قال: فَجَعَلَ (عز وجل) تمامَ الرَّضَاعة: حوْليْن كاملين؛

قال: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} ؛ يعنى (واللّه أعلم): قبل الحوْليْن.فدَلَّ إرخاصُه (حل ثناؤه) -: فى فصال المولود، عن تراضِي والدَيْه وتشاوُرِهما، قبل الحوْليْن. -: على أن ذلك إنما يكون: باجتماعهما على فصاله، قبل الحوْليْن.وذلك لا يكون (واللّه أعلم) إلا بالنظر للمولود من والدَيْهِ: أن يكونا يريان: فصالَه قبل الحوْليْن، خيرا من إتمام الرَّضاع له لعلة تكون به، أو بمُرْضِعِه -: وإنه لا يَقبل رضاعَ غيرها. - وما أشبه هذا.وما جعل اللّه (تعالى) له، غايةً - فالحكمُ بعد مُضِيِّ الغاية، فيه: غيرُه قبل مُضِيِّهَا. قال اللّه عز وجل: {وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ} ؛ فحكمُهُنَّ - بعد مُضِىِّ ثلاثةِ أقراءٍ-: غير حكمِهِن فيها.

قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ} ؛ فكان لهم: أن يَقصُروا مسافرين؛ وكان- فى شرْط القَصْر لهم: بحال موصوفة. - دليلٌ: على أن حكمهم فى غير تلك الصفة: غيرُ القَصْر.

٢٤

{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللّه عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللّه كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

١) النكاح (المحرمات)

٢) النكاح

٣) النكاح (المهر)

٤) حد الزنا (معنى الإحصان)

وفسر الشافعى (رحمه اللّه) - فى قوله عز وجل: {وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ} . -: بأن ذواتِ الأزواج -: من الحرائر، والإماء. - مُحَرَّماتٌ على غير أزواجهن، حتى يفارقَهن أزواجُهن: بموت، أو فرقةِ طلاق، أو فسحِ نكاح. إلا السبايا: فإنهن مفارقاتٌ لهن: بالكتاب، والسنة، والإجماع..

واحتَج - فى رواية أبى عبد الرحمن الشافعى، عنه -: بحديث أبى سعيدٍ الخُذْرِىِّ (رضى اللّه عنه): أنه

قال: أصبنا سبايا: لهن أزواجٌ فى الشِّرْك؛ فكرِهنا: أن نطأهن؛ فسألنا النبى (صلى اللّه عليه وسلم) عن ذلك؛ فنزل:{وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ}..

واحتَج بغير ذلك أيضا؛ وهو منقول فى كتاب: (المعروفة).

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى - فى قوله اللّه عز وجل: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} . -: معناه: بما أحله اللّه لنا -: من النكاح، ومِلكِ اليمين. - فى كتابه. لا: أنه أباحه بكل وجه..

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس الأصمُّ، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه عز وجل: {وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} ؛

قال: {فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ..

وذكر سائر الآيات التى وردت فى الصداق، ثم

قال: فَأَمَرَ اللّه (عز وجل) الأزواجَ: بأن يُؤْتوا النساء أُجُورَهُنَّ وصَدُقَاتِهِنَّ؛ والأجر هو: الصداق؛ والصداق هو: الأجرُ والمهرُ. وهى كلمة عربيةٌ: تسمى بعدة أسماء.فَيَحتَمل هذا: أن يكون مأموراً بصداقٍ، مَنْ فَرَضَه - دون مَنْ لم يَفْرِضْهُ -: دَخَل، أو لم يَدْخُل. لأنه حق ألزمه المرءُ نفسَه: فلا يكون له حبْسُ شيء منه، إلا بالمعنى الذى جعله اللّه له؛ وهو: أن يُطلِّقَ قبل الدخول. قال اللّه عزوجل: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ}  .ويَحتَمل: أن يكون يجب بالعَقد: وإن لم يسم مهراً، ولم يدخل.ويَحتَمل: أن يكون المهر لا يَلزم أبدا، إلا: بأن يُلزِمَهُ المرءُ نفسه، أو يَدْخُلَ بالمرأة: وإن لم يُسمِّ مهرا.فلمَّا احتَمل المعانىَ الثلاثَ، كان أوْلاها أن يقال به: ما كانت عليه الدلالة: من كتاب، أو سنةٍ، أو إجماعٍ.

فاستدللنا -: بقول اللّه عزوجل: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} . -: أن عَقد النكاح يصح بغير فريضةِ صداق؛ وذلك: أن الطرق لا يقع إلا على مَنْ عُقد نكاحُهُ..

ثم ساق الكلام، إلى أن

قال: وكان بيِّنا فى كتاب اللّه (جل ثناؤه): أن على الناكح الواطئ، صداقا: بفرْض اللّه (عز وجل) فى الإماء: أن يُنْكَحْنَ بإذن أهلهن، ويُؤتَيْنَ أُجورَهن - والأجر: الصداق. - وبقوله تعالى: {فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ؛ وقال عزوجل: {وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} : خالصةً بهبة ولا مهر؛ فأعلم: أنها للنبى(صلى اللّه عليه وسلم) دون المؤمنين.

وقال مرة أخرى - فى هذه الآية -: يريد (واللّه أعلم): النكاحً والمسيسَ بغير مهر. فدل: على أنه ليس لأحد غيرِ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم): أن ينكح فَيَمسَّ، إلا لزمه مهر. مع دلالة الآى قبله..

وقال - فى قوله عز وجل {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ}. -: يعنى: النساء..

وفى قوله: {أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ} . -: يعنى: الزوج؛ وذلك: أنه إنما يعفو مَنْ له ما يعفوه..

ورواه عن أمير المؤمنين: على بن أبى طالب (رضى اللّه عنه ) وجُبَيْر ابن مُطْعِمٍ. وابن سيرينَ، وشُرَيْح، وابن المسَيَّبِ، وسعيد بن جُبيْرٍ، ومجاهد.

وقال - فى رواية الزَّعْفَرَانِىّ عنه -: وسمعت من أرضى، يقول: الذى بيده عُقْدةُ النكاح: الأبُ فى ابنته البكر، والسيدُ فى أمته؛ فعفوه جائز..

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ،

قال: وقال الحسين بن محمد - فيما أُخْبِرْتُ عنه، وقرأتُه فى كتابه -: أنا محمد بن سُفْيَانَ بن سعيد أبو بكر، بمصرَ، نا يونُسُ بن عبد الأعلى،

قال:

قال الشافعى فى قوله عزّ وجلّ: {وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ} : ذواتُ الأزواجِ: من النساء؛ {أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} ؛ {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} : عفائفَ غيرَ خبائثَ؛ {فَإِذَآ أُحْصِنَّ}

قال: فإذا نُكِحْنَ؛ {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ} : غيرِ ذواتِ الأزواجِ.

٢٥

{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم ...}

١) النكاح (شروطه)

٢) حد الزنا (حد الأمَة)

واحتَج (أيضا) - فى اشتراط الولاية فى النكاح -: بقوله عزّوجلّ: {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللّه بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} ؛ وبقوله (تعالى) فى الإماء: {فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} .

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه (تبارك وتعالى) فى المملوكاتِ. {فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ} .

قال: والنِّصْفُ لا يكونُ إلا فى الجلْدِ: الذى يَتَبَعَّضُ. فأما الرَّجْمُ -: الذى هو: قتلٌ. -: فلا نصفَ له..

ثم ساق الكلامَ، إلى أن

قال: وإحْصانُ الأمَةِ: إسلامُها. وإنما قلنا هذا، استدلالاً: بالسنةِ، وإجماعِ أكثرِ أهلِ العلم.ولمَّا قال رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): إذا زَنَتْ أَمَةُ أحدِكم، فتبَيَّنَ زِناها: فلْيَجْلِدْها. - ولم يقل: مُحْصَنَةً كانت، أو غير مُحْصَنَةٍ. -: استدللنا: على أن قولَ اللّه (عزّ وجلّ) فى الإماءِ: {فَإِذَآ أُحْصِنَّ}: إذا أسْلَمْنَ - لا: إذا نُكِحْنَ فأُصِبْنَ بالنكاح؛ ولا: إذا أُعْتِقْنَ. -: وإن لم يُصَبْنَ..

قال الشافعى: وجِماعُ الإحصانِ: أن يكون دون المُحْصَنِ مانعٌ من تناول المحرَّمِ. والإسلام مانعٌ؛ وكذلك: الحرِّيَّةُ مانعةٌ؛ وكذلك: الزوجِيَّةُ، والإصابةُ مانعٌ؛ وكذلك: الحبسُ فى البيوت مانعٌ؛ وكلُّ ما مَنَعَ: أحْصَنَ. قال اللّه تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ} ؛

وقال عزّ وجل: {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} ؛ أى: ممنوعَةٍ.

قال الشافعى: وآخِرُ الكلامِ وأوَّلُهُ، يدُلاَّنِ: على أن معنى الإحصانِ المذكورِ: عامٌّ فى موضع دونَ غيرِه؛ إذ الإحصانُ ههنا:الإسلامُ؛ دونَ: النكاح، والحُرِّيَّةِ، والتَّحَصُّنِ: بالحبْسِ والعَفافِ. وهذه الأسماءُ: التى يَجْمَعُهَا اسمُ الإحصان..

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

٢٩

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }

١) المعاملات (حرمة أكل الأموال غير حق)

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، أخبرنى أبو أحمدَ بنُ أبى الحسن، أنا عبد الرحمن (يعنى: ابنَ أبى حاتِمٍ)؛ أخبرنى أبى،

قال: سمِعتُ يونُسَ بن عبد الأعلى، يقول: قال لى الشافعى (رحمه اللّه) - فى قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ} . -

قال: لا يكونُ فى هذا المعنى، إلاَّ: هذه الثلاثةُ الأحكامُ وما عَدَاها فهو: الأكلُ بالباطل؛ على المرء فى ماله: فَرْضٌ من اللّه(عز وجل): لا يَنْبَغِى له التصرُّفُ فيه؛ وشىءٌ يُعطِيه: يريدُ به وجْهَ صاحبه. ومن الباطل، أنْ يقولَ: احْزُرْ ما فى يدِى؛ وهو لك..

وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظُ (إجازةً): أنَّ أبا العباس محمدَ بن يعقوبَ، حدَّثهم: أنا الربيع بن سليمانَ،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): جِمَاعُ ما يَحِلُّ: أنْ يأخُذَه الرجلُ من الرجلِ المسْلمِ؛ ثلاثةُ وُجُوهٍ:

(أحدُها): ما وجَب على الناسِ فى أموالِهِم -: ممَّا ليس لهم دَفْعُه: من جِنَاياتِهِم، وجِنَاياتِ مَن يَعقِلُون عنه. - وما وجَب عليهم:بالزَّكاةِ، والنُّذُورِ، والكَفَّاراتِ، وما أشْبَهَ ذلكوثانيها: ما أوْجَبُوا على أنفسِهم: ممّا أخَذُوا به العِوَضَ: من البُيُوعِ، والإجاراتِ، والهبَاتِ:للثّوابِ؛ وما فى معناها.وثالثُها: ما أعطَوْا: مُتَطَوِّعِين -. من أموالِهِم. -: الْتِماسَ واحدٍ من وجهَيْنِ؛ (أحدُهما): طلبُ ثوابِ اللّه.(والآخَرُ): طلبُ الاسْتِحْمَادِ إلى مَن أعطَوْهُ إيّاهُ. وكِلاَهما معروفٌ حسَنٌ؛ ونحن نَرجُو عليه: الثوابَ؛ إنْ شاء اللّه..ثم: ما أعطَى الناسُ من أموالِهِم -: من غيرِ هذه الوُجُوه، وما فى معناها. -: واحدٌ من وجهَيْنِ؛ (أحدُهما): حقٌّ؛ (والآخَرُ): باطلٌ فما أعطَوْه -: من الباطل. -: غيرُ جائزٍ لهم، ولا لَمنْ أعطَوْه وذلك: قولُ اللّه عز وجل: {وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ} .فالحقُّ من هذا الوجهِ-: الذى هو خارجٌ من هذه الوُجُوهِ التى وصَفْتُ. - يَدُلُّ: على الحقِّ: فى نفسِه؛ وعلى الباطلِ: فيما خالفَه.وأصْلُ ذِكْرِه: فى القرآنِ، والسُّنةِ، والآثارِ. قال اللّه عز وجل - فيما نَدَب به أهلَ دِينِه -: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللّه وَعَدُوَّكُمْ} ؛ فزَعَمَ أهلُ العلم بالتفسيرِ: أنَّ القوَّةَ هى: الرَّمْىُ. وقال اللّه تبارك وتعالى: {وَمَآ أَفَآءَ ٱللّه عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} ..

ثم ذَكَر: حديثَ أبى هُريْرةَ، ثم حديثَ ابنِ عمرَ: فى السَّبْق. وذَكَر: ما يَحِلَّ منه، وما يَحرُمُ.

٣٤

{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللّه بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللّه وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللّه كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }

١) الصلاة (إمامة المرأة في الصلاة)

٢) النكاح (شروطه)

٣) النكاح (القوامة) (حل الخلاف بين الزوجين)الرجال قوامون على النساء.

(أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): وإذا صلت المرأة برجال ونساء. وصبيانٍ ذكور -: فصلاة النساء مجزئة، وصلاة الرجال والصبيان الذكور غيرُ مجزئِةٍ. لأن اللّه (تعالى) جعل الرّجال قوَّامين على النساء، وقصرهن عن أن يكُنَّ أولياءَ، وغير ذلك. فلا يجوز: أن تكون امرأة إمامَ رجل فى صلاة، بحال أبداً..

وبسط الكلامَ فيه هاهنا، وفى كتاب القديم.

* * *

واحتَج (أيضا) - فى اشتراط الولاية فى النكاح -: بقوله عزّ وجلّ: {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللّه بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} ؛ وبقوله (تعالى) فى الإماء: {فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} .

* * *

(أنبأنى) أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة): أن أبا العباس (محمدَ بن يعقوبَ) حدثهم: أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه عزوجل: {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللّه بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} إلى قوله {وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} .

قال الشافعى: قوله: {وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}؛ يحتمل: إذا رأى الدلالاتِ - فى أفعال المرأة وأقاويلها - على النشوز، وكان للخوف موضع -: أن يَعِظها؛ فإنْ أبْدَتْ نشوزاً: هجَرها؛ فإن أقامت عليه: ضرَبها.وذلك: أن العِظة مباحةٌ قبل فعل المكروه -:إذا رؤيت أسبابه، وأن لا مُؤْنةَ فيها عليها تَضرُّ بها. وإن العِظة غير محرمة من المرء لأخيه: فكيف لامرأته؟!. والهجرُ لا يكون إلا بما يحل به: لأن الهجرة محرمة - فى غير هذا الموضع - فوق ثلاث. والضربُ لا يكون إلا ببيان الفعلفالآية فى العِظة، والهجرة، والضرب على بيان الفعل: تدل على أن حالاتِ المرأة فى اختلافِ ما تُعاتَب فيه وتُعاقَب -: من العِظة، والهجرة، والضرب. -: مختلفةٌ. فإذا اختلتفت: فلا يُشْبهُ معناها إلا ما وصفت.وقد يحتمل قوله تعالى: {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}: إذا نَشَزْنَ، فخِفتم لَجَاجَتَهن فى النشوز -: أن يكون لكم جَمْعُ العِظة، والهجرةِ، والضربِ..

وبإسناده، قال

قال: الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه تبارك وتعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللّه بَيْنَهُمَآ} الآية .اللّه أعلم بمعنى ما أراد: من خوف الشقاق الذى إذا بلَغاه: أمَرَه أن يَبعث حكَماً من أهله، وحكَماً من أهلها.والذى يُشْبه ظاهرَ الآية: فما عَمَّ الزوجين معا، حتى يشتبهَ فيه حالاهما -: من الإباية.وذلك: أنى وجدت اللّه (عز وجل) أذِن فى نشوز الزوج: بأن يصطلحا؛ وأذن فى نشوز المرأة: بالضرب؛ وأذن - فى خوفهما: أن لا يُقيما حدود اللّه -:بالخُلع..

ثم ساق الكلامَ، إلى أن

قال: فلما أمَرَ فيمن خفنا الشقاق بينه: بالحكمين؛ دل ذلك: على أن حكمهما غيرُ حكم الأزواج غيرهِما: أن يَشتبه حالاهما فى الشقاق: فلا يفعل الرجل: الصلحَ ولا الفرقةَ؛ ولا المرأةُ: تأديةَ الحق ولا الفدية؛ ويصيران -: من القول والفعل. - لى ما لا يَحِل لهما، ولا يَحسن؛ ويتماديان فيما ليس لهما: فلا يُعطيان حقا، ولا يتطوعان ولا واحدٌ منهما، بأمر: يصيران به فى معنى الأزواج غيرِهما..فإذا كان هكذا: بَعث حَكَما من أهله، وحَكَما من أهلها. ولا يبعثهما: إلا مأمونَيْنِ، وبرضا الزوجين. ويُوَكلهما الزوجان: بأن يَجْمَعا، أو يُفَرِّقا: إذا رأَيا ذلك..

وأطال الكلام فى شرح ذلك، ثم قال فى آخره: ولو قال قائل: يجبِرُهما السلطان على الحَكَمين؛ كان مذهبا.

٤٣

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللّه كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

١) الطهارة (نواقض الوضوء)

٢) الطهارة (الغسل)

٣) الوضوء

٤) الصلاة (مبطلاتها)

٥) الصلاة (دخول الجنب المسجد)

وفى قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ}  و ؛

قال الشافعى: ذكر اللّه عز وجل الوضوء على من قام إلى الصلاة؛ فاشبه أن يكون من قام من مضجع النوم. وذكر طهارة الجنب، ثم قال بعد ذلك: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ}.فأشبه: أن يكون أوجب الوضوء من الغائط، وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة؛ فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبل غير الجنابة. ثم استدل عليه بآثار ذكرها. قال الربيع: اللمس بالكف؛ ألا ترى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن الملامسة. والملامسة: أن يلمس الرجل الثوب فلا يقلبه وقال الشاعر:

* فَأَلْمسْتُ كَفِّي كَفّهُ أطْلُبُ الْغِنَى * وَلَمْ أدْرِ أنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِى *

* فَلا أنا، منْهُ ما أفَادَ ذَوو الْغِنَى * اَفَدْتُ وَاعْدانِى فَبدَّدتُ مَاعِنْدِي *

هكذا وجدته فى كتابى وقد رواه غيره عن الربيع عن الشافعى، أنا أبو عبد الرحمن السلمى، أنا: الحسين بن رشيق المصرى إجازة، انا أحمد بن محمد ابن حرير النحوي،

قال: سمت الربيع بن سليمان يقول؛ فذكر معناه عن الشافعى

(انا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ} . فأوجب (جل ثناؤه) الغسل من الجنابة؛ وكان معروفاً فى لسان العرب أن الجنابة: الجماع وإن لم يكن مع الجماء ماء دافق. وكذلك ذلك فى حد الزنا، وإيجاب المهر، وغيره وكل من خوطب: بأن فلاناً أجنب من فلاة عَقَلَ أنه أصابها وإن لم يكن مقترفاً. يعنى أنه لم ينزل.

وبهذا الإسناد

قال الشافعى: وكان فرض اللّه الغسل مطلقاً: لم يذكر فيه شيئاً يبدأ به قبل شىء؛ فإذا جاء المغتسل بالغسل أجزأه - واللّه أعلم - كيفما حاء به - وكذلك لا وقت فى الماء فى الغسل، إلا أن يأتى بغسل جميع بدنه.

أنا، أبو عبداللّه الحافظ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} الآية،  ودلت اسنة على أن الوضوء من الحدث. وقال اللّه عز وجل: {لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ}  الآية. فكان الوضوء عاما فى تكاب اللّه (عز وجل) من الأحداث؛ وكان أمْرُ اللّه الجنبَ بالغُسل من الجنابة، دليلا (واللّه أعلم) على: أن لا يجب غسل إلا من جنابة؛ إلا أن تدل على غسل واجب: فنوجبه بالسنة: بطاعة اللّه فى الأخذ بها. ودلت السنة على وجوب الغسل من الجنابة؛ ولم أعلم دليلا بيِّناً على أن يجب غُسلُ غير الجنابة الوجوب الذى لا يجزئ غيره. وقد رُوى فى غُسل يوم الجمعة شىءٌ؛ فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا؛ ولسان العرب واسع.

ثم ذكر ما رُوى فيه، وذَكر تأويله، وذَكر السنة التى دلت على وجوبه فى الاختيار، وفى النظافة، ونفى تغير الريح عند اجتماع الناس، وهو مذكور فى كتاب المعرفة.

وبهذا الإسناد

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} .

قال: ي

قال: نزلت قبل تحريم الخمر. وأيَّما كان نزولُها: قبل تحريم الخمر أو بعده فمن صلى سكرانَ: لم تجز صلاته؛ لنهى اللّه(عز وجل) إياه عن الصلاة، حتى يعلمَ ما يقول؛ وإن معقولا: أن الصلاة: قول، وعمل، وإمساك فى مواضع مختلفة. ولا يؤدى هذا كما أمر به، إلا من عَقَلَه.

(أخبرنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ} .

قال الشافعى: فقال بعض أهل العلم بالقرآن - فى قول اللّه عزوجل: {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}.-: لا تقربوا موضع الصلاة.

قال: وما أشْبه ما قال بما قال؛ لأنه لا يكون فى الصلاة عبورُ سبيل، إنما عبور السبيل: فى موضعها؛ وهو: المسجد. فلا بأس أن يمرّ الجنب فى المسجد مارّاً، ولا يقيم فيه. لقول اللّه عزجلّ: {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}..

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

٥٩

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللّه وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللّه وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

١) أصول فقه (حجية الكتاب والسنة)

قال الشافعى رحمه اللّه: وفرض اللّه تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فقال فى كتابه: {رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ} .

قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ ٱللّه عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} ،

قال تعالى: {وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللّه وَٱلْحِكْـمَةِ} . وذكر غيرها من الآيات التى وردت فى معناها.

قال: فذكر اللّه تعالى الكتاب، وهو القرآن؛ وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وهذا يشبه ما قال (واللّه أعلم) بأن القرى، ذكر وأتبعته الحكمة؛ وذكر اللّه (عز وجل) منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة. فلم يجز (واللّه أعلم) أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللّه، وأن اللّه افترض طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وحتم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول: فرض؛ إلا لكتاب اللّه، ثم سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مبينة عن اللّه ما أراد دليلاً على خاصه وعامه؛ ثم قرن الحكمة بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم ذكر الشافعى رحمه اللّه الآيات التى وردت فى فرض اللّه (عز وجل) طاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم. منها: قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللّه وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ}  فقال بعض أهل العلم: أولو الأمر أمراء سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وهكذا أخبرنا واللّه أعلم، وهو يشبه ما قال واللّه أعلم -: أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن تعطى بعضها بعضاً طاعة الإمارة؛ فلما دانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رَسولِ اللّه صلى اللّه عليه وَسلم؛ فأمروا أن يطيعوا أولى الأمر الذين أمرهم رسُولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لا طاعة مطلقة، بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم.

قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللّه} . يعنى إن اختلفتم فى شىء، وهذا إن شاء اللّه كما قال فى أولى الأمر.لأنه يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} يعنى (واللّه أعلم) هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم. {فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللّه وَٱلرَّسُولِ} يعنى (واللّه أعلم) - إلى ما قال اللّه والرسول إن عرفتموه؛ وإن لم تعرفوه سألتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه إذا وصلتم إليه، أو من وصل إليه. لأن ذلك الفرض الذى لا منازعة لكم فيه: لقول اللّه عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللّه وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . ومن تنازع ممن - بعد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - رد الأمر إلى قضاء اللّه؛ ثم إلى قضاء رسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضا نصا فيهما، ولا فى واحد منهما - ردوه قياساً على أحدهما.

٦٥

{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

١) أصول فقه (حجية الكتاب والسنة)

قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية: .

قال الشافعى: نزلت هذه الآية فيما بلغنا - واللّه أعلم - فى رجل خاصم الزبير رضى اللّه عنه فى أرض، فقضى النبى صلى اللّه عليه وسلم بها للزبير رضي اللّه عنه، وهذا القضاء سنة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لا حكم منصوص فى القران.

وقال عز وجل: {وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللّه وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ}  والآيات بعدها. فأعلم اللّه الناس أن دعاءهم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليحكم بينهم، دعاء إلى حكم اله، وإذا سلموا لحكم النبى صلى اللّه عليه وسلم، فإنما سلموا لفرض اللّه. وبسط الكلام فيه.

٩٢

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللّه وَكَانَ ٱللّه عَلِيماً حَكِيماً }

١) الجنايات (حرمة قتل المسلم)

٢) الجنايات (كفارته وديّته)

٣) الجنايات (متى لا تدفع دية المسلم)

٤) الجنايات (قتل الخطأ)

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، ثنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ} .فأحْكَمَ اللّه (جل ثناؤه ) - فى تنزيل كتابه -: أنَّ علي قاتل المؤمنِ، دِيَةً مُسَلَّمَةً إلى أهله. وأبَانَ على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم): كَمْ الدِّيَةُ؟وكان نَقْلُ عَددٍ: من أهل العلم؛ عن عَددٍ لا تَنازُعَ بينهم -: أنَّ رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قَضَى فى دِيَةِ المسلمِ: مائةً من الإِبل. وكان هذا: أقْوَى مِن نَقْل الخاصَّةِ؛ وقد رُوىَ من طريق الخاصَّةِ وبه نأخذُ؛ ففى المسلم يُقْتَلُ خطأً: مائةٌ من الإبل..

قال الشافعى - فيما يَلزَمُ العِراقِيِّين فى قولهم فى الدِّية: إنها على أهل الوَرِقِ: عشْرة آلافِ درهمٍ. -: قد رُوى عن عِكْرِمَةَ عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): أنه قَضَى بالدِّيَة: اثنى عشَرَ ألفَ درهمٍ. وزَعم عِكْرِمَةُ: أنه نَزَل فيه: {وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللّه وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} ..

قال الشيخ: حديثُ عِكْرِمَةَ هذا: رواه ابنُ عُيَيْنَةَ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عِكْرِمَةَ: مَرَّةً مُرْسَلاً، ومرةً مَوْصُولاً: بذكرِ ابن عباس فيه.ورواه محمد بن مُسْلِمٍ الطَّائِفىُّ، عن عمرو، عن عِكرِمةَ، عن ابن عباس: مَوْصُولاً.

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى: أمَرَ اللّه (تبارك وتعالى) - فى المعَاهَد: يُقتَل خطأً. -: بدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلى أهله. ودَلَّتْ سنةُ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): على أن لا يُقتلَ مؤمنٌ بكافر؛ معَ ما فَرَق اللّه بين المؤمنينَ والكافرينَ.فلم يَجُزْ: أن يُحْكَمَ على قاتل الكافرِ، إلا:بدِيَةٍ؛ ولا: أن يُنْقَصَ منها، إلا: بخَبَرٍ لازِمٍ.وقَضي عمرُ بن الخطاب، وعثمانُ بن عفانَ (رضى اللّه عنهما) - فى دِيةَ اليهودىِّ، والنصرانىِّ-: بثُلُث دِيَةِ المسلم وقَضى عمرُ (رضى اللّه عنه) - فى دِيةِ المجُوسِيِّ -: بثمانِمَائةِ درهمٍ؛ وذلك ثُلُثا عُشْرِ دِيَةِ المسلمِ؛ لأنه كان يقولُ: تُقَوَّمُ الدّيَةُ: اثْنَىْ عَشْرَ ألفَ درهمٍ.ولم نعلَم أن أحداً قال فى دياتهم: بأقَلَّ من هذا. وقد قيل: إن دِيَاتِهِم أكثرُ من هذا. فألزَمْنا قاتلَ كلِّ واحدٍ -: من هؤلاء. -: الأقَلَّ مما اجتُمِعَ عليه..

وأطال الكلامَ فيه، وناقَضَهُم: بالمؤمنة الحرَّةِ، والجَنِينِ؛ وبالعبد -: وقد تكون قيمتُه: عشْرَةَ دراهم. -: يجبُ فى قتْل كل واحدٍ منهم: تحريرُ رقَبَةٍ مؤمنةٍ؛ ولم يُسَوَّ بينهم: فى الدّيَة.

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه جل ثناؤه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} .

قال الشافعى: قوله: {مِن قَوْمٍ}؛ يعنى: فى قوم عدوٍّ لكم.

ثم ساق الكلامَ، إلى أن

قال: وفى التنزيل، كِفَايةٌ عن التأويل: لأن اللّه (جل ثناؤه) -: إذ حَكَم فى الآية الأولى، فى المؤمن يُقتَلُ خطا: بالدّية والكفارةِ؛ وحَكَم بمثل ذلك، فى الآية بعدَها: فى الذى بَيْنَنَا وبيْنه ميثاقٌ؛ وقال بيْن هذينِ الْحُكْمَيْن: {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}؛ ولم يَذكرْ دِيَةً؛ ولم تَحتمل الآيةُ معنى، إلا أن يكونَ قوله: {مِن قَوْمٍ}؛ يعنى: فى قوم عَدُوٍّ لنا، دارُهم: دارُ حربٍ مباحةٌ؛ وكان من سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): إذا بَلَغَتْ الناسَ الدعوةُ، أنْ يُغِيرَ عليهم غارِّيينَ. -:كان فى ذلك، دليلٌ: على أن لا يُبيحَ الغارَةَ على دار: وفيها مَن له - إن قُتِل -: عَقْلٌ، أو قَوَدٌ. وكان هذا: حُكْمَ اللّه عز وجل.

قال: ولا يجوزُ أنْ يقالَ لرجل: من قوم عَدُوٍّ لكم؛ إلا: فى قوم عَدُوٍّ لنا. وذلك: أنّ عامَّةَ المهاجرينَ: كانوا من قُرَيْشٍ؛ وقُرَيْشٌ:عامةُ أهلِ مكةَ؛ وقُرَيْشٌ: عَدُوٌّ لنا. وكذلك: كانوا من طوائفِ العربِ والعَجَمِ؛ وقبائلُهم: أعداءٌ للمسلمينَ.فإن دخل مسلمٌ في دار حربٍ، ثم قَتَلَهُ مسلمٌ - فعليه: تحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ؛ ولا عقْلَ له إذا قتله: وهو لا يَعرفُه بعينِه مُسْلِماً.. وأطال الكلامَ فى شرحه.

قال الشافعى فى كتاب البُوَيْطِىِّ: وكلُّ قاتِل عَمْدٍ -: عُفِى عنه، وأُخِذَتْ منه الدّيَةُ -: فعليه: الكفَّارةُ؛ لأن اللّه (عز وجل): إذ جَعَلها فى الخطإ: الذى وُضِع فيه الإثمُ؛ كان العمدُ أولى.والحجةُ فى ذلك: كتابُ اللّه (عز وجل): حيثُ قال فى الظِّهَارِ: {مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً} ؛ وجَعَل فيه كفارةً. ومن قوله: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ} ؛ ثم جَعَل فيه الكفارةَ..

وذَكَرَها (أيضاً) فى رواية المزَنِىِّ - دونَ العفو، وأخْذ الدّيَةِ.

* * *

قال: و

قال الشافعى (رحمه اللّه)، - فى قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً} . -: معناه: أنه ليس للمؤمنِ أنْ يَقتُلَ أخاه؛ إلاَّ: خَطأً..

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

٩٤

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللّه مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللّه عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

١) الشهادات (التثبت قبل الحكم)مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْقَضَايَا وَالشَّهَادَاتِ

وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظُ (إجازةً): أنَّ أبا العباس حدَّثَهم: أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه جل ثناؤه: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ؛

قال: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً} .

قال الشافعى: أمَر اللّه (جل ثناؤه) مَن يُمْضِى أمْرَه على أحدٍ -: من عبادِه. -: أنْ يكونَ مُسْتَثْبِتاً، قبْلَ أنْ يُمْضِيَه. وبَسَط الكلامَ فيه.

٩٥

{لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللّه ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللّه ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللّه ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }

١) الجهاد

قال الشافعى: قال اللّه عز وجل: {لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَاعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللّه ٱلْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللّه ٱلْحُسْنَىٰ}

قال الشافعى: فوَعدَ الْمُتَخَلِّفِين عن الجهاد: الحُسنى على الإيمان؛ وأبانَ فضيلةَ المجاهدينَ على القاعدينَ. ولو كانوا آثِمين بالتخَلُّف -: إذا غزا غيرُهم. -: كانت العقوبةُ بالإثم - إن لم يَعفُ اللّه عنهم - أوْلى بهم من الحسنى.

٩٧

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللّه وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً }

١) الهجرة (فرضها)فَرْضُ الْهِجْرَةِ

وبهذا الإسناد:

قال الشافعى (رحمه اللّه): ولما فرَض اللّه (عز وجل) الجهادَ، على رسوله (صلى اللّه عليه وسلم): جهادَ المشركينَ؛ بعدَ إذ كان أباحه؛ وأثْخَنَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أهل مكةَ ورأوْا كثرةَ مَن دَخل فى دينِ اللّه عزوجل -: اشْتَدُّوا على مَنْ أسْلم منهم؛ ففَتَنُوهم عن دينهِمْ، أو: مَنْ فَتَنُوا منهم.

فعَذَرَ اللّه (عز وجل) مَنْ لم يَقْدِرْ على الهجرة -: من المفتُونينَ. - ف

قال: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ} ؛ وبعث إليهم رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنَّ اللّه (عز وجل) جعل لكم مَخْرَجاً.وفَرَض على مَن قَدَرَ على الهجرةِ، الخروجَ: إذا كان ممن يُفْتَتَنُ عن دِينهِ، ولا يُمْنَعُ. فقال فى رجل منهم تُوُفِّىَ -: تَخَلَّفَ عن الهجرةِ، فلم يُهاجرْ. -: {ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ} الآية: .وأبَانَ اللّه (عز وجل) عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، ف

قال: {إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللّه أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ}الآية: .

قال: وي

قال: (عَسَى) من اللّه: واجبة.ودَلَّتْ سنةُ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): على أنَّ فَرْضَ الهجرة -: على مَن أطاقَها، - إنما هو: على مَنْ فُتِنَ عن دِينه، بالبلدة التى يُسلِم بها.لأن رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أذِن لقوم بمكةَ: أن يُقِيموا بها، بعد إسلامهم - منهم: العباسُ بن عبد المُطَّلِبِ، وغيرُه. -: إذ لم يخافوا الفِتنةَ. وكان يأمُرُ جيوشَه: أنْ يقولوا لمن أسلمَ: إنْ هاجرْتُم:فلكم ما للمهاجرينَ؛ وإنْ أقمتُم: فأنتُم كأعرابِ المسلمين. وليس يُخَيِّرُهم، إلا فيما يَحِلُّ لهم..

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

٩٨-٩٩

{ إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللّه أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللّه عَفُوّاً غَفُوراً }

١) الهجرة (فرضها)فَرْضُ الْهِجْرَةِ

وبهذا الإسناد:

قال الشافعى (رحمه اللّه): ولما فرَض اللّه (عز وجل) الجهادَ، على رسوله (صلى اللّه عليه وسلم): جهادَ المشركينَ؛ بعدَ إذ كان أباحه؛ وأثْخَنَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أهل مكةَ ورأوْا كثرةَ مَن دَخل فى دينِ اللّه عزوجل -: اشْتَدُّوا على مَنْ أسْلم منهم؛ ففَتَنُوهم عن دينهِمْ، أو: مَنْ فَتَنُوا منهم.

فعَذَرَ اللّه (عز وجل) مَنْ لم يَقْدِرْ على الهجرة -: من المفتُونينَ. - ف

قال: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ} ؛ وبعث إليهم رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنَّ اللّه (عز وجل) جعل لكم مَخْرَجاً.وفَرَض على مَن قَدَرَ على الهجرةِ، الخروجَ: إذا كان ممن يُفْتَتَنُ عن دِينهِ، ولا يُمْنَعُ. فقال فى رجل منهم تُوُفِّىَ -: تَخَلَّفَ عن الهجرةِ، فلم يُهاجرْ. -: {ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ} الآية: .وأبَانَ اللّه (عز وجل) عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، ف

قال: {إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللّه أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ}الآية: .

قال: وي

قال: (عَسَى) من اللّه: واجبة.ودَلَّتْ سنةُ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): على أنَّ فَرْضَ الهجرة -: على مَن أطاقَها، - إنما هو: على مَنْ فُتِنَ عن دِينه، بالبلدة التى يُسلِم بها.لأن رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أذِن لقوم بمكةَ: أن يُقِيموا بها، بعد إسلامهم - منهم: العباسُ بن عبد المُطَّلِبِ، وغيرُه. -: إذ لم يخافوا الفِتنةَ. وكان يأمُرُ جيوشَه: أنْ يقولوا لمن أسلمَ: إنْ هاجرْتُم:فلكم ما للمهاجرينَ؛ وإنْ أقمتُم: فأنتُم كأعرابِ المسلمين. وليس يُخَيِّرُهم، إلا فيما يَحِلُّ لهم..

١٠٠

{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّه يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللّه وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللّه وَكَانَ ٱللّه غَفُوراً رَّحِيماً }

١) الهجرة (الإذن بها)الإِذْنُ بِالْهِجْرَةِ

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): وكان المسلمون مُسْتَضْعَفِينَ بمكةَ، زمانا: لم يؤذَنْ لهم فيه بالهجرةِ منها؛ ثم أذِنَ اللّه لهم بالهجرة، وجعل لهم مَخْرَجاً. في

قال: نزلت: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّه يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}  وأمَرَهم: ببلاد الحَبَشَةِ. فهاجرتْ إليها منهم طائفةٌ.

ثم دخل أهلُ المدينةِ فى الإسلام: فأمَرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) طائفةً - فهاجرتْ إليهم -: غيرَ محَرِّمٍ على من بقىَ، تركَ الهجرة.

وذَكر اللّه (عز وجل) أهلَ الهجرةِ، ف

قال: {وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ} ؛

قال: {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ} ؛

قال: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} .

قال: ثم أذِنَ اللّه لرسوله (صلى اللّه عليه وسلم): بالهجرةِ منها؛ فهاجر رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى المدينةِ.ولم يُحَرِّم فى هذا، على مَن بقىَ بمكةَ، المُقامَ بها -: وهى دارُ شركٍ. - وإن قَلُّوا: بأن يُفْتَنُوا. و لم يأذنْ لهم بجهاد. ثم أذِن اللّه (عز وجل) لهم: بالجهادِ؛ ثم فَرَض - بعد هذا - عليهم: أنْ يُهاجِروا من دارِ الشركِ. وهذا موضوعٌ فى غير هذا الموضع..

١٠١

{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

١) الصلاة (قصرها وشروطه)

(أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): التقصير لمن خرج غازيا خائفا: فى كتاب اللّه عزوجل. قال اللّه جلّ ثناؤه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً} .

قال: والقصرُ لمن خرج فى غير معصية: فى السنة.

قال الشافعى: فأما من خرج: باغياً على مسلم، أو معاهَد؛ أو يقطعُ طريقا، أو يُفْسِدُ فى الأرض؛ أو العبدُ يخرح: آبقاً من سيده؛ أو الرجلُ: هاربا ليمنع دماً لزمه، أو مافى مثل هذا المعنى، أو غيره: من المعصية.-: فليس له أن يقصر؛ فإن قصر: أعاد كل صلاة صلاها. لأن القصر رُخصة؛ وإنما جعلت الرُّخصة لمن لم يكن عاصياً: ألا ترى إلى قول اللّه عزَّوجلَّ: {فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ} .؟.

قال: وهكذا: لا يمسح على الخفين، ولا يجمع الصلاة مسافر فى معصية. وهكذا: لا يصلِّى لغير القبلة نافلة؛ ولا تخفيف عمن كان سفره فى معصية اللّه عز وجل.

قال الشافعى (رحمه اللّه): وأكره ترك القصر، وأنهى عنه: إذا كان رغبةً عن السنة فيه.. يعنى: لمن خرج فى غير معصية.

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ،

قال: وقال الحسين بن محمد - فيما أخبرتُ عنه -: أنا محمد بن سفيان، نا يونس بن عبدالأعلى،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه) - فى قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ}. -

قال: نزل بعُسْفانَ: موضع بخيبر، فلما ثبت: أن رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لم يزل يقصر مَخْرَجَه من المدينة إلى مكة؛ كانت السنة فى التقصير. فلو أتمَّ رجلٌ متعمدٌ: من غير أن يُخَطِّىءَ مَنْ قصر؛ لم يكن عليه شيء. فأما إن أتمّ: متعمداً، منكراً للتقصير؛ فعليه إعادة الصلاة.

وقرأتُ - فى رواية حرملة عن الشافعى -: يستحب للمسافر: أن يقبل صدقة اللّه ويقصر؛ فإن أتمَّ الصلاة -: عن غير رغبة عن قبول رخصة اللّه عزَّ وجلّ. -: فلا إعادة عليه؛ كما يكون - إذا صام في السفر -: لا إعادة عليه. وقد قال عزَّ وجلَّ: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . وكما تكون الرخصة فى فدية الأذى: فقد قال اللّه تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ}  الآية. فلو ترك الحلق والفدية، لم يكن عليه بأس: إذا لم يدعه رغبة عن رخصة..

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع ابن سليمان، أنا الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه عزوجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ} الآية.

قال: فكان بيناً فى كتاب اللّه: أن قصر الصلاة - فى الضرب فى الأرض، والخوف - تخفيفٌ من اللّه (عزَّوجلَّ) عن خلقه؛ لا: أن فرضاً عليهم أن يقصروا. كما كان قوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} ؛ رخصة؛ لا:أن حتما عليهم أن يطلقوهن فى هذه الحالة. وكما كان قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } ؛ يريد (واللّه أعلم): أن تتجرُوا فى الحج؛ لا: أن حتما أن تتجرُوا. وكما كان قوله: ليس عليكم جناحُ: {أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ} ؛ لا: أن حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم، ولا بيوت غيرهم. وكما كان قوله: {وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ} ؛ فلو لبسن ثيابهن ولم يضعنها: ما أَثِمْنَ. وقولُ اللّه عزَّ وجلّ:{لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ}؛ ي

قال: نزلت: (ليس عليهم حرج بترك الغزو؛ ولو غَزَوْا مَا حَرِجُوا)..

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

١٠٢

{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللّه أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

١) الصلاة (صلاة الخوف)

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه عزَّوجلَّ: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ} .

قال الشافعى: فأمَرَهم - خائفين، محروسين.-: بالصلاة؛ فدلَّ ذلك على أنه أمرهم بالصلاة: للجهة التى وُجُوهُهُم لها: من القبلة..

قال تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} . فدلَّ إرخاصه - فى أنْ يصلوا رجالا أو ركباناً -: على أن الحال التى أجاز لهم فيها: أن يصلوا رجالا وركباناً من الخوف؛ غيرُ الحال الأولى التى أمرهم فيها: بأن يحرس بعضهم بعضاً. فعلمنا: أن الخوفين مختلفان، وأن الخوف الآخر -: الذى أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركباناً.- لا يكون إلا أشد من الخوف الأول. ودلَّ: على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا: مستقبلى القبلة، وغيرَ مستقبليها فى هذه الحال؛ وقعوداً على الدواب، وقياماً على الأقدام. ودلت على ذلك السنة.. فذَكَرَ حديث ابن عمر فى ذلك.

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى - فى قوله عزَّ وجلَّ: {فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ}  -.

قال: فاحتمل: أن يكونوا إذا سجدوا ما عليهم: من السجود كله؛ كانوا من ورائهم. ودلت السنة على ما احتمل القرآن من هذا؛ فكان أولى معانيه، واللّه أعلم.

١٠٣

{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللّه قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً }

١) أصول فقه (العام والخاص)فصل فى معرفة العموم والخصوص

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى رحمه اللّه: قال اللّه تبارك تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} .

قال تعالى: {خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ}   .

قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللّه رِزْقُهَا} . فهذا عام لا خاص فيهِ، فكل شىء: من سماء، وأرض، وذى روح، وشجر، وغير ذلك - فاللّه خالقه. وكل دابة فعلى اللّه رزقها ويعلمُ مُستقرَّها ومُستودَعَها،

وقال عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ} .

قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ * فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية: .

قال تعالى: {إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} الآية .

قال الشافعي: فبين فى كتاب اللّه أن فى هاتين الآيتين العموم والخصوص. فأما العموم منها ففى قوله عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ} . فكل نفس خوطب بهذا فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقبله وبعده -مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل.والخاص منها فى قوله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ}  لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها -: من البالغين من بنى آدم - دون المخلوقين من الدواب سواهم، ودون المغلوب على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم. فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها. وفى السنة دلالة عليه؛ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: رُفعَ القلمُ عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبى حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق.

قال الشافعى رحمه اللّه: وهكذا التنزيل فى الصوم، والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله، ودون الحيض فى أيام حيضهن.

١١٥

{ وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }

١) دليل الإجماع

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ أخبرنى، أبو عبد اللّه الزبير بن عبد الواحد الحافظ الأسترابادي

قال: سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفاريابى، يقول: قال المزنى والربيع: كنا يوماً عند الشافعى، إذ جاء شيخ، فقال له:أسأل؟

قال الشافعى: سل.

قال: إيش الحجة فى دين اللّه؟ ف

قال الشافعى: كتاب اللّه

قال: وماذا؟

قال: سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

قال: وماذا؟

قال: اتفاق الأمة.

قال: ومن أين قلت اتفاق الأمة، من كتاب اللّه؟ فتدبر الشافعى (رحمه اللّه) ساعة. فقال الشيخ: أجلتك ثلاثة أيام. فتغير لونالشافعى؛ ثم إنه ذهب فلم يخرج أياماً.

قال: فخرج من البيت فى اليوم الثالث، فلم يكن باسرع أن جاء الشيخ فسلم فجلس، ف

قال: حاجتى؟ ف

قال الشافعى (رحمه اللّه): نعم؛ أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، بسم اللّه الرحمن الرحيم، قال اللّه عز وجل: {وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً} . لا يصليه جهنم على خلاف سبيل المؤمنين، إلا وهو فرض.

قال: ف

قال: صدقت. وقام وذهب.

قال الشافعى: قرأت القرآن فى كل يوم وليلة ثلاث مرات، حتى وقفت عليه. وهذه الحكاية أبسط من هذه، نقلتها فى كتاب المدخل.

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

١٢٥

{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّه وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }

١) الأنبياء صفوة الخلق

ثم أبَانَ (جلَّ ثناؤه): أنَّ خيرَتَه مِنْ خلقِه: أنبياؤه؛ ف

قال تعالى: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللّه ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} ؛ فجعَل النبيينَ (صلى اللّه عليه وسلم) من أصْفِيائه -دون عباده -: بالأمانةِ على وحيِه، والقيامِ بحُجَّتِهِ فيهم.ثم ذَكر مِن خاصَّةِ صَفْوَتِهْ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ}  فَخَصَّ آدمَ ونوحاً: بإعادةِ ذِكْرِ اصْفِائِهما. وذَكرَ إبراهيمَ(عليه السلامُ)، ف

قال: {وَٱتَّخَذَ ٱللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . وذَكرَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ، ف

قال: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} .ثم أنعم اللّه (عزّ وجلّ) على آل إبراهيمَ، وآلِ عمرانَ فى الأُمم؛ ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .ثم اصْطَفَى محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) من خَيْر آلِ إِبراهيمَ؛ وأنزَل كتُبَه - قبل إنزالِ القرآنِ على محمد صلى اللّه عليه وسلم -: بصفة فضيلتِه، وفضيلةِ مَن اتبعه؛ ف

قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللّه وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللّه وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ} الآية: .وقال لأمته: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؛ ففَضَّلهم: بكَيْنُونَتِهم من أمَّتِهِ، دون أُمم الأنبياءِ قبلَه.ثم أخبر (جلَّ ثناؤه): أنه جعله فاتحَ رحمتهِ، عند فَتْرَة رسلِه؛ ف

قال: {يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} ؛

قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ} . وكان فى ذلك، ما دل: على أنه بعثه إلى خلقه -: لأنهم كانوا أهلَ كتاب وَأميين: - وأنهُ فَتَحَ به رحمتَه.وختَم به نُبُوَّتَه: قال عز وجل: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ}  .وقَضَى: أن أظهَرَ دينَهُ على الأديان؛ ف

قال: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

١٢٧

{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللّه كَانَ بِهِ عَلِيماً }

١) النكاح (زواج اليتيمة)

قال: و

قال الشافعى - فى قولهِ عز وجل: {قُلِ ٱللّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ}؛ الآيةَ: . -: قولُ عائشةَ (رضى اللّه عنها)، أثْبَتُ شىءٍ فيه. وذكَر لى - فى قولِها -: حديثَ الزُّهْرِىِّ.

١٢٨

{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

١) النكاح (آدابه)

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه عزوجل: {وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} .

(أنا) ابن عيينة، عن الزهرىّ، عن ابن المسَيَّبِ -: أن بنت محمد بن مَسْلَمَة، كانت عند رافع بن خَدِيجٍ، فكره منها أمرا؛ إما كِبَراً أو غيرَه؛ فأراد طلاقها، فقالت: لا تطلقنى، وأمْسِكْنى؛ واقسِم لى ما بدالك. فأنزل اللّه عزوجل: {وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} الآية. .

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

١٢٩

{ وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللّه كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

١) النكاح (العدل بين الزوجات)

(أخبرنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصمُّ، أنا الربيع، نا الشافعى،

قال: وزعم بعض أهل العلم بالتفسير: أن قول اللّه عز وجل: {وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} : أن تعدلوا بما فى القلوب؛ لأنكم لا تملكون ما فى القلوب: حتى يكونَ مستويا.وهذا - إن شاء اللّه عزوجل -: كما قالوا؛ وقد تجاوز اللّه (عز وجل) لهذه الأُمَّة، عما حَدّثتْ به نفسَها: ما لم تقل أو تعملْ؛ وجعَل المأثَمَ: إنما هو فى قول أو فعل.وزعم بعض أهل العلم بالتفسير: أن قول اللّه عز وجل: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ} : - إن تُجُوِّزَ لكم عما فى القلوت -: فَتَتَّبِعُوا أهواءها، فتَخرجوا إلى الأثَرَة بالفعل: (فَتَذَرُوهَا كالْمُعَلّقَةِ). وهذا - إن شاء اللّه تعالى - عندى: كما قالوا.

وعنه فى موضع آخرَ: ف

قال: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ}: لا تُتْبِعوا أهواءكم، أفعالَكم: فيصيرَ الميلَ بالفعل الذى ليس لكم: {فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ}.وما أشْبَهَ ما قالوا - عندى - بما قالوا؛ لأن اللّه (تعالى) تجاوز عما فى القلوب، وكَتب على الناس الأفعالَ والأقاويلَ.وإذا مال بالقول والفعل: فذلك كلُّ الميل..

١٣٦

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللّه وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللّه وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

١) أصول فقه (حجية الكتاب والسنة)فصل فى فرض اللّه عز وجل فى كتابه واتباع سنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم

أنا، أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى رحمه اللّه تعالى: وضع اللّه جل ثناؤه رسوله صلى اللّه عليه وسلم - من دينه وفرضه وكتابه - الموضع الذى أبان (جل ثناؤه) أنه جعله علماً لدينه بما افترض من طاعته، وحرم من معصيته. وأبان فضيلته بما قرر: من الإيمان برسوله مع الإيمان به. فقال تبارك وتعالى: {آمِنُواْ بِٱللّه وَرَسُولِهِ} .

قال تعالى: {إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللّه وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ} . فجعل دليل ابتداء الإيمان - الذى ما سواه تبع له - الإيمان باللّه ثم برسوله صلى اللّه عليه وسلم. فلو آمن به عبد ولم يؤمن برسوله صلى اللّه عليه وسلم - لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى يؤمن برسوله (عليه السلام) معه.

١٤٠

{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللّه يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللّه جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }

١) أصول فقه (الرسول أول المخاطبين بالتكليف)مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ، وَالْفَرْضِ عَلَى النَّبِىِّصلى اللّه عليهِ وسلمَ، ثُمَّ عَلَى النَّاسِ

(أنا) أبو الحافظُ، وأبو سعيد بن أبى عمرو، قالا: نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): لما بعث اللّه نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنزل عليه فرائضَه كما شاء: {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ؛ ثم:أتْبَعَ كلَّ واحد منها، فَرْضاً بعد فَرْضٍ: فى حينٍ غيرِ حينِ الفرضِ قبلَه.

قال: ويقال (واللّه أعلم): إن أولَ ما أنزل اللّه عليه -: من كتابه. -: {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} .ثم أُنزِل عليه ما لم يؤمَرْ فيه:بأن يدعُوَ إليه المشركين. فمرْت لذلك مدةٌ.ثم ي

قالُ: أتاه جبريلُ (عليه السلامُ) عن اللّه (عز وجل): بأنْ يُعْلِمَهُمْ نزولَ الوحىِ عليه، ويدعُوَهُم إلى الإيمان به. فكبُرَ ذلك عليه؛ وخاف: التكذيبَ، وأنْ يُتَنَاوَلَ. فنزل عليه: {يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللّه يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ} . ف

قال: يعصمُك مِنْ قَتْلِهم: أن يَقْتُلُوكَ؛ حتى تُبَلِّغَ ما أنزِل إليك. فبَلَّغَ ما أُمِرَ به: فاستهزأ به قومٌ؛ فنزل عليه: {فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ}

قال: وأعلمه: مَن عَلم منهم أنه لا يؤمنُ به؛ ف

قال: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً}؛ إلى قوله: {هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): وأنزَل إليه (عز وجل) - فيما يُثَبِّتُه به: إذا ضاق من أذاهم. -: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ * وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ} .ففَرَض عليه: إبلاغَهم، وعبادتَه. ولم يَفْرِضْ عليه قتالَهم؛ وأبَانَ ذلك فى غير آيةٍ: من كتابه؛ ولم يأمرْه: بعُزْلَتِهِمْ؛ وأنزَل عليه: {قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ؛ وقوله: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ} ؛ وقولَه: {مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ} ؛ مع أشياءَ ذُكرتْ فى القرآن - فى غير موضع -: فى مثل هذا المعنى.وأمَرهم اللّه (عز وجل): بأن لا يَسُبُّوا أندادَهم؛ ف

قال: {وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللّه فَيَسُبُّواْ ٱللّه عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية: ؛ مع ما يُشْبِهُها.ثم أنزل (جل ثناؤه) - بعد هذا -: فى الحال الذى فَرض فيها عُزْلةَ المشركينَ؛ ف

قال: {وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ} .وأبَانَ لمن تَبِعه، ما فَرَض عليهم: مما فَرَض عليه؛

قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللّه يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ} الآية: ..

الأحكام الواردة في سورة ( النساء )

١٤٥

{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً }

١) النفاق (حكمه وعقوبته)

٢) النفاق

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه عزوجل: {إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللّه وَٱللّه يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللّه يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}؛ إلى قوله: {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} .فبَيِّنٌ فى كتاب اللّه (عز وجل): أن اللّه أخبر عن المنافقين: أنهم اتَّخَذَوا أيْمانَهم جُنَّةَ؛ يعنى(واللّه أعلم): من القتلِ.ثم أخبَرَ بالوَجه: الذى اتَّخَذوا به أيْمانَهم جُنَّةً؛ ف

قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا}: بعدَ الإيمانِ، كفراً: إذا سُئلوا عنه: أنكروه، وأظهروا الإيمانَ وأقرُّوا به؛ وأظهروا التوبةَ منه: وهم مُقيمونَ - فيما بيْنهم وبيْن اللّه تعالى - على الكفر.وقال جل ثناؤه: {يَحْلِفُونَ بِٱللّه مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} ؛ فأخبَرَ: بكفرهم، وجَحْدِهم الكفرَ، وكذِبِ سرَائرِهم: بجَحْدِهم.وذكَرَ كفرَهم فى غيرِ آيةٍ، وسمَّاهم: بالنفاق؛ إذ أظهروا الإيمانَ: وكانوا على غيره.

قال: {إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً}  .

- فأخبر اللّه (عز وجل) عن المنافقين -: بالكفر؛ وحَكَمَ فيهم -: بعلمه: من أسرار خلْقِه؛ مالا يعلمُه غيره. -: بأنهم فى الدَّرْكِ الأسفلِ: من النار؛ وأنهم كاذبونَ: بأيْمانهم. وحَكَمَ فيهم جلّ ثناؤه - فى الدنيا -: أن ما أظهروا: من الإيمان -: وإن كانوا به كاذبين. -: لهم جُنَّةٌ من القتل: وهم الْمُسِرُّونَ الكفرَ، المظهرونَ الإيمانَ.وبَيَّنَ على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم): مِثْلَ ما أنزَل اللّه(عز وجل) فى كتابه.. وأطال الكلامَ فيه.

قال الشافعي: وأخبر اللّه (عز وجل) عن قوم: من الأعراب؛ ف

قال: {قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} . فأعلَم: أنْ لم يَدخلْ الإيمانُ فى قلوبهم، وأنهم أظهروه، وحَقَن به دماءَهم..

قال الشافعى: قال مجاهدٌ - فى قوله: (أَسْلَمْنَا). -: أسلمنا: مخافةَ القتلِ والسَّبْىِ.

قال الشافعى: ثم أخبَر: أنه يَجزيهم: إنْ أطاعوا اللّه ورسولَه؛ يعنى: إنْ أحْدَثوا طاعةَ اللّه ورسولِه..

قال الشافعى: والأعرابُ لا يَدِينُونَ دِيناً: يَظهرُ؛ بل: يُظهِرُونَ الإسلامَ، ويَسْتَخْفُونَ: الشِّركَ والتَّعْطِيلَ. قال اللّه عز وجل:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللّه وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ} ..

وقال - فى قوله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ} . -: فأما أمْرُه: أن لا يُصَلِّىَ عليهم؛: فإن صلاته - بأبى هو وأمي صلى اللّه عليه وسلم -: مخالِفَةٌ صلاةَ غيرِه؛ وأرجو: أن يكونَ قَضَى -: إذ أمَرَه بتركِ الصلاةِ على المنافقينَ. -: أن لا يُصَلِّىَ على أحد إلا غَفَرَ له؛ وقَضَى: أن لا يَغفِرَ لمقيمٍ على شِرْكٍ. فنهاه: عن الصلاة على مَن لا يَغفِرُ له..

قال الشافعى: ولم يَمنعْ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - من الصلاة عليهم -: مُسْلما؛ ولم يَقتلْ منهم - بعد هذا - أحداً..

قال الشافعى - فى غير هذا الموضع -: وقد قيل - فى قول اللّه عز وجل: {وَٱللّه يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} . -: ماهم بِمُخْلِصِينَ..

١٦٠

{ فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللّه كَثِيراً }

١) المطعومات (ما حرّمه اللّه تعالى على بني إسرائيل وحكمها في الإسلام)

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ} الآيةَ: ؛

قال: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} ؛ يعنى (واللّه أعلم): طيِّباتٍ: كانت أُحِلَّتْ لهم.

قال تعالى: {وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): الحَوَايا: ما حَوَى الطعامَ والشرابَ، فى البَطْنِ.فلم يَزَلْ ما حرَّم اللّه (عز وجل) على بنى إسرائيلَ -:اليهودِ خاصَّةً، وغيرِهم عامّةً. - مُحرَّماً: من حِينَ حرَّمه، حتى بَعَث اللّه (تبارك وتعالى) محمداً (صلى اللّه عليه وسلم): ففَرضَ الإيمانَ به، وأمَر: باتِّباعِ نبىِّ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وطاعةِ أمرِه: وأعلَم خلْقَه: أنّ طاعتَه: طاعتُه؛ وأنّ دِينَه: الإسلامُ الذى نَسَخ به كلَّ دِينٍ كان قبْلَه؛ وجَعَل مَن أدرَكَه وعلِم دِينَه -: فلم يَتّبِعْه. -: كافراً به. ف

قال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللّه ٱلإِسْلاَمُ} .وأنزَل فى أهلِ الكتابِ -: من المشركينَ. -: {قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللّه وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} الآيةُ، إلى: {مُسْلِمُونَ} ؛ وأمَر: بقتالِهِم حتى يُعطُوا الجِزْيةَ: إن لم يُسْلِمُوا؛ وأنزَل فيهم:{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ} الآية: . فقيل (واللّه أعلم): أوْزارَهم، وما مُنِعُوا -: بما أحْدَثُوا. - قبلَ ما شُرِعَ: من دِينِ محمدٍ صلى اللّه عليه وسلم.فلم يَبْقَ خلْقٌ يَعقِلُ -: مُنْذُ بَعَث اللّه محمداً صلى اللّه عليه وسلم. -: كِتابىٌّ، ولا وَثَنِىٌّ، ولا حَىٌّ برُوحٍ -: من جِنٍّ، ولا إنْسٍ. -: بَلَغَتْه دعوَةُ محمدٍ (صلى اللّه عليه وسلم)؛ إلاّ قامتْ عليه حُجّةُ اللّه: باتِّباعِ دِينِه؛ وكان مؤمناً: باتِّباعِه؛ وكافراً: بتَرْكِ اتِّباعِه.ولَزِم كلَّ امْرِىءٍ منهم -: آمَن به، أو كفرَ. - تحريمُ ما حرَّم اللّه(عز وجل) على لسانِ نبيِّه صلى اللّه عليه وسلم -: كان مُباحاً قبلَه فى شيء: من المِلَلِ؛ أو غيرَ مُباحٍ. - وإحْلالُ ما أحَلّ عَلَى لسانِ محمدٍ (صلى اللّه عليه وسلم: كان حراماً فى شىء: من المِلَلِ؛ أو غيرَ حراموأحَلَّ اللّه (عز وجل): طعامَ أهلِ الكتابِ؛ وقد وصَف ذبائحَهُم، ولم يَسْتَثْنِ منها شيئاً.فلا يجوزُ أَنْ تَحْرُمَ ذَبِيحةُ كِتابِىٍّ؛ وفِى الذَّبِيحةِ حرامٌ - على كلِّ مسْلمٍ -: مما كان حَرُم على أهلِ الكتابِ، قبلَ محمدٍ (صلى اللّه عليه وسلم). ولا يجوزُ: أنْ يَبقَى شىءٌ: من شَحْمِ البقر والغَنمِ. وكذلك: لو ذَبَحها كِتابىٌّ لنفسه، وأباحَها لمسلم -: لم يَحرُ على مسلم: من شَحْمِ بقرٍ ولا غنمٍ منها، شىءٌ.ولا يجوزُ: أنْ يكونَ شىءٌ حلالاً -: من جِهةِ الذَّكاةِ. -لأحد، حراماً على غيره. لأنَّ اللّه (عز وجل) أباحَ ما ذُكرَ: عامَّةَ لا: خاصَّةً.و هل يَحرُمُ على أهلِ الكتابِ، ما حَرُم عليهم قبلَ محمدٍصلى اللّه عليه وسلم -: من هذه الشُّحُومِ وغيرِها. -: إذا لم يَتَّبِعُوا محمداً صلى اللّه عليه وسلم

قال الشافعى: قد قيل: ذلك كلُّه محرَّمٌ عليهم، حتى يؤْمنوا.ولا يَنْبَغى: أنْ يكونَ محرَّماً عليهم: وقد نسِخ ما خالف دِين محمدٍ (صلى اللّه عليه وسلم): بدِينِه. كما لا يجوزُ -: إذا كانتْ الخمرُ حلالاً لهم. - إلا: أنْ تكون محرّمةً عليهم -: إذ حُرِّمتْ على لسانِ نبيِّنا محمدٍ صلى اللّه عليه وسلم. -: وإن لم يَدخُلوا فى دِينهِ..

١٦٣

{ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

١) حجيّة خبر الواحدفصل فى تثبيت خبر الواحد من الكتاب

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع ابن سليمان،

قال:

قال الشافعى رحمه اللّه: وفى كتاب اللّه عز وجل دلالة على ما وصفت. قال اللّه عز وجل: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ} .

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ} 

وقال عز وجل: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} .

قال تعالى: {وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} .

قال تعالى: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً} .

قال تعالى: {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} .

وقال جل وعز: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللّه وَأَطِيعُونِ} .

وقال تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} .

قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ} .

قال الشافعى: فأقام (جل ثناؤه) حجته على خلقه فى أنبيائه بالأعلام التى باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجة على من شاهد أمور الأنبياء دلائلهم التى باينوا بها غيرهم؛ وعلى من بعدهم - وكان الواحد فى ذلك وأكثر منه سواء - تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر.

قال تعالى: {وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ} .

قال: فظاهر الحجة عليهم باثنين ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد؛ وليس الزيادة فى التأكيد مانعة من أن تقوم الحجة بالواحد إذَا أعطاه اللّه ما يباين به الخلق غير النبيين. واحتج الشافعى بالآيات التى وردت فى القرآن فى فرض اللّه طاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم ومن بعده إلى يوم القيامة واحداً واحداً، فى أن علي كل واحد طاعته؛ ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعلم أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم، وشَرَّف وكرَّم) إلا بالخبر عنه. وبسط الكلام فيه.

﴿ ٠