سورة العنكبوت

٨

{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قال الشافعى): وما اختَلَطَ سَمَّتْهُ العرَبُ: أمْشاجاً.وقال اللّه تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} الآيةَ .فأخبَرَ(جل ثناؤه): أنَّ كلَّ آدَمِىٍّ: مَخلُوقٌ من ذكَرٍ وأنثَى؛ وسَمَّى الذكَرَ: أباً؛ والأنثَى: أُمَّاً.ونَبَّهَ: أنَّ ما نُسِبَ -: من الوَلَدِ. - إلى أبيه: نِعْمةٌ من نعَمِه؛ ف

قال: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} ؛

قال: {يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ} .

قال الشافعى: ثم كان بَيِّناً فى أحكامِه (جل ثناؤه): أنَّ نِعْمتَه لا تكونُ: من جِهةِ مَعصِيَته؛ فأحَلَّ النكاحَ، ف

قال: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ} ؛

وقال تبارك وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . وحَرَّم الزِّنا، ف

قال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ} ؛ معَ ما ذكَرَه: فى كتابِه.فكان مَعقُولا فى كتابِ اللّه: أنَّ ولَدَ الزِّنا لا يكونُ مَنْسُوباً إلى أبيه: الزّانى بأمِّه. لِمَا وَصَفْنا: من أنَّ نِعْمتَه إنَّما تكونُ: من جِهةِ طاعَتِه؛ لا: من جِهةِ مَعصِيَتِه.ثم: أبَانَ ذلك على لسانِ نبيِّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وبسَطَ الكلامَ فى شرْحِ ذلك.

١٤

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }

١) حجيّة خبر الواحدفصل فى تثبيت خبر الواحد من الكتاب

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع ابن سليمان،

قال:

قال الشافعى رحمه اللّه: وفى كتاب اللّه عز وجل دلالة على ما وصفت. قال اللّه عز وجل: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ} .

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ} 

وقال عز وجل: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} .

قال تعالى: {وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} .

قال تعالى: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً} .

قال تعالى: {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} .

وقال جل وعز: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللّه وَأَطِيعُونِ} .

وقال تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} .

قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ} .

قال الشافعى: فأقام (جل ثناؤه) حجته على خلقه فى أنبيائه بالأعلام التى باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجة على من شاهد أمور الأنبياء دلائلهم التى باينوا بها غيرهم؛ وعلى من بعدهم - وكان الواحد فى ذلك وأكثر منه سواء - تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر.

قال تعالى: {وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ} .

قال: فظاهر الحجة عليهم باثنين ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد؛ وليس الزيادة فى التأكيد مانعة من أن تقوم الحجة بالواحد إذَا أعطاه اللّه ما يباين به الخلق غير النبيين. واحتج الشافعى بالآيات التى وردت فى القرآن فى فرض اللّه طاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم ومن بعده إلى يوم القيامة واحداً واحداً، فى أن علي كل واحد طاعته؛ ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعلم أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم، وشَرَّف وكرَّم) إلا بالخبر عنه. وبسط الكلام فيه.

٦٧

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللّه يَكْفُرُونَ }

١) الحج (مكانه)

(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه تبارك وتعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}؛ إلى قوله: {وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} .

قال الشافعى: المثابةُ - فى كلام العرب -: الموضعُ: يَثُوبُ الناس إليه، ويؤوبون: يعودون إليه بعد الذَّهَاب عنه. وقد ي

قالُ: ثاب إليه: اجتمع إليه؛ فالمثابة تجمع الاجتماع؛ ويؤوبون: يجتمعون إليه: راجعين بعد ذهابهم عنه، ومبتدئين. قال وَرَقَةُ بن نَوْفَلٍ، يذكر البيت:

* مَثَاباً لأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا * تَخُبُّ إِلَيْهِ اليَعْمَلاَتُ الذَّوَابِلُ *

وقال خِدَاشُ بن زهير [النَّصْرِيّ]:

* فَمَا بَرِحَتْ بَكْرٌ تَثُوبُ وَتَدَّعِى * وَيَلْحَقُ مِنْهُمْ أوَّلُونَ فَآخِرُ *

قال الشافعى: وقال اللّه تبارك وتعالى: {وَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} ؛ يعنى (واللّه أعلم): آمنا من صار إليه: لا يُتَخَطَّفُ اختطافَ من حولهم.

وقال (عزّ وجلّ) لإبراهيم خليلِه - عليه السلام -: {وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} .

قال الشافعى: سمعتُ بعض من أرْضى - من أهل العلم - يذكر: أن اللّه (عزّ وجلّ) لما أمر بها، إبراهيمَ (عليه السلام): وقف على المقام، وصاح صيحة: عباد اللّه؛ أجيبوا داعىَ اللّه. فاستجاب له حتى مَنْ فى أصلابِ الرجال، وأرحامِ النساء. فمن حج البيت بعد دعوته، فهو: ممن أجاب دعوته. ووافاه من وافاه، يقول: لَبَّيْكَ داعِى ربِّنا لبيك..

وهذا -: من قوله: وقال لإبراهيم خليله.-: إجازةٌ؛ وما قبله: قراءةٌ.

﴿ ٠