٣٢قالوا سبحانك لا . . . . . {صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا } : أي تنزيهك عن الادعاء وعن الاعتراض . وقيل : معناه تنزيه لك بعد تنزيه لفظه لفظ تثنية ، والمعنى كذلك كما قالوا في لبيك ، ومعناه : تلبية بعد تلبية . وهذا قول غريب يلزم عنه أن مفرده يكون سبحاً ، وأنه لا يكون منصوباً بل مرفوعاً ، وأنه لم تسقط النون للإضافة ، وأنه التزم فتحها . والكاف في سبحانك مفعول به أضيف إليه . وأجاز بعضهم أن يكون فاعلاً ، لأن المعنى تتزهت . وقد ذكرنا ، حين تكملنا على المفردات ، أنه منصوب على معنى المصدر بفعل من معناه واجب الحذف . وزعم الكسائي أنه منادي مضاف ، ويبطله أنه لا يحفظ دخول حرف النداء عليه ، ولو كان منادى لجاز دخول حول حرف النداء عليه ، ونقل لنا . ولما سأل تعالى الملائكة ، ولم يكن عندهم علم بالجواب ، وكانوا قد سبق منهم قولهم :{ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } الآية ، أرادوا أن يجيبوا بعدم العلم إلا ما علمهم ، فقدموا بين يدي الجواب تنزيه اللّه اعتذاراً وأدباً منهم في الجواب ، وإشعاراً بأن ما صدر منهم قبل يمحوه هذا التنزيه للّه تعالى ، فقالوا : سبحانك ، ثم أجابوا بنفي العلم بلفظ لا التي بنيت معها النكرة ، فاستغرف كل فرد من أنواع العلوم ، ثم استثنوا من ذلك ما علمهم هو تعالى ، فقالوا :{ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } ، وهذا غاية في ترك الدعوى والاستسلام التام للمعلم الأول للّه تعالى . قال أبو عثمان المغربي : ما بلاء الخلق إلا الدعاوى . ا ترى أن الملائكة لما قالوا : ونحن نسبح بحمدك ، كيف ردوا إلى الجهل حتى قالوا : لا علم لنا ؟ وروي معنى هذا الكلام عن جعفر الصادق ، وخبر : لا علم ، في الجار والمجرور . وتقدم لنا الكلام في لا ريب فيه ، ولا علم مثله ، فأغنى عن إعادته . وما موصولة يحتمل أن تكون في موضع نصب على الاستثناء ، والأولى أن تكون في موضع رفع على البدل . وحكى ابن عطية في عن الزهراوي : أن موضع ما من قولهم : ما علمتنا ، نصب بعلمتنا ، وهذا غير معقول . ألا ترى أن ما موصولة ، وأن الصلة : علمتنا ، وأن الصلة لا تعمل في الموصول ولكن يتكلف به وجه وهو أن يكون استثناء منقطعاً فيكون معنى إلا : لكن ، على التقدير الذي استقر في الاستثناء المنقطع ، وتكون ما شرطية منصوبة بعلمتنا ، ويكون الجواب محذوفاً كأنهم نفوا أولاً سائر العلوم ثم استدركوا أنه في المستقبل ، أي شيء علمهم علموه ، ويكون هذا أبلغ في ترك الدعوى ، إذ محوا أنفسهم من سائر العلوم ونفوا جميعها ، فلم يستثنوا لهم شيئاً سابقاً ماضياً تحلوا به ، بل صاروا إلى الجهل الصرف والتبري من كل علم . وهذا الوجه ينافي ما روي أنه كان أعلمهم تعالى ، أو علموا باطلاع من اللوح بأنه سيكون في الأرض من يفسد ويسفك ، فإذا صح هذا كانوا قد بالغوا في نفي كل علم عنهم ، وجعلوا هذا العلم الخاص كالمعدوم ، ومن اعتقد أن الملائكة غير معصومين جعل قولهم ، لا علم لنا توبة ، ومن اعتقد بعصمتهم قال : قالوا ذلك على وجه الاعتراف بالعجز والتسليم بأنهم لا يعلمون إلا ما علموا ، أو قالوا :{ أَتَجْعَلُ فِيهَا } الآية ، لأنه أعلمهم بذلك ، وأما الأسماء فكيف يعلمونها وما أعلمهم ذلك ؟ ولما نفوا العلم عن أنفسهم أثبتوه للّه تعالى على أكمل أوصافه من المبالغة فيه ، ثم أردفوا الوصف بالعلم ، الوصف بالحكمة ، لأنه سبق قوله :{ إِنّي جَاعِلٌ فِى الارْضِ خَلِيفَةً} فلما صدر من هذا المجعول خليفة ، ما صدر من فضيلة العلم تبين لهم وجه الحكمة في قوله : وجعله خليفة . فانظر إلى حسن هذا الجواب كيف قدموا بين يديه تنزيه اللّه ، ثم اعترفوا بالجهل ، ثم نسبوا إلى اللّه العلم والحكمة ، وناسب تقديم الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة ، لأنه المتصل به في قوله : { وَعَلَّمَ } ،{ أَنبِئُونِى } ،{ لاَ عِلْمَ لَنَا} فالذي ظهرت به المزية لآدم والفضيلة هو ، فناسب ذكره متصلاً به ، ولأن الحكمة إنما هي آثار وناشئة عنه ، ولذلك أكثر ما جاء في القرآن تقديم الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة . ولأن يكون آخر مقالهم مخالفاً لأوله حتى يبين رجوعهم عن قولهم :{ أَتَجْعَلُ فِيهَا } ، وعلى القول بأن الحكيم هو ذو الحكمة ، يكون الحكيم صفة ذات ، وعلى القول بأنه المحكم لصنعته يكون صفة فعل . وأنت : يحتمل أن يكون توكيداً للضمير ، فيكون في موضع نصب ، أو مبتدأ فيكون في موضع رفع ، والعليم مخبره ، أو فضلاً فلا يكون له موضع من الإعراب ، على رأي البصريين ، ويكون له موضع من الإعراب على رأي الكوفيين . فعند الفراء موضعه على حسب الاسم قبله ، وعند الكسائي على حسب الاسم بعده ، والأحسن أن يحمل العليم الحكيم على العموم ، وقد خصه بعضهم فقال : العليم بما أمرت ونهيت ، الحكيم فيما قدرت وقضيت . وقال آخر : العليم بالسر والعلانية ، والحكيم فيما يفعله وهو قريب من الأول . |
﴿ ٣٢ ﴾