٥٢ثم عفونا عنكم . . . . . {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ } : تقدّمت معاني عفا ، ويحتمل أن يكون عفا عنه من باب المحو والإذهاب ، أو من باب الترك ، أو من باب السهولة ، والعفو والصفح متقاربان في المعنى . وقال قوم : لا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذنب ، فإن كان العفو هنا بمعنى الترك أو التسهيل ، فيكون عنكم عام اللفظ خاص المعنى ، لأن العفو إنما كان عمن بقي منهم ، وإن كان بمعنى المحو ، كان عاماً لفظاً ومعنى ، فإنه تعالى تاب على من قتل ، وعلى من بقي ، قال تعالى :{ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} وروي أن اللّه أوحى إلى موسى بعد قتلهم أنفسهم أني قبلت توبتهم فمن قتل فهو شهيد ، ومن لم يقتل فقد تبت عليه وغفرت له . وقالت المعتزلة : عفونا عنكم ، أي بسبب إتيانكم بالتوبة ، وهي قتل بعضهم بعضاً :{ مِن بَعْدِ ذالِكَ } إشارة إلى اتخاذ العجل ، وقيل : إلى قتلهم أنفسهم ، والأوّل أظهر .{ لَعَلَّكُمْ } : تقدّم الكلام في لعل في قوله :{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، لغة ودلالة معنى بالنسبة إلى اللّه تعالى ، فأغنى عن إعادته .{ تَشْكُرُونَ } : أي تثنون عليه تعالى بإسدائه نعمه إليكم ، وتظهرن النعمة بالثناء ، وقالوا : الشكر باللسان ، وهو الحديث بنعمة المنعم ، والثناء عليه بذلك وبالقلب ، وهو اعتقاد حق المنعم على المنعم عليه ، وبالعمل { اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودُ شَاكِراً } ، وباللّه أي شكراً للّه باللّه لأنه لا يشكره حق شكره إلا هو ، وقال بعضهم : وشكر ذوي الإحسان بالقول تارة وبالقلب أخرى ثم بالعمل الأسنَى وشكري لربي لا بقلبي وطاعتي ولا بلساني بل به شكره عنا ومعنى لعلكم تشكرون : أي عفو اللّه عنكم ، لأن العفو يقتضي الشكر ، قاله الجمهور ، أو تظهرون نعمة اللّه عليكم في العفو ، أو تعترفون بنعمتي ، أو تديمون طاعتي ، أو تقرون بعجزكم عن شكري أربعة أقوال : وقال ابن عباس : الشكر طاعة الجوارح . وقال الجنيد : الشكر هو العجز عن الشكر . وقال الشبلي : التواضع تحت رؤية المنة . وقال الفضيل : أن لا تعصي اللّه . وقال أبو بكر الورّاق أن تعرف النعمة من اللّه . وقال ذو النون : الشكر لمن فوقك بالطاعة ، ولنظيرك بالمكافأة ، ولمن دونك بالإحسان . قال القشيري : سرعة العفو عن عظيم الجرم دالة على حقارة المعفو عنه ، يشهد لذلك { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ يُضَاعِفُ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } ، وهؤلاء بنو إسرائيل عبدوا العجل ف قال تعالى :{ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مّن بَعْدِ ذالِكَ } ، وقال لهذه الأمة :{ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } ، انتهى كلامه . وناسب ترجي الشكر إثر ذكر العفو ، لأن العفو عن مثل هذه الزلة العظيمة التي هي اتخاذ العجل إلهاً هو من أعظم ، أو أعظم إسداء النعم ، فلذلك قال :{ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} |
﴿ ٥٢ ﴾