سورة فصلت

٣٧

{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ للّه ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

١) الصلاة (صلاة الخسوف والكسوف)

(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ ٱللَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ للّه ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ}  الآية؛

وقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ} الآية ؛ مع ما ذكر اللّه -: من الآيات.-فى كتابه.

قال الشافعى: فذكر اللّه الآيات، ولم يذكر معها سجوداً إلا مع الشمس والقمر؛ وأمر: بأن لا يُسْجَدَ لهما؛ وأمر: بأن يُسْجَدَ له. فاحتمل أمره: أن يُسْجَدَ له؛ عند ذكر الشمس والقمر .-: أنْ أمر بالصلاة عند حادث فى الشمس والقمر. واحتمل: أن يكون إنما نهى عن السجود لهما؛ كما نهى عن عبادة ما سواه. فدلت سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): على أن يُصَلَّى للّه عند كسوف الشمس والقمر. فأشْبَهَ ذلك معنيين: (أحدهما): أن يُصَلَّى عند كسوفهما لا يختلفان فى ذلك؛ و ثانيهما: أن لا يؤمر - عند آية كانت فى غيرهما - بالصلاة؛ كما أُمِرَ بها عندهما. لأن اللّه لم يذكر فى شىء -: من الآيات. - صلاة. والصلاة - فى كل حال- طاعةٌ للّه تبارك وتعالى، وغِبْطَةٌ لمن صلاها. فيصلى - عند كسوف الشمس والقمر - صلاة جماعة؛ ولا يفعل ذلك فى شىء: من الآيات غيرِهما..

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى: أنا الثقة: أن مجاهداً كان يقولُ: الرعدُ: مَلَكٌ؛ والبرْقُ: أجنحة الملك يَسُقْنَ السحاب.

قال الشافعى: ما أشبه ما قال مجاهد، بظاهر القرآن..

وبهذا الإسناد، أنا الشافعى: أنا الثقة عن مجاهد: أنه

قال: ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره. كأنه ذهب إلى قوله تعالى: {يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}

قال: وبلغنى عن مجاهد أنه

قال: وقد سمعت من تصيبه الصواعق: وكأنه ذهب إلى قول اللّه عزّ وجلّ: {وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} .وسمعتُ منْ يقول: الصواعق ربما قتلت وأحرقت..

وبهذا الإسناد،

قال: أنا الشافعى: أنا من لا أتهم، نا العلاء ابن راشد، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن العباس،

قال: ما هَبَّتْ ريحٌ قطٌّ إلا جثا النبى (صلى اللّه عليه وسلم) على ركبتيه،

وقال: اللّهمّ: اجْعلها رحمةً، ولا تجعلها عذاباً. اللّهمّ: اجعلها رياحاً، ولا تجعلها ريحاً.. قال ابن عباس: فى كتاب اللّه عزّوجلّ: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} ، و: {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ} ؛

وقال: {وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} ؛ و: أرسلنا {ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} ..

٤١-٤٢

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }

١) القرآن كتاب هداية

٢) الحث على تعليم أحكام القرآنفصل فيما ذكره الشافعى رحمه اللّه فى التحريض على تعلم أحكام القرآن

(أخبرنا) أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحافظ رحمه اللّه، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان؛ أخبرناالشافعى رحمه اللّه فى ذكر نعمة اللّه علينا برسوله صلى اللّه عليه وسلم بما أنزل عليه من كتابه ف

قال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ؛ فنقلهم به من الكفر والعمى، إلى الضياء والهدى، وبين فيه ما أحل لنا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم به: من حظهم على الكف عنه فى الآخرة والأولى، وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول، وعمل، وإمساك عن محارم وحما هموها، وأثابهم على طاعته - من الخلود فى جنته، والنجاة من نقمته - ما عظمت به نعمته جل ثناؤه، وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته: من خلاف ما أوجب لأهل طاعته؛ ووعظهم بالإخبار عمن كان قبلهم: ممن كان أكثر منهم أموالاً وأولاداً، وأطول أعماراً، واحمد آثاراً؛ فاستمتعوا بخلاقهم فى حياة دنياهم، فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آمالهم، ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم؛ ليعتبروا فى آنف الأوان، ويتفهموا بجلية التبيان، وينتبهوا قبل رين الغفلة، ويعملوا قبل انقطاع المدة، حين لا يعتب مذنب، ولا تؤخذ فدية، و {تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً} .

وكان مما أنزل فى كتابه (جل ثناؤه) رحمة وحجة؛ علمه من علمه، وجهله من جهله.

قال: والناس فى العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم فى العلم به، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم فى الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية للّه فى استدراك علمه نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى اللّه فى العون عليه - فإنه لا يدرك خير إلا بعونه - فإن من أدرك علم أحكام اللّه فى كتابه نصاً واستدلالاً، ووفقه اللّه للقول والعمل لما علم منه - فاز بالفضيلة فى دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب، ونورت فى قلبه الحكمة، واستوجب فى الدين موضع الإمامة. فنسأل اللّه المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها، المديم بها علينا مع تقصيرنا فى الإتيان على ما أوجب من شكره لها، الجاعلنا فى خير أمة أخرجت للناس -: أن يرزقنا فهما فى كتابه، ثم سنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم وقولاً وعملاً يؤدى به عنا حقه، ويوجب لنا نافلة مزيده. فليست تنزل بأحد من أهل دين اللّه نازلة إلا وفى كتاب اللّه الدليل على سبل الهدى فيها.

قال اللّه عز وجل: {الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ} 

وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} 

وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .

قال الشافعى رحمه اللّه: ومن جماع كتاب اللّه عز وجل، العلم بأن جميع كتاب اللّه إنما نزل بلسان العرب، والمعرفة بناسخ كتاب اللّه ومنسوخه، والفرض فى تنزيله، والأدب، والإرشاد، والإباحة؛ والمعرفة بالوضع الذى وضع اللّه نبيه صلوات اللّه عليه وسلم: من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه فى كتابه، وبينه على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم؛ وما أراد بجميع فرائضه: أأراد كل خلقه، أم بعضهم دون بعض؟ وَما افترض على الناس من طاعته والانتهاء إلى أمره؛ ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدَّوال على طاعته، المبينة لاجتناب معصيته؛ وترك الغفلة عن الحظ، والازدياد من نوافل الفضل. فالواجب على العالمين الا يقولوا إلا من حيث علموا.

ثم ساق الكلام إلى أن

قال: والقرآن يدل على أن ليس فى كتاب اللّه شيء إلا بلسان العرب. قال اللّه عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} . وقال اللّه عز وجل: {وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} .

وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا} . فأقام حجته بأن كتابه عربى، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب، فى آيتين من كتابه؛ فقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} .

وقال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} .

وقال: ولعل من

قال: إن فى القرآن غير لسان العرب؛ ذهب إلى أن شيئاً من القرآن خاصاً يجهله بعض العرب. ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا يحيط بجميع علمه إنسان غير نبى. ولكنه لا يذهب منه شىء على عامة أهل العلم، كالعلم بالسنة عند أهل الفقه: لا نعلم رجلا جمعها فلم يذهب منها شىء عليه، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن. والذى ينطق العجم بالشىء من لسان العرب، فلا ينكر - إذا كان اللفظ قيل تعلماً، أو نطق به موضوعاً - أن يوافق لسان العجم أو بعضه، قليل من لسان العرب. فبسط الكلام فيه.

﴿ ٠