سورة الصّافّات

١٣٩-١٤١

{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ }

١) المعاملات (الاستهام والقرعة)مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْقُرْعَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَلاَءِ، وَالْكِتَابَةِ

وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظُ (إجازةً): عن أبى العباس الأصَمِّ، عن الربيع، عن الشافعى (رحمه اللّه)،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} ؛

قال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ} . فأصلُ القُرْعةِ - فى كتابِ اللّه عز وجل -: فى قِصَّةِ المُقْتَرِعِين على مَريمَ، والمُقَارِعِينَ يُونُسَ (عليه السلام): مُجتَمِعةً.ولا تكونُ القُرْعةُ (واللّه أعلم)القُرْعةُ (واللّه أعلم) إلاَّ بيْنَ القومِ: مُسْتَوِينَ فى الحُجَّةِ.ولا يَعْدُو (واللّه أعلم) المُقْتَرِعُون على مَريمَ (عليها السلامُ)، أنْ يكونوا: كانوا سَوَاءً فى كَفَالَتِها؛ فتَنافَسُوها: لَمَّا كان: أنْ تكونَ عندَ واحدٍ، أرْفَقَ بها. لأنها لوْ صُيِّرَتْ عندَ كلِّ واحدٍ يوماً أو أكثرَ، وعندَ غيرِه مثلَ ذلك -: أشبَهَ أنْ يكونَ أضَرَّ بِها؛ مِن قِبَلِ: أنَّ الكافِلَ إذا كان واحداً: كان أعْطَفَ لها عَليها، وأعلَمَ له بما فيه مَصلَحتُها -: للعِلمِ:بأخلاقِها، وما تَقْبَلَ، وما تَرُدُّ؛ وما يَحْسُنُ به اغْتِذاؤها. - وكلَّ مَن أعْتَنَفَ كَفالتَها، كفَلَها: غير خابِرٍ بما يُصْلِحُها؛ ولعله لا يَقَعُ على صلاحِها: حتى تَصيرَ إلى غيره؛ فيَعْتَنِفُ: من كَفالتِها؛ ما اعْتَنفَ غيرُه.وله وَجْهٌ آخَرُ: يَصِحُّ؛ وذلك: أنَّ وِلاَيَةَ واحدٍ إذا كانت صبيَّة: غيرَ مُمتنِعةٍ ممَّا يمتَنِعُ منه مَن عَقَل -: يَستُرُ ما يَنبَغِى سَتْرُه. -: كان أكرَمَ لها، وأسْتَرَ عليها: أنْ يكْفُلَها واحدٌ، دونَ الجماعةِ.ويجُوزُ: أنْ تكونَ عندَ كافِلٍ، ويَغْرَمَ مَن بَقِىَ مُؤْنَتَها: بالحِصَصِ. كما تكونُ الصبيَّةُ عندَ خالتِها، و عندَ أمِّها: ومُؤْنَتُها: على مَن عليه مُؤْنَتُها.

قال: ولا يَعْدُو الذين اقْتَرَعُوا على كَفَالةِ مَريمَ (عليها السلام): أنْ يكونوا تَشَاحُّوا على كَفَالتِها - فهو: أشْبَهُ؛ واللّه أعلم - أو:يكونوا تَدَافَعُوا كَفَالتَها؛ فاقْتَرَعُوا: أيُّهم تَلزَمُه؟. فإذا رضىَ مَن شَح على كفالتِها، أنْ يَمُونَها -: لم يُكلِّفُ غيرَه أنْ يُعطِيَه: من مُؤْنَتِها؛ شيئاً. برضاه: بالتَّطَوُّعِ بإِخْراجِ ذلك من مالِه.

قال: وأىُّ المعنَييْنِ كان: فالقُرْعةُ تُلْزِمُ أحدَهم ما يَدفَعُه عن نفسه؛ أو تُخَلِّصُ له ما تَرغَبُ فيه نفسُه؛ وتَقطَعُ ذلك عن غيرِه:ممَّن هو فى مِثْلِ حالِه.وهكَذا معنى قُرْعةِ يُونُسَ (عليه السلامُ): لَمَّا وقَفتْ بهم السَّفِينةُ، فقالوا: ما يَمنَعُها أنْ تَجرِىَ إلاَّ: عِلّةٌ بها؛ وما عِلَّتُها إلاَّ: ذُو ذَنْبٍ فيها؛ فتَعَالَوْا: نَقْتَرِعْ. فاقتَرَعُوا: فوقَعتْ القُرْعةُ على يُونُسَ (عليه السلام): فأخرَجُوه منها، وأقامُوا فيها.وهذا: مِثْلُ معنى القُرْعةِ فى الذين اقتَرَعُوا على كَفَالةِ مَريمَ (عليها السلام)؛ لأنَّ حالةَ الرُّكْبانِ كانتْ مُسْتَوِيَةً؛ وإن لم يكنْ فى هذا حُكْمٌ: يُلْزِمُ أحدَهم فى مالِه، شَيئاً: لم يَلزَمُه قبْلَ القُرْعةِ؛ ويُزِيلُ عن أحدٍ شيئاً: كان يَلزَمُه -: فهو يُثْبتُ على بعضٍ الحقَّ، ويُبَيِّنُ فى بعضٍ: أنه بَرِيىءٌ منه. كما كان فى الذين اقتَرَعُوا على كَفَالةِ مَريمَ (عليها السلامُ): غُرْمٌ، وسُقوطُ غُرْمٍ

قال: وقُرْعةُ النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم) - فى كلِّ موضعٍ أقْرَعَ فيه -: فى مِثْلِ معنى الذين اقتَرَعُوا على كَفَالةِ مَريمَ (عليها السلامُ)، سَواءً: لا يُخالِفُه.وذلك: أنه (عليه السلامُ) أقْرَعَ بيْن مَمَالِيكَ: أُعْتِقُوا معاً؛ فَجَعل العِتْقَ: تامّاً لثُلُثِهم؛ وأسقَط عن ثُلُثَيْهِم:بالقُرْعةِ. وذلك: أنَّ المُعْتِقَ - فى مرضِه - أعتَقَ مالَه ومالَ غيرِه: فجاز عِتْقُه فى مالِه، ولم يَجُزْ فى مالِ غيرِه. فجَمَع النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) العِتْقَ: فى ثلاثةٍ؛ ولم يُبَعِّضْه. كما يَجْمَعُ: فى القَسْمِ بيْن أهلِ الموَاريثِ؛ ولا يُبَعَّضُ عليهم.وكذلك: كان إقْرَاعُه لنسائه: أنْ يَقْسِمَ لكلِّ واحدةٍ منهُنَّ: فى الحَضَرِ؛ فلَمَّا كان فى السفَرِ: كان مَنزِلةً: يَضِيقُ فيها الخُروجُ بكلِّهِنَّ؛ فأقْرَع بيْنهنَّ:فأيَّتهُنَّ خرَج سَهمُها: خرج بها، وسقَط حقُّ غيرِها: فى غَيْبَتِه بها؛ فإذا حَضَر: عادَ للقَسْمِ لغيرِها، ولم يَحْسِبْ عليها أيامَ سفَرِهاوكذلك: قَسَمَ خَيْبَرَ: فكان أربعةُ أخْماسِها لَمن حَضَر؛ ثم أقرَع: فأيُّهُم خرَج سَهمُه على جُزْءٍ مُجتَمِعٍ -: كان له بكمالِه، وانْقَطَع منه حقُّ غيرِه؛ وانْقَطَع حقُّه عن غيرِه..

﴿ ٠