سورة المائدة

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

١

{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللّه يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }

١) وجوب الإيفاء بالعقود والمعاهدات

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: جِمَاعُ الوَفاءِ بالنَّذْرِ، والعَهْدِ -: كان بيمينٍ، أو غيرِها. - فى قول اللّه تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ} ؛ وفى قوله تعالى: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} .. وقد ذكَر اللّه (عز وجل) الوفاءَ بالعقودِ:بالأيْمانِ؛ فى غيرِ ايةٍ: من كتابِه؛ منها: قولُه عز وجل: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللّه إِذَا عَاهَدتُّمْ}؛ ثم: {وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} الآية: ؛

وقال عز وجل: {ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللّه وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ} ؛ مع ما ذَكَر به الوفاءَ بالعهدِ.

قال الشافعى: هذا من سَعَةِ لسانِ العربِ الذى خُوطِبَتْ به؛ فظاهرُه عامٌّ على كل عَقْدٍ. ويُشْبِهُ (واللّه أعلم): أنْ يكونَ اللّه (تبارك وتعالى) أراد: أنْ يُوفُوا بكل عَقْدٍ -: كان بيمِينٍ، أو غيرِ يمِينٍ. - وكلِّ عَقْدِ نَذْرٍ: إذا كان فى العَقْدَيْن للّه طاعةٌ، أو لم يكنْ له -فيما أمَرَ بالوفاء منها – معصيةٌ..

٢

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللّه وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ ...}

١) الحج (الشعائر)

٢) الذبائح

قال: وقال الشافعى (رحمه اللّه) - فى قولِه تعالى: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللّه} . -: يعنى: لا تَسْتَحِلُّوها، وهى: كُلُّ ما كان للّه(عز وجل): من الهَدْىِ وغيرِه. وفى قوله: {وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ} : مَن آتَاه: تَصُدُّونهم عنه..

* * *

قال: وقال الشافعى (رحمه اللّه) - فى قولِه عز وجل: {شَنَآنُ قَوْمٍ} . -: على خِلافِ الحقِّ.

٣

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللّه بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ  }

١) الذبائح (الزكاة الشرعية)

٢) تفسير (معنى الذكاة)

٣) تفسير معنى الأزلام

قال: ولَمَّا ذَكرَ اللّه (عز وجل) أمْرَهُ: بالذَّبْحِ؛

قال: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}  -: كان مَعقُولاً عن اللّه (عز وجل): أنه إنما أمَرَ به: فيما يُمْكِنُ فيه الذبحُ والذَّكَاةُ؛ وإن لم يَذكُرْه.فلَمَّا كان مَعقوُلاً فى حُكْمِ اللّه (عز وجل)، ما وَصَفْتُ -: انْبَغى لأهلِ العلم عندى، أنْ يَعْلَمُوا: أنَّ ما حَلَّ -: من الحيوان. -: فذكاةُ المَقْدُورِ عليه منه: مِثلُ الذَّبحِ، أو النَّحْرِ؛ وذكاةُ غيرِ المَقْدُورِ عليه منه: ما يُقْتَلُ به: جارِحٌ، أو سلاحٌ..

* * *

وقولِه عز وجل: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} : فما وَقَع عليه اسمُ الذَّكاةِ -: من هذا. - فهو: ذَكِىُّ..

* * *

{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ}

قال: و

قال الشافعى: الأزْلامُ ليس لها معنًى إلاَّ: القِدَاحُ..

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

٤

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللّه فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللّه عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللّه إِنَّ ٱللّه سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

١) الحج (الصيد في أيام الحج)

٢) الحج

٣) الصيد (صيد الكلاب وأمثالها)

٤) الصيد (الكلب المعلَّم)

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع،

قال: سألت الشافعىّ عمن قتل من الصيد شيئا: وهو محرم؛ ف

قال: من قتل من دوابّ الصيد، شيئا: جزَاه بمثله: من النَّعم. لأن اللّه (تعالى) يقول: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ} ؛ والمِثْل لا يكون إلا لدواب الصيد.فأما الطائر: فلاَ مِثْلَ له؛ ومِثْلُه: قيمتُه. إلا أنا نقول فى حمام مكّة -: اتباعاً للآثار -: شاةٌ..

أنا أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى - فى قوله عزّوجلّ: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ}. -: والمثْلُ واحد؛ لا: أمثالٌ.فكيف زعمتَ: أن عشرةَ لو قتلوا صيدا: جَزَوْهُ بعشرة أمثال.؟!.

وجرى فى كلام الشافعى -: فى الفرق بين المثل وكفارة القتل.-: أن الكفارة: موقتة؛ والمثلَ غيرُ موقت؛ فهو - بالدية والقيمة -أشبه.

واحتَجّ - فى إيجاب المثل فى جزاء دواب الصيد، دون اعتبار القيمة -: بظاهر الآية؛ ف

قال:قال اللّه عزّ وجلّ: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ}؛ و قد حكم عمر وعبد الرحمن، وعثمان وعلى وابن عباس، وابن عمر، وغيرُهم (رضى اللّه عنهم) - فى بُلدانٍ مختلفة، وأزمانٍ شتَّى -: بالمثْل من النَّعَم

فحكَمَ حاكمُهُمْ فى النعامة: ببَدَنة؛ والنعامة لا لا تساوى بَدَنة، وفى حمار الوحش: ببقرة؛ وهو لا يساوى بقرة؛ وفى الضَّبُعِ:بكَبْشِ؛ وهو لا يساوى كبشا؛ وفى الغزال: بعَنْزٍ؛ وقد يكون أكثر ثمناً منها أضعافا ومثلَها، ودونها؛ وفى الارْنب: بعَنَاقٍ؛ وفى اليَرْبُوعِ: بجَفَرَة؛ وهما لا يساويان عَنَاقاً ولا جَفَرَة.فهذا يدلك: على أنهم إنما نظروا إلى أقرب ما قتل -: من الصيد. - شبها بالبدن من النعم؛ لا بالقيمة. ولو حكموا بالقيمة: لاختلفتْ أحكامهم؛ لاختلاف أسعار ما يقتلُ فى الأزْمانِ والبُلدان..

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج،

قال: قلت لعطاء - فى قول اللّه عزّ وجلَّ: {لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً}.- قلت له: مَنْ قتله خطأ:أيغرم؟.

قال: نعم؛ يُعَظَّمُ بذلك حُرُماتُ اللّه، ومضت به السننُ..

قال: وأنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار،

قال: رأيت الناس يُغَرَّمُون فى الخطأ..

وروى الشافعى - فى ذلك - حديثَ عُمرَ، وعبدالرحمن بن عوف (رضي اللّه عنهما): فى رجلين أجريا فرسيهما، فأصابا ظبيا: وهما مُحْرمان؛ فحكما عليه: بعَنْزٍ؛ وقرأ عمر - رضى اللّه عنه -: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ} .

وقاس الشافعى ذلك فى ا لخطأ: على قتل المؤمن خطأ؛ قال اللّه تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} ؛ والمنع عن قتلها: عامٌّ؛ والمسلمون: لم يَفْرِقوا بين الغُرْم فى الممنوع -: من الناس والأموال. -: فى العمد والخطأ

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: أصل الصيد: الذى يؤكل لحمُه؛ وإن كان غيره يسمى صيدا. ألا ترى إلى قوله اللّه تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللّه فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} .؟! لأنه معقول عندهم: أنه إنما يُرْسلونها على ما يؤكل. أولا ترى إلىقول اللّه عزّ وجلّ: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللّه بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}: ؛ وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} .؟! فدلَّ (جلَّ ثناؤهُ): على أنه إنما حرم عليهم فى الإحرام -: من صيد البرّ.- ما كان حلالا لهم - قبل الإحرام -: أن يأكلوه..

زاد فى موضع آخر: لأنه (واللّه أعلم) لا يشبه: أن يكون حرم فى الإحرام خاصة، إلا ما كان مباحاً قبله. فأما ما كان محرَّما على الحلاَل: فالتحريم الأول كاف منه..

قال: ولولا أن هذا معناه: ما أمر رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): بقتل الكلب العَقُورِ، والعقربِ، والغرابِ، والحِدَأةِ، والفأرةِ -: فى الحل والحرم. ولكنه إنما أباح لهم قتل ما أضر: مما لا يؤكل لحمُه.. وبسط الكلام فيه.

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا مسلم: عن ابن جريج، عن عطاء،

قال: لا يَفْدى المحرمُ من الصيد، إلا: ما يؤكل لحمه..

(وفيما أنبأ) أبو عبداللّه (إجازةً): أن العباس حدثهم: أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج،

قال: قتل لعطاء فى قول اللّه: {عَفَا ٱللّه عَمَّا سَلَف} ؛

قال: عفا اللّه عما كان فى الجاهلية. قتل: وقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللّه مِنْهُ} ؛!.

قال: ومن عاد فى الإسلام: فينتقمُ اللّه منه، وعليه فى ذلك الكفارة..

وشبَّه الشافعى (رحمه اللّه) فى ذلك: بقتل الآدمى والزنا، وما فيهما وفى الكفر -: من الوعيد - فى قوله: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللّه إِلَـٰهَا آخَرَ} إلى قوله: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} . - وما فى كل واحدٍ منهما: من الحدود فى الدنيا.

قال: فلما أوجب اللّه عليهم الحدود: دلَّ هذا على أن النقمة فى الآخرة، لا تسقط حكما غيرها فى الدنيا..

* * *مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِوَفِى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

قرأتُ فى كتاب: (السُّنَنِ) - روايةِ حَرْمَلَةَ بنِ يحيى، عن الشافعى -:

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللّه فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} .

قال الشافعى: فكان مَعقُولاً عن اللّه (عز وجل) -: إذْ أَذِن فى أكلِ ما أمْسَكَ الجوارِحُ. -: أنهم إنما اتّخَذُوا الجوارِحَ، لِمَا لم يَنالُوهُ إلا بالجوارِحِ -: وإن لم يَنْزِلْ ذلك نَصّاً من كتابِ اللّه عزوجل.-: فقال اللّه عزوجل: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللّه بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} ؛

قال تعالى: {لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ؛

قال تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ} .

* * *

{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}

(أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس الأصَمُّ، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: الكلبُ المُعَلَّمُ: الذى إذ أُشْلِىَ: اسْتَشْلَى؛ وإذا أخَذ: حَبَس، ولم يَأكْلْ. فإذا فَعَل هذا مَرَّةً بعدَ مَرّةٍ: كان مُعَلَّماً، يأكلُ صاحبُه ممَّا حَبَس عليه -: وإن قَتَل. -: ما لَم يأكلْ..

قال الشافعى: وقد تُسَمَّى جَوارِحَ: لأنها تَجرَحُ؛ فيكونُ اسماً: لازِماً. وأُحِلّ ما أمْسَكْنَ مطلقاً..

٥

{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

١) النكاح (المحرمات)

٢) المطعومات (طعام أهل الكتاب)

٣) المطعومات

٤) المطعومات (حكم طعام أهل الكتاب)

٥) تفسير (المحصنات)

وقال اللّه عز وجل: {وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} .

قال الشافعى: وقد قيل فى هذه الآية: إنها نزلت فى جماعة مشركى العرب: الذين هم أهل الأوثان؛ فحُرِّم: نكاح نسائهم، كما حُرِّم: أن يُنكَحَ رجالُهم المؤمناتِ

فإن كان هذا هكذا: فهذه الآية ثابتة ليس فيها منسوخ.وقد قيل: هذه الآية فى جميع المشركين؛ ثم نزلت الرخصة بعدها:فى إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة؛ كما جاءت فى إحلال ذبائح أهل الكتاب. قال اللّه عز وجل: {أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .

قال: فأيُّهما كان: فقد أبيح فيه نكاحُ حرائر أهل الكتاب.

قال: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ} ؛ إلى قوله:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ}  الآية

قال: ففى هذه الآية (واللّه أعلم)، دلالةٌ: على أن المخاطَبين بهذا: الأحرارُ؛ دون المماليك -: لأنهم الواجدون للطَّوْل، المالكون للمال، والمملوك لا يملك ما لا بحال.ولا يحل نكاح الأمة، إلا: بأن لا يجدَ الرجل الحر بصداق أمة، طَوْلا لحرة، و: بأن يخاف العنت. والعنتُ: الزنا.

قال: وفى إباحة اللّه الإماءَ المؤمناتِ - على ما شرَط: لمن لم يجد طَوْلا وخاف العنت. - دلالة (واللّه أعلم): على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب، وعلى أن الإماء المؤمنات لا يَحْلِلْن إلا: لمن جمع الأمرين، مع إيمانهن.. وأطال الكلام في الحجة

قال الشافعى (رحمه اللّه): وإن كانت الآية نزلت فى تحريم نساء المسلمين على المشركين -: من مشركى أهل الأوثان. -(يعنى: قوله عز وجل: {وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ} ): فالمسلمات محرَّمات على المشركين منهم، بالقرآن: بكل حال؛ وعلى مشركى أهل الكتاب: لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين، وما لم يختلف الناس فيه. علمتُه..

* * *

{وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ}

وبهذا الإسنادِ،

قال الشافعى: أحَلّ اللّه (جل ثناؤه): طعامَ أهلِ الكتابِ؛ وكان طعامُهم - عندَ بعضٍ مَن حفِظتُ عنه: من أهلِ التفسيرِ. -:ذبائحَهُم؛ وكانتْ الآثارُ تَدُلُّ: على إحْلالِ ذبائحِهِم.فإن كانت ذبائحُهُم: يُسَمُّونَها للّه (عز وجل)؛ فهى: حلالٌ. وإن كان لهم ذَبْحٌ آخَرُ:يُسَمُّونَ عليه غيرَ اسم اللّه (عز وجل)؛ مثلَ: اسمِ المسيح؛ أو: يَذبَحُونه باسمٍ دُونَ اللّه -: لم يَحِلَّ هذا: من ذبائحِهِم. ولا أُثْبِتُ: أنَّ ذبائحَهُم هكذا.

قال الشافعى: قد يُباحُ الشىءُ مُطلَقاً: وإنَّما يُرادُ بعضُه، دُونَ بعضٍ. فإذا زَعَم زاعِمٌ: أنَّ المسلمَ: إنْ نَسِىَ اسمَ اللّه: أُكِلَتْ ذبيحتُه؛ وإن تَرَكه استْتِخْفَافاً: لم تُؤْكَلء ذبيحتُه -: وهو لا يَدَعُه لشِركٍ. -: كان مَن يَدَعُه: على الشِّركِ؛ أوْلى: أنْ يُتْرَكَ ذبيحتُه.

قال الشافعى: وقد أحَلَّ اللّه (جل ثناؤه) لحُومَ البُدْنِ: مُطلَقَةً؛ ف

قال تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا} ؛ ووَجَدْنا بعضَ المسلمينَ، يَذهبُ: إلى أن لا يُؤْكَلَ من البَدَنَةِ التى هى: نَذْرٌ؛ ولا: جَزاءُ صَيْدٍ، ولا: فِدْيَةٌ. فلمَّا احتَمَلَتْ هذه الآيةُ: ذهبْنا إليه، وتَركْنا الجُمْلَةَ لا: أنها بخلافِ القرآنِ؛ ولكنها: مُحتَمِلَةٌ. ومَعقُولٌ:أنَّ مَن وَجَب عليه شىءٌ فى مالِه: لم يكنْ له أنْ يأخُذَ منه شيئاً. فهكذا: ذبائحُ أهلِ الكتابِ -: بالدَّلالةِ. - مُشْبِهَةٌ لِما قلنا..

* * *

قال الشافعى - فى روايةِ حَرْمَلَةَ عنه -: قال اللّه عز وجل: {وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} . فاحتَمَل ذلك: الذبائحَ، وما سِواها: من طعامِهِم الذى لم نَعتقِدْه: محرَّماً علينا. فآنِيَتُهُم أوْلى: أن لا يكونَ فى النفس منها، شىءٌ: إذا غسِلَتْ..

ثم بسَطَ الكلامَ: فى إباحةِ طعامِهِم الذى يَغِيبُون على صَنْعتِه: إذا لم نَعلمْ فيه حراماً؛ وكذلك الآنِيَةُ: إذا لم نَعلمْ نجاسةً

ثم قال - فى هذا؛ مُبايَعةِ المسلم: يَكتَسِبُ الحرامَ والحلالَ؛ والأسواقِ: يَدخُلها ثَمنُ الحرامِ. -: ولو تَنَزَّه امْرُؤٌ عن هذا، وتَوَقَّاه -: ما لم يَترُكْه: على أنه محرَّمٌ. -: كان حسَناً. لأنه قد يَحِلُّ له: تَرْكُ مالا يَشُكُّ فى حلالِه. ولكنِّى أكْرَه: أن يَترُكَه: على تحريمه؛ فيكونُ. جهلاً بالسُّنةِ، أو رَغبةً عنها..

* * *

قال: و

قال الشافعى - فى قولهِ عز وجل: {وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} . -: الحَرَائرُ: من أهلِ الكتابِ؛ غيرُ ذَوَاتِ الأزْواجِ. {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} : عَفَائفَ غيرَ فَوَاسِقَ..

٦

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

١) الطهارة (الوضوء)

٢) الطهارة (نواقض الوضوء)

٣) التيمم

٤) الوضوءفصل فيما يؤثر عنه من التفسير والمعانى فى الطهارات والصلوات

(أنا) محمد بن موسى بن الفضل، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعى رحمه اللّه

قال: قال اللّه جل ثناءه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} إلى قوله عزوجل: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ} 

قال: وكان بينا عند من خوطب بالآية: أن غسلهم إنما يكون بالماء؛ ثم أبان اللّه فى هذه الآية: أن الغسل بالماء. وكان معقولا عند من خوطب بالآية: أن الماء ما خلق اللّه تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين. وذكر الماء عاماً؛ فكان ماء السماء، وماء الأنهار، والآبار، والقلات، والبحار. العذب من جميعه، والأجاج سواء: فى أنه يطهر من توضأ واغتسل به.

وقال فى قوله عز وجل: {فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} لم أعلم مخالفاً فى أن الوجه المفروض غسله فى الوضوء: ما ظهر دون ما بطن.

قال: وكان معقولا: أن الوجه: ما دون منابت شعر الرأس، إلى الأذنين واللحيين والذقن

وفى قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ}؛

قال: فلم أعلم مخالفاً فى أن المرافق فيما يغسل. كأنهم ذهبوا إلى أن معناها: فاغسلوا أيديكم إلى أن تغسل المرافق.

وفى قوله تعالى: {وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}؛

قال: وكان معقولا فى الآية أن من مسح من رأسه شيئاً فقد مسح برأسه؛ ولم تحتمل الآية إلا هذا - وهو أظهر معانيها -أو مسح الرأس كله

قال: فدلت السنة على أن ليس على المرء مسح رأسه كله. وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية: أن من مسح شيئاً من رأسه أجزأه.

وفى قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ}؛

قال الشافعى: نحن نقرؤها (وأرجلكم)؛ على معنى: أغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم؛ وامسحوا برؤسكم

قال: ولم أسمع مخالفاً فى أن الكعبين - اللذين ذكر اللّه عز وجل فى الوضوء - الكعبان الناتئان - وهما مجمع مفصل الساق والقدم - وأن عليهما الغسل. كأنه يذهب فيهما إلى اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين. وقال فى غير هذه الرواية والكعب إنما سمى كعباً لنتوئه فى موضعه عما تحته وما فوقه. ويقال للشىء المجتمع من السمن، كعب سمن وللوجه فيه نتوء؛ وجه كعب؛ والثدى إذا تناهدا كعب..

قال الشافعى رحمه اللّه - فى روايتنا عن أبى سعيد: وأصل مذهبنا أنه يأتى بالغسل كيف شاء ولو قطعه؛ لأن اللّه تبارك وتعالى

قال: {حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ}  فهذا مغتسل وإن قطع الغسل؛ فلا أحسبه يجور - إذا قطع الوضوء - إلا مثل هذا.

قال الشافعى رحمه اللّه: وتوضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما أمر اللّه، وبدأ بما بدأ اللّه به. فاشبه (واللّه أعلم) أن يكون على المتوضئ فى الوضوء شيئان أن يبدأ بما بدأ اللّه ثم رسوله صلى اللّه عليه وسلم به منه، ويأتى على إكمال ما أمر به وشبهه بقول اللّه عز وجل: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللّه} . فبدأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصفا، وقال نبدأ بما بدأ اللّه به.

قال الشافعى رحمه اللّه: وذكر اللّه اليدين معاً والرجلين معاً، فأوجب أن يبدأ باليمنى وإن بدأ باليسرى فقد أساء ولا إعادة عليه.

وفى قول اللّه عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}؛

قال الشافعى رحمه اللّه: فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ وكانت محتملة أن تكون نزلت فى خاص.فسمعت بعض من أرضى علمه بالقرآن، يزعم: أنها نزلت فى القائمين من النوم؛ وأحسب ما قال كما قال. لأن فى السنة دليلاً على أن يتوضأ من قام من نومه.

قال الشافعى رحمه اللّه: فكان الوضوء الذى ذكره اللّه - بدلالة السنة - على من لم يحدث غائطاً ولا بولاً؛ دون من أحدث غائطاً أو بولاً. لأنهما نجسان يماسان بعض البدن. يعنى فيكون عليه الاستنجاء فيستنجى بالحجارة أو الماء؛ قال ولو جمعه رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلى. ويقال إن قوماً من الأنصار استنجوا بالماء فنزلت فيهم: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللّه يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ} 

قال الشافعى رحمه اللّه: ومعقول - إذ ذكر اللّه تعالى الغائط فى آية الوضوء أن الغائط. التخلى؛ فمن تخلى وجب عليه الوضوء. ثم ذكر الحجة من غير الكتاب، فى إيجاب الوضوء بالريح، والبول، والمذى، والودى وغير ذلك مما يخرج من سبيل الحدث.

* * *

وفى قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ}  و ؛

قال الشافعى: ذكر اللّه عز وجل الوضوء على من قام إلى الصلاة؛ فاشبه أن يكون من قام من مضجع النوم. وذكر طهارة الجنب، ثم قال بعد ذلك: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ}.فأشبه: أن يكون أوجب الوضوء من الغائط، وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة؛ فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبل غير الجنابة. ثم استدل عليه بآثار ذكرها. قال الربيع: اللمس بالكف؛ ألا ترى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن الملامسة. والملامسة: أن يلمس الرجل الثوب فلا يقلبه وقال الشاعر:

* فَأَلْمسْتُ كَفِّي كَفّهُ أطْلُبُ الْغِنَى * وَلَمْ أدْرِ أنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِى *

* فَلا أنا، منْهُ ما أفَادَ ذَوو الْغِنَى * اَفَدْتُ وَاعْدانِى فَبدَّدتُ مَاعِنْدِي *

هكذا وجدته فى كتابى وقد رواه غيره عن الربيع عن الشافعى، أنا أبو عبد الرحمن السلمى، أنا: الحسين بن رشيق المصرى إجازة، انا أحمد بن محمد ابن حرير النحوي،

قال: سمت الربيع بن سليمان يقول؛ فذكر معناه عن الشافعى

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال: قال الشافعي: قال اللّه تبارك وتعالى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} .

قال الشافعى: نزلت آية التيمم فى غزوة بنى المصطلق، أنحل عقد لعائشة رضى اللّه عنها، فأقام الناس على التماسه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فأنزل اللّه (عز وجل) آية التيمم. أخبرنا بذلك عدد من قريش من أهل العلم بالمغازى وغيرهم. ثم روى فيه حديث مالك؛ وهو مذكور فى كتاب المعرفة.

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، انا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى رحمه اللّه: قال اللّه تبارك وتعالى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً}

قال: وَكُلُّ ما وقع عليه اسم صعيد لم يخالطه نجاسة، فهو: صعيد طيب يتيمم به. ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذى غبار؛ فاما البطحاء الغليظة والرقيقه والكثيب الغليظ - فلا يقع عليه اسم صعيد.

وبهذا الإسناد

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ} الآية وقال فى سياقها {وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} فدل حكم اللّه (عز وجل) على أنه أباح التيمم فى حالين: أحدهما: السفر والأعواز من الماء. والآخر. المرض فى حضر كان أو سفر. ودل ذلك على أن على المسافر طلبَ الماء، لقوله: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ} وكان كل من خرج مجتازاً من بلد إلى غيره، يقع عليه اسم السفر قصر السفر أو طال. ولم أعلم من السنة دليلا على أن لبعض المسافرين أن يتيمم دون بعض؛ فكان ظاهر القرآن ان كل من سافر سفراً قريباً أو بعيداً يتيمم

قال: وإذا كان مريضاً بعض المرض: تيمم حاضرا أو مسافراً، أو واجداً للماء أو غير واجد له والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة؛ فالذى سمعت: أن المرض - الذى للمرء أن يتيمم فيه -: الجراح، والقرح دون الغور كله مثل الجراح؛ لأنه يخاف فى كله - إذا ما مسه الماء - أن ينطف، فيكون من النطف التلف، والمرض المخوف. وقال فى القديم (رواية الزعفرانى عنه):يتيمم إن خاف إن مسه الماء التلف، أو شدة الضنى. وقال فى كتاب البُوَيْطىِّ: فخاف، إن أصابه الماء، أن يموت، أو يتراقى عليه إلى ما هو أكثر منها؛ تيمم وصلى ولا إعادة عليه. لأن اللّه تعالى أباح للمريض التيمم. وقيل: ذلك المرضُ: الجراحُ والجدرى. وما كان فى معناهما: من المرض - عندى مثلُهما؛ وليس الحُمَّى وما أشبهها -: من الرمد وغيره. - عندى، مثل ذلك.

قال الشافعى - فى روايتنا: جعل اللّه المواقيتَ للصلاة؛ فلم يكن لأحد أن يصليها قبلها؛ وإنما أمر بالقيام إليها إذا دخل وقتها؛ وكذلك أمر بالتيمم عند القيام إليها، والإعواز من الماء. فمن تيمم لصلاة قبل دخول وقتها، وطلب الماء لها -: لم يكن له أن يصليهَا بذلك التيمم.

أخبرنا، أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال.

قال الشافعى (رحمه اللّه): وإنما قلت: لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره. لأن اللّه (جل ثناؤه) يقول {فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}  فكان معقولا. أن الوجه لا يكون مغسولاً إلا بأن يبتدأ له بماء فيغسل به، ثم عليه فى اليدين عندي - مثلُ ما عليه فى الوجه من أن يبتدئ لهما ماء فيغسلهما به. فلو أعاد عليهما الماء الذى غسل به الوجه -: كان كأنه لم يُسَوِّ بين يديه ووجهه، ولا يكون مسوياً بينهما، حتى يبتدئ لهما الماء، كما ابتدأ للوجه. وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ لكل عضو ماء جديداً..

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه عزوجل: {فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} إلى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ} . فاحتمل أمر اللّه (تبارك وتعالي)بغَسل القدمين: أن يكون على كل متوضىء؛ واحْتَمَلَ: أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض. فدل مسح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الخفين -: أنها على من لا خفين عليه إذا هو لبسهما على كمال طهارة. كما دل صلاة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صلاتين بوضوء واحد، وصلوَاتٍ بوضوء واحد -: على أن فرض الوضوء ممن قام إلى الصلاة، على بعض القائمين دون بعض، لا: أن المسح خلافٌ لكتاب اللّه، ولا الوضوءَ على القدمين.. زاد - فى روايتى، عن أبى عبد اللّه، عن أبى العباس، عن الربيع، عنه -: إنما ي

قال: الغَسلُ كمال، والمسحُ رخصةُ كمال؛ وأيهما شاء فعل.

أنا، أبو عبد اللّه الحافظ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} الآية،  ودلت اسنة على أن الوضوء من الحدث. وقال اللّه عز وجل: {لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ}  الآية. فكان الوضوء عاما فى تكاب اللّه (عز وجل) من الأحداث؛ وكان أمْرُ اللّه الجنبَ بالغُسل من الجنابة، دليلا (واللّه أعلم) على: أن لا يجب غسل إلا من جنابة؛ إلا أن تدل على غسل واجب: فنوجبه بالسنة: بطاعة اللّه فى الأخذ بها. ودلت السنة على وجوب الغسل من الجنابة؛ ولم أعلم دليلا بيِّناً على أن يجب غُسلُ غير الجنابة الوجوب الذى لا يجزئ غيره. وقد رُوى فى غُسل يوم الجمعة شىءٌ؛ فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا؛ ولسان العرب واسع.

ثم ذكر ما رُوى فيه، وذَكر تأويله، وذَكر السنة التى دلت على وجوبه فى الاختيار، وفى النظافة، ونفى تغير الريح عند اجتماع الناس، وهو مذكور فى كتاب المعرفة.

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

٨

{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للّه شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللّه إِنَّ ٱللّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

١) الشهادة (واجبات الشاهد)

وبهذا الإسنادِ،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه) -: فيما يَجِبُ على المرْءِ: من القيامِ بشهادتهِ؛ إذا شَهِد. -: قال اللّه تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للّه شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ}؛ الآيةَ: ؛

وقال عز وجل: {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّه وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ}؛ الآيةَ: ؛

قال: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} ؛

قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ} ؛

قال: {وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}؛ الآيةَ: ؛

وقال عز وجل: {وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ للّه}  .

قال الشافعى: الذى أحفَظُ عن كلِّ مَن سمِعتُ منه: من أهل العلمِ؛ فى هذه الآياتِ -: أنه فى الشاهدِ: قد لزِمتْه الشهادةُ؛ وأنَّ فرْضاً عليه: أنْ يقومَ بها: على والِدَيْه ووَلدِه، والقريبِ والبعيدِ؛ و: للبَغِيضِ: البعيدِ والقريبِ؛ و: لا يَكتُمَ عن أحدٍ؛ ولا يُحابِىَ بها، ولا يَمنعَها أحداً..

١٩

{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللّه عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

١) الأنبياء صفوة الخلق

ثم أبَانَ (جلَّ ثناؤه): أنَّ خيرَتَه مِنْ خلقِه: أنبياؤه؛ ف

قال تعالى: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللّه ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} ؛ فجعَل النبيينَ (صلى اللّه عليه وسلم) من أصْفِيائه - دون عباده -: بالأمانةِ على وحيِه، والقيامِ بحُجَّتِهِ فيهم.ثم ذَكر مِن خاصَّةِ صَفْوَتِهْ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ}  فَخَصَّ آدمَ ونوحاً: بإعادةِ ذِكْرِ اصْفِائِهما. وذَكرَ إبراهيمَ (عليه السلامُ)، ف

قال: {وَٱتَّخَذَ ٱللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . وذَكرَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ، ف

قال: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} .ثم أنعم اللّه (عزّ وجلّ) على آل إبراهيمَ، وآلِ عمرانَ فى الأُمم؛ ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .ثم اصْطَفَى محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) من خَيْر آلِ إِبراهيمَ؛ وأنزَل كتُبَه - قبل إنزالِ القرآنِ على محمد صلى اللّه عليه وسلم -: بصفة فضيلتِه، وفضيلةِ مَن اتبعه؛ ف

قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللّه وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللّه وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ} الآية: .وقال لأمته: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؛ ففَضَّلهم: بكَيْنُونَتِهم من أمَّتِهِ، دون أُمم الأنبياءِ قبلَه.ثم أخبر (جلَّ ثناؤه): أنه جعله فاتحَ رحمتهِ، عند فَتْرَة رسلِه؛ ف

قال: {يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} ؛

قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ} . وكان فى ذلك، ما دل: على أنه بعثه إلى خلقه -: لأنهم كانوا أهلَ كتاب وَأميين: - وأنهُ فَتَحَ به رحمتَه.وختَم به نُبُوَّتَه: قال عز وجل: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ}  .وقَضَى: أن أظهَرَ دينَهُ على الأديان؛ ف

قال: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

٣٣

{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

١) الحج (كفارة الصيد فيه)

٢) الحج

٣) حدّ الحرابة

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق، نا أبو العباس الأصم، نا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينارٍ،

قال: كل شىء فى القرآن فيه: أوْ، أوْ، له: أيَّةٌ شاء. قال ابن جريج: إلا قولَ اللّه عزَّوجلَّ {إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً}:  فليس بمخيَّر فيها.

قال الشافعى: كما قال ابن جريج وغيره، فى المحارب وغيره - فى هذه المسألة - أقول..

ورواه (أيضاً) سعيد عن ابن جريج؛ عن عطاءٍ: كل شىء فى القرآن فيه: أو، أو؛ يختار منه صاحبه ما شاء.

واحتجّ الشافعى - فى الفدية -: بحديث كعب بن عجرة.

(وأنا) أبو زكريا، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعي: أنا سعيد، عن ابن جريج

قال: قلت لعطاءٍ: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً} ؛؟.

قال: من أجْل أنه أصابه فى حرم (يريد: البيت.)، كفارةُ ذلك: عند البيت..

فأما الصوم: (فأخبرنا) أبو سعيدٍ، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: فإنْ جزاه بالصوم: صام حيث شاء؛ لأنه لا منفعة لمساكين الحرم، فى صيامه..

واحتجّ فى الصوم - فيما أنبأنى أبو عبداللّه الحافظ (إجازةً)، عن أبى العباس، عن الربيع، عن الشافعى - ف

قال: أذن اللّه للمتمتع: أن يكون صومه ثلاثة أيام فى الحجّ، وسبعةً إذا رجع. ولم يكن فى الصوم: منفعةٌ لمساكين الحرم؛ وكان على بدن الرجل. فكان عملا بغير وقت: فيعمله حيث شاء..

* * *

(أنا) أبو عبداللّه الحافظُ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه عزوجل: {إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ}: .

قال الشافعى: أنا إبراهيمُ، عن صالحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عن ابن عباس - فى قُطَّاع الطرِيقِ -: إذا قَتَلُوا وأخَذوا المالَ: قُتِّلوا وصُلِّبُوا؛ وإذا قَتَلوا ولم يأخذوا المالَ: قُتِّلُوا ولم يُصَلَّبُوا؛ وإذا أخذوا المالَ ولم يَقْتُلوا: قُطِّعَتْ أيْدِيهم وأرجلُهم من خلافٍ؛ وإذا هَرَبوا: طُلِبُوا، حتى يوجَدوا؛ فتُقامُ عليهم الحدودُ؛ وإذا أخافوا السبيلَ، ولم يأخذوا مالاً: نُفُوا مِنَ الأرض.

قال الشافعى: وبهذا نقول؛ وهو: موافقٌ معنى كتابِ اللّه (عز وجل). وذلك: أن الحدودَ إنما نزلتْ: فيمن أسلم؛ فأما أهلُ الشرك: فلا حدودَ لهم، إلا: القتلُ، والسبيُ، والجِزْيَةُ.واختلافُ حدودِهم: باختلاف أفعالهم؛ على ما قال ابن عباس إن شاء اللّه عزوجل.قال الشافعي (رحمه اللّه): قال اللّه تعالى: {إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} ؛ فمن تاب قبلَ أن يُقْدَرَ عليه: سَقَط حدُّ اللّه عنه، وأُخِذ بحقوق بنى آدمَ.ولا يُقْطَعُ من قُطَّاع الطريقِ، إلا: مَنْ أخذ قيمةَ ربْعِ دينارٍ فصاعداً. قياسا على السُّنة: فى السارق..

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: ونَفْيُهُمْ: أن يُطْلَبُوا، فيُنْفَوْا من بلدٍ إلى بلدٍ. فإذا ظُفِرَ بهم: أقيم عليهم أىُّ هذه الحدودِ كان حدَّهم..

قال الشافعى: وليس لأولياء الذين قتلهم قطاعُ الطريقِ، عفوٌ: لأن اللّه حدَّهم: بالقتل، أو: بالقتل والصَّلْبِ، أو: القطع. ولم يَذكر الأولياءَ، كما ذكرهم فى القِصَاص - فى الآيتين - ف

قال: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} ؛ وقال فى الخطإ: {وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} . وذَكر القِصاصَ فى القَتْلَى، ثم

قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ}

فذَكر - فى الخطإ والعمدِ - أهلَ الدمِ، ولم يَذكرهم فى المحارَبة. فدَلَّ: على أن حُكْمَ قتلِ المحارَبَةِ، مخالفٌ لحكم قتلِ غيرِه. واللّه أعلم..

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

٣٨

{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللّه وَٱللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

١) حَدّ السرقة

(أنا) أبو عبد اللّه، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا} .ودَلَّتْ سنةُ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنَّ المرادَ بالقطع فى السَّرِقة: مَنْ سَرَق مِنْ حِرْزٍ، وبَلَغَتْ سَرِقتُه رُبْعَ دينارٍ. دون غيرِهما: ممن لَزِمَه اسمُ سرِقَةٍ..

٤٢

{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }

١) القضاء

٢) القضاء (بين غير المسلمين)

٣) الجهاد

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه (تبارك وتعالى) لنبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أهلِ الكتابِ: {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ} .

قال الشافعى: فى هذه الآيةِ، بيانٌ (واللّه أعلم): أنَّ اللّه (عز وجل) جَعَل لنبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم) الخِيَارَ: فى أن يَحكُمَ بيْنهم، أو يُعْرِضَ عنهم. وجَعَل عليه -: إنْ حَكَمَ. -: أنْ يحْكُمَ بيْنهم بالقِسْطِ.

والقِسْطُ: حُكْمُ اللّه الذي أُنْزِلَ على نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم): المَحْضُ الصادقُ، أحدَثُ الأخبارِ عهداً باللّه (عز وجل). قال اللّه عز وجل: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} الآية: .

قال: وفى هذه الآيةِ، ما فى التى قبلَها: من أمْرِ اللّه (عز وجل) له، بالحكمِ: بما أنزَل اللّه إليه

قال: وسمعتُ مَن أرْضَى -: من أهلِ العلمِ. - يقولُ فى قولِ اللّه عز وجل: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه}: إنْ حَكَمْتَ؛ لا:عَزْماً أنْ تَحْكُمَ.

ثم ساق الكلامَ، إلى أنْ

قال: أنا إبراهيم بن سعدٍ، عن ابن شِهابٍ، عن عُبَيْد اللّه بن عبداللّه بن عُتْبةَ، عن ابن عباس - أنه

قال: كيفَ تسألون أهلَ الكتابِ عن شىءٍ: وكتابُكم الذي أنزَل اللّه على نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم): أحدَثُ الأخبارِ، تَقرَءُونَه مَحْضاً: لم يُشَبْ.؟! ألمْ يُخْبِرْكم اللّه فى كتابه: أنهم حَرَّفُوا كتابَ اللّه (عز وجل) وبَدّلُوا، وكتَبُوا كتاباً بأيديهم، فقالوا: {هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللّه لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} .؟! ألاَ يَنْهاكم العِلمُ الذى جاءكم، عن مَسألتِهم؟! واللّه: ما رأيْنا رجلا منهم قَطُّ: يَسألُكم عما أنزَل اللّه إليكم..

هذا: قوله فى كتابِ الْحُدودِ؛ وبمعناه: أجاب فى كتابِ القضاءِ باليمينِ مع الشاهدِ؛ وقال فيه:فسمعتُ مَن أرْضَى عِلمَه، يقول: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ}: إنْ حَكَمْتَ؛ على معنى قولِه: {فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}. فتلك: مفسِّرةٌ؛ وهذه: جُملةٌ.وفى قوله عز وجل: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} ؛ دَلالةٌ: على أنهم إنْ تولَّوْا: لم يكنْ عليه الحكمُ بيْنهم. ولو كان قولُ اللّه عز وجل: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه}؛ إلْزاماً منه للحُكمِ بيْنهم -: ألزمهم الْحُكمَ: مُتَوَلِّينَ. لأنهم إنما يَتَوَلّوْنَ: بعدَ الإتْيانِ؛ فأمَّا: ما لم يأتُوا؛ فلا يُقالُ لهم: تَوَلَّوْا.

وقد أخبرَنا أبو سعيد - فى كتاب الجِزْيةِ -: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: لم أعلمْ مخالفاً -: من أهلِ العِلم بالسِّيَرِ. -: أنَّ رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لمَّا نَزَل المدينةَ: وادَعَ يَهودَ كافَّةً على غير جِزْيةٍ؛ و أنَّ قولَ اللّه (عزوجل): {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}؛ إنما نَزَلَتْ: فى اليهودِ الْمُوَادِعِينَ:الذين لم يُعطُوا جِزْيةً، ولم يُقِرُّوا: بأنْ تَجرِىَ عليهم وقال بعضهم: نَزَلَتْ فى اليهودِيَّيْنِ الَّذَيْنِ زَنَيَا.

قال: والذى قالوا، يُشْبِهُ ما قالوا؛ لقول اللّه عز وجل: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللّه} ؛

قال: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه}؛ يعنى (واللّه أعلم): فإن تَوَلَّوْا عن حُكمِك بغير رضاهم. فهذا يُشْبِهُ: أنْ يكونَ ممَّن أتاك: غيرَ مَقْهورٍ على الحُكم.والذين حاكَمُوا إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - فى امرأة منهم ورجلٍ: زَنَيا. -: مُوَادِعُونَ؛ فكان فى التوراة: الرَّجْمُ؛ ورَجَوْا: أن لا يكونَ مِن حُكمِ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم). فجاؤا بهما: فرَجَمهما رسولُ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم).. وذَكَر فيه حديثَ ابن عمرَ.

قال الشافعى: فإذا وادَعَ الإمامُ قوماً -: من أهلِ الشركِ. ولم يشترطْ: أنْ يَجْرِىَ عليهم الحُكمُ؛ ثم جاءوه مُتَحاكِمينَ -: فهو بالخيارِ: بيْنَ أنْ يَحكمَ بيْنهم، أو يَدَعَ الحُكمَ. فإن اختار أنْ يَحكمَ بيْنهم: حكَم بيْنهم حُكمَه بيْن المسلمين. فإن امتَنَعُوا -بعدَ رضاهم بحُكمِه - حارَبَهم.

قال: و ليس للإِمام الخِيارُ فى أحد -: من المُعاهَدِينَ: الذين يجرِى عليهم الحكمُ. -: إذا جاءوه فى حَدٍّ للّه (عز وجل). وعليه:أنْ يُقيمَه.

قال: وإذا أبَى بعضُهم على بعضٍ، ما فيه له حَقٌّ عليه؛ فأتَى طالبُ الحقِّ إلى الإمامِ، يَطلُبُ حقَّه -: فَحقٌّ لازمٌ للإِمامِ (واللّه أعلم): أنْ يَحكمَ له على مَنْ كان له عليه حَقٌّ: منهم؛ وإن لم يأتِه المطلوبُ: راضياً بحُكمهِ؛ وكذلك: إنْ أظهرَ السخَطَ لحُكمِه.لما وَصَفْتُ: من قول اللّه عزوجل: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} . فكان الصَّغَارُ (واللّه أعلم): أنْ يَجرِىَ عليهم حُكمُ الإسلامِ.. وبسَط الكلامَ فى التَّفريعِط

وكأنه وَقَف - حينَ صَنَّفَ كتابَ الجِزْيةِ -: أنَّ ايةَ الخِيار ورَدَتْ فى المُوَادِعينَ؛ فرَجَع عما قال - فى كتاب الْحُدُودِ - فى المُعَاهَدِينَ: فأوْجَبَ الحُكمَ بينهم بما أنزَل اللّه (عز وجل). إذا ترافَعُوا إلينا

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه (قراءةً عليه): نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه جل ثناؤه: {يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ} ؛ وقال فى أهلِ الكتابِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ} ؛ وقال لنبيِّه صلى اللّه عليه وسلم: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ}؛ الآيةَ: ؛

قال: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ} .قال الشافعي: فأعلَمَ اللّه نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنّ فرْضاً عليه، وعلى مَن قَبْلَه، والناسِ -: إذا حَكَموا. -: أنْ يَحكُمُوا بالعَدلِ؛ والعَدلُ: اتِّباعُ حُكمِه الْمُنْزَلِ..

(أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى - فى قوله عز وجل: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} . -: يَحْتَمِلُ: تسَاهُلَهُم فى أحكامِهِم؛ ويَحتمِلُ: ما يَهْوَوْنَ. وأيُّهما كان فقد نُهِىَ عنه؛ وأُمِرَ: أنْ يُحكَمَ بيْنهم: بما أنزل اللّه على نبيِّه صلى اللّه عليه وسلم..

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى. قال اللّه جل ثناؤه: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ *فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} .

قال الشافعى: قال الحسنُ بنُ أبى الحسنِ: لوْلاَ هذه الآيةُ، لرأيْتُ: أنَّ الحُكَّامَ قد هلَكوا؛ ولكنَّ اللّه (تعالى): حَمِدَ هذا: بصَوَابِه؛ وأثنَى على هذا: باجتهادِه..

وبهذا الإسنادِ،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه جل ثناؤه: {أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} ؛ فلم يَختلِفْ أهلُ العلمِ بالقرآنِ - فيما علِمتُ -: أنَّ(السُّدَى) هو: الذى لا يُؤْمَرُ، ولا يُنْهَى.

٤٥

{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللّه فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

١) القصاص

(وفيما أنبأني به) أبو عبد اللّه (إجازةً)، عن أبى العباس، عن الربيع،

قال:

قال الشافعى: ذكر اللّه (تعالى) ما فَرَض على أهل التوراة،

قال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ} .

قال: و لم أعلم خلافاً: فى أنَّ القصاصَ فى هذه الأمةِ، كما حكى اللّه (عز وجل): أنه حَكَمَ به بين أهل التوراة.ولم أعلم مخالفاً:فى أنَّ القصاصَ بين الْحُرَّيْنِ المسْلِمَيْنِ: فى النفس، وما دونها: من الجِرَاحِ التى يُسْتَطَاعُ فيها القصاصُ: بلا تَلَفٍ يخَافُ على المُسْتَفَادِ منه: من موضع القَوَدِ..

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

٤٩

{ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللّه إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللّه أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ }

١) الاستحسان (إبْطاله)

٢) الجهاد

٣) القضاء (بين غير المسلمين)فصل ذكره الشافعى رحمه اللّه فى إبطال الاستحسان واستشهد فيه بآيات من القرآن

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعى (رحمه اللّه)

قال: حكم اللّه، ثم حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم حكم المسلمين - دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتياً: أن يحكم ولا أن يفتى إلا من جهة خبر لازم - وذلك: الكتاب، ثم السنة - أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه، أو قياسٍ على بعض هذا. ولا يجوز له: أن يحكم ولا يفتى بالاستحسان؛ إذ لم يكن الاستحسان واجباً، ولا فى واحد من هذه المعانى. وذكر - فيما احتج به - قول اللّه عز وجل: {أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}  قال فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن (السدى) الذى لا يؤمر ولا ينهى. ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد اختار لنفسه أن يكون فى معانى السدي - وقد أعلمه عز وجل أنه لم يترك سدى - ورأى أن قال أقول ما شئت؛ وادعى ما نزل القرآن بخلافه. قال اللّه (جل ثناؤه) لنبيهصلى اللّه عليه وسلم: {ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} ؛

قال تعالى: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللّه إِلَيْكَ}  ثم جاءه قوم، فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم: فقال أعلمكم غداً. (يعنى: أسأل جبريل عليه السلام، ثم أعلمكم). فأنزل اللّه عز وجل:{وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللّه} . وجاءته امرأة أوس بن الصامت، تشكو إليه أوساً، فلم يجبها حتى نزل عليه: {قَدْ سَمِعَ ٱللّه قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}  وجاءه العجلانى يقذف امرأته ف

قال: لم ينزل فيكما وانتظر الوحى، فلما أنزل اللّه (عز وجل) عليه: دعاهما، وَلاَعَنْ بينهما كما أمر اللّه عز وجل وبسط الكلام فى الاستدلال بالكتاب والسنة والمعقول، فى رد الحكم بما استحسنه الإنسان، دون القياس على الكتاب والسنة؛ والإجماع.

* * *

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه (تبارك وتعالى) لنبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أهلِ الكتابِ: {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ} .

قال الشافعى: فى هذه الآيةِ، بيانٌ (واللّه أعلم): أنَّ اللّه (عزوجل) جَعَل لنبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم) الخِيَارَ: فى أن يَحكُمَ بيْنهم، أو يُعْرِضَ عنهم. وجَعَل عليه -: إنْ حَكَمَ. -: أنْ يحْكُمَ بيْنهم بالقِسْطِ.

والقِسْطُ: حُكْمُ اللّه الذي أُنْزِلَ على نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم): المَحْضُ الصادقُ، أحدَثُ الأخبارِ عهداً باللّه (عز وجل). قال اللّه عزوجل: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} الآية: .

قال: وفى هذه الآيةِ، ما فى التى قبلَها: من أمْرِ اللّه (عز وجل) له، بالحكمِ: بما أنزَل اللّه إليه

قال: وسمعتُ مَن أرْضَى -: من أهلِ العلمِ. - يقولُ فى قولِ اللّه عزوجل: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه}: إنْ حَكَمْتَ؛ لا: عَزْماً أنْ تَحْكُمَ.

ثم ساق الكلامَ، إلى أنْ

قال: أنا إبراهيم بن سعدٍ، عن ابن شِهابٍ، عن عُبَيْد اللّه بن عبداللّه بن عُتْبةَ، عن ابن عباس - أنه

قال: كيفَ تسألون أهلَ الكتابِ عن شىءٍ: وكتابُكم الذي أنزَل اللّه على نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم): أحدَثُ الأخبارِ، تَقرَءُونَه مَحْضاً: لم يُشَبْ.؟! ألمْ يُخْبِرْكم اللّه فى كتابه: أنهم حَرَّفُوا كتابَ اللّه (عزوجل) وبَدّلُوا، وكتَبُوا كتاباً بأيديهم، فقالوا: {هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللّه لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} .؟! ألاَ يَنْهاكم العِلمُ الذى جاءكم، عن مَسألتِهم؟! واللّه: ما رأيْنا رجلا منهم قَطُّ: يَسألُكم عما أنزَل اللّه إليكم..

هذا: قوله فى كتابِ الْحُدودِ؛ وبمعناه: أجاب فى كتابِ القضاءِ باليمينِ مع الشاهدِ؛ وقال فيه:فسمعتُ مَن أرْضَى عِلمَه، يقول: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ}: إنْ حَكَمْتَ؛ على معنى قولِه: {فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}. فتلك: مفسِّرةٌ؛ وهذه: جُملةٌ.وفى قوله عزوجل: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} ؛ دَلالةٌ: على أنهم إنْ تولَّوْا: لم يكنْ عليه الحكمُ بيْنهم. ولو كان قولُ اللّه عزوجل: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه}؛ إلْزاماً منه للحُكمِ بيْنهم -: ألزمهم الْحُكمَ: مُتَوَلِّينَ. لأنهم إنما يَتَوَلّوْنَ: بعدَ الإتْيانِ؛ فأمَّا: ما لم يأتُوا؛ فلا يُقالُ لهم: تَوَلَّوْا.

وقد أخبرَنا أبو سعيد - فى كتاب الجِزْيةِ -: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: لم أعلمْ مخالفاً -: من أهلِ العِلم بالسِّيَرِ. -: أنَّ رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لمَّا نَزَل المدينةَ: وادَعَ يَهودَ كافَّةً على غير جِزْيةٍ؛ و أنَّ قولَ اللّه (عزوجل): {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}؛ إنما نَزَلَتْ: فى اليهودِ الْمُوَادِعِينَ:الذين لم يُعطُوا جِزْيةً، ولم يُقِرُّوا: بأنْ تَجرِىَ عليهم وقال بعضهم: نَزَلَتْ فى اليهودِيَّيْنِ الَّذَيْنِ زَنَيَا.

قال: والذى قالوا، يُشْبِهُ ما قالوا؛ لقول اللّه عزوجل: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللّه} ؛

قال: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه}؛ يعنى (واللّه أعلم): فإن تَوَلَّوْا عن حُكمِك بغير رضاهم. فهذا يُشْبِهُ: أنْ يكونَ ممَّن أتاك: غيرَ مَقْهورٍ على الحُكم.والذين حاكَمُوا إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - فى امرأة منهم ورجلٍ: زَنَيا. -: مُوَادِعُونَ؛ فكان فى التوراة: الرَّجْمُ؛ ورَجَوْا: أن لا يكونَ مِن حُكمِ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم). فجاؤا بهما: فرَجَمهما رسولُ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم).. وذَكَر فيه حديثَ ابن عمرَ.

قال الشافعى: فإذا وادَعَ الإمامُ قوماً -: من أهلِ الشركِ. ولم يشترطْ: أنْ يَجْرِىَ عليهم الحُكمُ؛ ثم جاءوه مُتَحاكِمينَ -: فهو بالخيارِ: بيْنَ أنْ يَحكمَ بيْنهم، أو يَدَعَ الحُكمَ. فإن اختار أنْ يَحكمَ بيْنهم: حكَم بيْنهم حُكمَه بيْن المسلمين. فإن امتَنَعُوا -بعدَ رضاهم بحُكمِه - حارَبَهم.

قال: و ليس للإِمام الخِيارُ فى أحد -: من المُعاهَدِينَ: الذين يجرِى عليهم الحكمُ. -: إذا جاءوه فى حَدٍّ للّه (عز وجل). وعليه:أنْ يُقيمَه.

قال: وإذا أبَى بعضُهم على بعضٍ، ما فيه له حَقٌّ عليه؛ فأتَى طالبُ الحقِّ إلى الإمامِ، يَطلُبُ حقَّه -: فَحقٌّ لازمٌ للإِمامِ (واللّه أعلم): أنْ يَحكمَ له على مَنْ كان له عليه حَقٌّ: منهم؛ وإن لم يأتِه المطلوبُ: راضياً بحُكمهِ؛ وكذلك: إنْ أظهرَ السخَطَ لحُكمِه.لما وَصَفْتُ: من قول اللّه عز وجل: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} . فكان الصَّغَارُ (واللّه أعلم): أنْ يَجرِىَ عليهم حُكمُ الإسلامِ.. وبسَط الكلامَ فى التَّفريعِط

وكأنه وَقَف - حينَ صَنَّفَ كتابَ الجِزْيةِ -: أنَّ ايةَ الخِيار ورَدَتْ فى المُوَادِعينَ؛ فرَجَع عما قال - فى كتاب الْحُدُودِ - فى المُعَاهَدِينَ: فأوْجَبَ الحُكمَ بينهم بما أنزَل اللّه (عز وجل). إذا ترافَعُوا إلينا

٥٨

{ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ }

١) الصلاة (الأذان)

٢) الصلاة (وجوب السعي لها)

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً} ؛

قال: {ذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللّه}  فذكر اللّه الأذان للصلاة، وذكر يوم الجمعة. فكان بيناً (واللّه أعلم): أنه أراد المكتوبة بالآيتين معاً؛ وسَنَّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الأذان للمكتوبات ولم يحفظ عنه أحد علمته: أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة.

(أخبرنا) أبو سعيد أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال.

قال الشافعى (رحمه اللّه): ذكر اللّه (تعالى) الأذان بالصلاة، ف

قال: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً} ؛

قال تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللّه وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ}  فأوجب اللّه عزوجل (واللّه أعلم): إتيانَ الجمعة؛ وسنَّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): الأذانَ للصلوات المكتوبات. فاحتمل: أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة فى غير الجمعة؛ كما أمرنا بإِتيان الجمعة، وتركِ البيع. واحتمل: أن يكون أذن بها: لتصلَّى لوقتها.وقد جمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): مسافراً ومقيما، خائفاً وغيرَ خائف. وقال (جلَّ ثناؤه) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ}  الآية، والتى بعدها. وأمرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليهِ وسلم) مَنْ جاء الصلاة: أن يأتيها وعليه السكينة؛ ورَخص فى ترك إِتيان صلاة الجماعة، فى العذر -: بما سأذكره فى موضعه.فأشْبه ما وصفتُ -: من الكتاب والسنة.-: أن لا يحل تركُ أن تصلَّى كل مكتوبة فى جماعة؛ حتى لا تخلو جماعة: مقيمون، ولا مسافرون - من أن تصلَّى فيهم صلاة جماعة..

٦٧

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللّه يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللّه لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

١) أصول فقه (الرسول أول المخاطبين بالتكليف)مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ، وَالْفَرْضِ عَلَى النَّبِىِّصلى اللّه عليهِ وسلمَ، ثُمَّ عَلَى النَّاسِ

(أنا) أبو الحافظُ، وأبو سعيد بن أبى عمرو، قالا: نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): لما بعث اللّه نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنزل عليه فرائضَه كما شاء: {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ؛ ثم:أتْبَعَ كلَّ واحد منها، فَرْضاً بعد فَرْضٍ: فى حينٍ غيرِ حينِ الفرضِ قبلَه.

قال: ويقال (واللّه أعلم): إن أولَ ما أنزل اللّه عليه -: من كتابه. -: {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} .ثم أُنزِل عليه ما لم يؤمَرْ فيه: بأن يدعُوَ إليه المشركين. فمرْت لذلك مدةٌ.ثم ي

قالُ: أتاه جبريلُ (عليه السلامُ) عن اللّه (عز وجل): بأنْ يُعْلِمَهُمْ نزولَ الوحىِ عليه، ويدعُوَهُم إلى الإيمان به. فكبُرَ ذلك عليه؛ وخاف: التكذيبَ، وأنْ يُتَنَاوَلَ. فنزل عليه: {يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللّه يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ} . ف

قال: يعصمُك مِنْ قَتْلِهم: أن يَقْتُلُوكَ؛ حتى تُبَلِّغَ ما أنزِل إليك. فبَلَّغَ ما أُمِرَ به: فاستهزأ به قومٌ؛ فنزل عليه: {فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ}

قال: وأعلمه: مَن عَلم منهم أنه لا يؤمنُ به؛ ف

قال: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً}؛ إلى قوله: {هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): وأنزَل إليه (عز وجل) - فيما يُثَبِّتُه به: إذا ضاق من أذاهم. -: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ * وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ} .ففَرَض عليه: إبلاغَهم، وعبادتَه. ولم يَفْرِضْ عليه قتالَهم؛ وأبَانَ ذلك فى غير آيةٍ: من كتابه؛ ولم يأمرْه: بعُزْلَتِهِمْ؛ وأنزَل عليه: {قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ؛ وقوله: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ} ؛ وقولَه: {مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ} ؛ مع أشياءَ ذُكرتْ فى القرآن - فى غير موضع -: فى مثل هذا المعنى.وأمَرهم اللّه (عز وجل): بأن لا يَسُبُّوا أندادَهم؛ ف

قال: {وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللّه فَيَسُبُّواْ ٱللّه عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية: ؛ مع ما يُشْبِهُها.ثم أنزل (جل ثناؤه) -بعد هذا -: فى الحال الذى فَرض فيها عُزْلةَ المشركينَ؛ ف

قال: {وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ} .وأبَانَ لمن تَبِعه، ما فَرَض عليهم: مما فَرَض عليه؛

قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللّه يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ} الآية: ..

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

٨٩

{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللّه بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللّه لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

١) الأيمان والنذور (معنى اللّغو)

قال: و

قال الشافعى - فى قولِه عز وجل: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللّه بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ} . -: ليس فيه إلاَّ قولُ عائشةَ: حَلِفُ الرجُلِ على الشىءِ: يَسْتَيْقِنُه، ثم يَجِدُه: على غيرِ ذلك..

قلت: وهذا بخِلافِ رِوايةِ الربيع عن الشافعى: من قولِ عائشةَ. ورِوايةُ الربيعِ أصَحُّ: فهذا الذى رواه يُونُسُ عن الشافعى -: من قولِ عائشةَ. -: إنّما رواه عُمرُ بن قَيْسٍ، عن عطاءٍ، عن عائشةَ. وعُمرُ بن قيْسٍ: ضعيفٌ. ورُوِى من وجْهٍ آخَرَ: كالمُنقَطِعِ.

والصحيحُ عن عطاءٍ وعُرْوَةَ، عن عائشةَ -: ما رواه فى رِوايةِ الربيعِ؛ والصحيح: من المذهب أيضاً؛ ما أجازه فى رِواية الربيعِ.

٩٣

{ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللّه يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

١) المطعومات

قال: و

قال الشافعى (رحمه اللّه) - فى قولِه عز وجل: {لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ}؛ الآيةَ  -

قال: إذا اتَّقَوْا: لم يَقْرُبُوا ما حَرُمَ عليهم..

٩٤

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللّه بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللّه مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

١) الحج (الصيد في أيام الحج)

٢) الحج

٣) الصيد (صيد الكلاب وأمثالها)

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع،

قال: سألت الشافعىّ عمن قتل من الصيد شيئا: وهو محرم؛ ف

قال: من قتل من دوابّ الصيد، شيئا: جزَاه بمثله: من النَّعم. لأن اللّه (تعالى) يقول: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ} ؛ والمِثْل لا يكون إلا لدواب الصيد.فأما الطائر: فلاَ مِثْلَ له؛ ومِثْلُه: قيمتُه. إلا أنا نقول فى حمام مكّة -: اتباعاً للآثار -: شاةٌ..

(أنا أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى - فى قوله عزّوجلّ: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ}. -: والمثْلُ واحد؛ لا: أمثالٌ. فكيف زعمتَ: أن عشرةَ لو قتلوا صيدا: جَزَوْهُ بعشرة أمثال.؟!.

وجرى فى كلام الشافعى -: فى الفرق بين المثل وكفارة القتل.-: أن الكفارة: موقتة؛ والمثلَ غيرُ موقت؛ فهو - بالدية والقيمة -أشبه.

واحتَجّ - فى إيجاب المثل فى جزاء دواب الصيد، دون اعتبار القيمة -: بظاهر الآية؛ ف

قال:قال اللّه عزّ وجلّ: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ}؛ و قد حكم عمر وعبد الرحمن، وعثمان وعلى وابن عباس، وابن عمر، وغيرُهم (رضى اللّه عنهم) - فى بُلدانٍ مختلفة، وأزمانٍ شتَّى -: بالمثْل من النَّعَم

فحكَمَ حاكمُهُمْ فى النعامة: ببَدَنة؛ والنعامة لا لا تساوى بَدَنة، وفى حمار الوحش: ببقرة؛ وهو لا يساوى بقرة؛ وفى الضَّبُعِ: بكَبْشِ؛ وهو لا يساوى كبشا؛ وفى الغزال: بعَنْزٍ؛ وقد يكون أكثر ثمناً منها أضعافا ومثلَها، ودونها؛ وفى الارْنب: بعَنَاقٍ؛ وفى اليَرْبُوعِ: بجَفَرَة؛ وهما لا يساويان عَنَاقاً ولا جَفَرَة.فهذا يدلك: على أنهم إنما نظروا إلى أقرب ما قتل -: من الصيد. - شبها بالبدن من النعم؛ لا بالقيمة. ولو حكموا بالقيمة: لاختلفتْ أحكامهم؛ لاختلاف أسعار ما يقتلُ فى الأزْمانِ والبُلدان..

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج،

قال: قلت لعطاء - فى قول اللّه عزّ وجلَّ: {لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً}.- قلت له: مَنْ قتله خطأ:أيغرم؟.

قال: نعم؛ يُعَظَّمُ بذلك حُرُماتُ اللّه، ومضت به السننُ..

قال: وأنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار،

قال: رأيت الناس يُغَرَّمُون فى الخطأ..

وروى الشافعى - فى ذلك - حديثَ عُمرَ، وعبدالرحمن بن عوف (رضي اللّه عنهما): فى رجلين أجريا فرسيهما، فأصابا ظبيا: وهما مُحْرمان؛ فحكما عليه: بعَنْزٍ؛ وقرأ عمر - رضى اللّه عنه -: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ} .

وقاس الشافعى ذلك فى ا لخطأ: على قتل المؤمن خطأ؛ قال اللّه تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} ؛ والمنع عن قتلها: عامٌّ؛ والمسلمون: لم يَفْرِقوا بين الغُرْم فى الممنوع -: من الناس والأموال. -: فى العمد والخطأ

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: أصل الصيد: الذى يؤكل لحمُه؛ وإن كان غيره يسمى صيدا. ألا ترى إلى قوله اللّه تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللّه فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} .؟! لأنه معقول عندهم: أنه إنما يُرْسلونها على ما يؤكل. أولا ترى إلى قول اللّه عزّ وجلّ: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللّه بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}: ؛ وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} .؟! فدلَّ (جلَّ ثناؤهُ): على أنه إنما حرم عليهم فى الإحرام -: من صيد البرّ.- ما كان حلالا لهم - قبل الإحرام -: أن يأكلوه..

زاد فى موضع آخر: لأنه (واللّه أعلم) لا يشبه: أن يكون حرم فى الإحرام خاصة، إلا ما كان مباحاً قبله. فأما ما كان محرَّما على الحلاَل: فالتحريم الأول كاف منه..

قال: ولولا أن هذا معناه: ما أمر رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): بقتل الكلب العَقُورِ، والعقربِ، والغرابِ، والحِدَأةِ، والفأرةِ -: فى الحل والحرم. ولكنه إنما أباح لهم قتل ما أضر: مما لا يؤكل لحمُه.. وبسط الكلام فيه.

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا مسلم: عن ابن جريج، عن عطاء،

قال: لا يَفْدى المحرمُ من الصيد، إلا: ما يؤكل لحمه..

(وفيما أنبأ) أبو عبداللّه (إجازةً): أن العباس حدثهم: أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج،

قال: قتل لعطاء فى قول اللّه: {عَفَا ٱللّه عَمَّا سَلَف} ؛

قال: عفا اللّه عما كان فى الجاهلية. قتل: وقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللّه مِنْهُ} ؛!.

قال: ومن عاد فى الإسلام: فينتقمُ اللّه منه، وعليه فى ذلك الكفارة..

وشبَّه الشافعى (رحمه اللّه) فى ذلك: بقتل الآدمى والزنا، وما فيهما وفى الكفر -: من الوعيد - فى قوله: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللّه إِلَـٰهَا آخَرَ} إلى قوله: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} . - وما فى كل واحدٍ منهما: من الحدود فى الدنيا.

قال: فلما أوجب اللّه عليهم الحدود: دلَّ هذا على أن النقمة فى الآخرة، لا تسقط حكما غيرها فى الدنيا..

* * *مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِوَفِى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

قرأتُ فى كتاب: (السُّنَنِ) - روايةِ حَرْمَلَةَ بنِ يحيى، عن الشافعى -:

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللّه فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} .

قال الشافعى: فكان مَعقُولاً عن اللّه (عز وجل) -: إذْ أَذِن فى أكلِ ما أمْسَكَ الجوارِحُ. -: أنهم إنما اتّخَذُوا الجوارِحَ، لِمَا لم يَنالُوهُ إلا بالجوارِحِ -: وإن لم يَنْزِلْ ذلك نَصّاً من كتابِ اللّه عز وجل.-: فقال اللّه عز وجل: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللّه بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} ؛

قال تعالى: {لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ؛

قال تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ} .

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

٩٥

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللّه عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللّه مِنْهُ وَٱللّه عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

١) الحج (الصيد في أيام الحج)

٢) الحج

٣) الحج (كفارة الصيد فيه)

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع،

قال: سألت الشافعىّ عمن قتل من الصيد شيئا: وهو محرم؛ ف

قال: من قتل من دوابّ الصيد، شيئا: جزَاه بمثله: من النَّعم. لأن اللّه (تعالى) يقول: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ} ؛ والمِثْل لا يكون إلا لدواب الصيد.فأما الطائر: فلاَ مِثْلَ له؛ ومِثْلُه: قيمتُه. إلا أنا نقول فى حمام مكّة -: اتباعاً للآثار -: شاةٌ..

(أنا أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى - فى قوله عزّوجلّ: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ}. -: والمثْلُ واحد؛ لا: أمثالٌ. فكيف زعمتَ: أن عشرةَ لو قتلوا صيدا: جَزَوْهُ بعشرة أمثال.؟!.

وجرى فى كلام الشافعى -: فى الفرق بين المثل وكفارة القتل.-: أن الكفارة: موقتة؛ والمثلَ غيرُ موقت؛ فهو - بالدية والقيمة -أشبه.

واحتَجّ - فى إيجاب المثل فى جزاء دواب الصيد، دون اعتبار القيمة -: بظاهر الآية؛ ف

قال:قال اللّه عزّوجلّ: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ}؛ و قد حكم عمر وعبد الرحمن، وعثمان وعلى وابن عباس، وابن عمر، وغيرُهم (رضى اللّه عنهم) - فى بُلدانٍ مختلفة، وأزمانٍ شتَّى -: بالمثْل من النَّعَم

فحكَمَ حاكمُهُمْ فى النعامة: ببَدَنة؛ والنعامة لا لا تساوى بَدَنة، وفى حمار الوحش: ببقرة؛ وهو لا يساوى بقرة؛ وفى الضَّبُعِ: بكَبْشِ؛ وهو لا يساوى كبشا؛ وفى الغزال: بعَنْزٍ؛ وقد يكون أكثر ثمناً منها أضعافا ومثلَها، ودونها؛ وفى الارْنب: بعَنَاقٍ؛ وفى اليَرْبُوعِ: بجَفَرَة؛ وهما لا يساويان عَنَاقاً ولا جَفَرَة.فهذا يدلك: على أنهم إنما نظروا إلى أقرب ما قتل -: من الصيد. - شبها بالبدن من النعم؛ لا بالقيمة. ولو حكموا بالقيمة: لاختلفتْ أحكامهم؛ لاختلاف أسعار ما يقتلُ فى الأزْمانِ والبُلدان..

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج،

قال: قلت لعطاء - فى قول اللّه عزّوجلَّ: {لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً}.- قلت له: مَنْ قتله خطأ:أيغرم؟.

قال: نعم؛ يُعَظَّمُ بذلك حُرُماتُ اللّه، ومضت به السننُ..

قال: وأنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار،

قال: رأيت الناس يُغَرَّمُون فى الخطأ..

وروى الشافعى - فى ذلك - حديثَ عُمرَ، وعبدالرحمن بن عوف (رضي اللّه عنهما): فى رجلين أجريا فرسيهما، فأصابا ظبيا: وهما مُحْرمان؛ فحكما عليه: بعَنْزٍ؛ وقرأ عمر - رضى اللّه عنه -: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ} .

وقاس الشافعى ذلك فى الخطأ: على قتل المؤمن خطأ؛ قال اللّه تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} ؛ والمنع عن قتلها: عامٌّ؛ والمسلمون: لم يَفْرِقوا بين الغُرْم فى الممنوع -: من الناس والأموال. -: فى العمد والخطأ

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: أصل الصيد: الذى يؤكل لحمُه؛ وإن كان غيره يسمى صيدا. ألا ترى إلى قوله اللّه تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللّه فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} .؟! لأنه معقول عندهم: أنه إنما يُرْسلونها على ما يؤكل. أولا ترى إلى قول اللّه عزّ وجلّ: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللّه بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}: ؛ وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} .؟! فدلَّ (جلَّ ثناؤهُ): على أنه إنما حرم عليهم فى الإحرام -: من صيد البرّ.- ما كان حلالا لهم - قبل الإحرام -: أن يأكلوه..

زاد فى موضع آخر: لأنه (واللّه أعلم) لا يشبه: أن يكون حرم فى الإحرام خاصة، إلا ما كان مباحاً قبله. فأما ما كان محرَّما على الحلاَل: فالتحريم الأول كاف منه..

قال: ولولا أن هذا معناه: ما أمر رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): بقتل الكلب العَقُورِ، والعقربِ، والغرابِ، والحِدَأةِ، والفأرةِ -: فى الحل والحرم. ولكنه إنما أباح لهم قتل ما أضر: مما لا يؤكل لحمُه.. وبسط الكلام فيه.

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا مسلم: عن ابن جريج، عن عطاء،

قال: لا يَفْدى المحرمُ من الصيد، إلا: ما يؤكل لحمه..

(وفيما أنبأ) أبو عبداللّه (إجازةً): أن العباس حدثهم: أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج،

قال: قتل لعطاء فى قول اللّه: {عَفَا ٱللّه عَمَّا سَلَف} ؛

قال: عفا اللّه عما كان فى الجاهلية. قتل: وقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللّه مِنْهُ} ؛!.

قال: ومن عاد فى الإسلام: فينتقمُ اللّه منه، وعليه فى ذلك الكفارة..

وشبَّه الشافعى (رحمه اللّه) فى ذلك: بقتل الآدمى والزنا، وما فيهما وفى الكفر -: من الوعيد - فى قوله: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللّه إِلَـٰهَا آخَرَ} إلى قوله: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} . - وما فى كل واحدٍ منهما: من الحدود فى الدنيا.

قال: فلما أوجب اللّه عليهم الحدود: دلَّ هذا على أن النقمة فى الآخرة، لا تسقط حكما غيرها فى الدنيا..

* * *

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق، نا أبو العباس الأصم، نا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينارٍ،

قال: كل شىء فى القرآن فيه: أوْ، أوْ، له: أيَّةٌ شاء. قال ابن جريج: إلا قولَ اللّه عزَّوجلَّ {إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً}:  فليس بمخيَّر فيها.

قال الشافعى: كما قال ابن جريج وغيره، فى المحارب وغيره - فى هذه المسألة - أقول..

ورواه (أيضاً) سعيد عن ابن جريج؛ عن عطاءٍ: كل شىء فى القرآن فيه: أو، أو؛ يختار منه صاحبه ما شاء.

واحتجّ الشافعى - فى الفدية -: بحديث كعب بن عجرة.

(وأنا) أبو زكريا، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعي: أنا سعيد، عن ابن جريج

قال: قلت لعطاءٍ: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً} ؛؟.

قال: من أجْل أنه أصابه فى حرم (يريد: البيت.)، كفارةُ ذلك: عند البيت..

فأما الصوم: (فأخبرنا) أبو سعيدٍ، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: فإنْ جزاه بالصوم: صام حيث شاء؛ لأنه لا منفعة لمساكين الحرم، فى صيامه..

واحتجّ فى الصوم - فيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظ (إجازةً)، عن أبى العباس، عن الربيع، عن الشافعى - ف

قال: أذن اللّه للمتمتع: أن يكون صومه ثلاثة أيام فى الحجّ، وسبعةً إذا رجع. ولم يكن فى الصوم: منفعةٌ لمساكين الحرم؛ وكان على بدن الرجل. فكان عملا بغير وقت: فيعمله حيث شاء..

٩٦

{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللّه ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}

١) الحج (الصيد في أيام الحج)

٢) الحج

٣) الحج (صيد البحر في الإحرام)

٤) المطعومات (صيد البحر والبرّ)

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع،

قال: سألت الشافعىّ عمن قتل من الصيد شيئا: وهو محرم؛ ف

قال: من قتل من دوابّ الصيد، شيئا: جزَاه بمثله: من النَّعم. لأن اللّه (تعالى) يقول: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ} ؛ والمِثْل لا يكون إلا لدواب الصيد.فأما الطائر: فلاَ مِثْلَ له؛ ومِثْلُه: قيمتُه. إلا أنا نقول فى حمام مكّة -: اتباعاً للآثار -: شاةٌ..

(أنا أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى - فى قوله عزّ وجلّ: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ}. -: والمثْلُ واحد؛ لا: أمثالٌ. فكيف زعمتَ: أن عشرةَ لو قتلوا صيدا: جَزَوْهُ بعشرة أمثال.؟!.

وجرى فى كلام الشافعى -: فى الفرق بين المثل وكفارة القتل.-: أن الكفارة: موقتة؛ والمثلَ غيرُ موقت؛ فهو - بالدية والقيمة -أشبه.

واحتَجّ - فى إيجاب المثل فى جزاء دواب الصيد، دون اعتبار القيمة -: بظاهر الآية؛ ف

قال:قال اللّه عزّ وجلّ: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ}؛ وقد حكم عمر وعبد الرحمن، وعثمان وعلى وابن عباس، وابن عمر، وغيرُهم (رضى اللّه عنهم) - فى بُلدانٍ مختلفة، وأزمانٍ شتَّى -: بالمثْل من النَّعَم

فحكَمَ حاكمُهُمْ فى النعامة: ببَدَنة؛ والنعامة لا لا تساوى بَدَنة، وفى حمار الوحش: ببقرة؛ وهو لا يساوى بقرة؛ وفى الضَّبُعِ: بكَبْشِ؛ وهو لا يساوى كبشا؛ وفى الغزال: بعَنْزٍ؛ وقد يكون أكثر ثمناً منها أضعافا ومثلَها، ودونها؛ وفى الارْنب: بعَنَاقٍ؛ وفى اليَرْبُوعِ: بجَفَرَة؛ وهما لا يساويان عَنَاقاً ولا جَفَرَة.فهذا يدلك: على أنهم إنما نظروا إلى أقرب ما قتل -: من الصيد. - شبها بالبدن من النعم؛ لا بالقيمة. ولو حكموا بالقيمة: لاختلفتْ أحكامهم؛ لاختلاف أسعار ما يقتلُ فى الأزْمانِ والبُلدان..

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج،

قال: قلت لعطاء - فى قول اللّه عزّوجلَّ: {لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً}.- قلت له: مَنْ قتله خطأ:أيغرم؟.

قال: نعم؛ يُعَظَّمُ بذلك حُرُماتُ اللّه، ومضت به السننُ..

قال: وأنا مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار،

قال: رأيت الناس يُغَرَّمُون فى الخطأ..

وروى الشافعى - فى ذلك - حديثَ عُمرَ، وعبد الرحمن بن عوف (رضي اللّه عنهما): فى رجلين أجريا فرسيهما، فأصابا ظبيا: وهما مُحْرمان؛ فحكما عليه: بعَنْزٍ؛ وقرأ عمر - رضى اللّه عنه -: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ} .

وقاس الشافعى ذلك فى الخطأ: على قتل المؤمن خطأ؛ قال اللّه تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} ؛ والمنع عن قتلها: عامٌّ؛ والمسلمون: لم يَفْرِقوا بين الغُرْم فى الممنوع -: من الناس والأموال. -: فى العمد والخطأ

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: أصل الصيد: الذى يؤكل لحمُه؛ وإن كان غيره يسمى صيدا. ألا ترى إلى قوله اللّه تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللّه فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} .؟! لأنه معقول عندهم: أنه إنما يُرْسلونها على ما يؤكل. أولا ترى إلى قول اللّه عزّ وجلّ: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللّه بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}: ؛ وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} .؟! فدلَّ (جلَّ ثناؤهُ): على أنه إنما حرم عليهم فى الإحرام -: من صيد البرّ.- ما كان حلالا لهم - قبل الإحرام -: أن يأكلوه..

زاد فى موضع آخر: لأنه (واللّه أعلم) لا يشبه: أن يكون حرم فى الإحرام خاصة، إلا ما كان مباحاً قبله. فأما ما كان محرَّما على الحلاَل: فالتحريم الأول كاف منه..

قال: ولولا أن هذا معناه: ما أمر رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): بقتل الكلب العَقُورِ، والعقربِ، والغرابِ، والحِدَأةِ، والفأرةِ -: فى الحل والحرم. ولكنه إنما أباح لهم قتل ما أضر: مما لا يؤكل لحمُه.. وبسط الكلام فيه.

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا مسلم: عن ابن جريج، عن عطاء،

قال: لا يَفْدى المحرمُ من الصيد، إلا: ما يؤكل لحمه..

(وفيما أنبأ) أبو عبداللّه (إجازةً): أن العباس حدثهم: أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج،

قال: قتل لعطاء فى قول اللّه: {عَفَا ٱللّه عَمَّا سَلَف} ؛

قال: عفا اللّه عما كان فى الجاهلية. قتل: وقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللّه مِنْهُ} ؛!.

قال: ومن عاد فى الإسلام: فينتقمُ اللّه منه، وعليه فى ذلك الكفارة..

وشبَّه الشافعى (رحمه اللّه) فى ذلك: بقتل الآدمى والزنا، وما فيهما وفى الكفر -: من الوعيد - فى قوله: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللّه إِلَـٰهَا آخَرَ} إلى قوله: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} . - وما فى كل واحدٍ منهما: من الحدود فى الدنيا.

قال: فلما أوجب اللّه عليهم الحدود: دلَّ هذا على أن النقمة فى الآخرة، لا تسقط حكما غيرها فى الدنيا..

* * *

(أنا) أبو سعيدٍ، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه جلّ ثناؤه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} ؛

قال: {وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} .

قال الشافعى: فكلُّ ما كان فيه: صيدٌ -: فى بئر كان، أو فى ماء مُسْتَنْقِعٍ، أو عَيْنٍ، وعذب، ومالح؛ فهو بحرٌ. -: فى حِلّ كان أو حرَمٍ؛ من حُوتٍ أو ضرْبِه: مما يعيش فى الماء أكثر عيشه. فللمُحْرم والْحَلاَل: أن يُصيبَهُ ويأكلَهُ.فأما طائره: فإنه يأوى إلى أرض فيه؛ فهو من صيد البرّ: إذا أصيب جُزِى..

* * *

وبهذا الإسنادِ،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه جل ثناؤه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} 

فكان شيئان حَلاَلانِ؛ فأثبَتَ تَحْليلَ أحدِهما - وهو: صَيدُ البحرِ وطعامهُ: مالحُه وكلُّ ما قَذَفَه: وهو حَىٌّ؛ متاعاً لهم:يَسْتَمتِعُون بأكلِه. - وحَرَّم صَيدَ البرِّ -: أنْ يَسْتَمْتِعُوا بأكلِه. -: فى كتابِه، وسنةِ نبيِّه صلى اللّه عليه وسلم. يعنى: فى حالِ الإحرام.

قال: وهو (جل ثناؤه) لا يُحرِّمُ عليهم -: من صَيد البرِّ فى الإحرام - إلا: ما كان حَلاَلاً لهم قبلَ الإحرامِ؛ واللّه أعلم..

{ مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللّه يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }

١) أصول فقه (الرسول أول المخاطبين بالتكليف)مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ، وَالْفَرْضِ عَلَى النَّبِىِّصلى اللّه عليهِ وسلمَ، ثُمَّ عَلَى النَّاسِ

(أنا) أبو الحافظُ، وأبو سعيد بن أبى عمرو، قالا: نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): لما بعث اللّه نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنزل عليه فرائضَه كما شاء: {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ؛ ثم:أتْبَعَ كلَّ واحد منها، فَرْضاً بعد فَرْضٍ: فى حينٍ غيرِ حينِ الفرضِ قبلَه.

قال: ويقال (واللّه أعلم): إن أولَ ما أنزل اللّه عليه -: من كتابه. -: {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} .ثم أُنزِل عليه ما لم يؤمَرْ فيه:بأن يدعُوَ إليه المشركين. فمرْت لذلك مدةٌ.ثم ي

قالُ: أتاه جبريلُ (عليه السلامُ) عن اللّه (عز وجل): بأنْ يُعْلِمَهُمْ نزولَ الوحىِ عليه، ويدعُوَهُم إلى الإيمان به. فكبُرَ ذلك عليه؛ وخاف: التكذيبَ، وأنْ يُتَنَاوَلَ. فنزل عليه: {يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللّه يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ} . ف

قال: يعصمُك مِنْ قَتْلِهم: أن يَقْتُلُوكَ؛ حتى تُبَلِّغَ ما أنزِل إليك. فبَلَّغَ ما أُمِرَ به: فاستهزأ به قومٌ؛ فنزل عليه: {فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ}

قال: وأعلمه: مَن عَلم منهم أنه لا يؤمنُ به؛ ف

قال: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً}؛ إلى قوله: {هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): وأنزَل إليه (عز وجل) - فيما يُثَبِّتُه به: إذا ضاق من أذاهم. -: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ * وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ} .ففَرَض عليه: إبلاغَهم، وعبادتَه. ولم يَفْرِضْ عليه قتالَهم؛ وأبَانَ ذلك فى غير آيةٍ: من كتابه؛ ولم يأمرْه: بعُزْلَتِهِمْ؛ وأنزَل عليه: {قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ؛ وقوله: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ} ؛ وقولَه: {مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ} ؛ مع أشياءَ ذُكرتْ فى القرآن - فى غير موضع -: فى مثل هذا المعنى.وأمَرهم اللّه (عز وجل): بأن لا يَسُبُّوا أندادَهم؛ ف

قال: {وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللّه فَيَسُبُّواْ ٱللّه عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية: ؛ مع ما يُشْبِهُها.ثم أنزل (جل ثناؤه) - بعد هذا -: فى الحال الذى فَرض فيها عُزْلةَ المشركينَ؛ ف

قال: {وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ} .وأبَانَ لمن تَبِعه، ما فَرَض عليهم: مما فَرَض عليه؛

قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللّه يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ} الآية: ..

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

١٠١-١٠٢

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللّه عَنْهَا وَٱللّه غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

١) تفسير

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان. أنا الشافعى، أنا ابراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبيه: أن النبى صلى اللّه عليه وسلم،

قال: أعظم المسلمين فى المسلمين جرماً: مَنْ سأل عن شيء لم يكن محرماً، فحرم من أجل مسئلته..

قال الشافعى: وقال اللّه عز وجل: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ - إلى قوله (عز وجل) - بِهَا كَافِرِينَ} 

قال: كانت المسائل فيما لم ينزل - إذا كان الوحى ينزل - مكروهة؛ لما ذكرنا: من قول اللّه عز وجل، ثم قول رسول اللّهصلى اللّه عليه وسلم، وغيره: مما فى معناه. ومعنى كراهة ذلك: ان يسئلوا عما لم يحرم: فإِن حرمه اللّه فى كتابه، أو على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم حرم أبداً، إلا أن ينسخ اللّه تحريمه فى كتابه، أو ينسخ - على لسان رسوله - سنةً بسنة.

١٠٣

{ مَا جَعَلَ ٱللّه مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللّه ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

١) المطعومات (محرمات الجاهلية)

٢) المطعومات (ما حرمه المشركون وحكمه في الإسلام)

(أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه عزَّوجلَّ: {مَا جَعَلَ ٱللّه مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} .فهذه: الحُبُسُ التى كان أهل الجاهلية يَحْبِسُونها؛ فأبطل اللّه (عزَّ وجلَّ) شروطَهم فيها، وأبطل رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): بإبطال اللّه (عزَّ وجلَّ) إياها.وهى: أن الرجل كان يقول: إذا نُتِجَ فحلُ إبلى، ثم أَلْقَحَ، فأُنْتِج منه -: فهو: حامٍ. أى: قد حَمَى ظهرَه؛ فيحرمُ ركوبُه. ويجعل ذلك شبيها بالعتق له.ويقول فى البَحِيرة، والوصيلة - على معنى يوافق بعض هذا.ويقول لعبده: أنت حرٌّ سائبةٌ: لا يكون لى ولاؤك، ولا علىَّ عقلُك.وقيل: إنه (أيضا) - فى البهائم -: قد سيَّبْتُك.فلما كان العتق لا يقع على البهائم: رَدَّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ملكَ البحيرة، والوصيلة، والحام، إلى مالكه: وأثبتَ العتقَ، وجَعل الولاء: لمن أعتق السائبة؛ وحَكم له بمثل حكم النسب..

وذكَر فى كتاب: (البَحيرة). - فى تفسير البحيرة -: أنها: الناقة تُنْتَجُ بطوناً، فيشق مالكها أذُنها، ويُخْلِى سبيلَها، ويحلب لبنها فى البطحاءَ؛ ولا يستجيزون الانتفاعَ بلبنها.

قال: وقال بعضهم: إذا كانت تلك خمسةَ بطون. وقال بعضهم: إذا كانت تلك البطون كلها إناثا..

قال: والوَصيلَة: الشاة تُنْتَجُ الأبطنَ، فإذا ولدت آخرَ بعد الأبطن التى وَقَّتُوا لها -: قيل: وصلتْ أخاها.وقال بعضهم: تُنْتَجُ الأبطنَ الخمسةَ: عَناقَيْن فى كل بطن؛ في

قال: هذا وصيلة: يصل كل ذى بطن بأخذ له معه.وزاد بعضهم، ف

قال: وقد يُوصلونها: فى ثلاثة ابطن، وفى خمسة، وفى سبعة..

قال: والحَامُ: الفَحْلُ يَضرب فى إبل الرجل عشرَ سنين، فيُخْلَى، وي

قال: قد حَمَى هذا ظهرَهُ؛ فلا ينتفعون من ظهره بشىء..

قال: وزاد بعضهم، ف

قال: يكون لهم من صُلْبه، أو ما أُنْتَجَ مما خرج من صلبه -: عشرٌ من الإبل؛ في

قال: قد حَمَى هذا ظهرَه..

وقال فى السائبة ما قدّمناه ذكره؛ ثم

قال: وكانوا يرجون بأدائه البركةَ فى أموالهم؛ وينالون به عندهم: مَكْرُمَةً فى الأخلاق، مع التَّبَرُّرِ بما صنعوا فيه. وأطال الكلام فى شرحه؛ وهو منقول فى كتاب الوُلاة، من المبسوط

* * *

(أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع بن سليمانَ،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): حَرَّم المشركونَ على أنفسِهم -: من أموالِهِم - أشياءَ: أبَانَ اللّه (عزوجل): أنها ليستْ حراماً بتحريمِهِم - وذلك مِثلُ: البَحِيرَةِ، والسَّائِبَةِ، والوَصِيلَةِ، والحَامِ. كانوا: يَترُكونها فى الإبلِ والغنمِ: كالعِتقِ؛ فيُحرِّمون: ألْبانَها، ولُحومها، ومِلْكَها. وقد فسَّرتهُ فى غيرِ هذا الموضعِ. -: فقال اللّه جل ثناؤه: {مَا جَعَلَ ٱللّه مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} ؛

قال تعالى: {قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللّه ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللّه قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} ؛ وقال عزوجل -: وهو يَذكُرُ ما حَرّموا -: {وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللّه عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ} ؛

قال: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ}؛ إلى قوله: {إِنَّ ٱللّه لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ}؛ والآيةَ بعدها: . فأعلمَهُم جل ثناؤه: أنه لا يُحرِّمُ عليهم: بما حَرّمُوا.

قال: وي

قال: نزَل فيهم: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللّه حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ} . فرَدَّ إليهم ما أخْرَجُوا -:من البَحِيرَةِ، والسَّائبَةِ، والوَصِيلَةِ، والحَامِ - وأعلمَهُم: أنه لم يُحرِّمْ عليهم ما حَرَّمُوا: بتحريمهم.

قال تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ} ؛ يعنى (واللّه أعلم): من المَيْتَةِ.وي

قال: أنزِلتْ فى ذلك: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللّه بِهِ} .وهذا يُشْبِهُ ما قيل؛ يعنى: قل: لا أجدُ فيما أوحِيَ إلى -: من بَهِيمةِ الأنعامِ. - محرَّماً، إلاَّ:ميْتةً، أو دماً مسْفوحاً منها: وهى حيَّةٌ؛ أو ذبِيحَة كافرٍ؛ وذُكِر تحريمُ الخنزيرِ معها وقد قيل: مما كنتم تأكلونَ؛ إلا كذا.

قال تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللّه حَلالاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللّه إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللّه بِهِ} . وهذه الآيةُ: فى مِثلِ معنى الآيةِ قبلَها.

١٠٥

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

١) عقائد (واجب المسلم الدعوة فقط)

قال: و

قال الشافعى (رحمه اللّه) - فى قولِه عز وجل: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} . -

قال: هذا: مِثلُ قولِه تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} ؛ ومِثلُ قولِه عز وجل: {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}. ومِثلُ هذا - فى القرآن -: على ألْفاظٍ..

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

١٠٦

{ يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللّه إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ }

١) الشهادة (في الدين)

٢) الشهادة (عدد الشهود وصفتهم)

وبهذا الإسنادِ،

قال الشافعى: قال اللّه تبارك: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ}؛ الآيةَ والتى بعدها: ؛ وقال فى سِياقِها:{وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ}.

قال الشافعى: فذَكَر اللّه (عز وجل) شُهودَ الزِّنا؛ وذَكَر شُهودَ الطلاقِ والرَّجْعةِ؛ وذَكَر شُهودَ الوَصِيَّة - يعنى: فى قوله تعالى: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} . - فلم يَذكُرْ معهم امرأةً.فوجَدنا شُهودَ الزِّنا: يَشهدون على حَدٍّ، لا: مالٍ: وشُهودَ الطلاقِ والرَّجْعةِ: يشهدون على تحريمٍ بعدَ تحليلٍ، وتَثْبِيتِ تحليلٍ؛ لا مالَ: فى واحدٍ منهما.وذَكَر شُهودَ الوَصِيّةِ: ولا مالَ للمَشْهودِ: أنه وصِىٌّ.ثم: لم أعلَمْ أحداً -: من أهلِ العلمِ. - خالَفَ: فى أنه لا يجوزُ فى الزِّنا، إلاَّ: الرجالُ. وعلِمتُ أكثرَهم

قال: ولا فى طلاقٍ ولا رَجْعةٍ: إذا تناكَرَ الزَّوْجانِ. وقالوا ذلك: فى الوَصِيّةِ. فكان ما حكَيْتُ -: من أقاوِيلِهِم. - دَلالةً: على مُوافقةٍ ظاهرِ كتابِ اللّه (عز وجل)؛ وكان أوْلى الأمورِ: أنْ يُقاسَ عليه، ويُصارَ إليه.وذَكَر اللّه (عز وجل) شُهودَ الدَّيْنِ: فذَكَر فيهم النساءَ؛ وكان الدَّيْنُ: أخْذَ مالٍ من المشْهودِ عليه.فالأمر -: على ما فَرَّق اللّه (عز وجل) بيْنَه: من الأحكامِ في الشَّهاداتِ.-: أنْ يُنظَرَ:كلُّ ما شُهِدَ به على أحدٍ، فكان لا يُؤخَذُ منه بالشَّهادةِ نفسِها مالٌ؛ وكان: إنما يَلزَمُ بها حقٌّ غيرُ مالٍ؛ أو شُهِدَ به لرجلٍ: كان لا يَسْتَحِقُّ به مالاً لنفسِه؛ إنما يَسْتَحِقُّ به غيرَ مالٍ -: مِثلُ الوَصِيّةِ، والوَكالةِ، والقِصاصِ، والحُدود، وما أشْبَهَ ذلك. -: فلا يجوزُ فيه إلاَّ شهادةُ الرجالِ.ويُنظَر: كلُّ ما شُهِد به -: ممَّا أخَذ به المشْهودُ له، من المشْهودِ عليه، مالاً. -: فتُجازُ فيه شهادةُ النساءِ معَ الرجالِ؛ لأنه فى مَعنى الموضِع الذى أجازهُنَّ اللّه فيه: فيجوزُ قياساً؛ لا يَختلفُ هذا القولُ، ولا يجوزُ غيرُه. واللّه أعلم..

* * *

(أنبأنى) أبو عبداللّه (إجازةً): أن أبا العباس حدثهم: أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمها للّه تعالى): قال اللّه تبارك وتعالى: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} ؛ وقال اللّه تعالى: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ} .فكان الذى يَعرِفُ مَن خُوطِبَ بهذا، أنه أُريد به:الأحرارُ، المَرْضِيُّونَ، المسْلمون. من قِبَلِ: أنَّ رجالَنا ومَن نَرضَى: من أهل دِينِنا؛ لا: المشركون؛ لقطْعِ اللّه الوِلايةَ بيْننا وبيْنهم:بالدِّينِ. و: رجالَنا: أحرارُنا؛ لا: مَمَالِيكُنا؛ الذين: يَغلِبُهم مَن تَملّكَهم، على كثيرٍ: من أمورِهِم. و: أنَّا لا نَرضَى أهلَ الفِسقِ منا؛ و: أنَّ الرِّضَا إنما يَقَعُ على العُدُولِ منا؛ ولا يَقَعُ إلاَّ: على البالِغينَ؛ لأنه إنما خُوطِبَ بالفرائضِ: البالِغُون؛ دُونَ: مَن لم يَبلُغْ.. وبسَطَ الكلامَ فى الدَّلالةِ عليه.

(أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): فى قولِ اللّه عز وجل: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ}؛ إلى: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ}، وقولِه تعالى: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ؛ دَلالةٌ: على أنَّ اللّه (عز وجل) إنما عَنَى: المسْلمين؛ دُونَ غيرِهم.

ثم ساقَ الكلامَ، إلى أنْ

قال: ومَن أجازَ شهادةَ أهلِ الذِّمَّةِ، فأعْدَلُهُم عندَه: أعظَمُهُم باللّه شِرْكاً: أسْجَدُهم للصَّليبِ، وألْزَمُهُم للكَنيسةِ.فإنْ قال قائلٌ: فإنَّ اللّه (عز وجل) يقولُ: {حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ؛ أىْ مِن غيرِ أهلِ دِينِكُم.

قال الشافعى: فقد سمِعتُ مَن يَتَأَوَّلُ هذه الآيةَ، على: مِن غيرِ قَبِيلتِكم: من المسْلمين..

قال الشافعى: والتنزيلُ (واللّه أعلم) يدُلُّ على ذلك: لقولِ اللّه تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ} ؛ والصلاةُ المُوَقَّتَةُ:للمسْلمين. ولقولِ اللّه تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} ؛ وإنما القَرابَةُ: بيْن المسْلمين الذين كانوا معَ النبيِّ (صلى اللّه عليه وسلم): من العرَبِ؛ أوْ: بيْنهم وبيْن أهلِ الأوْثانِ. لا: بيْنهم وبيْن أهلِ الذِّمَّةِ. وقولِ اللّه: {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللّه إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ} ؛ فإنما يَتَأثَّمُ من كِتْمانِ الشهادةِ للمسْلمين: المسْلمون؛ لا: أهلُ الذِّمَّةِ.

قال الشافعى: وقد سمِعتُ مَن يَذكُرُ: أنها منسوخةٌ بقولِ اللّه عز وجل: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ؛ واللّه أعلم.

ثم جَرَى فى سِياقِ كلامِ الشافعىِّ (رحمه اللّه) أنه

قال: قلتُ له: إنما ذَكَر اللّه هذه الآيةَ: فى وصِيَّةِ مسْلمٍ: أفَتُجِيزُها: فى وصِيّةِ مسْلمٍ فى السفَرِ؟.

قال: لا. قلتُ: أوَ تُحَلِّفُهُم: إذا شهِدُوا.؟.

قال: لا قلتُ: ولِمَ: وقد تَأوَّلْتَ: أنها فى وصِيَّةِ مسْلمٍ.؟!.

قال: لأنها مَنسُوخةٌ قلت: فإنْ نُسِخَتْ فيما أُنزِلَتْ فيه -: فلِمَ تُثْبِتُها فيما لم تُنْزَلْ فيه؟!..

وأجاب الشافعىُّ (رحمه اللّه) - عن الآيةِ -: بجواب آخَرَ؛ على ما نُقِل عن مُقاتِل بن حَيَّانَ، وغيرِه: فى سببِ نزولِ الآيةِ.

وذلك: فيما أخبرَنا أبو سعيد بنُ أبى عمرو،

قال: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أخبرنى أبو سعيدٍ: مُعاذُ بن موسى الجَعْفَرِىُّ؛ عن بُكَيْرِ بن مَعروفٍ، عن مُقاتلِ بن حَيَّانَ (قال بُكَيْرٌ: قال مُقاتلٌ: أخذتُ هذا التفسير، عن: مُجاهدٍ، والحسنِ، والضَّحَّاكِ.) -: فى قولِ اللّه عز وجل: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}؛ الآيةَ. -: أنَّ رجليْنِ نَصْرانِيَّيْنِ من أهلِ دَارينَ؛ أحدُهما: تَمِيمىٌّ؛ والآخَرث يَمَانيٌّ؛ (وقال غيرُه: من أهلِ دَارِينَ؛ أحدُهما: تميمٌ؛ والآخَرُ: عَدِىٌّ.) -: صَحبَهما مَوْلًى لقُرَيْشٍ فى تجارةٍ، فركِبُوا البحرَ: ومعَ القُرَشِىِّ مالٌ معلومٌ، قد علِمه أولياؤه -من بيْنِ آنِيَةٍ، وبَزٍ، ورِقَةٍ . - فمرِض القُرَشِىُّ: فجَعَل وصِيّتَه إلى الدَّارِيَّيْنِ؛ فمات، وقبَض الداريَّان المالَ والوصِيّةَ: فدَفَعاه إلى أوْلياءِ الميِّتِ، وجاءا ببعضِ مالِه. فأنكرَ القومُ قِلَّةَ المالِ، فقالوا للدَّارِيّيْنِ: إنَّ صاحِبَنا قد خرَج: ومعه مالٌ أكثرُ مما أتيْتُمُونا به؛ فهل باع شيئاً، أو اشتَرَى شيئاً: فوَضَع فيه؛ أو هل طال مرضُه: فأنفقَ على نفسهِ؟. قالا: لا. قالوا: فإنكما خُنتُمُونا فقبَضُوا المالَ، ورفَعُوا أمْرَهما إلى النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم): فأنزل اللّه تعالى: {يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}؛ إلى آخِرِ الآيةِ. فلمَّا نزَلتْ:{تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ}: أمَرَ النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) الدَّارِيَّيْنِ؛ فقاما بعدَ الصلاةِ، فحَلَفا باللّه رَبِّ السموَاتِ: ما تَرَك موْلاكُم: من المالِ، إلاَّ ما أتَيْناكم به؛ وإنَّا لا نشترِى بأيْمانِنا ثمناً قليلاً: من الدُّنْيا؛ {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللّه إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ}. فلَمَّا حَلَفا: خُلِّىَ سبيلُهما. ثم: إنهم وجَدُوا - بعد ذلك - إناءً: من آنِيةِ الميِّتِ؛ فأُخِذَ الدَّارِيَّان، فقالا: اشترَيْناه منه فى حياتِه؛ وكذَبا؛ فكُلِّفا البَيِّنةَ: فلم يَقدِرا عليها. فرُفِعَ ذلك إلى النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم): فأنزلَ اللّه عزوجل: {فَإِنْ عُثِرَ}؛ يقول: فَإنْ اطُّلِعَ {عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً} يعنى: الدّارِيَّيْنِ؛ أىْ: كَتَما حَقّاً؛ {فَآخَرَانِ}: من أوْلياءِ الميِّتِ؛ {يِقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه}: فيَحلِفانِ باللّه: إنَّ مالَ صاحبِنا كان كذا وكذا؛ وإنّ الذى نَطلُبُ -: قِبَلَ الدّاريَّيْنِ. - لَحَقٌّ؛{وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ} . فهذا: قولُ الشاهِدَيْنِ أوْلياءِ الميِّت: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ} ؛ يَعنى:الدّارِيّيْنِ والناسَ؛ أنْ يَعُودُوا لِمثْلِ ذلك.

قال الشافعى: يَعنى: مَن كان فى مِثْلِ حالِ الدّارِيّيْنِ: من الناس. ولا أعلمُ الآيةَ تَحتَمِلُ معنًى: غيرَ جُمْلَةِ ما قال.وإنما معنى{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}: أيْمانُ بيْنِكم؛ كما سُمِّيَتْ أيْمانُ المُتَلاعِنَيْنِ: شهادةً، واللّه تعالى أعلم..

وبسَطَ الكلامَ فيه، إلى أنْ

قال: وليس فى هذا: رَدُّ اليمين، إنما كانتْ يمينُ الدَّارِيَّيْنِ: على ما ادَّعى الورَثةُ: من الخيانةِ: ويمينُ ورَثةِ الميِّتِ: على ما ادّعى الدّارِيَّانِ: أنه صار لهما مِن قِبَلِه.وقولُه عز وجل: {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} ، فذلك (واللّه أعلم): أنّ الأيْمانَ كانتْ عليهم:بدَعْوَى الورثةِ: أنهم اخْتانُوا؛ ثم صار الورَثةُ حالِفينَ: بإقْرارِهم: أنَّ هذا كان للميِّت، وادِّعَائهم شِراءَه منه. فجاز: أنْ يُ

قالَ: {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ}: تُثَنَّى عليهم الأيْمانُ. بما يَجِبُ عليهم إنْ صارتْ لهم الأيْمانُ؛ كما يَجبُ على مَن حَلَف لهم.وذلك قوله - واللّه أعلم -: {يِقُومَانِ مَقَامَهُمَا}. فيُحْلَفَانِ كما أُحْلِفا.وإذا كان هذا كما وَصَفْتُ: فليْستْ هذه الآيةُ: ناسِخةً، ولا مَنسُوخةً..

قال الشيخ: وقد روَيْنا عن ابن عباس، ما دَلَّ: على صحةِ ما قال مُقاتلُ بن حَيَّانَ. ويَحتَمِلُ: أنْ يكونَ المرادُ بقوله تعالى:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ} -: الشهادةَ نفسَها. وهو: أنْ يكونَ للمُدَّعِى اثْنانِ ذَوَا عدْلٍ -: من المسلمين. - يَشهَدان لهم بما ادَّعَوْا على الدّارِيّيْنِ. من الخِيانةِ. ثم

قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}؛ يَعنى: إذا لم يكنْ للمُدَّعِينَ: منكم؛ بَيِّنةٌ -: فآخَرَانِ: من غيرِكم؛ يَعنى: فالدّارِيّان - اللّذانِ ادُّعِى عليهما. - يُحْبَسانِ من بعدِ الصلاةِ. {فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه}؛ يعنى. يَحْلِفَانِ على إنكارِ ما ادُّعِىَ عليهما؛ على ما حكاه مُقاتلٌ، واللّه أعلم.

(أنا) أبو سعيدٍ، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال: قال الشافعي: والحُجَّةُ فيما وَصفْتُ -: من أنْ يُسْتَحْلَفَ الناسُ: فيما بيْن البَيْتِ والمَقامِ، وعلى مِنْبَرِ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، وبعدَ العصْرِ. -: قولُه تبارك وتعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه} ؛ وقال المفسِّرون: هى صلاةُ العصرِ.. ثم ذَكَر. شهادةَ المُتَلاعِنَيْن، وغيرَها.

١١٨

{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

١) تفسير

(أنا) محمد بن عبد اللّه الحافظ، أخبرنى أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى المتكلم، أنا إسحاق بن إبراهيم البستى، حدثنى ابراهيم بن حرب البغدادى: أن الشافعى رحمه اللّه سئل بمكة فى الطواف، عن قول اللّه عز وجل: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} .

قال: إن تعذبهم فإنهم عبادك؛ وإن تغفر لهم وتؤخر فى آجالهم: فتمن عليهم بالتوبة والمغفرة.

﴿ ٠