سورة التّوبة

١-٤

{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ... }

١) الجهاد (على من يجب)

٢) الجهاد (المهادنة)

٣) الجهاد (الصلح والمعاهدات)

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى: فَرَض اللّه (عز وجل): قتالَ غيرِ أهلِ الكتابِ حتى يُسلِموا، وأهلِ الكتابِ حتى يُعْطُوا الجِزْيَة

قال: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} . فبِذَا فُرِض على المسلمين ما أطاقُوه؛ فإذا عَجَزُوا عنه: فإنما كُلِّفُوا منه ما أطاقُوه؛ فلا بأسَ: أنْ يَكُفُّوا عن قتالِ الفَرِيقَيْنِ: من المشركينَ؛ وأنْ يُهَادِنُوهُم.

ثم ساق الكلامَ، إلى أن

قال: فهادَنَهُم رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (يعنى: أهلَ مكةَ، بالحُدَيْبِيَةِ) فكانتْ الهُدْنةُ بيْنه وبيْنهم عَشْرَ سِنِينَ؛ ونَزَل عليه - فى سفرِه - فى أمرِهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللّه} .

قال الشافعى: قال ابن شهاب: فما كان فى الإسلام فَتْحٌ أعْظمَ منه.. وذَكَر: دُخولَ الناسِ فى الإسلامِ: حينَ أمِنُوا.

وذَكَر الشافعى - فى مُهَادَنَةِ مَن يَقْوَى على قتاله -: أنه ليس له مُهادَنَتُهم على النَّظَرِ: على غيرِ جِزْيةٍ؛ أكثرَ من أربعةِ أشهرٍ. لقوله عز وجل: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} .

قال الشافعى: لمَّا قَوِىَ أهلُ الإسلامِ: أنزَل اللّه (تعالى) على النبى (صلى اللّه عليه وسلم) مَرْجِعَه من تَبُوكَ: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ}..

ثم ساق الكلامَ. إلى أن

قال: فقيل: كان الذين عاهدُوا النبىَّ (صلى اللّه عليه وسلم): قوماً مُوَادِعِينَ، إلى غيرِ مُدَّةٍ معلومةٍ. فجَعلَها اللّه (عز وجل): أربعةَ أشهرٍ؛ ثم جَعلَها رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كذلك. وأمَرَ اللّه نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى قوم -: عاهدَهم إلى مدةٍ، قبلَ نزولِ الآية. -: أنْ يُتِمَّ إليهم عهدَهم، إلى مُدَّتِهم: ما استقاموا له؛ ومَن خاف منه خِيانةً -: منهم - نَبَذَ إليه. فلم يَجُزْ: أنْ يُسْتَأنَفَ مدَّةٌ، بعدَ نزولِ الآيةِ -: وبالمسلمينَ قُوَّةٌ . - إلى أكثرَ من أربعةِ أشهرٍ.

* * *

واحتَجَّ: بأنَّ رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صالَح قُرَيْشاً بالْحُدَيْبِيَةِ: على أنْ يَرُدَّ مَن جاء منهم؛ فأنزَل اللّه (تبارك وتعالى) فى امرأةٍ جاءتْه منهم: مُسلشمَةً؛ (سمَّاها فى موضع آخَرَ: أمَّ كُلْثُومٍ بنتَ عُقْبَةَ بنِ أبى مُعَيْطٍ.): {إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ}؛ إلى: {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ} الآيةَ: إلى قوله: {وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} . ففَرَضَ اللّه (عز وجل) عليهم: أن لا يَرُدُّوا النساءَ؛ وقد أعْطَوْهم: رَدَّ مَنْ جاء منهم؛ وهنَّ منهم فَحَبَسَهُنَّ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): بأمْرِ اللّه عز وجل..

قال: عاهَدَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قوما: من المشركينَ؛ فأنزل اللّه (عز وجل) عليه: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} ..

قال الشافعى - فى صُلْح أهلِ الْحُدَيْبِيَةِ، ومَن صالَحَ: من المشرَكين. -: كان صُلْحُه لهم طاعةً للّه؛ إمَّا: عن أمْرِ اللّه: بما صَنَع؛ نصّاً؛ وإما أنْ يكونَ اللّه (عز وجل) جَعَل له: أنْ يَعْقِدَ لِمَنْ رأَى: بما رأَى؛ ثم أنزَل قضاءَه عليه: فصارُوا إلى قضاءِ اللّه جل ثناؤه؛ ونَسَخَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فِعلَه، بفعلِه: بأمْرِ اللّه. وَكلٌّ كان: طاعةً للّه؛ فى وقْتِه.. وبسَطَ الكلامَ فيه.

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى (رحمه اللّه): وكان بَيِّناً فى الآيةِ: مَنْعُ المؤمناتِ المهاجِراتِ، من أنْ يُرْدَدْنَ إلى دارِ الكفرِ؛ وقَطْعُ العِصْمةِ -:بالإسلامِ. - بيْنَهُنَّ، وبيْنَ أزواجِهِنَّ. ودَلَّتْ السنةُ: على أنَّ قَطْعَ العِصمةِ: إذا انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ، ولم يُسْلِمْ أزواجُهُنَّ: من المشركين. وكان بَيِّناً فى الآية: أن يُرَدَّ على الأزواج نفقاتُهُم؛ ومعقولٌ فيها: أنَّ نفقاتِهِم التى تُرَدُّ: نفقاتُ اللاَّتى مَلَكُوا عَقْدَهُنَّ؛ وهى: المهورُ؛ إذا كانوا قد أعطَوْهُنَّ إيَّاها. وبَيِّنٌ: أنَّ الأزواجَ: الذين يُعْطَوْنَ النفقاتِ -: لأنهم الممنُوعُون من نسائهم. - وأنَّ نساءَهم: المأذونُ للمسلمين أنْ يَنْكِحُوهُنَّ: إذا آتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ. لأنه لا إشْكالَ عليهم: فى أنْ يَنكِحُوا غيرَ ذواتِ الأزواجِ؛ إنما كان الإشْكالُ: فى نكاحِ ذواتِ الأزواجِ؛ حتى قطَعَ اللّه عِصْمَةَ الأزواجِ: بإسلامِ النساءِ؛ وبَيّنَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أن ذلك: بمُضِىِّ العِدّةِ قبلَ إسلامِ الأزواجِ.فلا يُؤدِّى أحدٌ نفقةً فى امرأةٍ فاتَتْ، إلا ذواتِ الأزواجِ.

٥

{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

١) الجهاد (الجزية)

٢) الجهاد (هدفه)

٣) الجهاد

(أنا) أبو سعيد محمدُ بن موسى، نا أبو العباس الأصَمُّ، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه جل ثناؤه: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

قال الشافعى: فقد أظهر اللّه (جل ثناؤه) دينَه -: الذى بَعث به رسولَه صلى اللّه عليه وسلم - على الأدْيانِ: بأنْ أبَانَ لكل مَن سمِعه: أنه الحقُّ؛ وما خالفه -: من الأدْيانِ. -: باطلٌ.وأظهرَه: بأنَّ جِماعَ الشِّركِ دِينانِ: دِينُ أهلِ الكتابِ، ودِينُ الأمِّيِّينَ. فقَهرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الأمِّيِّينَ: حتى دانُوا بالإسلامِ طَوْعاً وكَرْهاً؛ وقَتَل مِن أهلِ الكتابِ، وسَبَى: حتى دانَ بعضُهم بالإسلامِ، وأعطى بعضٌ الجزْيةَ: صاغِرِينَ؛ وجَرَى عليهم حُكمُه (صلى اللّه عليه وسلم). وهذا: ظهورُ الدِّين كلِّه.

قال الشافعى: وقد ي

قالُ: لَيُظْهِرَنَّ اللّه دِينَه، على الأدْيانِ: حتى لا يُدانَ اللّه إلا به. وذلك: مَتَى شاء اللّه عز وجل.

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه عز وجل: {فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ؛ وقال جل ثناؤه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه} ..

قال فى موضع آخَرَ: فقيل فيه: (فِتْنَةٌ): شِركٌ؛ {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ}: واحداً {للّه} ..

وذَكَر حديثَ أبى هريْرَةَ، عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): لا أزالُ أقاتِلُ الناسَ، حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللّه..

قال الشافعى: وقال اللّه تعالى: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللّه وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ..

وذَكَر حديثَ بُرَيْدَةَ عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): فى الدُّعاءِ إلى الإسلامِ؛ وقولَه: فإن لم يُجِيبُوا إلى الإسلامِ: فادْعُهُمْ إلى أنْ يُعطوا الجزْيةَ؛ فإن فعلوا: فاقْبَلْ منهم ودَعْهُم؛ وإن أبَوْا: فاسْتَعِنْ باللّه وقاتِلْهم..

ثم

قال: وليستْ واحدةٌ -: من الآيتَيْنِ. -: ناسِخة للأُخرى؛ ولا واحدٌ -: من الحديثيْنِ. -: ناسخاً للآخَرِ، ولا مُخالفاً له. ولكن إحدى الآيتَيْنِ والحديثَيْنِ: من الكلام الذى مَخْرَجُه عامٌّ: يُرادُ به الخاصُّ؛ ومن الجُمَل التى يَدُلُّ عليها المفَسِّرُ.فأمْرُ اللّه (تعالى):بقتالِ المشركينَ حتى يؤمنوا؛ (واللّه أعلم): أمْرُه بقتالِ المشركينَ: من أهل الأوثانِ. وكذلك حديثُ أبى هريْرَة: فى المشركينَ من أهل الأوثان؛ دونَ أهلِ الكتاب. وفَرْضُ اللّه: قتالَ أهلِ الكتابِ حتى يُعطُوا الجزْيَة عن يدٍ وهم صاغِرُونَ -: إن لم يؤمنوا. - وكذلك حديثُ بُرَيْدَةَ: فى أهل الأوثانِ خاصَّةًفالفرْضُ فيمن دَانَ وآباؤه دِينَ أهلِ الأوْثانِ -: من المشرَكينَ. -: أنْ يقاتَلُوا: إذ قُدِرَ عليهم؛ حتى يُسلِموا. ولا يَحِلُّ: أنْ يُقبَلَ منهم جِزْيةٌ؛ بكتابِ اللّه، وسنةِ نبيِّه.

والفرضُ فى أهلِ الكتابِ، ومَن دَانَ قبلَ نزولِ القرآن كلِّه دِينَهُم -: أنْ يُقاتَلُوا حتى يُعطُوا الجِزيةَ، أو يُسلِموا. وسواءٌ كانوا عَرباً، أو عَجَماً..

قال الشافعى: وللّه (عز وجل) كُتُبٌ: نزلتْ قبلَ نزولِ القرآنِ؛ المعروفُ منها - عند العامَّةِ -: التَّوْراةُ والإنْجيلُ. وقد أخبرَ اللّه(عز وجل): أنه أنزَل غيرَهما؛ ف

قال: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ} . وليس يعرَفُ تِلاوَةُ كتابِ إبراهيمَ. وذَكَر زَبُورَ داوُدَ؛ ف

قال: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ} .

قال: والمَجُوسُ: أهلُ كتابٍ: غيرِ التَّوْراةِ والإنجِيلِ؛ وقد نَسُوا كتابَهم وبَدّلُوه. وأذِنَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): فى أخْذِ الجِزْيةِ منهم..

قال الشافعى: ودانَ قومٌ -: من العرب. - دينَ أهل الكتابِ، قبلَ نزولِ القرآنِ: فأخَذَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من بعضهم، الجِزْيةَ؛ وسَمَّى منهم - فى موضع آخَرَ -: أُكَيْدِرَ دُومَةَ؛ وهو رجلٌ ي

قال: من غَسَّانَ أو كِنْدَةَ..

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: حَكَم اللّه (عز وجل) فى المشركينَ، حُكْمَيْنِ. فَحكَم: أنْ يُقاتَلَ أهلُ الأوْثانِ: حتى يُسلِموا؛ وأهلُ الكتابِ: حتى يُعطُوا الجِزْيةَ: إن لم يُسلِموا.وأحَلَّ اللّه نساءَ أهلِ الكتابِ، وطعامَهم. فقيل: طعامُهم: ذبائحُهُمفاحْتَمَلَ: كلَّ أهلِ الكتابِ، وكلَّ مَن دَان دِينَهم.واحْتَمَلَ: أنْ يكونَ أراد بعضَهم، دونَ بعضٍ.وكانتْ دَلالَةُ ما يُروَى عن النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم)، ثم ما لا أعلمُ فيه مُخالفاً -: أنه أراد: أهلَ التَّوراةِ والإنجيلِ -: من بنى إسْرائيلَ. - دونَ المجُوسِ.وبسَطَ الكلامَ فيه، وفَرَقَ بيْن بنى إسْرائيلَ؛ ومَن دَانَ دِينَهم قبلَ الإسلامِ -: من غيرِ بنى إسْرائيلَ. -: بما ذَكَر اللّه (عز وجل) -: من نِعمتِه على بنى إسْرائيلَ. - فى غيرِ موضعٍ من كتابِه؛ وما آتاهم دونَ غيرِهم من أهلِ دَهرِهم.فَمن دَانَ دِينَهم -: من غيرِهم. - قبلَ نزولِ القرآن: لم يكونوا أهلَ كتاب؛ إلا: لمعنى؛ لا: أهلَ كتابٍ مطْلَقٍ.فتُؤخَذُ منهم الجِزْيةُ، ولا تُنكَحُ نساؤهم، ولا تُؤكَلُ ذبائحُهُم: كالمجُوسِ. لأن اللّه (عز وجل) إنما أحَلَّ لنا ذلك: من أهلِ الكتابِ الذين عليهم نَزَل. وذَكَر الرَّوايةَ فيه، عن عمرَ وعلىٍّ رضى اللّه عنهما.

قال الشافعى: والذى عن ابن عباس: فى إحْلالِ ذبائحِهم؛ وأنه تلا: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}  -: فهو لو ثَبَت عن ابن عباسٍ: كان المذهبُ إلى قولِ عمرَ وعلىٍّ (رضى اللّه عنهما): أوْلى؛ ومعه المعقولُ. فأما: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}؛ فمعناها: على غيرِ حُكْمِهم..

قال الشافعى: وإن كان الصَّابِئُونَ والسَّامِرَةُ: من بنى إسْرائيل، ودَانُوا دِينَ اليهودِ والنصارَى -: نُكِحَتْ نساؤهم، وأُكِلَتْ ذبائحُهُم:وإن خالفُوهم فى فرعٍ من دِينِهم. لأنهم فُروعٌ قد يَختلِفونَ بيْنَهموإن خالفُوهم فى أصلِ الدَّيْنُونَةِ: لم تُؤكَلْ ذبائحُهُم، ولم تُنْكَحْ نساؤهُم..

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ؛ فلم يأذَنْ (عز وجل): فى أنْ تُؤخَذَ الجِزْيةُ ممَّن أمَرَ بأخذها منه، حتى يُعطِيَها عن يدٍ: صاغِراً.

قال: وسمعتُ رجالاً -: من أهل العلم. - يقولون: الصَّغَارُ: أن يَجْرِىَ عليهم حكمُ الإسلام. وما أشْبَهَ ما قالوا، بما قالوا -:لامتناعِهِمْ من الإسلام؛ فإذا جَرَى عليهم حُكمُه: فقد أُصْغِرُوا بما يَجرِى عليهم منه..

قال الشافعى: وكان بَيِّناً فى الآيةِ (واللّه أعلم): أن الذين فُرِض قتالُهم حتى يُعطُوا الجِزْيةَ -: الذين قامتْ عليهم الحُجَّةُ بالبُلوغِ: فتَرَكوا دِينَ اللّه (عز وجل)، وأقاموا على ما وجَدُوا عليه آباءهم: من أهلِ الكتابِ.وكان بَيِّناً: أنَّ اللّه (عز وجل) أمَر بقتالهم عليها: الذين فيهم القتالُ؛ وهم: الرجالُ البالغُونَ. ثم أبَانَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مِثلَ معنى كتابِ اللّه (عز وجل): فأخَذ الجزْيةَ من المُحْتَلِمِينَ، دُون من دُونَهم، ودُونَ النساءِ.. وبسَطَ الكلامَ فيه.

٦

{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللّه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ }

١) الجهاد (تأمين الحربي لدخول بلاد الإسلام وشرطه)

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى، من جاء -: من المشركين. -: يُريدُ الإسلامَ؛ فَحقٌّ على الإمامِ: أنْ يُؤَمّشنَه: حتى يَتْلُوَ عليه كتابَ اللّه (عز وجل)، ويَدعُوَه إلى الإسلامِ: بالمعنى الذى يَرجُو: أنْ يُدخِلَ اللّه به عليه الإسلامَ. لقول اللّه (عز وجل) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللّه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} . وإبلاغُه مأمَنَه: أنْ يَمْنَعَه من المسلمينَ والمُعَاهَدِينَ: ما كان فى بلادِ الإسلامِ، أو حيثُ ما يَتَّصِلُ ببلادِ الإسلامِ.

قال: وقولُه عز وجل: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}؛ يعنى - واللّه أعلم -: منك، أو ممَّن يَقتُلُه: على دِينِك؛ أو ممَّن يُطِيعُك. لا: أمانَه من غيرِك: من عَدُوِّك وعَدُوِّه: الذى لا يَأمَنُه، ولا يُطيعُك..

٢٨

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللّه مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

١) أحكام المساجد (دخول المشرك المسجد)

٢) الجهاد (حرمة دخول المشرك الحرم)

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى: لا بأس أن يبيت المشرك فى كل مسجد إلا المسجد الحرام: فإن اللّه (عز وجل) يقول: {إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا} ؛ فلا ينبغى لمشرك؛ أن يدخل المسجد الحرام بحال..

* * *

وبهذا الإسنادِ،

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا} ؛ فسمعتُ بعضَ أهلِ العلم، يقولُ: المسجدُ الحرامُ: الحَرَمُ وسمعتُ عدَداً -: من أهلِ الْمَغَازِى. - يَرْوُون: أنه كان فى رسالته النبى (صلى اللّه عليه وسلم): لا يَجتَمِعُ مسلمٌ ومشركٌ، فى الحَرَمِ، بعدَ عامِهِم هذا.

٢٩

{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللّه وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

١) الجهاد (الجزية)

٢) الجهاد (هدفه)

٣) الجهاد

(أنا) أبو سعيد محمدُ بن موسى، نا أبو العباس الأصَمُّ، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه جل ثناؤه: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

قال الشافعى: فقد أظهر اللّه (جل ثناؤه) دينَه -: الذى بَعث به رسولَه صلى اللّه عليه وسلم - على الأدْيانِ: بأنْ أبَانَ لكل مَن سمِعه: أنه الحقُّ؛ وما خالفه -: من الأدْيانِ. -: باطلٌ.وأظهرَه: بأنَّ جِماعَ الشِّركِ دِينانِ: دِينُ أهلِ الكتابِ، ودِينُ الأمِّيِّينَ. فقَهرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الأمِّيِّينَ: حتى دانُوا بالإسلامِ طَوْعاً وكَرْهاً؛ وقَتَل مِن أهلِ الكتابِ، وسَبَى: حتى دانَ بعضُهم بالإسلامِ، وأعطى بعضٌ الجزْيةَ: صاغِرِينَ؛ وجَرَى عليهم حُكمُه (صلى اللّه عليه وسلم). وهذا: ظهورُ الدِّين كلِّه.

قال الشافعى: وقد ي

قالُ: لَيُظْهِرَنَّ اللّه دِينَه، على الأدْيانِ: حتى لا يُدانَ اللّه إلا به. وذلك: مَتَى شاء اللّه عزوجل.

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه عزوجل: {فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ؛ وقال جل ثناؤه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه} ..

قال فى موضع آخَرَ: فقيل فيه: (فِتْنَةٌ): شِركٌ؛ {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ}: واحداً {للّه} ..

وذَكَر حديثَ أبى هريْرَةَ، عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): لا أزالُ أقاتِلُ الناسَ، حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللّه..

قال الشافعى: وقال اللّه تعالى: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللّه وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ..

وذَكَر حديثَ بُرَيْدَةَ عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): فى الدُّعاءِ إلى الإسلامِ؛ وقولَه: فإن لم يُجِيبُوا إلى الإسلامِ: فادْعُهُمْ إلى أنْ يُعطوا الجزْيةَ؛ فإن فعلوا: فاقْبَلْ منهم ودَعْهُم؛ وإن أبَوْا: فاسْتَعِنْ باللّه وقاتِلْهم..

ثم

قال: وليستْ واحدةٌ -: من الآيتَيْنِ. -: ناسِخة للأُخرى؛ ولا واحدٌ -: من الحديثيْنِ. -: ناسخاً للآخَرِ، ولا مُخالفاً له. ولكن إحدى الآيتَيْنِ والحديثَيْنِ: من الكلام الذى مَخْرَجُه عامٌّ: يُرادُ به الخاصُّ؛ ومن الجُمَل التى يَدُلُّ عليها المفَسِّرُ.فأمْرُ اللّه (تعالى):بقتالِ المشركينَ حتى يؤمنوا؛ (واللّه أعلم): أمْرُه بقتالِ المشركينَ: من أهل الأوثانِ. وكذلك حديثُ أبى هريْرَة: فى المشركينَ من أهل الأوثان؛ دونَ أهلِ الكتاب. وفَرْضُ اللّه: قتالَ أهلِ الكتابِ حتى يُعطُوا الجزْيَة عن يدٍ وهم صاغِرُونَ -: إن لم يؤمنوا. - وكذلك حديثُ بُرَيْدَةَ: فى أهل الأوثانِ خاصَّةًفالفرْضُ فيمن دَانَ وآباؤه دِينَ أهلِ الأوْثانِ -: من المشرَكينَ. -: أنْ يقاتَلُوا: إذ قُدِرَ عليهم؛ حتى يُسلِموا. ولا يَحِلُّ: أنْ يُقبَلَ منهم جِزْيةٌ؛ بكتابِ اللّه، وسنةِ نبيِّه.

والفرضُ فى أهلِ الكتابِ، ومَن دَانَ قبلَ نزولِ القرآن كلِّه دِينَهُم -: أنْ يُقاتَلُوا حتى يُعطُوا الجِزيةَ، أو يُسلِموا. وسواءٌ كانوا عَرباً، أو عَجَماً..

قال الشافعى: وللّه (عز وجل) كُتُبٌ: نزلتْ قبلَ نزولِ القرآنِ؛ المعروفُ منها - عند العامَّةِ -: التَّوْراةُ والإنْجيلُ. وقد أخبرَ اللّه(عز وجل): أنه أنزَل غيرَهما؛ ف

قال: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ} . وليس يعرَفُ تِلاوَةُ كتابِ إبراهيمَ. وذَكَر زَبُورَ داوُدَ؛ ف

قال: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ} .

قال: والمَجُوسُ: أهلُ كتابٍ: غيرِ التَّوْراةِ والإنجِيلِ؛ وقد نَسُوا كتابَهم وبَدّلُوه. وأذِنَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): فى أخْذِ الجِزْيةِ منهم..

قال الشافعى: ودانَ قومٌ -: من العرب. - دينَ أهل الكتابِ، قبلَ نزولِ القرآنِ: فأخَذَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من بعضهم، الجِزْيةَ؛ وسَمَّى منهم - فى موضع آخَرَ -: أُكَيْدِرَ دُومَةَ؛ وهو رجلٌ ي

قال: من غَسَّانَ أو كِنْدَةَ..

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: حَكَم اللّه (عز وجل) فى المشركينَ، حُكْمَيْنِ. فَحكَم: أنْ يُقاتَلَ أهلُ الأوْثانِ: حتى يُسلِموا؛ وأهلُ الكتابِ: حتى يُعطُوا الجِزْيةَ:إن لم يُسلِموا.وأحَلَّ اللّه نساءَ أهلِ الكتابِ، وطعامَهم. فقيل: طعامُهم: ذبائحُهُمفاحْتَمَلَ: كلَّ أهلِ الكتابِ، وكلَّ مَن دَان دِينَهم.واحْتَمَلَ:أنْ يكونَ أراد بعضَهم، دونَ بعضٍ.وكانتْ دَلالَةُ ما يُروَى عن النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم)، ثم ما لا أعلمُ فيه مُخالفاً -: أنه أراد:أهلَ التَّوراةِ والإنجيلِ -: من بنى إسْرائيلَ. - دونَ المجُوسِ.وبسَطَ الكلامَ فيه، وفَرَقَ بيْن بنى إسْرائيلَ؛ ومَن دَانَ دِينَهم قبلَ الإسلامِ -:من غيرِ بنى إسْرائيلَ. -: بما ذَكَر اللّه (عز وجل) -: من نِعمتِه على بنى إسْرائيلَ. - فى غيرِ موضعٍ من كتابِه؛ وما آتاهم دونَ غيرِهم من أهلِ دَهرِهم.فَمن دَانَ دِينَهم -: من غيرِهم. - قبلَ نزولِ القرآن: لم يكونوا أهلَ كتاب؛ إلا: لمعنى؛ لا: أهلَ كتابٍ مطْلَقٍ.فتُؤخَذُ منهم الجِزْيةُ، ولا تُنكَحُ نساؤهم، ولا تُؤكَلُ ذبائحُهُم: كالمجُوسِ. لأن اللّه (عز وجل) إنما أحَلَّ لنا ذلك: من أهلِ الكتابِ الذين عليهم نَزَل.وذَكَر الرَّوايةَ فيه، عن عمرَ وعلىٍّ رضى اللّه عنهما.

قال الشافعى: والذى عن ابن عباس: فى إحْلالِ ذبائحِهم؛ وأنه تلا: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}  -: فهو لو ثَبَت عن ابن عباسٍ: كان المذهبُ إلى قولِ عمرَ وعلىٍّ (رضى اللّه عنهما): أوْلى؛ ومعه المعقولُ. فأما: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}؛ فمعناها: على غيرِ حُكْمِهم..

قال الشافعى: وإن كان الصَّابِئُونَ والسَّامِرَةُ: من بنى إسْرائيل، ودَانُوا دِينَ اليهودِ والنصارَى -: نُكِحَتْ نساؤهم، وأُكِلَتْ ذبائحُهُم:وإن خالفُوهم فى فرعٍ من دِينِهم. لأنهم فُروعٌ قد يَختلِفونَ بيْنَهموإن خالفُوهم فى أصلِ الدَّيْنُونَةِ: لم تُؤكَلْ ذبائحُهُم، ولم تُنْكَحْ نساؤهُم..

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ؛ فلم يأذَنْ (عز وجل): فى أنْ تُؤخَذَ الجِزْيةُ ممَّن أمَرَ بأخذها منه، حتى يُعطِيَها عن يدٍ: صاغِراً.

قال: وسمعتُ رجالاً -: من أهل العلم. - يقولون: الصَّغَارُ: أن يَجْرِىَ عليهم حكمُ الإسلام. وما أشْبَهَ ما قالوا، بما قالوا -:لامتناعِهِمْ من الإسلام؛ فإذا جَرَى عليهم حُكمُه: فقد أُصْغِرُوا بما يَجرِى عليهم منه..

قال الشافعى: وكان بَيِّناً فى الآيةِ (واللّه أعلم): أن الذين فُرِض قتالُهم حتى يُعطُوا الجِزْيةَ -: الذين قامتْ عليهم الحُجَّةُ بالبُلوغِ: فتَرَكوا دِينَ اللّه (عز وجل)، وأقاموا على ما وجَدُوا عليه آباءهم: من أهلِ الكتابِ.وكان بَيِّناً: أنَّ اللّه (عز وجل) أمَر بقتالهم عليها: الذين فيهم القتالُ؛ وهم: الرجالُ البالغُونَ. ثم أبَانَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مِثلَ معنى كتابِ اللّه (عز وجل): فأخَذ الجزْيةَ من المُحْتَلِمِينَ، دُون من دُونَهم، ودُونَ النساءِ.. وبسَطَ الكلامَ فيه.

٣٣

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }

١) الأنبياء صفوة الخلق

٢) الجهاد (الجزية)

٣) الجهاد (هدفه)

٤) الجهاد

ثم أبَانَ (جلَّ ثناؤه): أنَّ خيرَتَه مِنْ خلقِه: أنبياؤه؛ ف

قال تعالى: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللّه ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} ؛ فجعَل النبيينَ (صلى اللّه عليه وسلم) من أصْفِيائه -دون عباده -: بالأمانةِ على وحيِه، والقيامِ بحُجَّتِهِ فيهم.ثم ذَكر مِن خاصَّةِ صَفْوَتِهْ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ}  فَخَصَّ آدمَ ونوحاً: بإعادةِ ذِكْرِ اصْفِائِهما. وذَكرَ إبراهيمَ(عليه السلامُ)، ف

قال: {وَٱتَّخَذَ ٱللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . وذَكرَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ، ف

قال: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} .ثم أنعم اللّه (عزّ وجلّ) على آل إبراهيمَ، وآلِ عمرانَ فى الأُمم؛ ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .ثم اصْطَفَى محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) من خَيْر آلِ إِبراهيمَ؛ وأنزَل كتُبَه - قبل إنزالِ القرآنِ على محمد صلى اللّه عليه وسلم -: بصفة فضيلتِه، وفضيلةِ مَن اتبعه؛ ف

قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللّه وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللّه وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ} الآية: .وقال لأمته: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؛ ففَضَّلهم: بكَيْنُونَتِهم من أمَّتِهِ، دون أُمم الأنبياءِ قبلَه.ثم أخبر (جلَّ ثناؤه): أنه جعله فاتحَ رحمتهِ، عند فَتْرَة رسلِه؛ ف

قال: {يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} ؛

قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ} . وكان فى ذلك، ما دل: على أنه بعثه إلى خلقه -: لأنهم كانوا أهلَ كتاب وَأميين: - وأنهُ فَتَحَ به رحمتَه.وختَم به نُبُوَّتَه: قال عز وجل: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ}  .وقَضَى: أن أظهَرَ دينَهُ على الأديان؛ ف

قال: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

* * *

(أنا) أبو سعيد محمدُ بن موسى، نا أبو العباس الأصَمُّ، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه جل ثناؤه: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

قال الشافعى: فقد أظهر اللّه (جل ثناؤه) دينَه -: الذى بَعث به رسولَه صلى اللّه عليه وسلم - على الأدْيانِ: بأنْ أبَانَ لكل مَن سمِعه: أنه الحقُّ؛ وما خالفه -: من الأدْيانِ. -: باطلٌ.وأظهرَه: بأنَّ جِماعَ الشِّركِ دِينانِ: دِينُ أهلِ الكتابِ، ودِينُ الأمِّيِّينَ. فقَهرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الأمِّيِّينَ: حتى دانُوا بالإسلامِ طَوْعاً وكَرْهاً؛ وقَتَل مِن أهلِ الكتابِ، وسَبَى: حتى دانَ بعضُهم بالإسلامِ، وأعطى بعضٌ الجزْيةَ: صاغِرِينَ؛ وجَرَى عليهم حُكمُه (صلى اللّه عليه وسلم). وهذا: ظهورُ الدِّين كلِّه.

قال الشافعى: وقد ي

قالُ: لَيُظْهِرَنَّ اللّه دِينَه، على الأدْيانِ: حتى لا يُدانَ اللّه إلا به. وذلك: مَتَى شاء اللّه عز وجل.

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه عزوجل: {فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ؛ وقال جل ثناؤه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه} ..

قال فى موضع آخَرَ: فقيل فيه: (فِتْنَةٌ): شِركٌ؛ {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ}: واحداً {للّه} ..

وذَكَر حديثَ أبى هريْرَةَ، عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): لا أزالُ أقاتِلُ الناسَ، حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللّه..

قال الشافعى: وقال اللّه تعالى: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللّه وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ..

وذَكَر حديثَ بُرَيْدَةَ عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): فى الدُّعاءِ إلى الإسلامِ؛ وقولَه: فإن لم يُجِيبُوا إلى الإسلامِ: فادْعُهُمء إلى أنْ يُعطوا الجزْيةَ؛ فإن فعلوا: فاقْبَلْ منهم ودَعْهُم؛ وإن أبَوْا: فاسْتَعِنْ باللّه وقاتِلْهم..

ثم

قال: وليستْ واحدةٌ -: من الآيتَيْنِ. -: ناسِخة للأُخرى؛ ولا واحدٌ -: من الحديثيْنِ. -: ناسخاً للآخَرِ، ولا مُخالفاً له. ولكن إحدى الآيتَيْنِ والحديثَيْنِ: من الكلام الذى مَخْرَجُه عامٌّ: يُرادُ به الخاصُّ؛ ومن الجُمَل التى يَدُلُّ عليها المفَسِّرُ.فأمْرُ اللّه (تعالى):بقتالِ المشركينَ حتى يؤمنوا؛ (واللّه أعلم): أمْرُه بقتالِ المشركينَ: من أهل الأوثانِ. وكذلك حديثُ أبى هريْرَة: فى المشركينَ من أهل الأوثان؛ دونَ أهلِ الكتاب. وفَرْضُ اللّه: قتالَ أهلِ الكتابِ حتى يُعطُوا الجزْيَة عن يدٍ وهم صاغِرُونَ -: إن لم يؤمنوا. - وكذلك حديثُ بُرَيْدَةَ: فى أهل الأوثانِ خاصَّةًفالفرْضُ فيمن دَانَ وآباؤه دِينَ أهلِ الأوْثانِ -: من المشرَكينَ. -: أنْ يقاتَلُوا: إذ قُدِرَ عليهم؛ حتى يُسلِموا. ولا يَحِلُّ: أنْ يُقبَلَ منهم جِزْيةٌ؛ بكتابِ اللّه، وسنةِ نبيِّه.

والفرضُ فى أهلِ الكتابِ، ومَن دَانَ قبلَ نزولِ القرآن كلِّه دِينَهُم -: أنْ يُقاتَلُوا حتى يُعطُوا الجِزيةَ، أو يُسلِموا. وسواءٌ كانوا عَرباً، أو عَجَماً..

قال الشافعى: وللّه (عز وجل) كُتُبٌ: نزلتْ قبلَ نزولِ القرآنِ؛ المعروفُ منها - عند العامَّةِ -: التَّوْراةُ والإنْجيلُ. وقد أخبرَ اللّه(عزوجل): أنه أنزَل غيرَهما؛ ف

قال: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ} . وليس يعرَفُ تِلاوَةُ كتابِ إبراهيمَ. وذَكَر زَبُورَ داوُدَ؛ ف

قال: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ} .

قال: والمَجُوسُ: أهلُ كتابٍ: غيرِ التَّوْراةِ والإنجِيلِ؛ وقد نَسُوا كتابَهم وبَدّلُوه. وأذِنَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): فى أخْذِ الجِزْيةِ منهم..

قال الشافعى: ودانَ قومٌ -: من العرب. - دينَ أهل الكتابِ، قبلَ نزولِ القرآنِ: فأخَذَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من بعضهم، الجِزْيةَ؛ وسَمَّى منهم - فى موضع آخَرَ -: أُكَيْدِرَ دُومَةَ؛ وهو رجلٌ ي

قال: من غَسَّانَ أو كِنْدَةَ..

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: حَكَم اللّه (عز وجل) فى المشركينَ، حُكْمَيْنِ. فَحكَم: أنْ يُقاتَلَ أهلُ الأوْثانِ: حتى يُسلِموا؛ وأهلُ الكتابِ: حتى يُعطُوا الجِزْيةَ:إن لم يُسلِموا.وأحَلَّ اللّه نساءَ أهلِ الكتابِ، وطعامَهم. فقيل: طعامُهم: ذبائحُهُمفاحْتَمَلَ: كلَّ أهلِ الكتابِ، وكلَّ مَن دَان دِينَهم.واحْتَمَلَ:أنْ يكونَ أراد بعضَهم، دونَ بعضٍ.وكانتْ دَلالَةُ ما يُروَى عن النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم)، ثم ما لا أعلمُ فيه مُخالفاً -: أنه أراد:أهلَ التَّوراةِ والإنجيلِ -: من بنى إسْرائيلَ. - دونَ المجُوسِ.وبسَطَ الكلامَ فيه، وفَرَقَ بيْن بنى إسْرائيلَ؛ ومَن دَانَ دِينَهم قبلَ الإسلامِ -:من غيرِ بنى إسْرائيلَ. -: بما ذَكَر اللّه (عز وجل) -: من نِعمتِه على بنى إسْرائيلَ. - فى غيرِ موضعٍ من كتابِه؛ وما آتاهم دونَ غيرِهم من أهلِ دَهرِهم.فَمن دَانَ دِينَهم -: من غيرِهم. - قبلَ نزولِ القرآن: لم يكونوا أهلَ كتاب؛ إلا: لمعنى؛ لا: أهلَ كتابٍ مطْلَقٍ.فتُؤخَذُ منهم الجِزْيةُ، ولا تُنكَحُ نساؤهم، ولا تُؤكَلُ ذبائحُهُم: كالمجُوسِ. لأن اللّه (عز وجل) إنما أحَلَّ لنا ذلك: من أهلِ الكتابِ الذين عليهم نَزَل.وذَكَر الرَّوايةَ فيه، عن عمرَ وعلىٍّ رضى اللّه عنهما.

قال الشافعى: والذى عن ابن عباس: فى إحْلالِ ذبائحِهم؛ وأنه تلا: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}  -: فهو لو ثَبَت عن ابن عباسٍ: كان المذهبُ إلى قولِ عمرَ وعلىٍّ (رضى اللّه عنهما): أوْلى؛ ومعه المعقولُ. فأما: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}؛ فمعناها: على غيرِ حُكْمِهم..

قال الشافعى: وإن كان الصَّابِئُونَ والسَّامِرَةُ: من بنى إسْرائيل، ودَانُوا دِينَ اليهودِ والنصارَى -: نُكِحَتْ نساؤهم، وأُكِلَتْ ذبائحُهُم:وإن خالفُوهم فى فرعٍ من دِينِهم. لأنهم فُروعٌ قد يَختلِفونَ بيْنَهموإن خالفُوهم فى أصلِ الدَّيْنُونَةِ: لم تُؤكَلْ ذبائحُهُم، ولم تُنْكَحْ نساؤهُم..

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ؛ فلم يأذَنْ (عز وجل): فى أنْ تُؤخَذَ الجِزْيةُ ممَّن أمَرَ بأخذها منه، حتى يُعطِيَها عن يدٍ: صاغِراً.

قال: وسمعتُ رجالاً -: من أهل العلم. - يقولون: الصَّغَارُ: أن يَجْرِىَ عليهم حكمُ الإسلام. وما أشْبَهَ ما قالوا، بما قالوا -:لامتناعِهِمْ من الإسلام؛ فإذا جَرَى عليهم حُكمُه: فقد أُصْغِرُوا بما يَجرِى عليهم منه..

قال الشافعى: وكان بَيِّناً فى الآيةِ (واللّه أعلم): أن الذين فُرِض قتالُهم حتى يُعطُوا الجِزْيةَ -: الذين قامتْ عليهم الحُجَّةُ بالبُلوغِ: فتَرَكوا دِينَ اللّه (عز وجل)، وأقاموا على ما وجَدُوا عليه آباءهم: من أهلِ الكتابِ.وكان بَيِّناً: أنَّ اللّه (عز وجل) أمَر بقتالهم عليها: الذين فيهم القتالُ؛ وهم: الرجالُ البالغُونَ. ثم أبَانَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مِثلَ معنى كتابِ اللّه (عز وجل): فأخَذ الجزْيةَ من المُحْتَلِمِينَ، دُون من دُونَهم، ودُونَ النساءِ.. وبسَطَ الكلامَ فيه.

الأحكام الواردة في سورة ( التوبة )

٣٤

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللّه وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

١) الزكاة (فرضيتها)

(أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه عزّ وجلّ: {وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}  فأبان:أنَّ فى الذهبِ والفضة زكاةً. وقول اللّه عزّ وجلّ: {وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ يعنى - واللّه تعالى أعلم -: فى سبيله التى فَرَض: من الزكاة وغيرها.فأما دفنُ المال: فضَرْبٌ من إحرازه؛ وإذا حلّ إحرازه بشيء: حل بالدفن وغيره. واحتج فيه: بابن عمر وغيره

٣٦

{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللّه ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللّه يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

١) الجهاد (الحث عليه)

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعي،

قال: فرَضَ اللّهث (تعالى) الجهادَ: فى كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم). ثم أكَّدَ النَّفِيرَ من الجهادِ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ؛

قال: {وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} ؛

قال تعالى: {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} الآية: .

وذَكرَ حديثَ أبى هُريْرةَ، عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): لا أزالُ أقاتِلُ النَّاسَ، حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللّه الحديثَ.

ثم

قال: وقال اللّه تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .

قال الشافعى (رحمه اللّه): فاحتَمَلتْ الآياتُ: أنْ يكونَ الجهادُ كلُّه، والنَّفِيرُ خاصَّةً منه -: على كل مُطِيقٍ له؛ لا يَسَعُ أحداً منهم التخلُّفُ عنه. كما كانت الصلاةُ والحجُّ والزكاةُ. فلم يَخرُجْ أحدٌ -: وجَب عليه فرضٌ منها. -: أنْ يُؤَدِّىَ غيرُه الفرضَ عن نفسِه؛ لأن عَملَ أحدٍ فى هذا، لا يُكْتَبُ لغيره.واحتَمَلتْ: أنْ يكونَ معنى فرْضِها، غيرَ معنى فرْضِ الصلاة. وذلك: أنْ يكونَ قُصِدَ بالفرض فيها: قَصْدَ الكِفايةِ؛ فيكونُ مَن قام بالكِفاية - فى جهادِ مَن جُوهِد: من المشركين. - مُدْرِكاً: تأدِيةَ الفرضِ، ونافِلةَ الفضلِ؛ ومُخْرِجاً مَن تَخَلَّفَ: من المأثَم..

٣٧

{ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللّه فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللّه زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللّه لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

١) تفسير (النسيء)

(أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو،

قال: ثنا أبو العباس الأصَمُّ، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: أكْرَهُ: أنْ يُقالَ للمُحَرَّمِ: صَفَرٌ؛ ولكنْ يُقالُ له: المُحرَّمُ.وإنّما كَرِهتُ: أنْ يُقالَ للمُحَرَّمِ: صَفَرٌ؛ مِن قِبَلِ: أنَّ أهلَ الجاهِلِيَّةِ كانوا يَعُدُّونَ، فيقولونَ: صَفَرَانِ؛ للمُحَرَّمِ وصَفَرٍ؛ ويُنْسِئُونَ -: فيَحُجُّونَ عاماً فى شهرٍ، وعاماً فى غيرِه. - ويقولونَ: إنْ أخْطأُنا مَوضعَ المُحَرَّمِ، فى عامٍ: أصَبْناهُ فى غيره. فأنزَلَ اللّه عز وجل: {إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ}؛ الآيةَ: .وقال رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): إنّ الزّمانَ قد اسْتَدَارَ: كَهيْئَتهِ. يومَ خَلَق اللّه السّماوَاتِ والأرضَ؛ السنَّةُ: اثْنا عَشَرَ شَهراً؛ منها أرْبَعٌ حُرُمٌ: ثَلاثةٌ مُتَوَالِيَاتٌ -: ذُو القعْدَةِ، وذُو الحجّةِ، والمُحرّمُ. - ورَجَبٌ: شهْرُ مُضَرَ، الذى بيْنَ جُمادَى وشعْبانَ.

قال الشافعى: فلا شَهْرَ يُنْسأُ. وسَمَّاهُ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): المُحَرَّم..

وصلّى اللّه على سيِّدنا: مُحمّدٍ؛ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأحكام الواردة في سورة ( التوبة )

٣٨

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ }

١) الجهاد

٢) الجهاد (حكمه)

٣) الجهاد (الحث عليه)فَصْلٌ فِى أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ

قال الشافعى (رحمه اللّه): ولَمَّا مَضَتْ لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مُدَّةٌ: من هِجرتِه؛ أنعَمَ اللّه فيها على جماعاتٍ، باتِّباعِه -: حدَثَتْ لهم بها، معَ عَوْنِ اللّه (عز وجل)، قُوَّةٌ: بالعَدَد؛ لم يكن قبلها.فَفَرض اللّه (عز وجل) عليهم، الجهادَ - بعدَ إذ كان:إباحةً؛ لا: فرْضاً. - فقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} الآية: ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} الآية: ؛

وقال تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛

قال: {وَجَاهِدُوا فِي ٱللّه حَقَّ جِهَادِهِ} ؛

قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ} ؛

قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ}؛ إلى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .ثم ذَكر قوماً: تَخَلَّفُوا عن رسولِ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) -: ممن كان يُطْهِرُ الإسلامَ. - ف

قال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ} . فأبَانَ فى هذه الآيةِ: أنَّ عليهم الجِهادَ قَرُبَ وبَعُدَ؛ مَع إبَانَتِهِ ذلك فى غير مكانٍ: فى قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ إلى: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): سنُبَيِّنُ من ذلك، ما حَضَرَنا: على وَجْهِه؛ إن شاء اللّه عز وجل.وقال جل ثناؤه: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه}؛ إلى: {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ؛

قال: {إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ؛

قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} . معَ ما ذَكر به فَرْضَ الجهادِ، وأوْجَب على المُتَخلِّفِ عنه..

٣٩

{ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللّه عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

١) الجهاد (الحث عليه)

٢) الجهاد

٣) الجهاد (حكمه)فَصْلٌ فِى أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ

قال الشافعى (رحمه اللّه): ولَمَّا مَضَتْ لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مُدَّةٌ: من هِجرتِه؛ أنعَمَ اللّه فيها على جماعاتٍ، باتِّباعِه -: حدَثَتْ لهم بها، معَ عَوْنِ اللّه (عز وجل)، قُوَّةٌ: بالعَدَد؛ لم يكن قبلها.فَفَرض اللّه (عز وجل) عليهم، الجهادَ - بعدَ إذ كان:إباحةً؛ لا: فرْضاً. - فقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} الآية: ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} الآية: ؛

وقال تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛

قال: {وَجَاهِدُوا فِي ٱللّه حَقَّ جِهَادِهِ} ؛

قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ} ؛

قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ}؛ إلى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .ثم ذَكر قوماً: تَخَلَّفُوا عن رسولِ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) -: ممن كان يُطْهِرُ الإسلامَ. - ف

قال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ} . فأبَانَ فى هذه الآيةِ: أنَّ عليهم الجِهادَ قَرُبَ وبَعُدَ؛ مَع إبَانَتِهِ ذلك فى غير مكانٍ: فى قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ إلى: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): سنُبَيِّنُ من ذلك، ما حَضَرَنا: على وَجْهِه؛ إن شاء اللّه عز وجل.وقال جل ثناؤه: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه}؛ إلى: {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ؛

قال: {إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ؛

قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} . معَ ما ذَكر به فَرْضَ الجهادِ، وأوْجَب على المُتَخلِّفِ عنه..

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعي،

قال: فرَضَ اللّهث (تعالى) الجهادَ: فى كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم). ثم أكَّدَ النَّفِيرَ من الجهادِ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ؛

قال: {وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} ؛

قال تعالى: {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} الآية: .

وذَكرَ حديثَ أبى هُريْرةَ، عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): لا أزالُ أقاتِلُ النَّاسَ، حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللّه الحديثَ.

ثم

قال: وقال اللّه تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .

قال الشافعى (رحمه اللّه): فاحتَمَلتْ الآياتُ: أنْ يكونَ الجهادُ كلُّه، والنَّفِيرُ خاصَّةً منه -: على كل مُطِيقٍ له؛ لا يَسَعُ أحداً منهم التخلُّفُ عنه. كما كانت الصلاةُ والحجُّ والزكاةُ. فلم يَخرُجْ أحدٌ -: وجَب عليه فرضٌ منها. -: أنْ يُؤَدِّىَ غيرُه الفرضَ عن نفسِه؛ لأن عَملَ أحدٍ فى هذا، لا يُكْتَبُ لغيره.واحتَمَلتْ: أنْ يكونَ معنى فرْضِها، غيرَ معنى فرْضِ الصلاة. وذلك: أنْ يكونَ قُصِدَ بالفرض فيها: قَصْدَ الكِفايةِ؛ فيكونُ مَن قام بالكِفاية - فى جهادِ مَن جُوهِد: من المشركين. - مُدْرِكاً: تأدِيةَ الفرضِ، ونافِلةَ الفضلِ؛ ومُخْرِجاً مَن تَخَلَّفَ: من المأثَم..

٤١

{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

١) الجهاد

٢) الجهاد (حكمه)

٣) الجهاد (الحث عليه)

٤) الجهاد (من لا يجب عليه الجهاد)فَصْلٌ فِى أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ

قال الشافعى (رحمه اللّه): ولَمَّا مَضَتْ لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مُدَّةٌ: من هِجرتِه؛ أنعَمَ اللّه فيها على جماعاتٍ، باتِّباعِه -: حدَثَتْ لهم بها، معَ عَوْنِ اللّه (عز وجل)، قُوَّةٌ: بالعَدَد؛ لم يكن قبلها.فَفَرض اللّه (عز وجل) عليهم، الجهادَ - بعدَ إذ كان:إباحةً؛ لا: فرْضاً. - فقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} الآية: ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} الآية: ؛

وقال تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛

قال: {وَجَاهِدُوا فِي ٱللّه حَقَّ جِهَادِهِ} ؛

قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ} ؛

قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ}؛ إلى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .ثم ذَكر قوماً: تَخَلَّفُوا عن رسولِ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) -: ممن كان يُطْهِرُ الإسلامَ. - ف

قال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ} . فأبَانَ فى هذه الآيةِ: أنَّ عليهم الجِهادَ قَرُبَ وبَعُدَ؛ مَع إبَانَتِهِ ذلك فى غير مكانٍ: فى قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ إلى: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): سنُبَيِّنُ من ذلك، ما حَضَرَنا: على وَجْهِه؛ إن شاء اللّه عز وجل.وقال جل ثناؤه: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه}؛ إلى: {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ؛

قال: {إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ؛

قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} . معَ ما ذَكر به فَرْضَ الجهادِ، وأوْجَب على المُتَخلِّفِ عنه..

* * *فَصْلٌ فِيمَنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى: فلما فَرَض اللّه (عز وجل). الجهادَ -: دَلَّ فى كتابه، ثم على لسانِ نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم): أن ليس يُفْرَضُ الجهادُ على مملوكٍ، أو أنثى: بالغٍ؛ ولا حُرّ: لم يَبْلُغْ.لقول اللّه عز وجل: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} ؛ فكان حَكَم. أن لا مالَ للمملوكِ؛ ولم يكنْ مجاهدٌ إلا: وعليه فى الجهاد، مُؤْنَةٌ: من المال؛ ولم يكن للمملوك مالٌ.وقال (تعالى) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ} ؛ فدَلَّ: على أنه أراد بذلك: الذُّكورَ، دونَ الإناثِ. لأن الإناثَ: المؤمناتُ.

قال تعالى: {وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} ؛

قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} ؛ وكل هذا يَدُلُّ: على أنه أراد به: الذُّكورَ، دونَ الإناثِ

وقال عز وجل -: إذ أمَر بالاسْتِئْذانِ. -: {وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} ؛ فأعلَم:أنَّ فَرْضَ الاسْتِئْذانِ، إنما هو: على البالِغِينَ.

قال تعالى: {وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} ؛ فلم يَجعلْ لرُشْدِهم حُكْماً: تَصِيرُ به أموالُهم إليهم؛ إلا: بعدَ البلوغِ. فدَلَّ: على أن الفرضَ فى العملِ، إنما هو: على البالِغينَ.ودَلَّتْ السنةُ، ثم ما لم أعلمْ فيه مخالفا -: من أهل العلمِ. -: على مثل ما وصَفتُ.. وذَكر حديثَ ابن عمرَ فى ذلك

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه (جل ثناؤه) فى الجهاد: {لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للّه وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ}؛ إلى: {وَطَبَعَ ٱللّه عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ؛ وقال عزوجل: {لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ} .

قال الشافعى: وقيل: الأعرَجُ: المُقْعَدُ. والأغلَبُ: أن العَرَجَ فى الرِّجلِ الواحدةِ.وقيل: نزلتْ فى أن لا حَرَجَ عليهم: أن لا يُجاهِدوا.وهو: أشْبَهُ ما قالوا، وغيرُ مُحتَمِلَةٍ غيرَه. وهم: داخلونَ فى حَدِّ الضُّعَفَاءِ، وغيرُ خارجينَ: من فرْضِ الحجِّ، ولا الصلاةِ، ولا الصومِ، ولا الحُدودِ. فلا يَحْتَمِلُ (واللّه أعلم): أنْ يكونَ أُرِيدَ بهذه الآيةِ، إلا: وَضْعُ الحرَجِ: فى الجهادِ؛ دونَ غيرِه: من الفرائضِ..

وقال فيما بَعُدَ غَزْوُه عن المُغازى - وهو: ما كان على الليْلتَينِ فصاعداً. -: إنه لا يَلْزَمُ القوىَّ السالمَ البَدَنِ كلِّه: إذا لم يَجِدْ مَرْكباً وسلاحاً ونفقةً؛ ويَدَعْ لمن يَلْزَمُه نفقتُه، قوَته: إلى قَدْرِ ما يَرى أنه يَلبَثُ فى غزوِه. وهو: ممن لا يَجدُ ما يُنفِقُ. قال اللّه عزوجل: {وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ} ..

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعي،

قال: فرَضَ اللّهث (تعالى) الجهادَ: فى كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم). ثم أكَّدَ النَّفِيرَ من الجهادِ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ؛

قال: {وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} ؛

قال تعالى: {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} الآية: .

وذَكرَ حديثَ أبى هُريْرةَ، عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): لا أزالُ أقاتِلُ النَّاسَ، حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللّه الحديثَ.

ثم

قال: وقال اللّه تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .

قال الشافعى (رحمه اللّه): فاحتَمَلتْ الآياتُ: أنْ يكونَ الجهادُ كلُّه، والنَّفِيرُ خاصَّةً منه -: على كل مُطِيقٍ له؛ لا يَسَعُ أحداً منهم التخلُّفُ عنه. كما كانت الصلاةُ والحجُّ والزكاةُ. فلم يَخرُجْ أحدٌ -: وجَب عليه فرضٌ منها. -: أنْ يُؤَدِّىَ غيرُه الفرضَ عن نفسِه؛ لأن عَملَ أحدٍ فى هذا، لا يُكْتَبُ لغيره.واحتَمَلتْ: أنْ يكونَ معنى فرْضِها، غيرَ معنى فرْضِ الصلاة. وذلك: أنْ يكونَ قُصِدَ بالفرض فيها: قَصْدَ الكِفايةِ؛ فيكونُ مَن قام بالكِفاية - فى جهادِ مَن جُوهِد: من المشركين. - مُدْرِكاً: تأدِيةَ الفرضِ، ونافِلةَ الفضلِ؛ ومُخْرِجاً مَن تَخَلَّفَ: من المأثَم..

الأحكام الواردة في سورة ( التوبة )

٤٢

{ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللّه لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللّه يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

١) الجهاد

٢) الجهاد (حكمه)

٣) الجهاد (الحث عليه)فَصْلٌ فِى أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ

قال الشافعى (رحمه اللّه): ولَمَّا مَضَتْ لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مُدَّةٌ: من هِجرتِه؛ أنعَمَ اللّه فيها على جماعاتٍ، باتِّباعِه -: حدَثَتْ لهم بها، معَ عَوْنِ اللّه (عز وجل)، قُوَّةٌ: بالعَدَد؛ لم يكن قبلها.فَفَرض اللّه (عز وجل) عليهم، الجهادَ - بعدَ إذ كان:إباحةً؛ لا: فرْضاً. - فقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} الآية: ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} الآية: ؛

وقال تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛

قال: {وَجَاهِدُوا فِي ٱللّه حَقَّ جِهَادِهِ} ؛

قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ} ؛

قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ}؛ إلى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .ثم ذَكر قوماً: تَخَلَّفُوا عن رسولِ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) -: ممن كان يُطْهِرُ الإسلامَ. - ف

قال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ} . فأبَانَ فى هذه الآيةِ: أنَّ عليهم الجِهادَ قَرُبَ وبَعُدَ؛ مَع إبَانَتِهِ ذلك فى غير مكانٍ: فى قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ إلى: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): سنُبَيِّنُ من ذلك، ما حَضَرَنا: على وَجْهِه؛ إن شاء اللّه عزوجل.وقال جل ثناؤه: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه}؛ إلى: {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ؛

قال: {إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ؛

قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} . معَ ما ذَكر به فَرْضَ الجهادِ، وأوْجَب على المُتَخلِّفِ عنه..

٤٦-٥٠

{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللّه ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللّه عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ * لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللّه وَهُمْ كَارِهُونَ * وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ *إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ }

١) الجهاد

٢) الجهاد (أحوال المنافقين فيه)

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): غزَا رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، فغزا معه بعضُ مَن يُعرَفُ نفاقُه: فانْخَزَلَ عنه يومَ أُحِدٍ بثلاثِمائةٍ.ثم شَهِدوا معه يومَ الخَنْدَقِ: فتكلموا بما حَكى اللّه (عزوجل): من قولهم: {مَّا وَعَدَنَا ٱللّه وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} .ثم غزَا بنى المصْطَلِقِ، فشَهِدها معه منهم، عَددٌ: فتكلموا بما حَكى اللّه (عز وجل): من قولهم: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ} ؛ وغيرِ ذلك مما حَكى اللّه: من نفاقِهمثم غزا غَزْوةَ تَبُوكَ، فشَهِدها معه منهم، قومٌ: نَفَرُوا به ليْلةَ العَقَبَةِ: ليقتلوه؛ فوقاه اللّه شرَّهم. وتَخَلَّف آخرون منهم: فيمن بحَضْرَتِه. ثم أنزل اللّه (عز وجل) عليه، فى غَزَاةِ تَبُوكَ، أو مُنْصَرَفِه منها - ولم يكن له فى تَبُوكَ قتالٌ -: من أخبارهم؛ فقال اللّه تعالى: {وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللّه ٱنبِعَاثَهُمْ}؛ قرأ إلى قوله: {وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ} . فأظهَرَ اللّه (عز وجل) لرسوله (صلى اللّه عليه وسلم): أسرارَهم، وخَبَر السَّمَّاعِينَ لهم، وابتِغاءَهم: أن يَفْتِنوا مَن معه: بالكذبِ والإرجافِ، والتَّخْذِيلِ لهم. فأخبرَ: أنه كَرِه انْبِعاثَهم، فَثَبَّطَهُمْ: إذ كانوا على هذه النِّيّةِ،فكان فيها ما دَلَّ: على أن اللّه (عز وجل) أمَر: أنْ يُمنَعَ مَن عُرِف بما عُرِفوا به، من أن يَغزُوَ مع المسلمين: لأنه ضَررٌ عليهم.ثم زاد فى تأكيد بيانِ ذلك، بقوله تعالى: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه} - (صلى اللّه عليه وسلم) - قرأ إلى قوله تعالى: {فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ} .. وبسط الكلام فيه.

٦٠

{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللّه وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللّه وَٱللّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

١) الزكاة (فرضيتها، مصارفها)

(أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوبَ، أنا الربيع بن سليمانَ،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه عزوجل: {إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ} الآية.فأحكمَ اللّه فَرْضَ الصدقات فى كتابه؛ ثم أكَّدها وشدَّدها، ف

قال: {فَرِيضَةً مِّنَ ٱللّه}.فليس لأحد: أن يَقْسِمَهَا على غير ما قَسَمها اللّه (عزّوجلّ) عليه؛ وذلك: ما كانت الأصناف موجودةً.لأنه إنما يُعطَى مَنْ وُجِدَ: كقوله: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ} الآية ؛ وكقوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} ؛ وكقوله: {وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} .فمعقولٌ - عن اللّه عزّ وجلّ -: أنَّه فرض هذا: لمن كان موجوداً يومَ يموت المبيت. وكان معقولا عنه أن هذه السُّهْمَانَ: لمن كان موجوداً يومَ تُؤخذ الصدقةُ وتُقْسَمُ.فإذا أُخِذَتُ صَدقةُ قوم: قُسمتْ على مَنْ فى دارهم: من أهل هذه السُّهْمان؛ ولم تُخْرَج من جيرانهم إلى أحد: حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها..

ثم ذَكر تفسيرَ كل صِنف: من هؤلاء الأصناف الثمانية؛ وهو: فيما أنبأنى أبو عبداللّه الحافظ (إجازة)،

قال: نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ، أنا الربيع بن سليمان،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه تعالى):فأهلُ السُّهْمان يجمعهم: أنهم أهل حاجة إلى مالَهم منها كلهم؛ وأسبابُ حاجتهم مختلفة، وكذلك: أسباب استحقاقهم معان مختلفة؛ يجمعها الحاجةُ، ويُفَرِّق بينها صفاتُها.فإذا اجتمعوا: فالفقراء: الزَّمْنَى الضعافُ الذين لا حِرْفةَ لهم، وأهلُ الحرفة الضعيفة: الذين لا تَقع حرفتهم مَوْقِعا من حاجتهم، ولا يسألون الناس.والمساكين: السُّوَّال، ومن لا يسئل: ممن له حِرْفة تَقع منه مَوْقعا، ولا تُغنيه ولا عياله..

وقال فى (كتاب فرض الزكاة): الفقير (واللّه أعلم): مَنْ لا مالَ له، ولا حرفة: تقع منه موقعا؛ زَمِنا كان أو غيرَ زَمِنٍ، سائلا كان أو مُتعففا..والمسكين: مَنْ له مال، أو حرفة: لا تقع منه مَوْقعا، ولا تُغنيه -: سائلا كان أو غيرَ سائل.

قال الشافعى: والعاملون عليها: الْمُتَوَلُّون لقبضها من أهلها -: من السُّعاة، ومَنْ أعانهم: من عَرِيفٍ، ومن لا يُقْدَر على أخذها إلا بمعونته. سواء كانوا أغنياء، أو فقراء.

وقال فى موضع آخر: من ولاَّه الولىُّ: قَبْضَها، وقَسْمَها.؛ ثم ساق الكلام، إلى أن

قال: يأخذ من الصدقة، بقدر غَنائه: لا يزاد عليه؛ وإن كان موسرا: لأنه يأخذ على معنى الإجارة..

وأال الشافعى الكلام: فى المؤلَّفة قلوبُهم؛ وقال فى خلال ذلك: وللمؤلفة قلوبهم - فى قَسم الصدقات -: سهمٌ..والذى أحفظ فيه -: من متقدِّم الخبر -: أن عَدِىَّ بن حاتم، جاء لأبى بكر الصديق (رضي اللّه عنه) - أحسبه قال -: بثلاثِمائة من الإبل، من صدقات قومه. أبو بكر (رضى اللّه عنه) منها: ثلاثين بعيرا؛ وأمره أن يَلْحَق بخالد بن الوليد، بمن أطاعه من قومه. فجاءه بزُهاء ألف رجل، وأبلى بلاء حسنا..

قال: وليس فى الخبر - فى إعطائه إياها -: مِنْ أين أعطاه إياها؟. غير أن الذى يكاد يعرف القلب -: بالاستدلال بالأخبار(واللّه أعلم) -: أنه أعطاه إياها، من سهم المؤلفة قلوبهم.فإما زاده: ليرغبه فيما صنع؛ وإما أعطاه: ليتألف به غيره من قومه: ممن لا يثق منه، بمثل ما يثق به من عَدِيِّ بن حاتم.

قال: فأرى: أن يُعْطَى من سهم المؤلفة قلوبهم -: فى مثل هذا المعنى. -: إن نزلتْ بالمسلمين نازلة. ولن تنزل إن شاء اللّه تعالى.. ثم بسط الكلام فى شرح النازلة.

قال: والرِّقَابُ: المكاتبون من جيران الصدقة..

قال: والغَارِمُون: صِنفان؛ (صِنفٌ) دانُوا فى مصلحتهم، أو معروفٍ وغير معصية؛ ثم عجَزُوا عن أداء ذلك: فى العَرَض والنقد.فيُعْطَوْن فى غُرْمهم: لعجزهم.

(وصِنفٌ): دانوا فى حَمَالاتٍ، وصلاحِ ذات بينٍ، ومعروفٍ؛ ولهم عُروضٌ: تَحمِلُ حَمَالاتِهم أو عامَّتَها؛ وإن بيعت: أضرَّ ذلك بهم؛ وإن لم يَفْتَقِرُوا فيُعطى هؤلاء: ما يوفر عُروضهم، كما يُعطى أهلُ الحاجة. من الغارمين؛ حتى يَقضوا غُرْمَهم..

قال: وسهمُ سبيل اللّه: يُعْطى منه، مَنْ أراد الغزو: من جيران الصدقة؛ فقيرا كان أو غنيا..

قال: وابن السبيل: من جيران الصدقة: الذين يريدون السفر فى غير معصية، فيَعجِزُون عن بلوغ سفرهم، إلا بمعونة على سفرهم..

وقال فى القديم: قال بعض أصحابنا: هو: لمن مَرَّ بموضع المصَّدِّق: ممن يَعجِز عن بلوغ حيث يريد، إلا بمعونة.

قال الشافعى: وهذا مذهب؛ واللّه أعلم..

والذى قاله فى القديم - فى غير روايتنا -: إنما هو فى رواية الزعفرانى عن الشافعى.

٧٤

{ يَحْلِفُونَ بِٱللّه مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللّه وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللّه عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

١) النفاق (حكمه وعقوبته)

٢) النفاق

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه عزوجل: {إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللّه وَٱللّه يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللّه يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}؛ إلى قوله: {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} .فبَيِّنٌ فى كتاب اللّه (عز وجل): أن اللّه أخبر عن المنافقين: أنهم اتَّخَذَوا أيْمانَهم جُنَّةَ؛ يعنى(واللّه أعلم): من القتلِ.ثم أخبَرَ بالوَجه: الذى اتَّخَذوا به أيْمانَهم جُنَّةً؛ ف

قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا}: بعدَ الإيمانِ، كفراً: إذا سُئلوا عنه: أنكروه، وأظهروا الإيمانَ وأقرُّوا به؛ وأظهروا التوبةَ منه: وهم مُقيمونَ - فيما بيْنهم وبيْن اللّه تعالى - على الكفر.وقال جل ثناؤه: {يَحْلِفُونَ بِٱللّه مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} ؛ فأخبَرَ: بكفرهم، وجَحْدِهم الكفرَ، وكذِبِ سرَائرِهم: بجَحْدِهم.وذكَرَ كفرَهم فى غيرِ آيةٍ، وسمَّاهم: بالنفاق؛ إذ أظهروا الإيمانَ: وكانوا على غيره.

قال: {إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً}  .

- فأخبر اللّه (عز وجل) عن المنافقين -: بالكفر؛ وحَكَمَ فيهم -: بعلمه: من أسرار خلْقِه؛ مالا يعلمُه غيره. -: بأنهم فى الدَّرْكِ الأسفلِ: من النار؛ وأنهم كاذبونَ: بأيْمانهم. وحَكَمَ فيهم جلّ ثناؤه - فى الدنيا -: أن ما أظهروا: من الإيمان -: وإن كانوا به كاذبين. -: لهم جُنَّةٌ من القتل: وهم الْمُسِرُّونَ الكفرَ، المظهرونَ الإيمانَ.وبَيَّنَ على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم): مِثْلَ ما أنزَل اللّه(عزوجل) فى كتابه.. وأطال الكلامَ فيه.

قال الشافعي: وأخبر اللّه (عزوجل) عن قوم: من الأعراب؛ ف

قال: {قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} . فأعلَم: أنْ لم يَدخلْ الإيمانُ فى قلوبهم، وأنهم أظهروه، وحَقَن به دماءَهم..

قال الشافعى: قال مجاهدٌ - فى قوله: (أَسْلَمْنَا). -: أسلمنا: مخافةَ القتلِ والسَّبْىِ.

قال الشافعى: ثم أخبَر: أنه يَجزيهم: إنْ أطاعوا اللّه ورسولَه؛ يعنى: إنْ أحْدَثوا طاعةَ اللّه ورسولِه..

قال الشافعى: والأعرابُ لا يَدِينُونَ دِيناً: يَظهرُ؛ بل: يُظهِرُونَ الإسلامَ، ويَسْتَخْفُونَ: الشِّركَ والتَّعْطِيلَ. قال اللّه عزوجل:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللّه وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ} ..

وقال - فى قوله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ} . -: فأما أمْرُه: أن لا يُصَلِّىَ عليهم؛: فإن صلاته - بأبى هو وأمي صلى اللّه عليه وسلم -: مخالِفَةٌ صلاةَ غيرِه؛ وأرجو: أن يكونَ قَضَى -: إذ أمَرَه بتركِ الصلاةِ على المنافقينَ. -: أن لا يُصَلِّىَ على أحد إلا غَفَرَ له؛ وقَضَى: أن لا يَغفِرَ لمقيمٍ على شِرْكٍ. فنهاه: عن الصلاة على مَن لا يَغفِرُ له..

قال الشافعى: ولم يَمنعْ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - من الصلاة عليهم -: مُسْلما؛ ولم يَقتلْ منهم - بعد هذا - أحداً..

قال الشافعى - فى غير هذا الموضع -: وقد قيل - فى قول اللّه عزوجل: {وَٱللّه يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} . -: ماهم بِمُخْلِصِينَ..

٨١-٨٣

{ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * فَإِن رَّجَعَكَ ٱللّه إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ }

١) الجهاد

٢) الجهاد (حكمه)

٣) الجهاد (الحث عليه)

٤) الجهاد (أحوال المنافقين فيه)فَصْلٌ فِى أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ

قال الشافعى (رحمه اللّه): ولَمَّا مَضَتْ لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مُدَّةٌ: من هِجرتِه؛ أنعَمَ اللّه فيها على جماعاتٍ، باتِّباعِه -: حدَثَتْ لهم بها، معَ عَوْنِ اللّه (عز وجل)، قُوَّةٌ: بالعَدَد؛ لم يكن قبلها.فَفَرض اللّه (عز وجل) عليهم، الجهادَ - بعدَ إذ كان:إباحةً؛ لا: فرْضاً. - فقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} الآية: ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} الآية: ؛

وقال تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛

قال: {وَجَاهِدُوا فِي ٱللّه حَقَّ جِهَادِهِ} ؛

قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ} ؛

قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ}؛ إلى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .ثم ذَكر قوماً: تَخَلَّفُوا عن رسولِ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) -: ممن كان يُطْهِرُ الإسلامَ. - ف

قال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ} . فأبَانَ فى هذه الآيةِ: أنَّ عليهم الجِهادَ قَرُبَ وبَعُدَ؛ مَع إبَانَتِهِ ذلك فى غير مكانٍ: فى قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ إلى: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): سنُبَيِّنُ من ذلك، ما حَضَرَنا: على وَجْهِه؛ إن شاء اللّه عزوجل.وقال جل ثناؤه: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه}؛ إلى: {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ؛

قال: {إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ؛

قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} . معَ ما ذَكر به فَرْضَ الجهادِ، وأوْجَب على المُتَخلِّفِ عنه..

* * *

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): غزَا رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، فغزا معه بعضُ مَن يُعرَفُ نفاقُه: فانْخَزَلَ عنه يومَ أُحِدٍ بثلاثِمائةٍ.ثم شَهِدوا معه يومَ الخَنْدَقِ: فتكلموا بما حَكى اللّه (عز وجل): من قولهم: {مَّا وَعَدَنَا ٱللّه وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} .ثم غزَا بنى المصْطَلِقِ، فشَهِدها معه منهم، عَددٌ: فتكلموا بما حَكى اللّه (عز وجل): من قولهم: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ} ؛ وغيرِ ذلك مما حَكى اللّه: من نفاقِهمثم غزا غَزْوةَ تَبُوكَ، فشَهِدها معه منهم، قومٌ: نَفَرُوا به ليْلةَ العَقَبَةِ: ليقتلوه؛ فوقاه اللّه شرَّهم. وتَخَلَّف آخرون منهم: فيمن بحَضْرَتِه. ثم أنزل اللّه (عز وجل) عليه، فى غَزَاةِ تَبُوكَ، أو مُنْصَرَفِه منها - ولم يكن له فى تَبُوكَ قتالٌ -: من أخبارهم؛ فقال اللّه تعالى: {وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللّه ٱنبِعَاثَهُمْ}؛ قرأ إلى قوله: {وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ} . فأظهَرَ اللّه (عز وجل) لرسوله (صلى اللّه عليه وسلم): أسرارَهم، وخَبَر السَّمَّاعِينَ لهم، وابتِغاءَهم: أن يَفْتِنوا مَن معه: بالكذبِ والإرجافِ، والتَّخْذِيلِ لهم. فأخبرَ: أنه كَرِه انْبِعاثَهم، فَثَبَّطَهُمْ: إذ كانوا على هذه النِّيّةِ،فكان فيها ما دَلَّ: على أن اللّه (عز وجل) أمَر: أنْ يُمنَعَ مَن عُرِف بما عُرِفوا به، من أن يَغزُوَ مع المسلمين: لأنه ضَررٌ عليهم.ثم زاد فى تأكيد بيانِ ذلك، بقوله تعالى: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه} - (صلى اللّه عليه وسلم) - قرأ إلى قوله تعالى: {فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ} .. وبسط الكلام فيه.

٩١-٩٣

{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للّه وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللّه عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

١) الجهاد

٢) الجهاد (من لا يجب عليه الجهاد)فَصْلٌ فِى أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ

قال الشافعى (رحمه اللّه): ولَمَّا مَضَتْ لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مُدَّةٌ: من هِجرتِه؛ أنعَمَ اللّه فيها على جماعاتٍ، باتِّباعِه -: حدَثَتْ لهم بها، معَ عَوْنِ اللّه (عز وجل)، قُوَّةٌ: بالعَدَد؛ لم يكن قبلها.فَفَرض اللّه (عز وجل) عليهم، الجهادَ - بعدَ إذ كان:إباحةً؛ لا: فرْضاً. - فقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} الآية: ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} الآية: ؛

وقال تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛

قال: {وَجَاهِدُوا فِي ٱللّه حَقَّ جِهَادِهِ} ؛

قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ} ؛

قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ}؛ إلى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .ثم ذَكر قوماً: تَخَلَّفُوا عن رسولِ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) -: ممن كان يُطْهِرُ الإسلامَ. - ف

قال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ} . فأبَانَ فى هذه الآيةِ: أنَّ عليهم الجِهادَ قَرُبَ وبَعُدَ؛ مَع إبَانَتِهِ ذلك فى غير مكانٍ: فى قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ إلى: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): سنُبَيِّنُ من ذلك، ما حَضَرَنا: على وَجْهِه؛ إن شاء اللّه عزوجل.وقال جل ثناؤه: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه}؛ إلى: {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ؛

قال: {إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ؛

قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} . معَ ما ذَكر به فَرْضَ الجهادِ، وأوْجَب على المُتَخلِّفِ عنه..

* * *فَصْلٌ فِيمَنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى: فلما فَرَض اللّه (عز وجل). الجهادَ -: دَلَّ فى كتابه، ثم على لسانِ نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم): أن ليس يُفْرَضُ الجهادُ على مملوكٍ، أو أنثى: بالغٍ؛ ولا حُرّ: لم يَبْلُغْ.لقول اللّه عزوجل: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} ؛ فكان حَكَم. أن لا مالَ للمملوكِ؛ ولم يكنْ مجاهدٌ إلا: وعليه فى الجهاد، مُؤْنَةٌ: من المال؛ ولم يكن للمملوك مالٌ.وقال (تعالى) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ} ؛ فدَلَّ: على أنه أراد بذلك: الذُّكورَ، دونَ الإناثِ. لأن الإناثَ: المؤمناتُ.

قال تعالى: {وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} ؛

قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} ؛ وكل هذا يَدُلُّ: على أنه أراد به: الذُّكورَ، دونَ الإناثِ

وقال عز وجل -: إذ أمَر بالاسْتِئْذانِ. -: {وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} ؛ فأعلَم:أنَّ فَرْضَ الاسْتِئْذانِ، إنما هو: على البالِغِينَ.

قال تعالى: {وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} ؛ فلم يَجعلْ لرُشْدِهم حُكْماً: تَصِيرُ به أموالُهم إليهم؛ إلا: بعدَ البلوغِ. فدَلَّ: على أن الفرضَ فى العملِ، إنما هو: على البالِغينَ.ودَلَّتْ السنةُ، ثم ما لم أعلمْ فيه مخالفا -: من أهل العلمِ. -: على مثل ما وصَفتُ.. وذَكر حديثَ ابن عمرَ فى ذلك

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه (جل ثناؤه) فى الجهاد: {لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للّه وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ}؛ إلى: {وَطَبَعَ ٱللّه عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ؛

وقال عز وجل: {لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ} .

قال الشافعى: وقيل: الأعرَجُ: المُقْعَدُ. والأغلَبُ: أن العَرَجَ فى الرِّجلِ الواحدةِ.وقيل: نزلتْ فى أن لا حَرَجَ عليهم: أن لا يُجاهِدوا.وهو: أشْبَهُ ما قالوا، وغيرُ مُحتَمِلَةٍ غيرَه. وهم: داخلونَ فى حَدِّ الضُّعَفَاءِ، وغيرُ خارجينَ: من فرْضِ الحجِّ، ولا الصلاةِ، ولا الصومِ، ولا الحُدودِ. فلا يَحْتَمِلُ (واللّه أعلم): أنْ يكونَ أُرِيدَ بهذه الآيةِ، إلا: وَضْعُ الحرَجِ: فى الجهادِ؛ دونَ غيرِه: من الفرائضِ..

وقال فيما بَعُدَ غَزْوُه عن المُغازى - وهو: ما كان على الليْلتَينِ فصاعداً. -: إنه لا يَلْزَمُ القوىَّ السالمَ البَدَنِ كلِّه: إذا لم يَجِدْ مَرْكباً وسلاحاً ونفقةً؛ ويَدَعْ لمن يَلْزَمُه نفقتُه، قوَته: إلى قَدْرِ ما يَرى أنه يَلبَثُ فى غزوِه. وهو: ممن لا يَجدُ ما يُنفِقُ. قال اللّه عز وجل: {وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ} ..

الأحكام الواردة في سورة ( التوبة )

١٠٠

{ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللّه عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

١) الهجرة (الإذن بها)الإِذْنُ بِالْهِجْرَةِ

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): وكان المسلمون مُسْتَضْعَفِينَ بمكةَ، زمانا: لم يؤذَنْ لهم فيه بالهجرةِ منها؛ ثم أذِنَ اللّه لهم بالهجرة، وجعل لهم مَخْرَجاً. في

قال: نزلت: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّه يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}  وأمَرَهم: ببلاد الحَبَشَةِ. فهاجرتْ إليها منهم طائفةٌ.

ثم دخل أهلُ المدينةِ فى الإسلام: فأمَرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) طائفةً - فهاجرتْ إليهم -: غيرَ محَرِّمٍ على من بقىَ، تركَ الهجرة.

وذَكر اللّه (عز وجل) أهلَ الهجرةِ، ف

قال: {وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ} ؛

قال: {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ} ؛

قال: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} .

قال: ثم أذِنَ اللّه لرسوله (صلى اللّه عليه وسلم): بالهجرةِ منها؛ فهاجر رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى المدينةِ.ولم يُحَرِّم فى هذا، على مَن بقىَ بمكةَ، المُقامَ بها -: وهى دارُ شركٍ. - وإن قَلُّوا: بأن يُفْتَنُوا. و لم يأذنْ لهم بجهاد. ثم أذِن اللّه (عز وجل) لهم: بالجهادِ؛ ثم فَرَض - بعد هذا - عليهم: أنْ يُهاجِروا من دارِ الشركِ. وهذا موضوعٌ فى غير هذا الموضع..

١٠٣

{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

١) الزكاة

٢) الزكاة (ثوابها)فكان حلالاً لهم ملكُ الأموال؛ وحراما عليهم حبسُ الزكاة: لأنه ملَّكَهَا غيرَهم فى وقت، كما ملكهم أموالَهُمْ، دون غيرهم..فكان بَيِّناً - فيما وصفت، وفى قول اللّه عزّوجلّ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} . -: أن كل مالك تام الملك -:من حُرٍّ - له مال: فيه زكاة.. وبسط الكلام فيه

* * *

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه (عزّ وجلّ) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ}.

قال الشافعى: والصلاة عليهم: الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم.فَحُقَّ على الوالى - إذا أخذ صدقة امرىء -: أن يدعوَ له؛ وأُحب أن يقول: آجرك اللّه فيما أعطيت، وجعلها لك طَهُوراً؛ وبارك لك فيما أبقيت..

١١١

{ إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللّه فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

١) الجهاد

٢) الجهاد (حكمه)

٣) الجهاد (الحث عليه)فَصْلٌ فِى أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ

قال الشافعى (رحمه اللّه): ولَمَّا مَضَتْ لرسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مُدَّةٌ: من هِجرتِه؛ أنعَمَ اللّه فيها على جماعاتٍ، باتِّباعِه -: حدَثَتْ لهم بها، معَ عَوْنِ اللّه (عز وجل)، قُوَّةٌ: بالعَدَد؛ لم يكن قبلها.فَفَرض اللّه (عز وجل) عليهم، الجهادَ - بعدَ إذ كان:إباحةً؛ لا: فرْضاً. - فقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} الآية: ؛ وقال جل ثناؤه: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} الآية: ؛

وقال تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛

قال: {وَجَاهِدُوا فِي ٱللّه حَقَّ جِهَادِهِ} ؛

قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ} ؛

قال تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ}؛ إلى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .ثم ذَكر قوماً: تَخَلَّفُوا عن رسولِ اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) -: ممن كان يُطْهِرُ الإسلامَ. - ف

قال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ} . فأبَانَ فى هذه الآيةِ: أنَّ عليهم الجِهادَ قَرُبَ وبَعُدَ؛ مَع إبَانَتِهِ ذلك فى غير مكانٍ: فى قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللّه}؛ إلى: {أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .

قال الشافعى (رحمه اللّه): سنُبَيِّنُ من ذلك، ما حَضَرَنا: على وَجْهِه؛ إن شاء اللّه عزوجل.وقال جل ثناؤه: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه}؛ إلى: {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ؛

قال: {إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ؛

قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} . معَ ما ذَكر به فَرْضَ الجهادِ، وأوْجَب على المُتَخلِّفِ عنه..

* * *

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعي،

قال: فرَضَ اللّهث (تعالى) الجهادَ: فى كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم). ثم أكَّدَ النَّفِيرَ من الجهادِ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ؛

قال: {وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} ؛

قال تعالى: {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} الآية: ؛

قال تعالى: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} الآية: .

وذَكرَ حديثَ أبى هُريْرةَ، عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): لا أزالُ أقاتِلُ النَّاسَ، حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللّه الحديثَ.

ثم

قال: وقال اللّه تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللّه ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} الآية: ؛

قال تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه} الآية: .

قال الشافعى (رحمه اللّه): فاحتَمَلتْ الآياتُ: أنْ يكونَ الجهادُ كلُّه، والنَّفِيرُ خاصَّةً منه -: على كل مُطِيقٍ له؛ لا يَسَعُ أحداً منهم التخلُّفُ عنه. كما كانت الصلاةُ والحجُّ والزكاةُ. فلم يَخرُجْ أحدٌ -: وجَب عليه فرضٌ منها. -: أنْ يُؤَدِّىَ غيرُه الفرضَ عن نفسِه؛ لأن عَملَ أحدٍ فى هذا، لا يُكْتَبُ لغيره.واحتَمَلتْ: أنْ يكونَ معنى فرْضِها، غيرَ معنى فرْضِ الصلاة. وذلك: أنْ يكونَ قُصِدَ بالفرض فيها: قَصْدَ الكِفايةِ؛ فيكونُ مَن قام بالكِفاية - فى جهادِ مَن جُوهِد: من المشركين. - مُدْرِكاً: تأدِيةَ الفرضِ، ونافِلةَ الفضلِ؛ ومُخْرِجاً مَن تَخَلَّفَ: من المأثَم..

١٢٢

{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }

١) الجهاد (فرض كفاية)

قال الشافعى (رحمه اللّه): وقال اللّه تعالى: {وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ} .فأخبرَ اللّه (عز وجل): أن المسلمين لم يكونوا لِيَنْفِرُوا كافةً؛

قال: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ}؛ فأخبرَ: أن النَّفِيرَ على بعضهم دونَ بعضٍ و أن التَّفَقُّهَ إنما هو على بعضهم، دونَ بعضٍ..

قال الشافعى: وغَزَا رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، وغَزَا معه من أصحابه جماعةٌ؛ وخَلَّفَ آخَرِينَ: حتى خَلَّفَ علىَّ بن أبى طالبٍ (رضى اللّه عنه) فى غَزْوَةِ تَبُوكَ..

وبسَط الكلامَ فيه، وجَعَل نظيرَ ذلك: الصلاةَ على الجنازةِ، والدَّفْنَ: ورَدَّ السلامِ.

١٢٣

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللّه مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

١) الجهاد

٢) الجهاد (حكمه)

٣) الجهاد (وجوبه)

وبهذا الإسنادِ،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه تبارك وتعالى: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ} .ففرَضَ اللّه جهادَ المشركينَ، ثم أبَانَ:مَن الذين نَبدَأُ بجهادِهم: من المشركينَ.؟ فأعلَم: أنهم الذين يَلُونَ المسلمينَ.وكان معقولا - فى فرْضِ جهادِهم -: أنَّ أوْلاهم بأن يُجاهَدَ: أقرَبُهم من المسلمينَ داراً. لأنهم إذا قَوُوا على جهادِهم وجهادِ غيرِهم: كانوا على جهادِ مَن قَرُب منهم أقوى. وكان مَن قَرُب، أوْلى أن يُجاهَدَ: لقُربِه من عَوْراتِ المسلمينَ؛ فإنَّ نِكايةَ مَن قَرُب: أكثرُ من نِكايةِ مَن بَعُد..

﴿ ٠