٦٨قالوا ادع لنا . . . . . {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ } ، لما قال لهم موسى :{ أَعُوذُ بِاللّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } ، وعلموا أن ما أخبرهم به موسى من أمر اللّه إياهم بذبح البقرة كان عزيمة وطلباً ، جاز ما قالوا له ذلك ، وهذا القول أيضاً فيه تعنيت منهم وقلة طواعية ، إذ لو امتثلوا فذبحوا بقرة ، لكانوا قد أتوا بالمأمور ، ولكن شدّدوا ، فشدد اللّه عليهم ، قاله ابن عباس وأبو العالية وغيرهما . وكسر العين من ادع لغة بني عامر ، وقد سبق ذكر ذلك في { فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا } ، وجزم يبين على جواب الأمر . وما هي : مبتدأ وخبر . وقرأ عبد اللّه : سل لنا ربك يبين ما هي ، ومفعول يبين : هي الجملة من المبتدأ والخبر ، والفعل معلق ، لأن معنى يبين لنا يعلمنا ما هي ، لأن التبيين يلزمه الإعلام ، والضمير في هي عائد على البقرة السابق ذكرها ، وكأنهم قالوا : يبين لنا ما البقرة التي أمرنا بذبحها ، ولم يريدوا تبيين ماهية البقرة ، وإنما هو سؤال عن الوصف ، فيكون على حذف مضاف ، التقدير : ما صفتها ؟ ولذلك أجيبوا بالوصف ، وهو قوله : { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} وإنما سألوا على طريق التعنت ، كما قدّمناه ، أو على طريق التعجب من بقرة ميتة يضرب بها ميت فيحيا ، إذ ذاك في غاية الاستغراب والخروج عن المألوف ، أو على طريق أنهم ظنوا قوله :{ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } من باب المجمل ، فسألوا تبيين ذلك ، إذ تبين المجمل واجب ، أو على رجاء أن ينسخ عنهم تكليف الذبح ، لثقل ذلك عليهم ، لكونهم لم يعلموا المعنى الذي لأجله أمروا بذلك . وتقدّم معنى قولهم :{ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ } ، كيف خصوا لفظ الربّ مضافاً إلى موسى ، وذلك لما علموا له عند اللّه من الخصوصية والمنزلة الرفيعة . وقيل : إنما سألوا موسى استرشاداً لا عناداً ، إذ لو كان عناداً لكفروا به وعجلت عقوبتهم ، كما عجلت في قولهم :{ أَرِنَا اللّه جَهْرَةً } ، وفي عبادتهم العجل ، وفي امتناعهم من قبول التوراة ، وقولهم :{ اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} وفي الكلام حذف تقديره : فدعا موسى ربه فأجابه . {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } : صفة لبقرة ، والصفة إذا كانت منفية بلا ، وجب تكرارها ، كما قال : وفتيان صدق لا ضعاف ولا عزل فإن جاءت غير مكرّرة ، فبابها الشعر ، ومن جعل ذلك من الوصف بالمجمل ، فقدر مبتدأ محذوفاً ، أي { لا هِىَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } ، فقد أبعد ، لأن الأصل الوصف بالمفرد ، والأصل أن لا حذف .{ عَوَانٌ } : تفسير لما تضمنه قوله :{ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ}{ بَيْنَ ذالِكَ } : يقتضي بين أن تكون تدخل على ما يمكن التثنية فيه ، ولم يأت بعدها إلا اسم إشارة مفرد ، فقيل : أشير بذلك إلى مفرد ، فكأنه قيل : عوان بين ما ذكر ، فصورته صورة المفرد ، وهو في المعنى مثنى ، لأن تثنية اسم الإشارة وجمعه ليس تثنية ولا جمعاً حقيقة ، بل كان القياس يقتضي أن يكون اسم الإشارة لا يثني ولا يجمع ولا يؤنث ، قالوا : وقد أجرى الضمير مجرى اسم الإشارة ، قال رؤبة : فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق قيل له : كيف تقول كأنه ؟ وهلا قلت : كأنها ، فيعود على الخطوط ، أو كأنهما ، فيعود على السواد والبلق ؟ فقال : أردت كان ذاك ، وقال لبيد : إن للخير وللشرّ مدى وكلا ذلك وجه وقبل قيل : أراد وكلا ذينك ، فأطلق المفرد وأراد به المثنى ، فيحتمل أن تكون الآية من ذلك ، فيكون أطلق ذلك ويريد به ذينك ، وهذا مجمل غير الأوّل . والذي أذهب إليه غير ما ذكروا ، وهو أن يكون ذلك مما حذف منه المعطوف ، لدلالة المعنى عليه ، التقدير : عوان بين ذلك وهذا ، أي بين الفارض والبكر ، فيكون نظير قول الشاعر : فما كان بين الخير لو جاء سالما أبو حجر إلا ليال قلائل أي : فما كان بين الخير وباغيه ، فحذف لفهم المعنى .{ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } أي والبرد . وإنما جعلت عواناً لأنه أكمل أحوالها ، فالصغيرة ناقصة لتجاوزها حالته . { فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } : أي من ذبح البقرة ، ولا تكرروا السؤال ، ولا تعنتوا في أمر ما أمرتم بذبحه . ويحتمل أن تكون هذه الجملة من قول اللّه ، ويحتمل أن تكون من قول موسى ، وهو الأظهر . حرّضهم على امتثال ما أمروا به ، شفقة منه . وما موصولة ، والعائد محذوف تقديره : ما تؤمرونه ، وحذف الفاعل للعلم به ، إذ تقدّم أن اللّه يأمركم ، ولتناسب أواخر الآي ، كما قصد تناسب الإعراب في أواخر الأبيات في قوله : ولا بدّ يوماً أن تردّ الودائع إذ آخر البيت الذي قبل هذا قوله : وما يدرون أين المصارع وأجاز بعضهم أن تكون ما مصدرية ، أي : فافعلوا أمركم ، ويكون المصدر بمعنى المفعول ، أي مأموركم ، وفيه بعد |
﴿ ٦٨ ﴾