٤٩{ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللّه إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللّه أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ } ١) الاستحسان (إبْطاله) ٢) الجهاد ٣) القضاء (بين غير المسلمين)فصل ذكره الشافعى رحمه اللّه فى إبطال الاستحسان واستشهد فيه بآيات من القرآن (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعى (رحمه اللّه) قال: حكم اللّه، ثم حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم حكم المسلمين - دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتياً: أن يحكم ولا أن يفتى إلا من جهة خبر لازم - وذلك: الكتاب، ثم السنة - أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه، أو قياسٍ على بعض هذا. ولا يجوز له: أن يحكم ولا يفتى بالاستحسان؛ إذ لم يكن الاستحسان واجباً، ولا فى واحد من هذه المعانى. وذكر - فيما احتج به - قول اللّه عز وجل: {أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} قال فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن (السدى) الذى لا يؤمر ولا ينهى. ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد اختار لنفسه أن يكون فى معانى السدي - وقد أعلمه عز وجل أنه لم يترك سدى - ورأى أن قال أقول ما شئت؛ وادعى ما نزل القرآن بخلافه. قال اللّه (جل ثناؤه) لنبيهصلى اللّه عليه وسلم: {ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} ؛ قال تعالى: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللّه إِلَيْكَ} ثم جاءه قوم، فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم: فقال أعلمكم غداً. (يعنى: أسأل جبريل عليه السلام، ثم أعلمكم). فأنزل اللّه عز وجل:{وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللّه} . وجاءته امرأة أوس بن الصامت، تشكو إليه أوساً، فلم يجبها حتى نزل عليه: {قَدْ سَمِعَ ٱللّه قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} وجاءه العجلانى يقذف امرأته ف قال: لم ينزل فيكما وانتظر الوحى، فلما أنزل اللّه (عز وجل) عليه: دعاهما، وَلاَعَنْ بينهما كما أمر اللّه عز وجل وبسط الكلام فى الاستدلال بالكتاب والسنة والمعقول، فى رد الحكم بما استحسنه الإنسان، دون القياس على الكتاب والسنة؛ والإجماع. * * * (أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه (تبارك وتعالى) لنبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أهلِ الكتابِ: {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ} . قال الشافعى: فى هذه الآيةِ، بيانٌ (واللّه أعلم): أنَّ اللّه (عزوجل) جَعَل لنبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم) الخِيَارَ: فى أن يَحكُمَ بيْنهم، أو يُعْرِضَ عنهم. وجَعَل عليه -: إنْ حَكَمَ. -: أنْ يحْكُمَ بيْنهم بالقِسْطِ. والقِسْطُ: حُكْمُ اللّه الذي أُنْزِلَ على نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم): المَحْضُ الصادقُ، أحدَثُ الأخبارِ عهداً باللّه (عز وجل). قال اللّه عزوجل: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} الآية: . قال: وفى هذه الآيةِ، ما فى التى قبلَها: من أمْرِ اللّه (عز وجل) له، بالحكمِ: بما أنزَل اللّه إليه قال: وسمعتُ مَن أرْضَى -: من أهلِ العلمِ. - يقولُ فى قولِ اللّه عزوجل: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه}: إنْ حَكَمْتَ؛ لا: عَزْماً أنْ تَحْكُمَ. ثم ساق الكلامَ، إلى أنْ قال: أنا إبراهيم بن سعدٍ، عن ابن شِهابٍ، عن عُبَيْد اللّه بن عبداللّه بن عُتْبةَ، عن ابن عباس - أنه قال: كيفَ تسألون أهلَ الكتابِ عن شىءٍ: وكتابُكم الذي أنزَل اللّه على نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم): أحدَثُ الأخبارِ، تَقرَءُونَه مَحْضاً: لم يُشَبْ.؟! ألمْ يُخْبِرْكم اللّه فى كتابه: أنهم حَرَّفُوا كتابَ اللّه (عزوجل) وبَدّلُوا، وكتَبُوا كتاباً بأيديهم، فقالوا: {هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللّه لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} .؟! ألاَ يَنْهاكم العِلمُ الذى جاءكم، عن مَسألتِهم؟! واللّه: ما رأيْنا رجلا منهم قَطُّ: يَسألُكم عما أنزَل اللّه إليكم.. هذا: قوله فى كتابِ الْحُدودِ؛ وبمعناه: أجاب فى كتابِ القضاءِ باليمينِ مع الشاهدِ؛ وقال فيه:فسمعتُ مَن أرْضَى عِلمَه، يقول: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ}: إنْ حَكَمْتَ؛ على معنى قولِه: {فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}. فتلك: مفسِّرةٌ؛ وهذه: جُملةٌ.وفى قوله عزوجل: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} ؛ دَلالةٌ: على أنهم إنْ تولَّوْا: لم يكنْ عليه الحكمُ بيْنهم. ولو كان قولُ اللّه عزوجل: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه}؛ إلْزاماً منه للحُكمِ بيْنهم -: ألزمهم الْحُكمَ: مُتَوَلِّينَ. لأنهم إنما يَتَوَلّوْنَ: بعدَ الإتْيانِ؛ فأمَّا: ما لم يأتُوا؛ فلا يُقالُ لهم: تَوَلَّوْا. وقد أخبرَنا أبو سعيد - فى كتاب الجِزْيةِ -: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: لم أعلمْ مخالفاً -: من أهلِ العِلم بالسِّيَرِ. -: أنَّ رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لمَّا نَزَل المدينةَ: وادَعَ يَهودَ كافَّةً على غير جِزْيةٍ؛ و أنَّ قولَ اللّه (عزوجل): {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}؛ إنما نَزَلَتْ: فى اليهودِ الْمُوَادِعِينَ:الذين لم يُعطُوا جِزْيةً، ولم يُقِرُّوا: بأنْ تَجرِىَ عليهم وقال بعضهم: نَزَلَتْ فى اليهودِيَّيْنِ الَّذَيْنِ زَنَيَا. قال: والذى قالوا، يُشْبِهُ ما قالوا؛ لقول اللّه عزوجل: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللّه} ؛ قال: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللّه}؛ يعنى (واللّه أعلم): فإن تَوَلَّوْا عن حُكمِك بغير رضاهم. فهذا يُشْبِهُ: أنْ يكونَ ممَّن أتاك: غيرَ مَقْهورٍ على الحُكم.والذين حاكَمُوا إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - فى امرأة منهم ورجلٍ: زَنَيا. -: مُوَادِعُونَ؛ فكان فى التوراة: الرَّجْمُ؛ ورَجَوْا: أن لا يكونَ مِن حُكمِ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم). فجاؤا بهما: فرَجَمهما رسولُ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم).. وذَكَر فيه حديثَ ابن عمرَ. قال الشافعى: فإذا وادَعَ الإمامُ قوماً -: من أهلِ الشركِ. ولم يشترطْ: أنْ يَجْرِىَ عليهم الحُكمُ؛ ثم جاءوه مُتَحاكِمينَ -: فهو بالخيارِ: بيْنَ أنْ يَحكمَ بيْنهم، أو يَدَعَ الحُكمَ. فإن اختار أنْ يَحكمَ بيْنهم: حكَم بيْنهم حُكمَه بيْن المسلمين. فإن امتَنَعُوا -بعدَ رضاهم بحُكمِه - حارَبَهم. قال: و ليس للإِمام الخِيارُ فى أحد -: من المُعاهَدِينَ: الذين يجرِى عليهم الحكمُ. -: إذا جاءوه فى حَدٍّ للّه (عز وجل). وعليه:أنْ يُقيمَه. قال: وإذا أبَى بعضُهم على بعضٍ، ما فيه له حَقٌّ عليه؛ فأتَى طالبُ الحقِّ إلى الإمامِ، يَطلُبُ حقَّه -: فَحقٌّ لازمٌ للإِمامِ (واللّه أعلم): أنْ يَحكمَ له على مَنْ كان له عليه حَقٌّ: منهم؛ وإن لم يأتِه المطلوبُ: راضياً بحُكمهِ؛ وكذلك: إنْ أظهرَ السخَطَ لحُكمِه.لما وَصَفْتُ: من قول اللّه عز وجل: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} . فكان الصَّغَارُ (واللّه أعلم): أنْ يَجرِىَ عليهم حُكمُ الإسلامِ.. وبسَط الكلامَ فى التَّفريعِط وكأنه وَقَف - حينَ صَنَّفَ كتابَ الجِزْيةِ -: أنَّ ايةَ الخِيار ورَدَتْ فى المُوَادِعينَ؛ فرَجَع عما قال - فى كتاب الْحُدُودِ - فى المُعَاهَدِينَ: فأوْجَبَ الحُكمَ بينهم بما أنزَل اللّه (عز وجل). إذا ترافَعُوا إلينا |
﴿ ٤٩ ﴾