٧٠

قالوا ادع لنا . . . . .

على قلة ذلك ، ويحتمل أن يكون لونها فاعلاً بفاقع ، ويسر إخبار مستأنف . وجمهور المفسرين يشيرون إلى أن الصفرة من الألوان السارة ، ولهذا كان علي كرم اللّه وجهه ، يرغب في النعال الصفر .

وقال ابن عباس : الصفرة تبسط النفس وتذهب الهم ، وكان ابن عباس أيضاً يحض على لبس النعال الصفر . ونهى ابن الزبير ويحيى بن أبي كثير عن لباس النعال السود ، لأنها تهم .

{قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ } ، قال أبو عبد اللّه محمد بن أبي الفضل المرسي في ري الظمآن وجه الاشتباه عليهم ، إن كل بقرة لا تصلح عندهم أن تكون آية ، لما علموا من ناقة صالح وما كان فيها من العجائب ، فظنوا أن الحيوان لا يكون آية إلا إذا كان على ذلك الأسلوب ، وذلك لما نبؤا أنها آية ، سألوا عن ماهيتها وكيفيتها ، ولذلك لم يسألوا موسى عن ذلك ، بل سألوه أن يسأل اللّه لهم عن ذلك ، إذ اللّه تعالى هو العالم بالآيات ، وإنما سألوا عن التعيين ، وإن كان اللفظ مقتضاه الإطلاق ، لأنهم لو عملوا بمطلقة لم يحصل التقصي عن الأمر بيقين . انتهى كلامه . وقال غيره : لما لم يمكن التماثل من كل وجه ، وحصل الاشتباه ، ساغ لهم السؤال ، فأخبروا بسنها ، فوجدوا مثلها في السن كثيراً ، فسألوا عن اللون ، فأخبروا بذلك ، فلم يزل اللبس بذلك ، فسألوا عن العمل ، فأخبروا بذلك ، وعن بعض أوصافها الخاص بها ، فزال اللبس بتبيين السن واللون والعمل وبعض الأوصاف ، إذ وجود بقر كثير على هذه الأوصاف يندر ، فهذا هو السبب الذي جرأهم على تكرار السؤال :{ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ } ، تقدم الكلام على هذه الجملة .

{إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا } : هذا تعليل لتكرار هذا السؤال إلى أن الحامل على استقصاء أوصاف هذه

البقرة ، وهو تشابهها علينا ، فإنه كثير من البقر يماثلها في السن واللون .

وقرأ عكرمة ويحيى بن يعمر : إن الباقر ، وقد تقدم أنه اسم جمع ، قال الشاعر : ما لي رأيتك بعد عهدك موحشا

خلقاً كحوض الباقر المتهدم

وقرأ الجمهور : تشابه ، جعلوه فعلاً ماضياً على وزن تفاعل ، مسند الضمير البقر ، على أن البقر مذكر .

وقرأ الحسن : تشابه ، بضم الهاء ، جعله مضارعاً محذوف التاء ، وماضيه تشابه ، وفيه ضمير يعود على البقر ، على أن البقر مؤنث .

وقرأ الأعرج : كذلك ، إلا أنه شدّد الشين ، جعله مضارعاً وماضيه تشابه ، أصله : تتشابه ، فأدغم ، وفيه ضمير يعود على البقر . وروي أيضاً عن الحسن ،

وقرأ محمد المعيطي ، المعروف بذي الشامة : تشبه علينا .

وقرأ مجاهد : تشبه ، جعله ماضياً على تفعل .

وقرأ ابن مسعود : يشابه ، بالياء وتشديد الشين ، جعله مضارعاً من تفاعل ، ولكنه أدغم التاء في الشين . وقرىء : متشبه ، اسم فاعل من تشبه .

وقرأ بعضهم : يتشابه ، مضارع تشابه ، وفيه ضمير يعود على البقر .

وقرأ أبي : تشابهت .

وقرأ الأعم ٥ : متشابه ومتشابهة .

وقرأ ابن أبي إسحاق : تشابهت ، بتشديد الشين مع كونه فعلاً ماضياً ، وبتاء التأنيث آخره . فهذه اثنا عشر قراءة . وتوجيه هذه القراءات ظاهر ، إلا قراءة ابن أبي إسحاق تشابهت ، فقال بعض الناس : لا وجه لها . وتبيين ما قاله : إن تشديد الشين إنما يكون بإدغام التاء فيه ، والماضي لا يكون فيه ناءات ، فتبقى إحداهما وتدغم الأخرى . ويمكن أن توجه هذه القراءة على أن أصله : اشابهت ، والتاء هي تاء البقرة ، وأصله أن البقرة اشابهت علينا ، ويقوي ذلك لحاق تاء التأنيث في آخر الفعل ، أو اشابهت أصله : تشابهت ، فأدغمت التاء في الشين واجتلبت همزة الوصل . فحين أدرج ابن أبي إسحاق القراءة ، صار اللفظ : أن البقرة اشابهت ، فظن السامع أن تاء البقرة هي تاء في الفعل ، إذ النطق واحد ، فتوهم أنه قرأ : تشابهت ، وهذا لا يظن بابن أبي إسحاق ، فإنه رأس في علم النحو ، وممن أخذ النحو عن أصحاب أبي الأسود الدؤلي مستنبط علم النحو . وقد كان ابن أبي إسحاق يزري على العرب وعلى من يستشهد بكلامهم ، كالفرزدق ، إذا جاء في شعرهم ما ليس بالمشهور في كلام العرب ، فكيف يقرأ قراءة لا وجه لها ، وإن البقر تعليل للسؤال ، كما تقول : أكرم زيداً إنه عالم ، فالحامل لهم على السؤال هو حصول تشابه البقر عليهم .

{وَإِنَّا إِن شَاء اللّه لَمُهْتَدُونَ } : أي لمهتدون إلى عين البقرة المأمور بذبحها ، أو إلى ما خفي من أمر القاتل ، أو إلى الحكمة التي من أجلها أمرنا بذبح البقرة . وفي تعليق هدايتهم بمشيئة اللّه إنابة وانقياد ودلالة على ندمهم على ترك موافقة الأمر . وقد جاء في الحديث : { ولو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد} . وجواب هذا الشرط محذوف يدل عليه مضمون الجملة ، أي إن شاء اللّه اهتدينا ، وإذ حذف الجواب كان فعل الشرط ماضياً في اللفظ ومنفياً بلم ، وقياس الشرط الذي حذف جوابه أن يتأخر عن الدليل على الجواب ، فكان الترتيب أن يقال في الكلام : إن زيداً لقائم إن شاء اللّه ، أي : إن شاء اللّه فهو قائم ، لكنه توسط هنا بين اسم إن وخبرها ، ليحصل توافق رؤوس الآي ، وللاهتمام بتعليق الهداية بمشيئة اللّه ، وجاء خبر إن اسماً ، لأنه أدل على الثبوت وعلى أن الهداية حاصلة لهم ، وأكد بحر في التأكيد إن واللام ، ولم يأتوا بهذا الشرط إلا على سبيل الأدب مع اللّه تعالى ، إذ أخبروا بثبوت الهداية لهم . وأكدوا تلك النسبة ، ولو كان تعليقاً محضاً لما احتيج إلى تأكيد ، ولكنه على قول القائل : أنا صانع كذا إن شاء اللّه ، وهو متلبس بالصنع ، فذكر إن شاء اللّه على طريق الأدب . قال الماتريدي : إن قوم موسى ، مع غلظ أفهامهم وقلة عقولهم ، كانوا أعرف باللّه وأكمل توحيداً من المعتزلة ، لأنهم قالوا :

{وَإِنَّا إِن شَاء اللّه لَمُهْتَدُونَ } ، والمعتزلة يقولون : قد شاء اللّه أن يهتدوا ، وهم شاؤوا أن لا يهتدوا ، فغلبت مشيئتهم مشيئة اللّه تعالى ، حيث كان الأمر على : ما شاؤوا إلا كما شاء اللّه تعالى ، فتكون الآية حجة لنا على المعتزلة . انتهى كلامه .

﴿ ٧٠