سورة الجمعة

٢

{ هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}

١) الأنبياء صفوة الخلق

ثم أبَانَ (جلَّ ثناؤه): أنَّ خيرَتَه مِنْ خلقِه: أنبياؤه؛ ف

قال تعالى: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللّه ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} ؛ فجعَل النبيينَ (صلى اللّه عليه وسلم) من أصْفِيائه -دون عباده -: بالأمانةِ على وحيِه، والقيامِ بحُجَّتِهِ فيهم.ثم ذَكر مِن خاصَّةِ صَفْوَتِهْ، ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ}  فَخَصَّ آدمَ ونوحاً: بإعادةِ ذِكْرِ اصْفِائِهما. وذَكرَ إبراهيمَ(عليه السلامُ)، ف

قال: {وَٱتَّخَذَ ٱللّه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . وذَكرَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ، ف

قال: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} .ثم أنعم اللّه (عزّوجلّ) على آل إبراهيمَ، وآلِ عمرانَ فى الأُمم؛ ف

قال: {إِنَّ ٱللّه ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .ثم اصْطَفَى محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) من خَيْر آلِ إِبراهيمَ؛ وأنزَل كتُبَه - قبل إنزالِ القرآنِ على محمد صلى اللّه عليه وسلم -: بصفة فضيلتِه، وفضيلةِ مَن اتبعه؛ ف

قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللّه وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللّه وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ} الآية: .

وقال لأمته: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؛ ففَضَّلهم: بكَيْنُونَتِهم من أمَّتِهِ، دون أُمم الأنبياءِ قبلَه.ثم أخبر (جلَّ ثناؤه): أنه جعله فاتحَ رحمتهِ، عند فَتْرَة رسلِه؛ ف

قال: {يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} ؛

قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ} . وكان فى ذلك، ما دل: على أنه بعثه إلى خلقه -: لأنهم كانوا أهلَ كتاب وَأميين: - وأنهُ فَتَحَ به رحمتَه.وختَم به نُبُوَّتَه: قال عزوجل: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللّه وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ}  .وقَضَى: أن أظهَرَ دينَهُ على الأديان؛ ف

قال: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} .

٩

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللّه وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

١) الصلاة (الأذان)

٢) الصلاة (وجوب السعي لها)

٣) الصلاة (الجمعة والسعي لها)

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً} ؛

قال: {ذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللّه}  فذكر اللّه الأذان للصلاة، وذكر يوم الجمعة. فكان بيناً (واللّه أعلم): أنه أراد المكتوبة بالآيتين معاً؛ وسَنَّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الأذان للمكتوبات ولم يحفظ عنه أحد علمته: أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة.

* * *

(أخبرنا) أبو سعيد أنا أبو العباس، أنا الربيع، قال.

قال الشافعى (رحمه اللّه): ذكر اللّه (تعالى) الأذان بالصلاة، ف

قال: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً} ؛

قال تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللّه وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ}  فأوجب اللّه عزوجل (واللّه أعلم): إتيانَ الجمعة؛ وسنَّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): الأذانَ للصلوات المكتوبات. فاحتمل: أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة فى غير الجمعة؛ كما أمرنا بإِتيان الجمعة، وتركِ البيع. واحتمل: أن يكون أذن بها: لتصلَّى لوقتها.وقد جمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): مسافراً ومقيما، خائفاً وغيرَ خائف. وقال (جلَّ ثناؤه) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ}  الآية، والتى بعدها. وأمرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليهِ وسلم) مَنْ جاء الصلاة: أن يأتيها وعليه السكينة؛ ورَخص فى ترك إِتيان صلاة الجماعة، فى العذر -: بما سأذكره فى موضعه.فأشْبه ما وصفتُ -: من الكتاب والسنة.-: أن لا يحل تركُ أن تصلَّى كل مكتوبة فى جماعة؛ حتى لا تخلو جماعة: مقيمون، ولا مسافرون - من أن تصلَّى فيهم صلاة جماعة..

* * *

(أنا) أبو سعيد، أنا أبو البعاس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}

[قال الشافعى] أنا إبراهيم بن محمد، حدثنى صفوان بن سليم، عن نافع بن جبير، وعطاء بن يسار -: أن النبى (صلى اللّه عليه وسلم)

قال: شاهد: يومُ الجمعة؛ ومشهود: يومُ عرفة.

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى: قال اللّه عزَّ وجلَّ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللّه وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ} . والأذان - الذى يجب على من عليه فرضُ الجمعة: أن يذر عنده البيعَ. -: الأذانُ الذى كان على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)؛ وذلك:الأذانُ الثانى: بعد الزوال، وجلوسِ الإمام على المنبر..

وبهذا الإسناد.

قال الشافعى: ومعقولٌ: أن السعى - فى هذا الموضع -: العملُ؛ لا: السعىُ على الأقدام. قال اللّه عزَّوجلَّ: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ}؛ وقال عزوجل: {وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} 

قال: {وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} ؛

قال تعالى: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ} ؛

قال: {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا} . وقال زُهَيْرٌ:

* سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يُدْرِكُوهُمُ * فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَلَمْ يُلاَمُوا، وَلَمْ يَألُوا *

* وَمَا يَكُ مِنْ خَيْرٍ أتَوْهُ: فَإِنَّمَا * تَوَارَثَهُ آبَاءُ آبَائِهِمْ قَبْل *

* وَهَلْ يَحْمِلُ الْخَطِّىِّ إلاَّ وَشِيجُهُ * وَتُغْرَسُ - إلاَّ فِى مَنَابِتِهَا - النَّخْلُ *

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى: قال اللّه عزَّوجلَّ: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً} .

قال: ولم أعلم مخالفاً: أنها نزلت فى خُطبة النبى (صلى اللّه عليه وسلم) يومَ الجمعة..

قال الشيخ: فى رواية حرملة وغيره - من حُصَيْنٍ، عن سالم بن أبى الجعْد، عن جابر-: أن النبى (صلى اللّه عليه وسلم) كان يخطب يوم الجمعة قائما، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا. فأنزلت هذه الآية.

وفى حديث كعب بن عجرة: دلالةٌ على أن نزولها كان فى خطبته قائما.

قال: وفى حديث حصين: بينما نحن نصلى الجمعة؛ فإنه عبر بالصلاة عن الخطبة.

﴿ ٠