سورة الحجرات٦{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } ١) الشهادات (التثبت قبل الحكم)مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى الْقَضَايَا وَالشَّهَادَاتِ وفيما أنبأنى أبو عبداللّه الحافظُ (إجازةً): أنَّ أبا العباس حدَّثَهم: أنا الربيع، قال: قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه جل ثناؤه: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ؛ قال: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللّه فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً} . قال الشافعى: أمَر اللّه (جل ثناؤه) مَن يُمْضِى أمْرَه على أحدٍ -: من عبادِه. -: أنْ يكونَ مُسْتَثْبِتاً، قبْلَ أنْ يُمْضِيَه. وبَسَط الكلامَ فيه. ٩{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللّه فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللّه يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } ١) الصلح بين المسلمين ٢) قتال أهل البغيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِى قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْىِ، وَالْمُرْتَدِّ (وفيما أنبأنى) أبو عبد اللّه (إجازةً): أن أبا العباس حدثهم: أنا الربيع، قال: قال الشافعى: قال اللّه عز وجل: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللّه} .فذَكَرَ اللّه تعالى: اقْتِتَالَ الطائفتينِ؛ والطائفتانِ الممتَنِعتَانِ: الجماعتانِ: كلُّ واحدة تَمْتَنِعُ؛ وسمَّاهم اللّه (عز وجل): المؤمنينَ؛ وأمَر: بالإصلاح بينهم.فَحقَّ على كل أحدٍ: دعاءُ المؤمنين -: إذا افترقوا، وأرادوا القتالَ. -: أن لا يُقاتَلُوا، حتى يُدْعَوْا إلى الصُّلح. قال: وأمَرَ اللّه (عز وجل): بقتال الفِئَةِ الباغِيَةِ -: وهى مُسَمَّاةٌ باسم: الإيمانِ . - حتى تَفِيءَ إلى أمرِ اللّه.فإِذا فاءتْ، لم يكن لأحد قتالُهَا: لأن اللّه (عز وجل) إنما أذِنَ فى قتالها: فى مدة الامتناع -: بالبغى. - إلى أن تَفِيءَ.والفَيْءُ: الرَّجعةُ عن القتال:بالهزيمة، أو التوبةِ وغيرها. وأىُّ حال تَرَك بها القتالَ: فقد فاء. والفىْءُ -: بالرجوع عن القتال. -: الرجوعُ عن معصية اللّه إلى طاعته، والكفُّ عما حرَّم اللّه(عز وجل). وقال أبو ذُؤَيْبٍ الهُذَلِىُّ - يُعَيِّرُ نَفَراً من قومه: انهزموا عن رجل من أهله، فى وَقْعَةٍ، فقُتِل. -: * لاَ يَنْسَأُ اللّه مِنَّا، مَعْشَراً: شَهِدُوا * يَوْمَ الأميْلِحِ، لاَ غَابُوا، وَلاَ جَرَحُوا * * عَقَّوْا بِسَهْمٍ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ أحَدٌ؛ * ثُمَّ اسْتَفَاؤُا، فَقَالُوا: حَبَّذَا الْوَضَحُ. * قال الشافعى: فأمَر اللّه (تبارك وتعالى) -: إن فاؤا. -: أن يُصْلَحَ بينهم بالعدل؛ ولم يَذكر تِبَاعَةً: فى دمٍ، ولا مالٍ. وإنما ذكر اللّه (عز وجل) الصُّلحَ آخِرا، كما ذَكر الإصلاحَ بينهم أوَّلا: قبل الإذن بقتالهم.فأشْبَهَ هذا (واللّه أعلم): أن تكونَ التِّبَاعَاتُ: فى الجراح والدماءِ، وما فلت -. من الأموال. - ساقِطةً بينهم.وقد يَحتملُ قولُ اللّه عز وجل: {فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ}: أنْ يُصلَحَ بينهم: بالحكم -: إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حُكمٌ. -: فيُعطَي بعضُهم من بعضٍ، ما وجب له. لقول اللّه عز وجل: (بالعدل)؛ والعدلُ: أخذُ الحقِّ لبعض الناس من بعض.. ثم اختار الأولَ، وذَكر حجتَه. ١٣{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ١) أصول فقه (العام والخاص) ٢) تفسير (خلق الإنسان)فصل فى معرفة العموم والخصوص (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال: قال الشافعى رحمه اللّه: قال اللّه تبارك تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} . قال تعالى: {خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ} . قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللّه رِزْقُهَا} . فهذا عام لا خاص فيهِ، فكل شىء: من سماء، وأرض، وذى روح، وشجر، وغير ذلك - فاللّه خالقه. وكل دابة فعلى اللّه رزقها ويعلمُ مُستقرَّها ومُستودَعَها، وقال عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ} . قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ * فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية: . قال تعالى: {إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} الآية . قال الشافعي: فبين فى كتاب اللّه أن فى هاتين الآيتين العموم والخصوص. فأما العموم منها ففى قوله عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ} . فكل نفس خوطب بهذا فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقبله وبعده -مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل.والخاص منها فى قوله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللّه أَتْقَاكُمْ} لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها -: من البالغين من بنى آدم - دون المخلوقين من الدواب سواهم، ودون المغلوب على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم. فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها. وفى السنة دلالة عليه؛ قال رسول اللّه صىل اللّه عليه وسلم: رُفعَ القلمُ عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبى حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق. قال الشافعى رحمه اللّه: وهكذا التنزيل فى الصوم، والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله، ودون الحيض فى أيام حيضهن. * * * قال الشافعى): وما اختَلَطَ سَمَّتْهُ العرَبُ: أمْشاجاً.وقال اللّه تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} الآيةَ .فأخبَرَ(جل ثناؤه): أنَّ كلَّ آدَمِىٍّ: مَخلُوقٌ من ذكَرٍ وأنثَى؛ وسَمَّى الذكَرَ: أباً؛ والأنثَى: أُمَّاً.ونَبَّهَ: أنَّ ما نُسِبَ -: من الوَلَدِ. - إلى أبيه: نِعْمةٌ من نعَمِه؛ ف قال: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} ؛ قال: {يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ} . قال الشافعى: ثم كان بَيِّناً فى أحكامِه (جل ثناؤه): أنَّ نِعْمتَه لا تكونُ: من جِهةِ مَعصِيَته؛ فأحَلَّ النكاحَ، ف قال: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ} ؛ وقال تبارك وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . وحَرَّم الزِّنا، ف قال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ} ؛ معَ ما ذكَرَه: فى كتابِه.فكان مَعقُولا فى كتابِ اللّه: أنَّ ولَدَ الزِّنا لا يكونُ مَنْسُوباً إلى أبيه: الزّانى بأمِّه. لِمَا وَصَفْنا: من أنَّ نِعْمتَه إنَّما تكونُ: من جِهةِ طاعَتِه؛ لا: من جِهةِ مَعصِيَتِه.ثم: أبَانَ ذلك على لسانِ نبيِّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وبسَطَ الكلامَ فى شرْحِ ذلك. |
﴿ ٠ ﴾