٦٣وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . . {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } : هذا هو الإنعام العاشر ، لأنه إنما أخذ ميثاقهم لمصلحتهم ، وتقدّم الكلام في لفظة الميثاق في قوله تعالى :{ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّه مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} والميثاق : ما أودعه اللّه تعالى العقول من الدلائل على وجوده وقدرته وحكمته وصدق أنبيائه ورسله ، أو المأخوذ على ذرية آدم في قوله :{ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَى } ،أو إلزام الناس متابعة الأنبياء ، أو الإيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ،أو العهد منهم ليعملنّ بما في التوراة ، فلما جاء موسى قرؤا ما فيها من التثقيل فامتنعوا من أخذها ، أو قوله :{ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّه } ، أقوال ستة . قال القفال : قال ميثاقكم ولم يقل مواثيقكم ، لأنه أراد ميثاق كل واحد منكم ، كقوله :{ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } ،أو لأن ما أخذه على واحد منهم ، أخذه على غيره ، فكان ميثاقاً واحداً ، ولو جمع لاحتمل التغاير . انتهى كلامه ملخصاً . {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ } : سبب رفعه امتناعهم من دخول الأرض المقدّسة ، أو من السجود ، أو من أخذ التوراة والتزمها . أقوال ثلاثة . روي أن موسى لما جاء إلى بني إسرائيل من عند اللّه بالألواح فيها التوراة قال لهم : خذوها والتزموها ، فقالوا : لا ، إلا أن يكلمنا اللّه بها ، كما كلمك ، فصعقوا ثم أحيوا . فقال لهم : خذوها ، فقالوا : لا . فأمر اللّه تعالى الملائكة فاقتلعت جبلاً من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله ، وكذلك كان عسكرهم ، فجعل عليهم مثل الظلة ، وأخرج اللّه تعالى البحر من ورائهم ، وأضرم ناراً بين أيديهم ، فاحتاط بهم غضبه ، فقيل لهم : خذوها وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها ، وإلا سقط عليكم الجبل ، وغرقكم البحر ، وأحرقتكم النار ، فسجدوا توبة للّه ، وأخذوا التوراة بالميثاق ، وسجدوا على شق لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفاً . فلما رحمهم اللّه قالوا : لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها اللّه ورحم بها ، فأمروا سجودهم على شق واحد . وذكر الثعلبي أن ارتفاع الجبل فوق رؤوسهم كان مقدار قامة الرجل ، ولم تدل الآية على هذا السجود الذي ذكر في هذه القصة . والواو في قوله : ورفعنا ، واو العطف : على تفسير ابن عباس ، لأن أخذ الميثاق كان متقدّماً ، فلما نقضوه بالامتناع من قبول الكتاب رفع عليهم الطور . وأما على تفسير أبي مسلم : فإنها واو الحال ، أي إن أخذ الميثاق كان في حال رفع الطور فوقهم ، نحو قوله تعالى :{ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ } ،أي وقد كان في معزل . {خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم } : هو على إضمار القول ، أي : وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم . وقال بعض الكوفيين : لا يحتاج إلى إضمار قول ، لأن أخذ الميثاق هو قول ، والمعنى : وإذا أخذنا ميثاقكم بأن خذوا ما آتيناكم ، وما موصول ، والعائد عليه محذوف ، أي : ما آتيناكموه ، ويعني به الكتاب . يدل على ذلك قوله :{ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ } ، وقرىء : ما آتيتكم ، وهو شبه التفات ، لأنه خرج من ضمير المعظم نفسه إلى غيره . ومعنى قوله :{ بِقُوَّةٍ } بجدّ واجتهاد ، قاله ابن عباس وقتادة والسدّي ، أو بعمل ، قاله مجاهد ؛ أو بصدق وحق ، قاله ابن زيد ؛ أو بقبول ، قاله ابن بحر ؛ أو بطاعة ، قاله أبو العالية والربيع ؛ أو بنية وإخلاص ، أو بكثرة درس ودراية ؛ أو بجدّ وعزيمة ورغبة وعمل ؛ أو بقدرة . والقوة : القدرة والاستطاعة . وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى ، والباء للحال أو الاستعانة . {وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ} قرأ الجمهور : به أمراً من ذكر ، وقرأ أبيّ : واذكروا ما فيه : أمراً من اذكر ، وأصله : وإذتكروا ، ثم أبدل من التاء دال ، ثم أدغم الذال في الدال ، إذ أكثر الإدغام يستحيل فيه الأول إلى الثاني ، ويجوز في هذا أن يستحيل الثاني إلى الأول ، ويدغم فيه الأول فيقال : اذكر ، ويجوز الإظهار فتقول : إذ ذكر . وقرأ ابن مسعود : تذكروا ، على أنه مضارع انجزم على جواب الأمر الذي هو خذوا . فعلى القراءتين قيل : هذا يكون أمراً بالإذكار ، وعلى هذه القراءة يكون الذكر مترتباً على حصول الأخذ بقوة ، أي أن تأخذوا بقوّة تذكروا ما فيه . وذكر الزمخشري أنه قرىء : وتذكروا أمراً من التذكر ، ولا يبعد عندي أن تكون هذه القراءة هي قراءة ابن مسعود ، ووهم الذي نقلناه من كتابه تذكروا في إسقاط الواو ، والذي فيه هو ما تضمنه من الثواب ، قاله ابن عباس ؛ أو احفظوا ما فيه ولا تنسوه وادرسوه ، قاله الزجاج ؛ أو ما فيه من أمر اللّه ونهيه وصفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ،أو اتعظوا به لتنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى . والذكر : قد يكون اللسان ، وقد يكون بالقلب على ما سبق ، وقد يكون بهما . فباللسان معناه : ادرسوا ، وبالقلب معناه : تدبروا ، وبهما معناه : ادرسوا ألفاظه وتدبروا معانيه . أو أريد بالذكر : ثمرته ، وهو العمل ، فمعناه : اعملوا بما فيه من الأحكام والشرائع . والضمير في فيه يعود على ما . وقال في المنتخب : لا يحمل على نفس الذكر ، لأن الذكر الذي هو ضدّ النسيان من فعل اللّه تعالى ، فكيف يجوز الأمر به ؟ انتهى . ادرسوا ألفاظه وتدبروا معانيه . أو أريد بالذكر : ثمرته ، وهو العمل ، فمعناه : اعملوا بما فيه من الأحكام والشرائع . والضمير في فيه يعود على ما . وقال في المنتخب : لا يحمل على نفس الذكر ، لأن الذكر الذي هو ضدّ النسيان من فعل اللّه تعالى ، فكيف يجوز الأمر به ؟ انتهى . {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } : أي رجاء أن يحصل لكم التقوى بذكر ما فيه . وقيل : معناه لعلكم تنزعون عما أنتم فيه . والذي يفهم من سياق الكلام أنهم امتثلوا الأمر وفعلوا مقتضاه ، يدل على ذلك :{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مّن بَعْدِ ذالِكَ} فهذا يدل على القبول والالتزام لما أمروا به . وفي بعض القصص أنهم قالوا ، لما زال الجبل : يا موسى ، سمعنا وأطعنا ، ولولا الجبل ما أطعناك . وفي بعض القصص : فآمنوا كرهاً ، وظاهر هذا الإلجاء . والمختار عند أهل العلم أن اللّه تعالى خلق لهم الإيمان والطاعة في قلوبهم وقت السجود ، حتى كان إيمانهم طوعاً لا كرهاً . |
﴿ ٦٣ ﴾