سورة النّحل٣{ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ١) أصول فقه (العام والخاص)فصل فى معرفة العموم والخصوص (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى رحمه اللّه: قال اللّه تبارك تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} . قال تعالى: {خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ} . قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللّه رِزْقُهَا} . فهذا عام لا خاص فيهِ، فكل شىء: من سماء، وأرض، وذى روح، وشجر، وغير ذلك - فاللّه خالقه. وكل دابة فعلى اللّه رزقها ويعلمُ مُستقرَّها ومُستودَعَها، وقال عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ} . قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ * فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية: . قال تعالى: {إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} الآية . قال الشافعي: فبين فى كتاب اللّه أن فى هاتين الآيتين العموم والخصوص. فأما العموم منها ففى قوله عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ} . فكل نفس خوطب بهذا فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقبله وبعده -مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل.والخاص منها فى قوله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ} لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها -: من البالغين من بنى آدم - دون المخلوقين من الدواب سواهم، ودون المغلوب على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم. فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها. وفى السنة دلالة عليه؛ قال رسول اللّه صىل اللّه عليه وسلم: رُفعَ القلمُ عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبى حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق. قال الشافعى رحمه اللّه: وهكذا التنزيل فى الصوم، والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله، ودون الحيض فى أيام حيضهن. ٤٤{ بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ١) القرآن كتاب هداية ٢) الحث على تعليم أحكام القرآنفصل فيما ذكره الشافعى رحمه اللّه فى التحريض على تعلم أحكام القرآن (أخبرنا) أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحافظ رحمه اللّه، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان؛ أخبرناالشافعى رحمه اللّه فى ذكر نعمة اللّه علينا برسوله صلى اللّه عليه وسلم بما أنزل عليه من كتابه ف قال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ؛ فنقلهم به من الكفر والعمى، إلى الضياء والهدى، وبين فيه ما أحل لنا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم به: من حظهم على الكف عنه فى الآخرة والأولى، وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول، وعمل، وإمساك عن محارم وحما هموها، وأثابهم على طاعته - من الخلود فى جنته، والنجاة من نقمته - ما عظمت به نعمته جل ثناؤه، وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته: من خلاف ما أوجب لأهل طاعته؛ ووعظهم بالإخبار عمن كان قبلهم: ممن كان أكثر منهم أموالاً وأولاداً، وأطول أعماراً، واحمد آثاراً؛ فاستمتعوا بخلاقهم فى حياة دنياهم، فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آمالهم، ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم؛ ليعتبروا فى آنف الأوان، ويتفهموا بجلية التبيان، وينتبهوا قبل رين الغفلة، ويعملوا قبل انقطاع المدة، حين لا يعتب مذنب، ولا تؤخذ فدية، و {تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً} . وكان مما أنزل فى كتابه (جل ثناؤه) رحمة وحجة؛ علمه من علمه، وجهله من جهله. قال: والناس فى العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم فى العلم به، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم فى الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية للّه فى استدراك علمه نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى اللّه فى العون عليه - فإنه لا يدرك خير إلا بعونه - فإن من أدرك علم أحكام اللّه فى كتابه نصاً واستدلالاً، ووفقه اللّه للقول والعمل لما علم منه - فاز بالفضيلة فى دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب، ونورت فى قلبه الحكمة، واستوجب فى الدين موضع الإمامة. فنسأل اللّه المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها، المديم بها علينا مع تقصيرنا فى الإتيان على ما أوجب من شكره لها، الجاعلنا فى خير أمة أخرجت للناس -: أن يرزقنا فهما فى كتابه، ثم سنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم وقولاً وعملاً يؤدى به عنا حقه، ويوجب لنا نافلة مزيده. فليست تنزل بأحد من أهل دين اللّه نازلة إلا وفى كتاب اللّه الدليل على سبل الهدى فيها. قال اللّه عز وجل: {الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ} قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . قال الشافعى رحمه اللّه: ومن جماع كتاب اللّه ع ز وجل، العلم بأن جميع كتاب اللّه إنما نزل بلسان العرب، والمعرفة بناسخ كتاب اللّه ومنسوخه، والفرض فى تنزيله، والأدب، والإرشاد، والإباحة؛ والمعرفة بالوضع الذى وضع اللّه نبيه صلوات اللّه عليه وسلم: من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه فى كتابه، وبينه على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم؛ وما أراد بجميع فرائضه: أأراد كل خلقه، أم بعضهم دون بعض؟ وَما افترض على الناس من طاعته والانتهاء إلى أمره؛ ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدَّوال على طاعته، المبينة لاجتناب معصيته؛ وترك الغفلة عن الحظ، والازدياد من نوافل الفضل. فالواجب على العالمين الا يقولوا إلا من حيث علموا. ثم ساق الكلام إلى أن قال: والقرآن يدل على أن ليس فى كتاب اللّه شيء إلا بلسان العرب. قال اللّه عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} . وقال اللّه عز وجل: {وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} . قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا} . فأقام حجته بأن كتابه عربى، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب، فى آيتين من كتابه؛ فقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} . قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} . قال: ولعل من قال: إن فى القرآن غير لسان العرب؛ ذهب إلى أن شيئاً من القرآن خاصاً يجهله بعض العرب. ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا يحيط بجميع علمه إنسان غير نبى. ولكنه لا يذهب منه شىء على عامة أهل العلم، كالعلم بالسنة عند أهل الفقه: لا نعلم رجلا جمعها فلم يذهب منها شىء عليه، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن. والذى ينطق العجم بالشىء من لسان العرب، فلا ينكر - إذا كان اللفظ قيل تعلماً، أو نطق به موضوعاً - أن يوافق لسان العجم أو بعضه، قليل من لسان العرب. فبسط الكلام فيه. ٨٩{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } ١) القرآن كتاب هداية ٢) الحث على تعليم أحكام القرآنفصل فيما ذكره الشافعى رحمه اللّه فى التحريض على تعلم أحكام القرآن (أخبرنا) أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحافظ رحمه اللّه، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان؛ أخبرناالشافعى رحمه اللّه فى ذكر نعمة اللّه علينا برسوله صلى اللّه عليه وسلم بما أنزل عليه من كتابه ف قال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ؛ فنقلهم به من الكفر والعمى، إلى الضياء والهدى، وبين فيه ما أحل لنا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم به: من حظهم على الكف عنه فى الآخرة والأولى، وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول، وعمل، وإمساك عن محارم وحما هموها، وأثابهم على طاعته - من الخلود فى جنته، والنجاة من نقمته - ما عظمت به نعمته جل ثناؤه، وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته: من خلاف ما أوجب لأهل طاعته؛ ووعظهم بالإخبار عمن كان قبلهم: ممن كان أكثر منهم أموالاً وأولاداً، وأطول أعماراً، واحمد آثاراً؛ فاستمتعوا بخلاقهم فى حياة دنياهم، فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آمالهم، ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم؛ ليعتبروا فى آنف الأوان، ويتفهموا بجلية التبيان، وينتبهوا قبل رين الغفلة، ويعملوا قبل انقطاع المدة، حين لا يعتب مذنب، ولا تؤخذ فدية، و {تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً} . وكان مما أنزل فى كتابه (جل ثناؤه) رحمة وحجة؛ علمه من علمه، وجهله من جهله. قال: والناس فى العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم فى العلم به، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم فى الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية للّه فى استدراك علمه نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى اللّه فى العون عليه - فإنه لا يدرك خير إلا بعونه - فإن من أدرك علم أحكام اللّه فى كتابه نصاً واستدلالاً، ووفقه اللّه للقول والعمل لما علم منه - فاز بالفضيلة فى دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب، ونورت فى قلبه الحكمة، واستوجب فى الدين موضع الإمامة. فنسأل اللّه المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها، المديم بها علينا مع تقصيرنا فى الإتيان على ما أوجب من شكره لها، الجاعلنا فى خير أمة أخرجت للناس -: أن يرزقنا فهما فى كتابه، ثم سنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم وقولاً وعملاً يؤدى به عنا حقه، ويوجب لنا نافلة مزيده. فليست تنزل بأحد من أهل دين اللّه نازلة إلا وفى كتاب اللّه الدليل على سبل الهدى فيها. قال اللّه عز وجل: {الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ} قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . قال الشافعى رحمه اللّه: ومن جماع كتاب اللّه ع ز وجل، العلم بأن جميع كتاب اللّه إنما نزل بلسان العرب، والمعرفة بناسخ كتاب اللّه ومنسوخه، والفرض فى تنزيله، والأدب، والإرشاد، والإباحة؛ والمعرفة بالوضع الذى وضع اللّه نبيه صلوات اللّه عليه وسلم: من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه فى كتابه، وبينه على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم؛ وما أراد بجميع فرائضه: أأراد كل خلقه، أم بعضهم دون بعض؟ وَما افترض على الناس من طاعته والانتهاء إلى أمره؛ ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدَّوال على طاعته، المبينة لاجتناب معصيته؛ وترك الغفلة عن الحظ، والازدياد من نوافل الفضل. فالواجب على العالمين الا يقولوا إلا من حيث علموا. ثم ساق الكلام إلى أن قال: والقرآن يدل على أن ليس فى كتاب اللّه شيء إلا بلسان العرب. قال اللّه عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} . وقال اللّه عز وجل: {وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} . قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا} . فأقام حجته بأن كتابه عربى، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب، فى آيتين من كتابه؛ فقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} . قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} . قال: ولعل من قال: إن فى القرآن غير لسان العرب؛ ذهب إلى أن شيئاً من القرآن خاصاً يجهله بعض العرب. ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا يحيط بجميع علمه إنسان غير نبى. ولكنه لا يذهب منه شىء على عامة أهل العلم، كالعلم بالسنة عند أهل الفقه: لا نعلم رجلا جمعها فلم يذهب منها شىء عليه، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن. والذى ينطق العجم بالشىء من لسان العرب، فلا ينكر - إذا كان اللفظ قيل تعلماً، أو نطق به موضوعاً - أن يوافق لسان العجم أو بعضه، قليل من لسان العرب. فبسط الكلام فيه. ٩١-٩٢{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللّه إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللّه عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللّه يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ *وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللّه بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ١) وجوب الإيفاء بالعقود والمعاهدات (أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: جِمَاعُ الوَفاءِ بالنَّذْرِ، والعَهْدِ -: كان بيمينٍ، أو غيرِها. - فى قول اللّه تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ} ؛ وفى قوله تعالى: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} .. وقد ذكَر اللّه (عز وجل) الوفاءَ بالعقودِ:بالأيْمانِ؛ فى غيرِ ايةٍ: من كتابِه؛ منها: قولُه عز وجل: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللّه إِذَا عَاهَدتُّمْ}؛ ثم: {وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} الآية: ؛ وقال عز وجل: {ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللّه وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ} ؛ مع ما ذَكَر به الوفاءَ بالعهدِ. قال الشافعى: هذا من سَعَةِ لسانِ العربِ الذى خُوطِبَتْ به؛ فظاهرُه عامٌّ على كل عَقْدٍ. ويُشْبِهُ (واللّه أعلم): أنْ يكونَ اللّه (تبارك وتعالى) أراد: أنْ يُوفُوا بكل عَقْدٍ -: كان بيمِينٍ، أو غيرِ يمِينٍ. - وكلِّ عَقْدِ نَذْرٍ: إذا كان فى العَقْدَيْن للّه طاعةٌ، أو لم يكنْ له -فيما أمَرَ بالوفاء منها – معصيةٌ.. ٩٨{ فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللّه مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } ١) الاستعاذة وبهذا الإسناد، قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللّه مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ} . قال الشافعى: وأحبّ أن يقول - حين يفتتح [قبل أم] القرآن: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، وأى كلام استعاذ به، أجزأه. وقال فى الإملاء - بهذا الإسناد: ثم يبتدئ، فيتعوذ، ويقول: أعوذ بالسميع العليم؛ أو يقول: أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ أو: أعوذ باللّه أن يحضرون. لقول اللّه عز وجل. {فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللّه مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ}. ١٠٦{ مَن كَفَرَ بِٱللّه مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللّه وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ١) الطلاق (الإكراه فيه) ٢) عقائد (الإكراه على الكفر) ٣) الهجرة (فرضها) ٤) الأيمان والنذور (الإكراه فيه) (أنا) أبو سعيد، ثنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه عزوجل: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ} . قال: ولِلْكفر أحكامٌ: كفراق الزوجة، وأن يُقتلَ الكافرُ، ويُغنمَ مالُه.فلما وضع اللّه: عنه: سقطت عنه أحكامُ الإكراه على القول كلِّه؛ لأن الأعظم إذا سقط عن الناس: سقط ما هو أصغرُ منه، وما يكون حكمَه: بثبوته عليه.. وأطال الكلام فى شرحه. * * * (أنا) أبو سعيد، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى قال اللّه عزوجل: {مَن كَفَرَ بِٱللّه مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} .فلو أنَّ رجلا أسَرَه العدوُّ، فأُكرِهَ على الكفر -: لم تَبِنْ منه امرأتُهُ، ولم يُحْكَمْ عليه بشىء: من حكم المرتدِّقد أُكْرِهَ بعضُ مَنْ أسلم - فى عهد النبى صلى اللّه عليه وسلم -: على الكفر، فقَالَهُ؛ ثم جاء إلى النبى (صلى اللّه عليه وسلم)، فذَكَرض له ما عُذِّب به: فنزلت هذه الآيةُ؛ ولم يأمرْه النبى (صلى اللّه عليه وسلم) باجتناب زوجتِه، ولا بشىء: مما على المرتد.. (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: وأبَانَ اللّه (عز وجل) لخلْقه: أنه تَوَلَّى الحكمَ -: فيما أثابهم، وعاقبهم عليه. -: على ما علم: من سرائرهم: وافَقَتْ سرائرُهم عَلاَنِيَتَهُمْ، أو خالفَتْها. فإنما جَزاهم بالسرائر: فأحْبَط عملَ كل مَنْ كفَرَ به.ثم قال (تبارك وتعالى) فيمن فُتِنَ عن دِينه: {لاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ}؛ فَطَرَح عنهم حُبوطَ أعمالِهِمْ، والمأثَمِ بالكفر: إذا كانوا مكرَهِين؛ وقلوبُهم على الطُّمأنينةِ:بالإيمان وخلافِ الكفرِ.وأمَر بقتال الكافرين: حتى يؤمنوا؛ وأبَانَ ذلك جل وعز: حتى يُظهروا الإيمانَ. ثم أوجَبَ للمنافقين -: إذا أسَرُّوا الكفر -: نار جهنمَ؛ ف قال: {إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ} . قال تعالى: {ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} ؛ يعنى (واللّه أعلم): من القتل.فمنَعَهم من القتل، ولم يُزِلْ عنهم - فى الدنيا - أحكامَ الإيمانِ: بما أظهروا منه. وأوجَبَ لهم الدَّرْكَ الأسفلَ: من النار؛ بعلمه: بسرائرِهم، وخلافِها: لِعلانِيَتِهِم بالإيمان.وأعلَمَ عبادَه - معَ ما أقام عليهم: من الحُجَّةَ: بأن ليس كمثله أحد فى شىء. -: أنَّ عِلمَه: بالسَّرائر والعَلاَنِيَةِ؛ واحدٌ. ف قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ} ؛ وقال عزوجل: {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ} ؛ مع آياتٍ أُخَرَ: من الكتاب. قال: وعَرَّفَ جميعَ خلْقِه - فى كتابه -: أن لا عِلمَ لهم، لا ما عَلَّمهم. ف قال: {وَٱللّه أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً} .؛ قال: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ} .ثم عَلَّمهم بما آتاهم: من العلم؛ وأمَرَهم: بالاقتصار عليه، وأنْ إلا يَتَوَلَّوْا غيرَه إلا: بما عَلَّمهم. فقال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ} ؛ قال تعالى: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللّه} ؛ وقال عز وجل: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} . وذَكَر سائرَ الآياتِ: التى ورَدَتْ فى عِلم الغَيبِ؛ وأنه حَجَب عن نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) عِلْمَ الساعةِ. ثم قال: فكان مَن جاوَزَ ملائكةَ اللّه المُقَرَّبِينَ، وأنبياءَه المُصْطَفَيْنِ -: من عباد اللّه. -: أقْصَرَ عِلماً، وأوْلى: أن لاَ يَتَعاطَوْا حُكما على غَيْبِ أحدٍ -: لا بدَلالةٍ، ولا ظنٍّ. -: لتَقْصِير عِلمِهِم عن عِلم أنبيائه: الذين فَرَض عليهم الوقفَ عما ورَدَ عليهم، حتى يأتِيَهم أمرُه.. وبسَطَ الكلامَ فى هذا. * * *فَرْضُ الْهِجْرَةِ وبهذا الإسناد: قال الشافعى (رحمه اللّه): ولما فرَض اللّه (عز وجل) الجهادَ، على رسوله (صلى اللّه عليه وسلم): جهادَ المشركينَ؛ بعدَ إذ كان أباحه؛ وأثْخَنَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أهل مكةَ ورأوْا كثرةَ مَن دَخل فى دينِ اللّه عزوجل -: اشْتَدُّوا على مَنْ أسْلم منهم؛ ففَتَنُوهم عن دينهِمْ، أو: مَنْ فَتَنُوا منهم. فعَذَرَ اللّه (عز وجل) مَنْ لم يَقْدِرْ على الهجرة -: من المفتُونينَ. - ف قال: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ} ؛ وبعث إليهم رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أنَّ اللّه (عز وجل) جعل لكم مَخْرَجاً.وفَرَض على مَن قَدَرَ على الهجرةِ، الخروجَ: إذا كان ممن يُفْتَتَنُ عن دِينهِ، ولا يُمْنَعُ. فقال فى رجل منهم تُوُفِّىَ -: تَخَلَّفَ عن الهجرةِ، فلم يُهاجرْ. -: {ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ} الآية: . وأبَانَ اللّه (عز وجل) عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، ف قال: {إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللّه أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ}الآية: . قال: ويقال: (عَسَى) من اللّه: واجبة.ودَلَّتْ سنةُ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): على أنَّ فَرْضَ الهجرة -: على مَن أطاقَها، - إنما هو: على مَنْ فُتِنَ عن دِينه، بالبلدة التى يُسلِم بها.لأن رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أذِن لقوم بمكةَ: أن يُقِيموا بها، بعد إسلامهم - منهم: العباسُ بن عبد المُطَّلِبِ، وغيرُه. -: إذ لم يخافوا الفِتنةَ. وكان يأمُرُ جيوشَه: أنْ يقولوا لمن أسلمَ: إنْ هاجرْتُم: فلكم ما للمهاجرينَ؛ وإنْ أقمتُم: فأنتُم كأعرابِ المسلمين. وليس يُخَيِّرُهم، إلا فيما يَحِلُّ لهم.. * * * (أنا) أبو سعيدٍ، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه) - فى قولِ اللّه عز وجل: {مَن كَفَرَ بِٱللّه مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ} . -:فَجعَل قولَهم الكفرَ: مَغفُوراً لهم، مَرفُوعاً عنهم: فى الدنيا والآخرةِ. فكان المعنى الذى عقَلْنا: أنَّ قولَ المُكْرَهِ، كما لم يقلْ: فى الحُكمِ. وعقَلْنا: أنَّ الإكراهَ هو: أنْ يُغلَبَ بغيرِ فعلٍ منه. فإذا تَلِفَ ما حَلَف: لَيَفعلَنَّ فيه شيئاً؛ فقدْ غُلِب: بغيرِ فِعلٍ منه. وهذا:فى أكثرَ مِن معنى الإكراهِ.. وقد أطْلَق الشافعى (رحمه اللّه) القولَ فيه؛ واختار؛ أنَّ يمين المُكرَهِ: غيرُ ثابتةٍ عليه؛ لِمَا احتجَّ به: من الكتابِ والسُّنةِ. قال الشافعى: وهو قولُ عطاءٍ: إنه يُطْرَحُ عن الناسِ، الخَطأُ والنِّسْيانُ.. وبهذا الإسنادِ، قال: قال الشافعى - فيمَن حَلَف لا يُكلمُ رجلاً؛ فأرسلَ إليه رسولا، أو كتَب إليه كتاباً-: فالورَعُ: أنْ يَحنَثَ؛ ولاَ يَتبَيَّنُ: أنه يحنَثُ. لأنَّ الرسولَ والكتابَ، غيرُ الكلامِ: وإنْ كان يكون كلاماً فى حالٍ.ومَن حَنَّثَه ذهبَ: إلى أنَّ اللّه (عز وجل) قال: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللّه إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ} . قال: إنّ اللّه (عز وجل) يقولُ للمؤمنينَ، فى المنافقينَ: {قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللّه مِنْ أَخْبَارِكُمْ} ؛ وإنما نَبَّأَهم مِن أخبارِهم: بالوحْىِ الذى نزَل به جبريلُ (عليه السلام) على النبى (صلى اللّه عليه وسلم)؛ ويخبِرُهم النبى (صلى اللّه عليه وسلم):بوحْىِ اللّه عزوجل.ومَن قال: لا يَحنَثُ؛ قال: لأنَّ كلامَ الآدمِيِّينَ لا يُشْبِهُ كلامَ اللّه (عز وجل): كلامُ الآدمِيِّينَ: بالمُوَاجَهةِ؛ ألاَ تَرى: أنه لو هَجَر رجلٌ رجلاً - كانت الهجرةُ محرَّمةٌ عليه فوْقَ ثلاثِ لَيَالٍ - فكتَب إليه، أو أرسَل إليه -: وهو يَقدِرُ على كلامِه. -: لم يُخرجْه هذا من هجرتِه: التى يأثَمُ بها. ١٢٠{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للّه حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } ١) تفسير (معنى أمّة) (أنا) أبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن فنجويه: بالدامغان، نا الفضل ابن الفضل الكندى، ثنا زكريا بن يحيى الساجى قال: سمعت أبا عبد اللّه (ابن أخى ابن وهب) يقول: سمعت السافعى يقول: الأمَّة على ثلاثة وجوه: قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ} ؛ قال: على دين. وقوله تعالى: {وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} ، قال: بعد زمان. وقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للّه} ؛ قال: معلماً. |
﴿ ٠ ﴾