٦

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

١) الطهارة (الوضوء)

٢) الطهارة (نواقض الوضوء)

٣) التيمم

٤) الوضوءفصل فيما يؤثر عنه من التفسير والمعانى فى الطهارات والصلوات

(أنا) محمد بن موسى بن الفضل، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعى رحمه اللّه

قال: قال اللّه جل ثناءه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} إلى قوله عزوجل: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ} 

قال: وكان بينا عند من خوطب بالآية: أن غسلهم إنما يكون بالماء؛ ثم أبان اللّه فى هذه الآية: أن الغسل بالماء. وكان معقولا عند من خوطب بالآية: أن الماء ما خلق اللّه تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين. وذكر الماء عاماً؛ فكان ماء السماء، وماء الأنهار، والآبار، والقلات، والبحار. العذب من جميعه، والأجاج سواء: فى أنه يطهر من توضأ واغتسل به.

وقال فى قوله عز وجل: {فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} لم أعلم مخالفاً فى أن الوجه المفروض غسله فى الوضوء: ما ظهر دون ما بطن.

قال: وكان معقولا: أن الوجه: ما دون منابت شعر الرأس، إلى الأذنين واللحيين والذقن

وفى قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ}؛

قال: فلم أعلم مخالفاً فى أن المرافق فيما يغسل. كأنهم ذهبوا إلى أن معناها: فاغسلوا أيديكم إلى أن تغسل المرافق.

وفى قوله تعالى: {وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}؛

قال: وكان معقولا فى الآية أن من مسح من رأسه شيئاً فقد مسح برأسه؛ ولم تحتمل الآية إلا هذا - وهو أظهر معانيها -أو مسح الرأس كله

قال: فدلت السنة على أن ليس على المرء مسح رأسه كله. وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية: أن من مسح شيئاً من رأسه أجزأه.

وفى قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ}؛

قال الشافعى: نحن نقرؤها (وأرجلكم)؛ على معنى: أغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم؛ وامسحوا برؤسكم

قال: ولم أسمع مخالفاً فى أن الكعبين - اللذين ذكر اللّه عز وجل فى الوضوء - الكعبان الناتئان - وهما مجمع مفصل الساق والقدم - وأن عليهما الغسل. كأنه يذهب فيهما إلى اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين. وقال فى غير هذه الرواية والكعب إنما سمى كعباً لنتوئه فى موضعه عما تحته وما فوقه. ويقال للشىء المجتمع من السمن، كعب سمن وللوجه فيه نتوء؛ وجه كعب؛ والثدى إذا تناهدا كعب..

قال الشافعى رحمه اللّه - فى روايتنا عن أبى سعيد: وأصل مذهبنا أنه يأتى بالغسل كيف شاء ولو قطعه؛ لأن اللّه تبارك وتعالى

قال: {حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ}  فهذا مغتسل وإن قطع الغسل؛ فلا أحسبه يجور - إذا قطع الوضوء - إلا مثل هذا.

قال الشافعى رحمه اللّه: وتوضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما أمر اللّه، وبدأ بما بدأ اللّه به. فاشبه (واللّه أعلم) أن يكون على المتوضئ فى الوضوء شيئان أن يبدأ بما بدأ اللّه ثم رسوله صلى اللّه عليه وسلم به منه، ويأتى على إكمال ما أمر به وشبهه بقول اللّه عز وجل: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللّه} . فبدأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصفا، وقال نبدأ بما بدأ اللّه به.

قال الشافعى رحمه اللّه: وذكر اللّه اليدين معاً والرجلين معاً، فأوجب أن يبدأ باليمنى وإن بدأ باليسرى فقد أساء ولا إعادة عليه.

وفى قول اللّه عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}؛

قال الشافعى رحمه اللّه: فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ وكانت محتملة أن تكون نزلت فى خاص.فسمعت بعض من أرضى علمه بالقرآن، يزعم: أنها نزلت فى القائمين من النوم؛ وأحسب ما قال كما قال. لأن فى السنة دليلاً على أن يتوضأ من قام من نومه.

قال الشافعى رحمه اللّه: فكان الوضوء الذى ذكره اللّه - بدلالة السنة - على من لم يحدث غائطاً ولا بولاً؛ دون من أحدث غائطاً أو بولاً. لأنهما نجسان يماسان بعض البدن. يعنى فيكون عليه الاستنجاء فيستنجى بالحجارة أو الماء؛ قال ولو جمعه رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلى. ويقال إن قوماً من الأنصار استنجوا بالماء فنزلت فيهم: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللّه يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ} 

قال الشافعى رحمه اللّه: ومعقول - إذ ذكر اللّه تعالى الغائط فى آية الوضوء أن الغائط. التخلى؛ فمن تخلى وجب عليه الوضوء. ثم ذكر الحجة من غير الكتاب، فى إيجاب الوضوء بالريح، والبول، والمذى، والودى وغير ذلك مما يخرج من سبيل الحدث.

* * *

وفى قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ}  و ؛

قال الشافعى: ذكر اللّه عز وجل الوضوء على من قام إلى الصلاة؛ فاشبه أن يكون من قام من مضجع النوم. وذكر طهارة الجنب، ثم قال بعد ذلك: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ}.فأشبه: أن يكون أوجب الوضوء من الغائط، وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة؛ فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبل غير الجنابة. ثم استدل عليه بآثار ذكرها. قال الربيع: اللمس بالكف؛ ألا ترى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن الملامسة. والملامسة: أن يلمس الرجل الثوب فلا يقلبه وقال الشاعر:

* فَأَلْمسْتُ كَفِّي كَفّهُ أطْلُبُ الْغِنَى * وَلَمْ أدْرِ أنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِى *

* فَلا أنا، منْهُ ما أفَادَ ذَوو الْغِنَى * اَفَدْتُ وَاعْدانِى فَبدَّدتُ مَاعِنْدِي *

هكذا وجدته فى كتابى وقد رواه غيره عن الربيع عن الشافعى، أنا أبو عبد الرحمن السلمى، أنا: الحسين بن رشيق المصرى إجازة، انا أحمد بن محمد ابن حرير النحوي،

قال: سمت الربيع بن سليمان يقول؛ فذكر معناه عن الشافعى

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال: قال الشافعي: قال اللّه تبارك وتعالى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} .

قال الشافعى: نزلت آية التيمم فى غزوة بنى المصطلق، أنحل عقد لعائشة رضى اللّه عنها، فأقام الناس على التماسه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فأنزل اللّه (عز وجل) آية التيمم. أخبرنا بذلك عدد من قريش من أهل العلم بالمغازى وغيرهم. ثم روى فيه حديث مالك؛ وهو مذكور فى كتاب المعرفة.

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، انا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى رحمه اللّه: قال اللّه تبارك وتعالى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً}

قال: وَكُلُّ ما وقع عليه اسم صعيد لم يخالطه نجاسة، فهو: صعيد طيب يتيمم به. ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذى غبار؛ فاما البطحاء الغليظة والرقيقه والكثيب الغليظ - فلا يقع عليه اسم صعيد.

وبهذا الإسناد

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ} الآية وقال فى سياقها {وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} فدل حكم اللّه (عز وجل) على أنه أباح التيمم فى حالين: أحدهما: السفر والأعواز من الماء. والآخر. المرض فى حضر كان أو سفر. ودل ذلك على أن على المسافر طلبَ الماء، لقوله: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ} وكان كل من خرج مجتازاً من بلد إلى غيره، يقع عليه اسم السفر قصر السفر أو طال. ولم أعلم من السنة دليلا على أن لبعض المسافرين أن يتيمم دون بعض؛ فكان ظاهر القرآن ان كل من سافر سفراً قريباً أو بعيداً يتيمم

قال: وإذا كان مريضاً بعض المرض: تيمم حاضرا أو مسافراً، أو واجداً للماء أو غير واجد له والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة؛ فالذى سمعت: أن المرض - الذى للمرء أن يتيمم فيه -: الجراح، والقرح دون الغور كله مثل الجراح؛ لأنه يخاف فى كله - إذا ما مسه الماء - أن ينطف، فيكون من النطف التلف، والمرض المخوف. وقال فى القديم (رواية الزعفرانى عنه):يتيمم إن خاف إن مسه الماء التلف، أو شدة الضنى. وقال فى كتاب البُوَيْطىِّ: فخاف، إن أصابه الماء، أن يموت، أو يتراقى عليه إلى ما هو أكثر منها؛ تيمم وصلى ولا إعادة عليه. لأن اللّه تعالى أباح للمريض التيمم. وقيل: ذلك المرضُ: الجراحُ والجدرى. وما كان فى معناهما: من المرض - عندى مثلُهما؛ وليس الحُمَّى وما أشبهها -: من الرمد وغيره. - عندى، مثل ذلك.

قال الشافعى - فى روايتنا: جعل اللّه المواقيتَ للصلاة؛ فلم يكن لأحد أن يصليها قبلها؛ وإنما أمر بالقيام إليها إذا دخل وقتها؛ وكذلك أمر بالتيمم عند القيام إليها، والإعواز من الماء. فمن تيمم لصلاة قبل دخول وقتها، وطلب الماء لها -: لم يكن له أن يصليهَا بذلك التيمم.

أخبرنا، أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال.

قال الشافعى (رحمه اللّه): وإنما قلت: لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره. لأن اللّه (جل ثناؤه) يقول {فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}  فكان معقولا. أن الوجه لا يكون مغسولاً إلا بأن يبتدأ له بماء فيغسل به، ثم عليه فى اليدين عندي - مثلُ ما عليه فى الوجه من أن يبتدئ لهما ماء فيغسلهما به. فلو أعاد عليهما الماء الذى غسل به الوجه -: كان كأنه لم يُسَوِّ بين يديه ووجهه، ولا يكون مسوياً بينهما، حتى يبتدئ لهما الماء، كما ابتدأ للوجه. وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ لكل عضو ماء جديداً..

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه عزوجل: {فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} إلى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ} . فاحتمل أمر اللّه (تبارك وتعالي)بغَسل القدمين: أن يكون على كل متوضىء؛ واحْتَمَلَ: أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض. فدل مسح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الخفين -: أنها على من لا خفين عليه إذا هو لبسهما على كمال طهارة. كما دل صلاة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صلاتين بوضوء واحد، وصلوَاتٍ بوضوء واحد -: على أن فرض الوضوء ممن قام إلى الصلاة، على بعض القائمين دون بعض، لا: أن المسح خلافٌ لكتاب اللّه، ولا الوضوءَ على القدمين.. زاد - فى روايتى، عن أبى عبد اللّه، عن أبى العباس، عن الربيع، عنه -: إنما ي

قال: الغَسلُ كمال، والمسحُ رخصةُ كمال؛ وأيهما شاء فعل.

أنا، أبو عبد اللّه الحافظ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} الآية،  ودلت اسنة على أن الوضوء من الحدث. وقال اللّه عز وجل: {لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ}  الآية. فكان الوضوء عاما فى تكاب اللّه (عز وجل) من الأحداث؛ وكان أمْرُ اللّه الجنبَ بالغُسل من الجنابة، دليلا (واللّه أعلم) على: أن لا يجب غسل إلا من جنابة؛ إلا أن تدل على غسل واجب: فنوجبه بالسنة: بطاعة اللّه فى الأخذ بها. ودلت السنة على وجوب الغسل من الجنابة؛ ولم أعلم دليلا بيِّناً على أن يجب غُسلُ غير الجنابة الوجوب الذى لا يجزئ غيره. وقد رُوى فى غُسل يوم الجمعة شىءٌ؛ فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا؛ ولسان العرب واسع.

ثم ذكر ما رُوى فيه، وذَكر تأويله، وذَكر السنة التى دلت على وجوبه فى الاختيار، وفى النظافة، ونفى تغير الريح عند اجتماع الناس، وهو مذكور فى كتاب المعرفة.

الأحكام الواردة في سورة ( المائدة )

﴿ ٦