سورة الطلاق

١

{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللّه رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ... }

١) الطلاق (السنة فيه)

٢) الطلاق (الألفاظ التي تقع بها الطلاق)

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} .

قال: وقُرِئت: (لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ)؛ وهما لا يختلفان فى معنى.. ورَوى ذلك عن ابن عمرَ رضي اللّه عنه.

قال الشافعى (رحمه اللّه): وطلاقُ السُّنَّة - فى المرأة: المدخولِ بها، التى تحيض. -: أن يطلقها: طاهراً من غير جماع، فى الطهر الذى خرجت إليه من حيضة، أو نفاس..

قال الشافعى: وقد أمر اللّه (عز وجل): بالإمساك بالمعروف، والتَّسْرِيحِ بالإحسان. ونَهَى عن الضرر.وطلاق الحائض: ضررٌ عليها؛ لأنها: لا زوجةٌ، ولا فى أيام تَعْتَدُّ فيها من زوج -: ما كانت فى الحيضة. وهى: إذا طَلَقتْ -: وهى تحيض. - بعد جماع:لم تدر، ولا زوجُها: عدتُها: الحمل، أو الحيضُ؟.ويُشْبِه: أن يكون أراد: أن يَعلما مما العدةَ؛ ليرغَبَ الزوجُ، وتُقْصِرَ المرأةُ عن الطلاق: إذا طلبتْه..

* * *

(نا) أبو عبد اللّه الحافظ، وأبو سعيد بن أبى عمرو - قالا: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: ذَكر اللّه (عز وجل) الطلاقَ، فى كتابه، بثلاثة أسماءٍ: الطلاقِ، والفِرَاقِ، والسَّرَاحِ. فقال جل ثناؤه: {إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ؛ وقال عزوجل: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} ؛ وقال لنبيه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أزواجه: {إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} ..

زاد أبو سعيد - فى روايته -:

قال الشافعى: فمن خاطب امرأتَه، فأفرد لها اسما من هذه الأسماء -: لزمه الطلاق؛ ولم يُنَوَّ فى الحُكْم، ونَوَّيْنَاه فيما بينه وبين اللّه عز وجل..

٢

{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ للّه ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللّه وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللّه يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }

١) الطلاق (الألفاظ التي تقع بها الطلاق)

٢) الهجرة (الإذن بها)

٣) الشهادة (في الزواج والطلاق)

٤) الشهادة (عدد الشهود وصفتهم)

(نا) أبو عبد اللّه الحافظ، وأبو سعيد بن أبى عمرو - قالا: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى،

قال: ذَكر اللّه (عز وجل) الطلاقَ، فى كتابه، بثلاثة أسماءٍ: الطلاقِ، والفِرَاقِ، والسَّرَاحِ. فقال جل ثناؤه: {إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ؛

وقال عز وجل: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} ؛ وقال لنبيه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أزواجه: {إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} ..

زاد أبو سعيد - فى روايته -:

قال الشافعى: فمن خاطب امرأتَه، فأفرد لها اسما من هذه الأسماء -: لزمه الطلاق؛ ولم يُنَوَّ فى الحُكْم، ونَوَّيْنَاه فيما بينه وبين اللّه عزوجل..

* * *

وقال - فى قول اللّه عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً}  . -: إذا شارَفْنَ بلوغَ أجلهن، فراجعوهن بمعروف، أو دعوهن تنقضى عِدَدُهن بمعروف. ونهاهم: أن يُمسكوهن ضراراً:ليعتدوا؛ فلا يَحل إمساكُهن: ضرارا..

زاد على هذا، فى موضع آخرَ - هو عندى: بالإجازة عن أبى عبداللّه، بإسناده عن الشافعى. -:والعرب تقول للرجل -: إذا قارب البلدَ: يريده؛ أو الأمرَ: يريده -: قد بَلغتَه؛ وتقوله: إذا بلغه.فقوله فى المطلَّقات: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} : إذا قاربن بلوغَ أجلهن. فلا يؤمرُ بالإمساك، إلا: مَن كان يَحل له الإمساكُ فى العِدّة.

وقولُه (عز وجل) فى المُتَوَفَّى عنها زوجُها: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} ؛ هذا:إذا قضَيْن أجلَهن.وهذا: كلام عربى؛ والآيتان يدلان: على افتراقهما بيِّناً: والكلامُ فيهما: مثلُ قوله (عز وجل) فى المتوفَّى عنها:{وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ} : حتى تنقضى عِدَّتُهَا، فيَحِلَّ نكاحُها..

* * *الإِذْنُ بِالْهِجْرَةِ

(أنا) أبو سعيد، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): وكان المسلمون مُسْتَضْعَفِينَ بمكةَ، زمانا: لم يؤذَنْ لهم فيه بالهجرةِ منها؛ ثم أذِنَ اللّه لهم بالهجرة، وجعل لهم مَخْرَجاً. في

قال: نزلت: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّه يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}  وأمَرَهم: ببلاد الحَبَشَةِ. فهاجرتْ إليها منهم طائفةٌ.

ثم دخل أهلُ المدينةِ فى الإسلام: فأمَرَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) طائفةً - فهاجرتْ إليهم -: غيرَ محَرِّمٍ على من بقىَ، تركَ الهجرة.

وذَكر اللّه (عز وجل) أهلَ الهجرةِ، ف

قال: {وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ} ؛

قال: {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ} ؛

قال: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللّه} .

قال: ثم أذِنَ اللّه لرسوله (صلى اللّه عليه وسلم): بالهجرةِ منها؛ فهاجر رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى المدينةِ.ولم يُحَرِّم فى هذا، على مَن بقىَ بمكةَ، المُقامَ بها -: وهى دارُ شركٍ. - وإن قَلُّوا: بأن يُفْتَنُوا. و لم يأذنْ لهم بجهاد. ثم أذِن اللّه (عز وجل) لهم: بالجهادِ؛ ثم فَرَض - بعد هذا - عليهم: أنْ يُهاجِروا من دارِ الشركِ. وهذا موضوعٌ فى غير هذا الموضع..

* * *

قال الشافعى: قال اللّه عز وجل: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ}.فأمَرَ اللّه (جل ثناؤه) فى الطلاقِ والرَّجْعةِ: بالشهادةِ؛ وسَمَّى فيها: عَددَ الشهادةِ؛ فانتَهَى: إلى شاهدَيْنِ.فدَلّ ذلك: على أنَّ كمالَ الشهادةِ فى الطلاقِ والرَّجْعةِ: شاهدانِ لا نساءَ فيهما. لأنَّ شاهدَيْنِ لا يَحتَملُ بحالٍ؛ أنْ يكونا إلا رجُلَيْنِ.ودَلَّ أنى لم ألقَ مخالفاً:حفظتُ عنه -: من أهلِ العلم - أنَّ حراماً أنْ يُطلِّقَ: بغيرِ بَيِّنةٍ؛ على: أنه (واللّه أعلم): دَلالةُ اختيارٍ. واحتَمَلتْ الشهادةُ على الرَّجْعةِ-: من هذا. - ما احتَمَل الطلاقُ..

ثم ساق الكلامَ، إلى أنْ

قال: والاختيارُ فى هذا، وفى غيرِه -: مما أُمِر فيه بالشهادةِ. -: الإشهادُ..

* * *

(أنبأنى) أبو عبد اللّه (إجازةً): أن أبا العباس حدثهم: أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمها للّه تعالى): قال اللّه تبارك وتعالى: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} ؛ وقال اللّه تعالى: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ} .فكان الذى يَعرِفُ مَن خُوطِبَ بهذا، أنه أُريد به:الأحرارُ، المَرْضِيُّونَ، المسْلمون. من قِبَلِ: أنَّ رجالَنا ومَن نَرضَى: من أهل دِينِنا؛ لا: المشركون؛ لقطْعِ اللّه الوِلايةَ بيْننا وبيْنهم:بالدِّينِ. و: رجالَنا: أحرارُنا؛ لا: مَمَالِيكُنا؛ الذين: يَغلِبُهم مَن تَملّكَهم، على كثيرٍ: من أمورِهِم. و: أنَّا لا نَرضَى أهلَ الفِسقِ منا؛ و: أنَّ الرِّضَا إنما يَقَعُ على العُدُولِ منا؛ ولا يَقَعُ إلاَّ: على البالِغينَ؛ لأنه إنما خُوطِبَ بالفرائضِ: البالِغُون؛ دُونَ: مَن لم يَبلُغْ.. وبسَطَ الكلامَ فى الدَّلالةِ عليه.

(أنا) أبو سعيد بنُ أبى عمرو، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): فى قولِ اللّه عز وجل: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ}؛ إلى: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ}، وقولِه تعالى: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ؛ دَلالةٌ: على أنَّ اللّه (عز وجل) إنما عَنَى: المسْلمين؛ دُونَ غيرِهم.

ثم ساقَ الكلامَ، إلى أنْ

قال: ومَن أجازَ شهادةَ أهلِ الذِّمَّةِ، فأعْدَلُهُم عندَه: أعظَمُهُم باللّه شِرْكاً: أسْجَدُهم للصَّليبِ، وألْزَمُهُم للكَنيسةِ.فإنْ قال قائلٌ: فإنَّ اللّه (عز وجل) يقولُ: {حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ؛ أىْ مِن غيرِ أهلِ دِينِكُم.

قال الشافعى: فقد سمِعتُ مَن يَتَأَوَّلُ هذه الآيةَ، على: مِن غيرِ قَبِيلتِكم: من المسْلمين..

قال الشافعى: والتنزيلُ (واللّه أعلم) يدُلُّ على ذلك: لقولِ اللّه تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ} ؛ والصلاةُ المُوَقَّتَةُ:للمسْلمين. ولقولِ اللّه تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} ؛ وإنما القَرابَةُ: بيْن المسْلمين الذين كانوا معَ النبيِّ (صلى اللّه عليه وسلم): من العرَبِ؛ أوْ: بيْنهم وبيْن أهلِ الأوْثانِ. لا: بيْنهم وبيْن أهلِ الذِّمَّةِ. وقولِ اللّه: {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللّه إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ} ؛ فإنما يَتَأثَّمُ من كِتْمانِ الشهادةِ للمسْلمين: المسْلمون؛ لا: أهلُ الذِّمَّةِ.

قال الشافعى: وقد سمِعتُ مَن يَذكُرُ: أنها منسوخةٌ بقولِ اللّه عز وجل: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ؛ واللّه أعلم.

ثم جَرَى فى سِياقِ كلامِ الشافعىِّ (رحمه اللّه) أنه

قال: قلتُ له: إنما ذَكَر اللّه هذه الآيةَ: فى وصِيَّةِ مسْلمٍ: أفَتُجِيزُها: فى وصِيّةِ مسْلمٍ فى السفَرِ؟.

قال: لا. قلتُ: أوَ تُحَلِّفُهُم: إذا شهِدُوا.؟.

قال: لا قلتُ: ولِمَ: وقد تَأوَّلْتَ: أنها فى وصِيَّةِ مسْلمٍ.؟!.

قال: لأنها مَنسُوخةٌ قلت: فإنْ نُسِخَتْ فيما أُنزِلَتْ فيه -: فلِمَ تُثْبِتُها فيما لم تُنْزَلْ فيه؟!..

وأجاب الشافعىُّ (رحمه اللّه) - عن الآيةِ -: بجواب آخَرَ؛ على ما نُقِل عن مُقاتِل بن حَيَّانَ، وغيرِه: فى سببِ نزولِ الآيةِ.

وذلك: فيما أخبرَنا أبو سعيد بنُ أبى عمرو،

قال: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أخبرنى أبو سعيدٍ: مُعاذُ بن موسى الجَعْفَرِىُّ؛ عن بُكَيْرِ بن مَعروفٍ، عن مُقاتلِ بن حَيَّانَ (قال بُكَيْرٌ: قال مُقاتلٌ: أخذتُ هذا التفسير، عن: مُجاهدٍ، والحسنِ، والضَّحَّاكِ.) -: فى قولِ اللّه عز وجل: {ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}؛ الآيةَ. -: أنَّ رجليْنِ نَصْرانِيَّيْنِ من أهلِ دَارينَ؛ أحدُهما: تَمِيمىٌّ؛ والآخَرث يَمَانيٌّ؛ (وقال غيرُه: من أهلِ دَارِينَ؛ أحدُهما: تميمٌ؛ والآخَرُ: عَدِىٌّ.) -: صَحبَهما مَوْلًى لقُرَيْشٍ فى تجارةٍ، فركِبُوا البحرَ: ومعَ القُرَشِىِّ مالٌ معلومٌ، قد علِمه أولياؤه - من بيْنِ آنِيَةٍ، وبَزٍ، ورِقَةٍ . - فمرِض القُرَشِىُّ: فجَعَل وصِيّتَه إلى الدَّارِيَّيْنِ؛ فمات، وقبَض الداريَّان المالَ والوصِيّةَ: فدَفَعاه إلى أوْلياءِ الميِّتِ، وجاءا ببعضِ مالِه. فأنكرَ القومُ قِلَّةَ المالِ، فقالوا للدَّارِيّيْنِ: إنَّ صاحِبَنا قد خرَج: ومعه مالٌ أكثرُ مما أتيْتُمُونا به؛ فهل باع شيئاً، أو اشتَرَى شيئاً: فوَضَع فيه؛ أو هل طال مرضُه: فأنفقَ على نفسهِ؟. قالا: لا. قالوا: فإنكما خُنتُمُونا فقبَضُوا المالَ، ورفَعُوا أمْرَهما إلى النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم): فأنزل اللّه تعالى: {يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}؛ إلى آخِرِ الآيةِ. فلمَّا نزَلتْ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ}: أمَرَ النبىُّ (صلى اللّه عليه وسلم) الدَّارِيَّيْنِ؛ فقاما بعدَ الصلاةِ، فحَلَفا باللّه رَبِّ السموَاتِ: ما تَرَك موْلاكُم: من المالِ، إلاَّ ما أتَيْناكم به؛ وإنَّا لا نشترِى بأيْمانِنا ثمناً قليلاً: من الدُّنْيا؛ {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللّه إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ}. فلَمَّا حَلَفا: خُلِّىَ سبيلُهما. ثم: إنهم وجَدُوا - بعد ذلك - إناءً: من آنِيةِ الميِّتِ؛ فأُخِذَ الدَّارِيَّان، فقالا: اشترَيْناه منه فى حياتِه؛ وكذَبا؛ فكُلِّفا البَيِّنةَ: فلم يَقدِرا عليها. فرُفِعَ ذلك إلى النبىِّ (صلى اللّه عليه وسلم): فأنزلَ اللّه عزوجل: {فَإِنْ عُثِرَ}؛ يقول: فَإنْ اطُّلِعَ {عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً} يعنى: الدّارِيَّيْنِ؛ أىْ: كَتَما حَقّاً؛ {فَآخَرَانِ}: من أوْلياءِ الميِّتِ؛ {يِقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه}: فيَحلِفانِ باللّه: إنَّ مالَ صاحبِنا كان كذا وكذا؛ وإنّ الذى نَطلُبُ -: قِبَلَ الدّاريَّيْنِ. -لَحَقٌّ؛ {وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ} . فهذا: قولُ الشاهِدَيْنِ أوْلياءِ الميِّت: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ} ؛ يَعنى:الدّارِيّيْنِ والناسَ؛ أنْ يَعُودُوا لِمثْلِ ذلك.

قال الشافعى: يَعنى: مَن كان فى مِثْلِ حالِ الدّارِيّيْنِ: من الناس. ولا أعلمُ الآيةَ تَحتَمِلُ معنًى: غيرَ جُمْلَةِ ما قال.وإنما معنى{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}: أيْمانُ بيْنِكم؛ كما سُمِّيَتْ أيْمانُ المُتَلاعِنَيْنِ: شهادةً، واللّه تعالى أعلم..

وبسَطَ الكلامَ فيه، إلى أنْ

قال: وليس فى هذا: رَدُّ اليمين، إنما كانتْ يمينُ الدَّارِيَّيْنِ: على ما ادَّعى الورَثةُ: من الخيانةِ: ويمينُ ورَثةِ الميِّتِ: على ما ادّعى الدّارِيَّانِ: أنه صار لهما مِن قِبَلِه.وقولُه عز وجل: {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} ، فذلك (واللّه أعلم): أنّ الأيْمانَ كانتْ عليهم:بدَعْوَى الورثةِ: أنهم اخْتانُوا؛ ثم صار الورَثةُ حالِفينَ: بإقْرارِهم: أنَّ هذا كان للميِّت، وادِّعَائهم شِراءَه منه. فجاز: أنْ يُ

قالَ: {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ}: تُثَنَّى عليهم الأيْمانُ. بما يَجِبُ عليهم إنْ صارتْ لهم الأيْمانُ؛ كما يَجبُ على مَن حَلَف لهم.وذلك قوله - واللّه أعلم -: {يِقُومَانِ مَقَامَهُمَا}. فيُحْلَفَانِ كما أُحْلِفا.وإذا كان هذا كما وَصَفْتُ: فليْستْ هذه الآيةُ: ناسِخةً، ولا مَنسُوخةً..

قال الشيخ: وقد روَيْنا عن ابن عباس، ما دَلَّ: على صحةِ ما قال مُقاتلُ بن حَيَّانَ. ويَحتَمِلُ: أنْ يكونَ المرادُ بقوله تعالى:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ} -: الشهادةَ نفسَها. وهو: أنْ يكونَ للمُدَّعِى اثْنانِ ذَوَا عدْلٍ -: من المسلمين. - يَشهَدان لهم بما ادَّعَوْا على الدّارِيّيْنِ. من الخِيانةِ. ثم

قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}؛ يَعنى: إذا لم يكنْ للمُدَّعِينَ: منكم؛ بَيِّنةٌ -: فآخَرَانِ: من غيرِكم؛ يَعنى: فالدّارِيّان - اللّذانِ ادُّعِى عليهما. - يُحْبَسانِ من بعدِ الصلاةِ. {فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه}؛ يعنى. يَحْلِفَانِ على إنكارِ ما ادُّعِىَ عليهما؛ على ما حكاه مُقاتلٌ، واللّه أعلم.

(أنا) أبو سعيدٍ، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال: قال الشافعي: والحُجَّةُ فيما وَصفْتُ -: من أنْ يُسْتَحْلَفَ الناسُ: فيما بيْن البَيْتِ والمَقامِ، وعلى مِنْبَرِ رسولِ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)، وبعدَ العصْرِ. -: قولُه تبارك وتعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللّه} ؛ وقال المفسِّرون: هى صلاةُ العصرِ.. ثم ذَكَر. شهادةَ المُتَلاعِنَيْن، وغيرَها.

٤

{ وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللّه يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }

١) العدّة (اليائس والحامل)

وبهذا الإسناد،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): سمعت من أرضى -: من أهل العلم - يقول: إن أول ما أنزل اللّه (عز وجل) -: من العِدَد. -:{وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ} ؛ فلم يَعلموا: ما عِدَّةُ المرْأةِ التى لا قَرْء لها؟ وهى: التى لا تحيض، والحاملُ. فأنزل اللّه عز وجل: {وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ} ؛ فجعل عدَّةَ المُؤْيَسَةِ والتى لم تحِض: ثلاثة أشهر. و

قولُه: {إِنِ ٱرْتَبْتُمْ}: فلم تدروا: ما تعتَدُّ غيرُ ذوات الأقراء؟ -

قال: {وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .

قال الشافعى: وهذا (واللّه أعلم) يشبه ما قالوا..

٦

{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ }

١) النكاح (المسكن)

٢) النكاح (نفقة المرضع)

(أنبأنى) أبو عبد اللّه، نا أبو العباس، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه (عز وجل) فى المطلَّقات: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} ؛

قال: {وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .

قال: فكان بَيِّناً (واللّه أعلم) - فى هذه الآيةِ -: أنها فى المطلَّقة: لا يملك زوجها رَجْعتَها؛ مِنْ قِبَلِ: أن اللّه (عز وجل) لما أمَر بالسُّكنى: عامّاً؛ ثم قال فى النفقة: {وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} - دَلَّ ذلك: على أن الصِّنف الذى أمَر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن، صِنفٌ: دَلَّ الكتابُ: على أن لا نفقةَ على غير ذوات الأحمال منهن. لأنه إذا وجب لمطلَّقة: بصفةٍ؛ نفقةٌ -: ففى ذلك، دليلٌ: على أنه لا يجب نفقةٌ لمن كانت فى غير صفتها: من المطلَّقات.ولمَّا لم أعلم مخالفا -: من أهل العلم. -فى أن المطلَّقة: التى يملك زوجها رجعتَها؛ فى معانى الأزواج -: كانت الآية على غيرها: من المطلَّقات. وأطال الكلامَ فى شرحه، والحُجَّة فيه.

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو، نا أبو العباس الأصمُّ، أنا الربيع،

قال:

قال الشافعى (رحمه اللّه): قال اللّه تبارك وتعالى: {وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} ؛

وقال تبارك وتعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ} .

قال الشافعى: ففى كتاب اللّه (عز وجل)، ثم فى سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - بيانُ: أن الإجاراتِ جائزةٌ: على ما يَعرِف الناسُ. إذ قال اللّه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}؛ والرَّضاع يختلف: فيكونُ صبىٌّ أكثرَ رَضاعا من صبى، وتكونُ امرأةٌ أكثرَ لبناً من امرأة؛ ويختلف لبنها. فَيقِلُّ ويكثُر.فتجوزُ الإجاراتُ على هذا: لأنه لا يوجد فيه أقْرَبُ مما يُحيط العلمُ به: من هذا وتجوز الإجارات على خدمة العبد: قياساً على هذا؛ وتجوز فى غيره -: مما يعرفُ الناسُ. -: قياساً على هذا.

قال: وبيانُ: أن على الوالد: نفقةَ الولد؛ دونَ أمه: متزوجةً، أو مطلَّقةً.وفى هذا، دلالةٌ: على أن النفقة ليست على الميراث؛ وذلك:أن الأم وارثةٌ، وفَرْضُ النقةِ والرَّضاعِ على الأب، دونَها. قال ابن عباس - فى قول اللّه عز وجل: {وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ}  -: من أن لا تُضَارَّ والدةٌ بولدها؛ لا: أن عليها الرضاعَ..

وبهذا الإسناد فى (الإمْلاَء):

قال الشافعى: ولا يَلزمُ المرأةَ رَضاعُ ولدِها: كانت عند زوجها، أو لم تكن. إلا: إن شاءت. وسواءٌ: كانت شريفةً، أو دَنِيَّةً، أو مُوسِرَةً، أو مُعْسِرَةً. لقول اللّه عزوجل: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ} ..

﴿ ٠