٣٩

{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّه بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

١) الجهاد (الجزية)

٢) الجهاد (هدفه)

٣) الجهاد

(أنا) أبو سعيد محمدُ بن موسى، نا أبو العباس الأصَمُّ، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه جل ثناؤه: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

قال الشافعى: فقد أظهر اللّه (جل ثناؤه) دينَه -: الذى بَعث به رسولَه صلى اللّه عليه وسلم - على الأدْيانِ: بأنْ أبَانَ لكل مَن سمِعه: أنه الحقُّ؛ وما خالفه -: من الأدْيانِ. -: باطلٌ.وأظهرَه: بأنَّ جِماعَ الشِّركِ دِينانِ: دِينُ أهلِ الكتابِ، ودِينُ الأمِّيِّينَ. فقَهرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الأمِّيِّينَ: حتى دانُوا بالإسلامِ طَوْعاً وكَرْهاً؛ وقَتَل مِن أهلِ الكتابِ، وسَبَى: حتى دانَ بعضُهم بالإسلامِ، وأعطى بعضٌ الجزْيةَ: صاغِرِينَ؛ وجَرَى عليهم حُكمُه (صلى اللّه عليه وسلم). وهذا: ظهورُ الدِّين كلِّه.

قال الشافعى: وقد ي

قالُ: لَيُظْهِرَنَّ اللّه دِينَه، على الأدْيانِ: حتى لا يُدانَ اللّه إلا به. وذلك: مَتَى شاء اللّه عزوجل.

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه عزوجل: {فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ؛ وقال جل ثناؤه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه} ..

قال فى موضع آخَرَ: فقيل فيه: (فِتْنَةٌ): شِركٌ؛ {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ}: واحداً {للّه} ..

وذَكَر حديثَ أبى هريْرَةَ، عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): لا أزالُ أقاتِلُ الناسَ، حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللّه..

قال الشافعى: وقال اللّه تعالى: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللّه وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ..

وذَكَر حديثَ بُرَيْدَةَ عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): فى الدُّعاءِ إلى الإسلامِ؛ وقولَه: فإن لم يُجِيبُوا إلى الإسلامِ: فادْعُهُمْ إلى أنْ يُعطوا الجزْيةَ؛ فإن فعلوا: فاقْبَلْ منهم ودَعْهُم؛ وإن أبَوْا: فاسْتَعِنْ باللّه وقاتِلْهم..

ثم

قال: وليستْ واحدةٌ -: من الآيتَيْنِ. -: ناسِخة للأُخرى؛ ولا واحدٌ -: من الحديثيْنِ. -: ناسخاً للآخَرِ، ولا مُخالفاً له. ولكن إحدى الآيتَيْنِ والحديثَيْنِ: من الكلام الذى مَخْرَجُه عامٌّ: يُرادُ به الخاصُّ؛ ومن الجُمَل التى يَدُلُّ عليها المفَسِّرُ.فأمْرُ اللّه (تعالى):بقتالِ المشركينَ حتى يؤمنوا؛ (واللّه أعلم): أمْرُه بقتالِ المشركينَ: من أهل الأوثانِ. وكذلك حديثُ أبى هريْرَة: فى المشركينَ من أهل الأوثان؛ دونَ أهلِ الكتاب. وفَرْضُ اللّه: قتالَ أهلِ الكتابِ حتى يُعطُوا الجزْيَة عن يدٍ وهم صاغِرُونَ -: إن لم يؤمنوا. - وكذلك حديثُ بُرَيْدَةَ: فى أهل الأوثانِ خاصَّةًفالفرْضُ فيمن دَانَ وآباؤه دِينَ أهلِ الأوْثانِ -: من المشرَكينَ. -: أنْ يقاتَلُوا: إذ قُدِرَ عليهم؛ حتى يُسلِموا. ولا يَحِلُّ: أنْ يُقبَلَ منهم جِزْيةٌ؛ بكتابِ اللّه، وسنةِ نبيِّه.

والفرضُ فى أهلِ الكتابِ، ومَن دَانَ قبلَ نزولِ القرآن كلِّه دِينَهُم -: أنْ يُقاتَلُوا حتى يُعطُوا الجِزيةَ، أو يُسلِموا. وسواءٌ كانوا عَرباً، أو عَجَماً..

قال الشافعى: وللّه (عز وجل) كُتُبٌ: نزلتْ قبلَ نزولِ القرآنِ؛ المعروفُ منها - عند العامَّةِ -: التَّوْراةُ والإنْجيلُ. وقد أخبرَ اللّه(عز وجل): أنه أنزَل غيرَهما؛ ف

قال: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ} . وليس يعرَفُ تِلاوَةُ كتابِ إبراهيمَ. وذَكَر زَبُورَ داوُدَ؛ ف

قال: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ} .

قال: والمَجُوسُ: أهلُ كتابٍ: غيرِ التَّوْراةِ والإنجِيلِ؛ وقد نَسُوا كتابَهم وبَدّلُوه. وأذِنَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): فى أخْذِ الجِزْيةِ منهم..

قال الشافعى: ودانَ قومٌ -: من العرب. - دينَ أهل الكتابِ، قبلَ نزولِ القرآنِ: فأخَذَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من بعضهم، الجِزْيةَ؛ وسَمَّى منهم - فى موضع آخَرَ -: أُكَيْدِرَ دُومَةَ؛ وهو رجلٌ ي

قال: من غَسَّانَ أو كِنْدَةَ..

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: حَكَم اللّه (عز وجل) فى المشركينَ، حُكْمَيْنِ. فَحكَم: أنْ يُقاتَلَ أهلُ الأوْثانِ: حتى يُسلِموا؛ وأهلُ الكتابِ: حتى يُعطُوا الجِزْيةَ:إن لم يُسلِموا.وأحَلَّ اللّه نساءَ أهلِ الكتابِ، وطعامَهم. فقيل: طعامُهم: ذبائحُهُمفاحْتَمَلَ: كلَّ أهلِ الكتابِ، وكلَّ مَن دَان دِينَهم.واحْتَمَلَ:أنْ يكونَ أراد بعضَهم، دونَ بعضٍ.وكانتْ دَلالَةُ ما يُروَى عن النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم)، ثم ما لا أعلمُ فيه مُخالفاً -: أنه أراد:أهلَ التَّوراةِ والإنجيلِ -: من بنى إسْرائيلَ. - دونَ المجُوسِ.وبسَطَ الكلامَ فيه، وفَرَقَ بيْن بنى إسْرائيلَ؛ ومَن دَانَ دِينَهم قبلَ الإسلامِ -:من غيرِ بنى إسْرائيلَ. -: بما ذَكَر اللّه (عز وجل) -: من نِعمتِه على بنى إسْرائيلَ. - فى غيرِ موضعٍ من كتابِه؛ وما آتاهم دونَ غيرِهم من أهلِ دَهرِهم.فَمن دَانَ دِينَهم -: من غيرِهم. - قبلَ نزولِ القرآن: لم يكونوا أهلَ كتاب؛ إلا: لمعنى؛ لا: أهلَ كتابٍ مطْلَقٍ.فتُؤخَذُ منهم الجِزْيةُ، ولا تُنكَحُ نساؤهم، ولا تُؤكَلُ ذبائحُهُم: كالمجُوسِ. لأن اللّه (عز وجل) إنما أحَلَّ لنا ذلك: من أهلِ الكتابِ الذين عليهم نَزَل.وذَكَر الرَّوايةَ فيه، عن عمرَ وعلىٍّ رضى اللّه عنهما.

قال الشافعى: والذى عن ابن عباس: فى إحْلالِ ذبائحِهم؛ وأنه تلا: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}  -: فهو لو ثَبَت عن ابن عباسٍ: كان المذهبُ إلى قولِ عمرَ وعلىٍّ (رضى اللّه عنهما): أوْلى؛ ومعه المعقولُ. فأما: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}؛ فمعناها: على غيرِ حُكْمِهم..

قال الشافعى: وإن كان الصَّابِئُونَ والسَّامِرَةُ: من بنى إسْرائيل، ودَانُوا دِينَ اليهودِ والنصارَى -: نُكِحَتْ نساؤهم، وأُكِلَتْ ذبائحُهُم:وإن خالفُوهم فى فرعٍ من دِينِهم. لأنهم فُروعٌ قد يَختلِفونَ بيْنَهموإن خالفُوهم فى أصلِ الدَّيْنُونَةِ: لم تُؤكَلْ ذبائحُهُم، ولم تُنْكَحْ نساؤهُم..

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ؛ فلم يأذَنْ (عز وجل): فى أنْ تُؤخَذَ الجِزْيةُ ممَّن أمَرَ بأخذها منه، حتى يُعطِيَها عن يدٍ: صاغِراً.

قال: وسمعتُ رجالاً -: من أهل العلم. - يقولون: الصَّغَارُ: أن يَجْرِىَ عليهم حكمُ الإسلام. وما أشْبَهَ ما قالوا، بما قالوا -:لامتناعِهِمْ من الإسلام؛ فإذا جَرَى عليهم حُكمُه: فقد أُصْغِرُوا بما يَجرِى عليهم منه..

قال الشافعى: وكان بَيِّناً فى الآيةِ (واللّه أعلم): أن الذين فُرِض قتالُهم حتى يُعطُوا الجِزْيةَ -: الذين قامتْ عليهم الحُجَّةُ بالبُلوغِ: فتَرَكوا دِينَ اللّه (عز وجل)، وأقاموا على ما وجَدُوا عليه آباءهم: من أهلِ الكتابِ.وكان بَيِّناً: أنَّ اللّه (عز وجل) أمَر بقتالهم عليها: الذين فيهم القتالُ؛ وهم: الرجالُ البالغُونَ. ثم أبَانَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مِثلَ معنى كتابِ اللّه (عز وجل): فأخَذ الجزْيةَ من المُحْتَلِمِينَ، دُون من دُونَهم، ودُونَ النساءِ.. وبسَطَ الكلامَ فيه.

﴿ ٣٩