٤٠يا بني إسرائيل . . . . . ابن : محذوف اللام ، وقيل : الياء خلاف ، وفي وزنه على كلا التقديرين خلاف ، فقيل : فعل ، وقيل : فعل . فمن زعم أن أصله ياء جعله مشتقاً من البناء ، وهو وضع الشيء على الشيء . والابن فرع عن الأب ، فهو موضوع عليه ، وجعل قولهم : البنوّة شاذ كالفتوّة ، ومن زعم أن أصله واو ، وإليه ذهب الأخفش ، جعل البنوّة دليلاً على ذلك ، ولكون اللام المحذوفة واواً أكثر منها ياء . وجمع ابن جمع تكسير ، فقالوا : أبناء ، وجمع سلامة ، فقالوا : بنون ، وهو جمع شاذ ، إذ لم يسلم فيه بناء الواحد ، فلم يقولوا : ابنون ، ولذلك عاملت العرب هذا الجمع في بعض كلامها معاملة جمع التكسير ، فألحقت التاء في فعله ، كما ألحقت في فعل جمع التكسير ، قال النابغة : قالت بنو عامر خالو بني أسد يا بؤس للجهل ضرّاراً لأقوام وقد سمع الجمع بالواو والنون فيه مصغراً ، قال يسدد : أبينوها الأصاغر خلتي وهو شاذ أيضاً . إسرائيل : اسم عجمي ممنوع الصرف للعلمية والعجمة ، وقد ذكروا أنه مركب من إسرا : وهو العبد ، وإيل : اسم من أسماء اللّه تعالى ، فكأنه عبد اللّه ، وذلك باللسان العبراني ، فيكون مثل : جبرائيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل ، قاله ابن عباس . وقيل : معنى إسرا : صفوة ، وايل : اللّه تعالى ، فمعناه : صفوة اللّه . روي ذلك عن ابن عباس وغيره ، وقال بعضهم : إسرا مشتق من الأسر ، وهو الشد ، فكأن إسرائيل معناه : الذي شدّه اللّه وأتقن خلقه . وقيل : أسري بالليل مهاجراً إلى اللّه تعالى فسمي بذلك . وقيل : أسر جنياً كان يطفىء سرج بيت المقدس ، وكان اسم الجني : إيل ، فسمي إسرائيل ، وكان يخدم بيت المقدس ، وكان أول من يدخل ، وآخر من يخرج ، قاله كعب . وقيل : أسرى بالليل هارباً من أخيه عيصو إلى خاله ، في حكاية طويلة ذكروها ، فأطلق ذلك عليه . وهذه أقاويل ضعاف ، وفيه تصرفات للعرب بقوله : إسرائيل بهمزة بعد الألف وياء بعدها ، وهي قراءة الجمهور . وإسراييل بياءين بعد الألف ، وهي قراءة أبي جعفر والأعشى وعيسى بن عمر . وإسرائل بهمزة بعد الألف ثم لام ، وهو مروي عن ورش . وإسراءل بهمزة مفتوحة بعد الراء ولام ، وإسرئل بهمزة مكسورة بعد الراء ، وإسرال بألف ممالة بعدها لام خفيفة ، واسرال بألف غير ممالة ، قال أمية : لا أرى من يعيشني في حياتي غير نفسي إلا بني إسرالا وهي رواية خارجة عن نافع ، وقرأ الحسن والزهري وابن أبي إسحاق وغيرهم : وإسرائن بنون بدل اللام ، قال الشاعر : يقول أهل السوء لما جينا هذا ورب البيت إسرائينا كما قالوا : سجيل ، وسجين ، ورفلّ ، ورفنّ ، وجبريل ، وجبرين ، أبدلت بالنون كما أبدلت النون بها في أصيلان قالوا : أصيلال ، وإذا جمعته جمع تكسير قلت : أساريل ، وحكي : أسارلة وأسارل . الذكر : بكسر الذال وضمها لغتان بمعنى واحد ، وقال الكسائي : يكون باللسان ، والذكر بالقلب فبالكسر ضده : الصمت ، وبالضم ضده : النسيان ، وهو بمعنى التيقظ والتنبه ، ويقال : اجعله منك على ذكر . النعمة : اسم للشيء المنعم به ، وكثيراً ما يجيء فعل بمعنى المفعول : كالذبح ، والنقص ، والرعي ، والطحن ، ومع ذلك لا ينقاس . أوفى ، ووفى ، ووفى : لغى ثلاث في معنى واحد ، وتأتي أوفى بمعنى : ارتفع ، قال : ربما أوفيت في علم ترفعن ثوبي شمالات والميفات : مكان مرتفع ، وقال الفراء : أهل الحجاز يقولون : أوفيت ، وأهل نجد يقولون : وفيت بغير ألف ، وقال الزجاج : وفي بالعهد ، وأوفى به ، قال الشاعر : أما ابن طوق فقد أوفى بذمته كما وفى بقلاص النجم حاديها وقال ابن قتيبة : يقال وفيت بالعهد ، وأوفيت به ، وأوفيت الكيل لا غير . وقال أبو الهيثم : وفي الشيء : تم ، ووفى الكيل وأوفيته : أتممته ، ووفى ريش الطائر : بلغ التمام ، ودرهم واف : أي تام كامل . الرهب ، والرهب ، والرهب ، والرهبة : الخوف ، مأخوذ من الرهابة ، وهو عظم الصدر يؤثر فيه الخوف . والرهب : النصل ، لأنه يرهب منه ، والرهبة والخشية والمخافة نظائر . التصديق : اعتقاد حقيقة الشيء ومطابقته للمخبر به ، والتكذيب يقابله . أول : عند سيبويه : أفعل ، وفاؤه وعينه واوان ، ولم يستعمل منه فعل لاستثقال اجتماع الواوين ، فهو مما فاؤه وعينه من جنس واحد ، لم يحفظ منه إلا : ددن ، وققس ، وببن ، وبابوس . وقيل : إن بابوساً أعجمي ، وعند الكوفيين أفعل من وأل إذا لجأ ، فأصله أوأل ، ثم خفف بإبدال الهمزة واواً ، ثم بالإدغام ، وهذا تخفيف غير قياسي ، إذ تخفيف مثل هذا إنما هو بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها . وقال بعض الناس : هو أفعل من آل يؤل ، فأصله أأول ، ثم قلب فصار أوأل أعفل ، ثم خفف بإبدال الهمزة واواً ، ثم بالإدغام . وهذان القولان ضعيفان ، ويستعمل أول استعمالين : أحدهما : أن يجري مجرى الأسماء ، فيكون مصروفاً ، وتليه العوامل نحو : أفكل ، وإن كان معناه معنى قديم ، وعلى هذا قول العرب : مما تركت له أولاً ولا آخراً ، أي ما تركت له قديماً ولا حديثاً . والاستعمال الثاني : أن يجري مجرى أفعل التفضيل ، فيستعمل على ثلاثة أنحائه من كونه بمن ملفوظاً بها ، أو مقدرة ، وبالألف واللام ، وبالإضافة . وقالت العرب : ابدأ بهذا أول ، فهذا مبني على الضم باتفاق ، والخلاف في علة بنائه ذلك لقطعه عن الإضافة ، والتقدير : أول الأشياء ، أم لشبه القطع عن الإضافة ، والتقدير : أول من كذا . والأولى أن تكون العلة القطع عن الإضافة ، والخلاف إذا بني ، أهو ظرف أو اسم غير ظرف ؟ وهو خلاف مبني على أن الذي يبنى للقطع شرطه أن يكون ظرفاً ، أو لا يشترط ذلك فيه ، وكل هذا مستوفى في علم النحو . الثمن : العوض المبذول في مقابلة العين المبيعة ، وقال : إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها فما أصبت بترك الحج من ثمن أي من عوض . القليل : يقابله الكثير ، واتفقا في زنة اسم الفاعل ، واختلفا في زنة الفعل ، فماضي القليل فعل ، وماضي الكثير فعل ، وكان القياس أن يكون اسم الفاعل من قل على فاعل نحو : شذ يشذ ، فهو شاذ ، لكن حمل على مقابلة . ومثل قلّ فهو قليل ، صح فهو صحيح . اللبس : الخلط ، تقول العرب : لبست الشيء بالشيء : خلطته ، والتبس به : اختلط ، وقال العجاج : لما لبسن الحق بالتجني وجاء ألبس بمعنى لبس . وقال آخر : وكتيبة ألبستها بكتيبة حتى إذا التبست نفضت لها يدي الكتم ، والكتمان : الإخفاء ، وضده : الإظهار ، ومنه الكتم : ورق يصبغ به الشيب . الركوع : له معنيان في اللغة : أحدهما : التطامن والانحناء ، وهذا قول الخليل وأبي زيد ، ومنه قول لبيد : أخبر أخبار القرون التي مضت أدبّ كأني كلما قمت راكع والثاني : الذلة والخضوع ، وهو قول المفضل والأصمعي ، قال الأضبط السعدي : لا تهين الضعيف علك أن تركع يوماً والدهر قد رفعه {خَالِدُونَ يَابَنِى إِسْراءيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } هذا افتتاح الكلام مع اليهود والنصارى ، ومناسبة الكلام معهم هنا ظاهرة ، وذلك أن هذه السورة افتتحت بذكر الكتاب ، وأن فيه هدى للمؤمنين ، ثم أعقب ذلك بذكر الكفار المختوم عليهم بالشقاوة ، ثم بذكر المنافقين ، وذكر جمل من أحوالهم ، ثم أمر الناس قاطبة بعبادة اللّه تعالى ، ثم ذكر إعجاز القرآن ، إلى غير ذلك مما ذكره ، ثم نبههم بذكر أصلهم آدم ، وما جرى له من أكله من الشجرة بعد النهي عنه ، وأن الحامل له على ذلك إبليس . وكانت هاتان الطائفتان : أعني اليهود والنصارى ، أهل كتاب ، مظهرين اتباع الرسل والاقتداء بما جاء عن اللّه تعالى . وقد اندرج ذكرهم عموماً في قوله :{ قَدِيرٌ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ } ، فجرد ذكرهم هنا خصوصاً ، إذ قد سبق الكلام مع المشركين والمنافقين ، وبقي الكلام مع اليهود والنصارى ، فتكلم معهم هنا ، وذكروا ما يقتضي لهم الإيمان بهذا الكتاب ، كما آمنوا بكتبهم السابقة ، إلى آخر الكلام معهم على ما سيأتي جملة مفصلة . وناسب الكلام معهم قصة آدم ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، لأنهم بعدما أوتوا من البيان الواضح والدليل اللائح ، المذكور ذلك في التوراة والإنجيل ، من الإيفاء بالعهد والإيمان بالقرآن ، ظهر منهم ضد ذلك بكفرهم بالقرآن ومن جاء به ، وأقبل عليهم بالنداء ليحركهم لسماع ما يرد عليهم من الأوامر والنواهي ، نحو قوله : { مِنْهُمْ لامْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ وَيَئَادَمُ اسْكُنْ} وقد تقدم الإشارة إلى ذلك ، وأضافهم إلى لفظ إسرائيل ، وهو يعقوب ، ولم يقل : يا بني يعقوب ، لما في لفظ إسرائيل من أن معناه عبد اللّهأو صفوة اللّه ، وذلك على أحسن تفاسيره ، فهزهم بالإضافة إليه ، فكأنه قيل : يا بني عبد اللّه ، أو يا بني صفوة اللّه ، فكان في ذلك تنبيه على أن يكونوا مثل أبيهم في الخير ، كما تقول : يا ابن الرجل الصالح أطع اللّه ، فتضيفه إلى ما يحركه لطاعة اللّه ، لأن الإنسان يحب أن يقتفى أثر آبائه ، وإن لم يكن بذلك محموداً ، فكيف إذا كان محموداً ؟ ألا ترى :{ بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا } ،{ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا } ، وفي قوله :{ مَعِىَ بَنِى إِسْراءيلَ } دليل على أن من انتمى إلى شخص ، ولو بوسائط كثيرة ، يطلق عليه أنه ابنه ، وعليه { تَتَّقُونَ وَإِذْ أَخَذَ } ويسمى ذلك أباً . قال تعالى :{ مّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ } ، وفي إضافتهم إلى إسرائيل تشريف لهم بذكر نسبتهم لهذا الأصل الطيب ، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن . ونقل عن أبي الفرج بن الجوزي : أنه ليس لأحد من الأنبياء غير نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم إسمان إلا يعقوب ، فإنه يعقوب ، وهو إسرائيل . ونقل الجوهري في صحاحة : أن المسيح اسم علم لعيسى ، لا اشتقاق له . وذكر البيهقي عن الخليل بن أحمد خمسة من الأنبياء ذو واسمين : محمد وأحمد نبينا صلى اللّه عليه وسلم ، وعيسى والمسيح ، وإسرائيل ويعقوب ، ويونس وذو النون ، وإلياس وذو الكفل . والمراد بقوله :{ خَالِدُونَ يَابَنِى إِسْراءيلَ اذْكُرُواْ } من كان بحضرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة ، وما والاها من بني إسرائيل ، أو من أسلم من اليهود وآمن بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ،أو أسلاف بني إسرائيل وقدماؤهم ، أقوال ثلاثة : والأقرب الأول ، لأن من مات من أسلافهم لا يقال له :{ وَءامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ } ، إلا على ضرب بعيد من التأويل ، ولأن من آمن منهم لا يقال له :{ وَءامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } ، إلا بمجاز بعيد . ويحتمل قوله : اذكروا الذكر باللسان والذكر بالقلب : فعلى الأول يكون المعنى : أمرّوا النعم على ألسنتكم ولا تغفلوا عنها ، فإن إمرارها على اللسان ومدارستها سبب في أن لا تنسى . وعلى الثاني يكون المعنى : تنبهوا للنعم ولا تغفلوا عن شكرها . وفي النعمة المأمور بشكرها أو بحفظها أقوال : ما استودعوا من التوراة التي فيها صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،أو ما أنعم به على أسلافهم من إنجائهم من آل فرعون وإهلاك عدوهم وإيتائهم التوراة ونحو ذلك ، قاله الحسن والزجاج ، أو إدراكهم مدة النبي صلى اللّه عليه وسلم ،أو علم التوراة ، أو جميع النعم على جميع خلقه وعلى سلفهم وخلفهم في جميع الأوقات على تصاريف الأحوال . وأظهر هذه الأقوال ما اختص به بنو إسرائيل من النعم لظاهر قوله :{ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } ، ونعم اللّه على بني إسرائيل كثيرة ، استنقذهم من بلاء فرعون وقومه ، وجعلهم أنبياء وملوكاً ، وأنزل عليهم الكتب المعظمة ، وظلل عليهم في التيه الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى . قال ابن عباس : أعطاهم عموداً من النور ليضء لهم بالليل ، وكانت رؤوسهم لا تتشعث ، وثيابهم لا تبلى . وإنما ذكروا بهذه النعم لأن في جملتها ما شهد بنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وهو : التوراة والإنجيل والزبور ، ولأن يحذروا مخالفة ما دعوا إليه من الإيمان برسول اللّه والقرآن ، ولأن تذكير النعم السالفة يطمع في النعم الخالقة ، وذلك الطمع يمنع من إظهار المخالفة . وهذه النعم ، وإن كانت على آبائهم ، فهي أيضاً نعم عليهم ، لأن هذه النعم حصل بها النسل ، ولأن الانتساب إلى آباء شرفوا بنعم تعظيم في حق الأولاد . قال بعض العارفين : عبيد النعم كثيرون ، وعبيد المنعم قليلون ، فاللّه تعالى ذكر بني إسرائيل نعمه عليهم ، ولما آل الأمر إلى أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ذكر المنعم فقال : { فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ } ، فدل ذلك على فضل أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم على سائر الأمم ، وفي قوله :{ نِعْمَتِيَ } ، نوع التفات ، لأنه خروج من ضمير المتكلم المعظم نفسه في قوله :{ ءايَاتِنَا } إلى ضمير المتكلم الذي لا يشعر بذلك . وفي إضافة النعمة إليه إشارة إلى عظم قدرها وسعة برها وحسن موقعها ، ويجوز في الياء من نعمتي الإسكان والفتح ، والقراء السبعة متفقون على الفتح . وأنعمت : صلة التي ، والعائد محذوف ، التقدير : أنعمتها عليكم . {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} العهد : تقدم تفسيره لغة في قوله :{ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّه } ، ويحتمل العهد أن يكون مضافاً إلى المعاهد وإلى المعاهد . وفي تفسير هذين العهدين أقوال : أحدها : الميثاق الذي أخذه عليهم من الإيمان به والتصديق برسله ، وعهدهم ما وعدهم به من الجنة . الثاني : ما أمرهم به وعهدهم ما وعدهم به ، قاله ابن عباس . الثالث : ما ذكر لهم في التوراة من صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعهدهم ما وعدهم به من الجنة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . الرابع : أداء الفرائض وعهدهم قبولها والمجازاة عليها . الخامس : ترك الكبائر وعهدهم غفران الصغائر . السادس : إصلاح الدين وعهدهم إصلاح آخرتهم . السابع : مجاهدة النفوس وعهدهم المعونة على ذلك . الثامن : إصلاح السرائر وعهدهم إصلاح الظواهر . التاسع :{ خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ } ، قاله الحسن . العاشر :{ وَإِذَا أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ} الحادي عشر : الإخلاص في العبادات وعهدهم إيصالهم إلى منازل الرعايات . الثاني عشر : الإيمان به وطاعته ، وعهدهم ما وعدهم عليه من حسن الثواب على الحسنات . الثالث عشر : حفظ آداب الظواهر وعهدهم في السرائر . الرابع عشر : عهد اللّه على لسان موسى عليه السلام لبني إسرائيل : إني باعث من بني إسرائيل نبياً فمن اتبعه وصدّق بالنور الذي يأتي به غفرت له وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين ، قاله الكلبي . الخامس عشر : شرط العبودية وعهدهم شرط الربوبية . السادس عشر : أوفوا في دار محنتي على بساط خدمتي بحفظ حرمتي ، أوف بعهدكم في دار نعمتي على بساط كرامتي بقربى ورؤيتي ، قاله الثوري . السابع عشر : لا تفروا من الزحف أدخلكم الجنة ، قاله إسماعيل بن زياد . الثامن عشر : { الْمُؤْمِنُونَ وَلَقَدْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ بَنِى إِسْراءيلَ وَبَعَثْنَا } الآية ، قاله ابن جريج ، وعهدهم إدخالهم الجنة . التاسع عشر : أوامره ونواهيه ووصاياه ، فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى اللّه عليه وسلم الذي في التوراة ، قاله الجمهور . العشرون : أوفوا بعهدي في التوكل أوف بعهدكم في كفاية المهمات ، قاله أبو عثمان . الحادي والعشرون : أوفوا بعهدي في حفظ حدودي ظاهراً وباطناً أوف بعهدكم بحفظ أسراركم عن مشاهدة غيري . الثاني والعشرون : عهده حفظ المعرفة وعهدنا إيصال المعرفة ، قاله القشيري . الثالث والعشرون : أوفوا بعهدي الذي قبلتم يوم أخذ الميثاق أوف بعهدكم الذي ضمنت لكم يوم التلاق . الرابع والعشرون : أوفوا بعهدي اكتفوا مني بي أوف بعهدكم أرض عنكم بكم . فهذه أقوال السلف في تفسير هذين العهدين . والذي يظهر ، واللّه أعلم ، أن المعنى طلب الإيفاء بما التزموه للّه تعالى ، وترتيب إنجاز ما وعدهم به عهداً على سبيل المقابلة ، أو إبرازاً لما تفضل به تعالى في صورة المشروط الملتزم به فتتوفر الدواعي على الإيفاء بعهد اللّه ، كما قال تعالى :{ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّه إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً } ، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { فإن له عهداً عند اللّه أن يدخله الجنة} . وقرأ الزهري : أوف بعهدكم مشدّداً . ويحتمل أن يراد به التكثير ، وأن يكون موافقاً للمجرّد . فإن أريد به التكثير فيكون في ذلك مبالغة على لفظ أوف ، وكأنه قيل : أبالغ في إيفائكم ، فضمن تعالى إعطاء الكثير على القليل ، كما قال تعالى :{ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} وانجزام المضارع بعد الأمر نحو : اضرب زيداً يغضب ، يدل على معنى شرط سابق ، وإلا فنفس الأمر وهو طلب إيجاد الفعل لا يقتضي شيئاً آخر ، ولذلك يجوز الاقتصار عليه فتقول : أضرب زيداً ، فلا يترتب على الطلب بما هو طلب شيء أصلاً ، لكن إذا لوحظ معنى شرط سابق ترتب عليه مقتضاه . وقد اختلف النحويون في ذلك ، فذهب بعضهم إلى أن جملة الأمر ضمنت معنى الشرط ، فإذا قلت : اضرب زيداً يغضب ، ضمن اضرب معنى : أن تضرب ، وإلى هذا ذهب الأستاذ أبو الحسن بن خروف . وذهب بعضهم إلى أن جملة الأمر نابت مناب الشرط ، ومعنى النيابة أنه كان التقدير : اضرب زيداً ، إن تضرب زيداً يغضب ، ثم حذفت جملة الشرط وأنيبت جملة الأمر منابها . وعلى القول الأول ليس ثم جملة محذوفة ، بل عملت الجملة الأولى الجزم لتضمن الشرط ، كما عملت من الشرطية الجزم لتضمنها معنى إن . وعلى القول الثاني عملت الجزم لنيابتها مناب الجملة الشرطية ، وفي الحقيقة ، العمل إنما هو للشرط المقدر ، وهو اختيار الفارسي والسيرافي ، وهو الذي نص عليه سيبويه عن الخليل . والترجيح بين القولين يذكر في علم النحو . {وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ} إياي : منصوب بفعل محذوف مقدراً بعده لانفصال الضمير ، وإياي ارهبوا ، وحذف لدلالة ما بعده عليه وتقديره قبله ، وهم من السجاوندي ، إذ قدره وارهبوا إياي ، وفي مجيئه ضمير نصب مناسبة لما قبله ، لأن قبله أمر ، ولأن فيه تأكيداً ، إذ الكلام مفروغ في قالب جملتين . ولو كان ضمير رفع لجاز ، لكن يفوت هذان المعنيان . وحذفت الياء ضمير النصب من فارهبون لأنها فاصلة ، وقرأ ابن أبي إسحاق بالياء على الأصل ، قال الزمخشري : وهو أوكد في إفادة الاختصاص من إياك نعبد . ومعنى ذلك أن الكلام جملتان في التقدير ، وإياك نعبد ، جملة واحدة ، والاختصاص مستفاد عنده من تقديم المعمول على العامل . وقد تقدم الكلام معه في ذلك ، وأنا لا نذهب إلى ما ذهب إليه من ذلك . والفاء في قوله : فارهبون ، دخلت في جواب أمر مقدّر ، والتقدير : تنبهوا فارهبون . وقد ذكر سيبويه في كتابه ما نصه : تقول : كل رجل يأتيك فاضرب ، لأن يأتيك صفة ههنا ، كأنك قلت : كل رجل صالح فاضرب ، انتهى . قال ابن خروف : قوله كل رجل يأتيك فاضرب ، بمنزلة زيداً فاضرب ، إلا أن هنا معنى الشرط لأجل النكرة الموصوفة بالفعل ، فانتصب كل وهو أحسن من : زيداً فاضرب ، انتهى . ولا يظهر لي وجه الأحسنية التي أشار إليها ابن خروف ، والذي يدل على أن هذا التركيب ، أعني : زيداً فاضرب ، تركيب عربي صحيح ، قوله تعالى :{ بَلِ اللّه فَاعْبُدْ } ، وقال الشاعر : ولا تعبد الشيطان واللّه فاعبدا قال بعض أصحابنا : الذي ظهر فيها بعد البحث أن الأصل في : زيداً فاضرب ، تنبه : فاضرب زيداً ، ثم حذف تنبه فصار : فاضرب زيداً . فلما وقعت الفاء صدراً قدّموا الاسم إصلاحاً للفظ ، وإنما دخلت الفاء هنا لتربط هاتين الجملتين ، انتهى ما لخص من كلامه . وإذا تقرر هذا فتحتمل الآية وجهين : أحدهما : أن يكون التقدير وإياي ارهبوا ، تنبهوا فارهبون ، فتكون الفاء دخلت في جواب الأمر ، وليست مؤخرة من تقديم . والوجه الثاني : أن يكون التقدير وتنبهوا فارهبون ، ثم قدّم المفعول فانفصل ، وأخرت الفاء حين قدم المفعول وفعل الأمر الذي هو تنبهوا محذوف ، فالتقى بعد حذفه حرفان : الواو العاطفة والفاء ، التي هي جواب أمر ، فتصدّرت الفاء ، فقدم المفعول وأخرت الفاء إصلاحاً للفظ ، ثم أعيد المفعول على سبيل التأكيد ولتكميل الفاصلة ، وعلى هذا التقدير الأخير لا يكون إياي معمولاً لفعل محذوف ، بل معمولاً لهذا الفعل الملفوظ به ، ولا يبعد تأكيد الضمير المنفصل بالضمير المتصل ، كما أكد المتصل بالمنفصل في نحو : ضربتك إياك ، والمعنى : ارهبون أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره ، وهذا قول ابن عباس . وقيل معنى فارهبون : أن لا تنقضوا عهدي ، وفي الأمر بالرهبة وعيد بالغ ، وليس قول من زعم أن هذا الأمر معناه التهديد والتخويف والتهويل ، مثل قوله تعالى :{ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } ، تشديد لأن هذا في الحقيقة مطلوب ، واعملوا ما شئتم غير مطلوب فافترقا . وقيل : الخوف خوفان ، خوف العقاب ، وهو نصيب أهل الظاهر ، ويزول ، وخوف جلال ، وهو نصيب أهل القلب ، ولا يزول . وقال السلمي : الرهبة : خشية القلب من رديء خواطره . وقال سهل :{ وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ } ، موضع اليقين بمعرفته ، { وَإِيَّاىَ فَاتَّقُونِ } ، موضع العلم السابق وموضع المكر والاستدراج . وقال القشيري : أفردوني بالخشية لانفرادي بالقدرة على الإيجاد . |
﴿ ٤٠ ﴾