سورة الاحزاب١{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللّه وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللّه كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } ١) المغازي (أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، قال: وقال الحسن بن محمدٍ - فيما أُخبِرْتُ عنه، وقرأتُه فى كتابِه -: أنا محمد بن سُفيانَ، نا يونُسُ بن عبد الأعْلَى، قال: وقال لى الشافعى: ما بعْدَ عِشرينَ ومِائةٍ -: من آلِ عِمرانَ. - نزَلتْ فى أُحِدٍ: فى أمرِها؛ وسُورةُ الأنْفالِ نزَلتْ: فى بَدْرٍ؛ وسُورةُ الأحْزابِ نزَلتْ: فى الْخَنْدَقِ، وهى: الأحْزابُ؛ وسُورةُ الْحَشْرِ نزَلتْ: فى النَّضِيرِ. ٤{ مَّا جَعَلَ ٱللّه لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللّه يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } ١) التبني وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه (إجازةً): عن أبى العباس، عن الربيع، عن الشافعى، أنه قال: زعَم بعضُ أهلِ التفسيرِ: أنَّ قولَ اللّه جل ثناؤه: {مَّا جَعَلَ ٱللّه لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} -: ما جَعَل لرجُلٍ: من أبَوَيْنِ؛ فى الإسلامِ. قال الشافعى: واسْتَدَلَّ بسِيَاقِ الآيةِ: قولِه تعالى: {ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللّه} .. قال الشيخ: قد روَيْنا هذا عن مُقاتِلِ بن حَيَّانَ؛ ورُوِىَ عن الزُّهْرِىِّ. ٥{ ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللّه فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللّه غَفُوراً رَّحِيماً } ١) التبني ٢) الولاء (وجوب نسبه الأب لابنه وإن اختلف الدين) وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه (إجازةً): عن أبى العباس، عن الربيع، عن الشافعى، أنه قال: زعَم بعضُ أهلِ التفسيرِ: أنَّ قولَ اللّه جل ثناؤه: {مَّا جَعَلَ ٱللّه لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} -: ما جَعَل لرجُلٍ: من أبَوَيْنِ؛ فى الإسلامِ. قال الشافعى: واسْتَدَلَّ بسِيَاقِ الآيةِ: قولِه تعالى: {ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللّه} .. قال الشيخ: قد روَيْنا هذا عن مُقاتِلِ بن حَيَّانَ؛ ورُوِىَ عن الزُّهْرِىِّ. * * * (أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس الأصَمُّ، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه عز وجل: {وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا}؛ الآية: . قال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} ؛ فنَسَبَ إبراهيمَ (عليه السلامُ)، إلى أبيه: وأبوه كافرٌ؛ ونسَبَ ابنَ نُوحٍ، إلى أبيه: وابنُه كافرٌ.وقال اللّه لنبيِّه (صلى اللّه عليه وسلم) - فى زيدِ بن حارِثةَ -: {ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللّه فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} ؛ قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللّه عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} ؛ فنَسَب المَوَالِىَ إلى نَسَبَيْنِ: (أحدُها): إلى الآباءِ؛ (والآخَرث): إلى الوَلاء. وجَعَل الوَلاَءَ: بالنِّعْمة.وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): إنَّما الوَلاَءُ: لَمِن أعْتَقَ.فدَلَّ الكتابُ والسنةُ: على أنَّ الوَلاَءَ إنما يكونُ: لُمَتَقَدِّمِ فِعلٍ من المُعْتِقِ؛ كما يكونُ النَّسَبُ: بمُتَقَدِّمِ وِلاَدٍ من الأبِ. وبَسط الكلامَ: في امتناعِهِم من تَحويلِ الوَلاَءِ عن المُعْتِقِ، إلى غيره: بالشَّرطِ: كما يمتنِعُ تَحويلُ النَّسَبِ: بالانْتِسَابِ إلى غيرِ مَن ثَبَت له النَّسَب. ٦{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللّه مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } ١) النكاح (خصوصيات النبي صلى اللّه عليه وسلم) مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى النِّكَاحِ، وَالصَّدَاقِوغَيْرِ ذلِكَ (أنبأنى) أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة)، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: وكان مما خَصَّ اللّه به نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم)، قولُه: {ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} . قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللّه وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً} ؛ فحرَّمَ نكاحَ نسائه - من بعده - على العالَمين؛ وليس هكذا نساءُ أحد غيرِه.. وقال اللّه عزّ وجلّ: {يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ} ؛ فأبانَهُنَّ به من نساء العالمين.و قولُه: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}؛ مثلُ ما وصفتُ: من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدةَ تَجمع معانيَ مختلفة. ومما وصفتُ: من أن اللّه أحكم كثيراً -: من فرائضه. - بوحيه؛ وسَنَّ شرائعَ واختلافَها، على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم)، وفى فعله. فقوله:(أُمَّهَاتُهُمْ)؛ يعنى: فى معنى دون معنى؛ وذلك: أنه لا يَحل لهم نكاحُهنَّ بحال، ولا يَحرم عليهم نكاحُ بنات: لو كنَّ لهنَّ؛ كما يحرم عليهم نكاحُ بنات أمهاتهم: اللاَّتى وَلَدْنهم، أوْ أرضعنهم.. وذكَر الحجة فى هذا؛ ثم قال: وقد يَنْزل القرآن فى النازلة: ينزل على ما يفهمه منْ أُنزلت فيه؛ كالعامة فى الظاهر: وهى يراد بها الخاصُّ والمعنى دون ما سواه.والعرب تقول - للمرأة: تَرُبُّ أمرَهم. -: أمُّنا وأُمُّ العيال؛ وتقول كذلك للرجل: يتولى أنْ يَقُوتَهمْ. -: أم العيال؛ بمعنى: أنه وضع نفسه موضعِ الأمّ التى تَرُبُّ أمر العيال. قال: تأبَّطَ شَرّاً - وهو يذكر غَزاة غزاها: ورجل من أصحابه وَلِىَ قوتهم. -: وأُمُّ عِيالٍ قَدْ شَهِدْتُ تَقُوتُهُمْ. -:. وذكر بقية البيت، وبيتين أخَوَيْن معه. قال الشافعى (رحمه اللّه): قلت: الرجل يسمى أما؛ وقد تقول العرب للناقة، والبقرة، والشاة، والأرض -: هذه أم عيالنا؛ على معنى: التى تَقُوت عيالَنا.. ١٢{ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللّه وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } ١) الجهاد ٢) الجهاد (أحوال المنافقين فيه) (أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): غزَا رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، فغزا معه بعضُ مَن يُعرَفُ نفاقُه: فانْخَزَلَ عنه يومَ أُحِدٍ بثلاثِمائةٍ.ثم شَهِدوا معه يومَ الخَنْدَقِ: فتكلموا بما حَكى اللّه (عز وجل): من قولهم: {مَّا وَعَدَنَا ٱللّه وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} .ثم غزَا بنى المصْطَلِقِ، فشَهِدها معه منهم، عَددٌ: فتكلموا بما حَكى اللّه (عز وجل): من قولهم: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ} ؛ وغيرِ ذلك مما حَكى اللّه: من نفاقِهمثم غزا غَزْوةَ تَبُوكَ، فشَهِدها معه منهم، قومٌ: نَفَرُوا به ليْلةَ العَقَبَةِ: ليقتلوه؛ فوقاه اللّه شرَّهم. وتَخَلَّف آخرون منهم: فيمن بحَضْرَتِه. ثم أنزل اللّه (عز وجل) عليه، فى غَزَاةِ تَبُوكَ، أو مُنْصَرَفِه منها - ولم يكن له فى تَبُوكَ قتالٌ -: من أخبارهم؛ فقال اللّه تعالى: {وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللّه ٱنبِعَاثَهُمْ}؛ قرأ إلى قوله: {وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ} . فأظهَرَ اللّه (عز وجل) لرسوله (صلى اللّه عليه وسلم): أسرارَهم، وخَبَر السَّمَّاعِينَ لهم، وابتِغاءَهم: أن يَفْتِنوا مَن معه: بالكذبِ والإرجافِ، والتَّخْذِيلِ لهم. فأخبرَ: أنه كَرِه انْبِعاثَهم، فَثَبَّطَهُمْ: إذ كانوا على هذه النِّيّةِ،فكان فيها ما دَلَّ: على أن اللّه (عز وجل) أمَر: أنْ يُمنَعَ مَن عُرِف بما عُرِفوا به، من أن يَغزُوَ مع المسلمين: لأنه ضَررٌ عليهم.ثم زاد فى تأكيد بيانِ ذلك، بقوله تعالى: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللّه} - (صلى اللّه عليه وسلم) - قرأ إلى قوله تعالى: {فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ} .. وبسط الكلام فيه. ٢٨{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } ١) الطلاق (الألفاظ التي تقع بها الطلاق) (نا) أبو عبد اللّه الحافظ، وأبو سعيد بن أبى عمرو - قالا: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: ذَكر اللّه (عز وجل) الطلاقَ، فى كتابه، بثلاثة أسماءٍ: الطلاقِ، والفِرَاقِ، والسَّرَاحِ. فقال جل ثناؤه: {إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ؛ وقال عزوجل: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} ؛ وقال لنبيه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أزواجه: {إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} .. زاد أبو سعيد - فى روايته -: قال الشافعى: فمن خاطب امرأتَه، فأفرد لها اسما من هذه الأسماء -: لزمه الطلاق؛ ولم يُنَوَّ فى الحُكْم، ونَوَّيْنَاه فيما بينه وبين اللّه عز وجل.. ٣٢{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } ١) النكاح (خصوصيات النبي صلى اللّه عليه وسلم)مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى النِّكَاحِ، وَالصَّدَاقِوغَيْرِ ذلِكَ (أنبأنى) أبو عبداللّه الحافظ (إجازة)، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: وكان مما خَصَّ اللّه به نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم)، قولُه: {ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} . قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللّه وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً} ؛ فحرَّمَ نكاحَ نسائه - من بعده - على العالَمين؛ وليس هكذا نساءُ أحد غيرِه..وقال اللّه عزّوجلّ: {يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ} ؛ فأبانَهُنَّ به من نساء العالمين.و قولُه: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}؛ مثلُ ما وصفتُ: من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدةَ تَجمع معانيَ مختلفة. ومما وصفتُ: من أن اللّه أحكم كثيراً -: من فرائضه. - بوحيه؛ وسَنَّ شرائعَ واختلافَها، على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم)، وفى فعله.فقوله:(أُمَّهَاتُهُمْ)؛ يعنى: فى معنى دون معنى؛ وذلك: أنه لا يَحل لهم نكاحُهنَّ بحال، ولا يَحرم عليهم نكاحُ بنات: لو كنَّ لهنَّ؛ كما يحرم عليهم نكاحُ بنات أمهاتهم: اللاَّتى وَلَدْنهم، أوْ أرضعنهم.. وذكَر الحجة فى هذا؛ ثم قال: وقد يَنْزل القرآن فى النازلة: ينزل على ما يفهمه منْ أُنزلت فيه؛ كالعامة فى الظاهر: وهى يراد بها الخاصُّ والمعنى دون ما سواه.والعرب تقول - للمرأة: تَرُبُّ أمرَهم. -: أمُّنا وأُمُّ العيال؛ وتقول كذلك للرجل: يتولى أنْ يَقُوتَهمْ. -: أم العيال؛ بمعنى: أنه وضع نفسه موضعِ الأمّ التى تَرُبُّ أمر العيال. قال: تأبَّطَ شَرّاً - وهو يذكر غَزاة غزاها: ورجل من أصحابه وَلِىَ قوتهم. -: وأُمُّ عِيالٍ قَدْ شَهِدْتُ تَقُوتُهُمْ. -:. وذكر بقية البيت، وبيتين أخَوَيْن معه. قال الشافعى (رحمه اللّه): قلت: الرجل يسمى أما؛ وقد تقول العرب للناقة، والبقرة، والشاة، والأرض -: هذه أم عيالنا؛ على معنى: التى تَقُوت عيالَنا.. ٣٤{ وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللّه وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللّه كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } ١) أصول فقه (حجية الكتاب والسنة) قال الشافعى رحمه اللّه: وفرض اللّه تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فقال فى كتابه: {رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ} . قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ ٱللّه عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} ، قال تعالى: {وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللّه وَٱلْحِكْـمَةِ} . وذكر غيرها من الآيات التى وردت فى معناها. قال: فذكر اللّه تعالى الكتاب، وهو القرآن؛ وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وهذا يشبه ما قال (واللّه أعلم) بأن القرى، ذكر وأتبعته الحكمة؛ وذكر اللّه (عز وجل) منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة. فلم يجز (واللّه أعلم) أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللّه، وأن اللّه افترض طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وحتم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول: فرض؛ إلا لكتاب اللّه، ثم سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مبينة عن اللّه ما أراد دليلاً على خاصه وعامه؛ ثم قرن الحكمة بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم ذكر الشافعى رحمه اللّه الآيات التى وردت فى فرض اللّه (عز وجل) طاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم. منها: قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللّه وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ} فقال بعض أهل العلم: أولو الأمر أمراء سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وهكذا أخبرنا واللّه أعلم، وهو يشبه ما قال واللّه أعلم -: أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن تعطى بعضها بعضاً طاعة الإمارة؛ فلما دانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رَسولِ اللّه صلى اللّه عليه وَسلم؛ فأمروا أن يطيعوا أولى الأمر الذين أمرهم رسُولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لا طاعة مطلقة، بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم. قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللّه} . يعنى إن اختلفتم فى شىء، وهذا إن شاء اللّه كما قال فى أولى الأمر.لأنه يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} يعنى (واللّه أعلم) هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم. {فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللّه وَٱلرَّسُولِ} يعنى (واللّه أعلم) - إلى ما قال اللّه والرسول إن عرفتموه؛ وإن لم تعرفوه سألتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه إذا وصلتم إليه، أو من وصل إليه. لأن ذلك الفرض الذى لا منازعة لكم فيه: لقول اللّه عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللّه وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . ومن تنازع ممن - بعد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - رد الأمر إلى قضاء اللّه؛ ثم إلى قضاء رسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضا نصا فيهما، ولا فى واحد منهما - ردوه قياساً على أحدهما. ٤٠{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللّه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } ١) الأنبياء صفوة الخلق ثم أبَانَ (جلَّ ثناؤه): أنَّ خيرَتَه مِنْ خلقِه: أنبياؤه؛ ف قال تعالى: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللّه ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} ؛ فجعَل النبيينَ (صلى اللّه عليه وسلم) من أصْفِيائه -دون عباده -: بالأمانةِ على وحيِه، والقيامِ بحُجَّتِهِ فيهم.ثم ذَكر مِن خاصَّةِ صَفْوَتِهْ، ف قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ} فَخَصَّ آدمَ ونوحاً: بإعادةِ ذِكْرِ اصْفِائِهما. وذَكرَ إبراهيمَ(عليه السلامُ)، ف قال: {وَٱتَّخَذَ ٱللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . وذَكرَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ، ف قال: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} .ثم أنعم اللّه (عزّ وجلّ) على آل إبراهيمَ، وآلِ عمرانَ فى الأُمم؛ ف قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .ثم اصْطَفَى محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) من خَيْر آلِ إِبراهيمَ؛ وأنزَل كتُبَه - قبل إنزالِ القرآنِ على محمد صلى اللّه عليه وسلم -: بصفة فضيلتِه، وفضيلةِ مَن اتبعه؛ ف قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللّه وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللّه وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ} الآية: .وقال لأمته: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؛ ففَضَّلهم: بكَيْنُونَتِهم من أمَّتِهِ، دون أُمم الأنبياءِ قبلَه.ثم أخبر (جلَّ ثناؤه): أنه جعله فاتحَ رحمتهِ، عند فَتْرَة رسلِه؛ ف قال: {يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} ؛ قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ} . وكان فى ذلك، ما دل: على أنه بعثه إلى خلقه -: لأنهم كانوا أهلَ كتاب وَأميين: - وأنهُ فَتَحَ به رحمتَه.وختَم به نُبُوَّتَه: قال عزوجل: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ} .وقَضَى: أن أظهَرَ دينَهُ على الأديان؛ ف قال: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} . ٤٩{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } ١) الطلاق (التطليق قبل العقد) ٢) العدّة (عدّة المطلقة قبل الدخول) مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْخُلعِ، وَالطَّلاَقِ، وَالرَّجْعَةِ قرأتُ فى كتاب أبى الحسن العاصِمىِّ: (أخبرنا) عبدالرحمن بن العباس الشافعىُّ - قرأتُ عليه بمصر - قال: سمعت يحيى بن زكريا، يقول: قرأ علىَّ يونسُ: قال الشافعى -: فى الرجل: يَحلف بطلاق المرأة، قبل أن يَنكِحَها. - قال: لا شىء عليه؛ لأنى رأيت اللّه (عز وجل) ذَكر الطلاقَ بعد النكاح.؛ وقرأ: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} .. قال الشيخ: وقد روينا عَنْ عِكْرِمَةِ، عن ابن عباس: أنه احتَج فى ذلك (أيضاً): بهذه الآية. * * * وبهذا الإسناد، قال: قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} .وكان بَيِّناً فى حكم اللّه (عز وجل): أن لا عِدَّةَ على المطلقة قبل أن تُمَسَّ، وأن المَسِيسَ هو الإصابة. ولم أعلم خلافاً فى هذا. وذكَر الآياتِ فى العدة، ثم قال: فكان بَيِّناً فى حكم اللّه (عز وجل) من يومِ يقعُ الطلاقُ، وتكونُ الوفاةُ.. ٥٣{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللّه لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللّه وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللّه عَظِيماً } ١) النكاح (خصوصيات النبي صلى اللّه عليه وسلم) ١٧مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى النِّكَاحِ، وَالصَّدَاقِوغَيْرِ ذلِكَ (أنبأنى) أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة)، نا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: وكان مما خَصَّ اللّه به نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم)، قولُه: {ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} . قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللّه وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً} ؛ فحرَّمَ نكاحَ نسائه - من بعده - على العالَمين؛ وليس هكذا نساءُ أحد غيرِه.. وقال اللّه عزّ وجلّ: {يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ} ؛ فأبانَهُنَّ به من نساء العالمين.و قولُه: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}؛ مثلُ ما وصفتُ: من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدةَ تَجمع معانيَ مختلفة. ومما وصفتُ: من أن اللّه أحكم كثيراً -: من فرائضه. - بوحيه؛ وسَنَّ شرائعَ واختلافَها، على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم)، وفى فعله.فقوله:(أُمَّهَاتُهُمْ)؛ يعنى: فى معنى دون معنى؛ وذلك: أنه لا يَحل لهم نكاحُهنَّ بحال، ولا يَحرم عليهم نكاحُ بنات: لو كنَّ لهنَّ؛ كما يحرم عليهم نكاحُ بنات أمهاتهم: اللاَّتى وَلَدْنهم، أوْ أرضعنهم.. وذكَر الحجة فى هذا؛ ثم قال: وقد يَنْزل القرآن فى النازلة: ينزل على ما يفهمه منْ أُنزلت فيه؛ كالعامة فى الظاهر: وهى يراد بها الخاصُّ والمعنى دون ما سواه.والعرب تقول - للمرأة: تَرُبُّ أمرَهم. -: أمُّنا وأُمُّ العيال؛ وتقول كذلك للرجل: يتولى أنْ يَقُوتَهمْ. -: أم العيال؛ بمعنى: أنه وضع نفسه موضعِ الأمّ التى تَرُبُّ أمر العيال. قال: تأبَّطَ شَرّاً - وهو يذكر غَزاة غزاها: ورجل من أصحابه وَلِىَ قوتهم. -: وأُمُّ عِيالٍ قَدْ شَهِدْتُ تَقُوتُهُمْ. -:. وذكر بقية البيت، وبيتين أخَوَيْن معه. قال الشافعى (رحمه اللّه): قلت: الرجل يسمى أما؛ وقد تقول العرب للناقة، والبقرة، والشاة، والأرض -: هذه أم عيالنا؛ على معنى: التى تَقُوت عيالَنا.. ٥٦{ إِنَّ ٱللّه وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } ١) الصلاة (الصلاة على الرسول صلى اللّه عليه وسلم في الصلاة) (الصلاة الإبراهيمية) (أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى: فرَضَ اللّه (جلّ ثناؤهُ) الصلاة على رسوله (صلى اللّه عليه وسلم)، ف قال: {إِنَّ ٱللّه وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} . فلم يكن فَرْضُ الصلاة عليه فى موضع، أولى منه فى الصلاة؛ ووجدنا الدلالةَ عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، بما وصفت: من أن الصلاة على رسولهصلى اللّه عليه وسلم فرْضٌ فى الصلاة؛ واللّه أعلم. فذكر حديثين: ذكرناهما فى كتابِ (المعرفة). (وأنا) أبو محمد عبداللّه بن يوسف الأصبهانىّ (رحمه اللّه)، أنا أبو سعيد ابن الأعرابى، أنا الحسن بن محمد الزعفرانى، نا محمد بن إدريس الشافعى؛ قال: أنا مالك، عن نعيم بن عبداللّه المجمر -: أن محمد بن عبداللّه بن زيد الأنصارى - وعبدُ اللّه بن زيد هو: الذى كان أُرِىَ النداءَ بالصلاة. - أخبره، عن أبى مسعود الأنصارى، أنه قال: أتانا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى مجلس سعد بن عُبَادَةَ، فقال له بشير بن سعد: أمرنا اللّه أن نُصلِّىَ عليكَ يا نبىّ اللّه؛ فكيف نصلىَ عليكَ؟. فسكتَ النبى (صلى اللّه عليه وسلم)، حتى تمنينا أنه لم يسأله. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): قولوا: اللّهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم؛ وبارك على مُحمدٍ وعلى آلِ مُحمدٍ، كما باركتَ على إبرَاهيمَ، فى العالمينَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ.. ورواهُ المزنى وحرملة عن الشافعى، وزاد فيه: والسلامُ كما قد علمتم. وفى هذا: إشارةٌ إلى السلام الذى فى التشهد، على النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم)؛ وذلك: فى الصلاة. فيُشْبه: أن تكون الصلاة التى أمر بها (عليه السلام) - أيضا - فى الصلاة؛ واللّه أعلم. قال الشافعى (رحمه اللّه) - فى رواية حرملة -: والذى أذهب إليه - من هذا -: حديثُ أبى مسعود، عن النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم). وإنما ذهبت إليه: لأنى رَأيتُ اللّه (عزَّ وجلَّ) ذكر ابتداءً صلاتَهُ على نبيه (صلى اللّه عليه وسلم)، وأمر المؤمنين بها؛ ف قال: {إِنَّ ٱللّه وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} ؛ وذكر صفوتَهُ من خلقه، فأعلمَ:أنهم أنبياؤه؛ ثم ذكر صفوته من آلهم فذكر: أنهم أولياء أنبيائه؛ ف قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ} . وكان حديث أبى مسعود -: أَنْ ذَكرَ الصلاةَ على محمد وآل محمد. - يشبه عندنا لمعنى الكتاب؛ واللّه أعلم قال الشافعى: وإني لأُحِبُّ: أن يدخل - مع آل محمد (صلى اللّه عليه وسلم) - أزْواجهُ وذريتهُ؛ حتى يكون قد اتى ما ورى عن النبى صلى اللّه عليه وسلم. قال الشافعى (رحمه اللّه): واختلف الناس فى آل محمد (صلى اللّه عليه وسلم) فقال منهم قائل: آلُ محمد: أهلُ دين محمد.ومَنْ ذهب هذا المذهب، أشبهَ أن يقول: قال اللّه تعالى لنوح: {ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} ؛ وحكى فقال {إِنَّ ٱبُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ * قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} الآية. فأخرجه بالشرك عن أن يكون من أهل نوح. قال الشافعى: والذى نذهب إليه فى معنى هذه الآية: أن قول اللّه (عزَّ وجلَّ): {نَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}؛ يعنى الذين أمرناك بحملهم معك. (فإن قال قائلٌ): وما دلّ على ما وصفت؟. (قيل): قال اللّه عزَّ وجلَّ: {وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ} ؛ فأعلمه أنه أمره: بأن يحمل من أهله، مَنْ لم يسبق عليه القول: أنه أهل معصية؛ ثم بين له ف قال: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}. قال الشافعى: وقال قائل: آل محمد: أزواجُ النبىّ محمد (صلى اللّه عليه وسلم). فكأنه ذهب: إلى أن الرجل يقال له: ألك أهل؟؛ فيقول: لا؛ وإنما يعنى: ليست لى زوجة. قال الشافعى: وهذا معنى يحتمله اللسان؛ ولكنه معنى كلام لا يُعرف، إلا أن يكون له سبب كلام يدلُّ عليه. وذلك: أن يقال للرجل: تزوجْتَ؟ فيقولَ ما تأهلتُ؛ فيعرف - بأول الكلام - أنه أراد: تزوجت أو يقولَ الرجلُ: أجنبتُ من أهلى؛ فيعرف: أن الجنابة إنما تكون من الزوجة. فأما أن يبدأ الرجل - فيقولَ: أهلى ببلد كذا، أو أنا أزور أهلى، وأنا عزيز الأهل، وأنا كريم الأهْل. -:فانما يذهبُ الناس فى هذا: إلى أهل البيت.وذهب ذاهبون: إلى أن آل محمد (صلى اللّه عليه وسلم): قرابةُ محمد (صلى اللّه عليه وسلم): التى ينفرد بها؛ دون غيرها: من قرابته. قال الشافعى (رحمه اللّه): وإذا عُدَّ من آل الرجل: ولَدُهُ الذين إليه نسبهم؛ ومَنْ يأويه بيته: من زوجه أو مملوكه أو مولي أو أحدٍ ضمه عياله؛ وكان هذا فى بعض قرابتهِ من قِبَلِ أبيه، دون قرابته من قِبَلِ امه؛ وكان يجمعه قرابة فى بعض قرابته من قِبَلِ أبيه، دون بعض.-: فلم يَجُزْ أن يستعمل على ما أراد اللّه (عزَّ وجَلّ) من هذا، ثمَّ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)؛ إلا بسنة رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم): إن الصدقة لا تحلُّ لمحمد، ولالآل محمد؛ وإن اللّه حرَمَ علينا الصدقة، وعوّضنا منها الخُمس. دَلَّ هذا على أن آل محمد: الذين حرَّمَ اللّه عليهم الصدقة، وعوَّضهم منها الخمس. وقال اللّه عزوجل: {وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ} . فكانت هذه الآيةُ فى معنى قول النبى (صلى اللّه عليه وسلم): إنَّ الصدقة لا تحلُّ لمحمدٍ، ولا لآلِ محمدٍ؛ وكان الدليل عليه: أن لا يوجدَ أمرٌ يقطع العنتَ، ويُلزم أهلَ العلم (واللّه أعلم)؛ إلا الخبرُ عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أن يؤتِىَ ذا القُرْبى حقَّهُ؛ وأعلمه: أنَّ للّه خُمسَهُ وللرَّسُول ولذى القربى؛ فأعْطى سهمَ ذى القربى، فى بنى هاشم وبنى المطلب -: دلَّ ذلك على أن الذين أعطاهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الخمسَ، هم: آل محمد الذين أمرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بالصلاة عليهم معه، والذين اصطفاهم من خلقه، بعد نبيه (صلى اللّه عليه وسلم). فإنه يقول: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ} ، فاعلم: أنه اصطفى الأنبياء (صلواتُ اللّه عليهم)، وآلَهم.. |
﴿ ٠ ﴾