٨٤

وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ } : الكلام على :{ تَسْفِكُونَ } ، كالكلام على :{ لاَ تَعْبُدُونَ } إلا اللّه من حيث الإعراب .

وقرأ الجمهور : بفتح التاء وسكون السين وكسر الفاء .

وقرأ طلحة بن مصرف وشعيب بن أبي جمزة ؛ كذلك ، إلا أنهما ضما الفاء .

وقرأ أبو نهيك وأبو مجلز : بضم التاء وفتح السين وكسر الفاء المشددة .

وقرأ ابن أبي إسحاق : كذلك ، إلا أنه سكن السين وخفف الفاء ، وظاهر قوله :{ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ } ،أي لا تفعلون ذلك بأنفسكم لشدّة تصيبكم وحنق يلحقكم . وقد جاء في الحديث أمر الذي وضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه . وأخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه من أهل النار . وصح من قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده ، يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً . وتظافرت على تحريم قتل النفس الملل .

وقال تعالى :{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}

وقيل معناه : لا تسفكوا دماء الناس ، فإن من سفك دماءهم سفكوا دمه ، وقال : سقيناهم كأساً سقونا بمثلها

ولكنهم كانوا على الموت أصبرا

وقيل : معناه لا تقتلوا أنفسكم بارتكابكم ما يوجب ذلك ، كالارتداد والزنا بعد الإحصان والمحاربة ، وقتل النفس بغير حق ونحو ذلك ، مما يزيل عصمة الدماء .

وقيل : معناه لا يسفك بعضكم دماء بعض ، وإليه أشار بقوله :{ لا لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ } ، وكان أهل دين كنفس واحدة ، قاله قتادة ، واختاره الزمخشري .

قال ابن عطية : إن اللّه أخذ على بني إسرائيل في التوراة ميثاقاً أن لا يقتل بعضهم بعضاً ، ولا ينفيه ، ولا يسترقه ، ولا يدعه يسترق ، إلى غير ذلك من الطاعات . والخطاب في أخذنا ميثاقكم لعلماء اليهود الذين كانوا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،أو مع أسلافهم .

{وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مّن دِيَارِكُمْ } معناه : لا يخرج بعضكم بعضاً ، أو لا تسيئوا جوار من جاوركم فتلجئوهم إلى الخروج من دياركم ، أو لا تفعلوا ما تخرجون به أنفسكم من الجنة التي هي داركم ، أو لا تخرجون أنفسكم ، أي إخوانكم ، لأنكم كنفس واحدة ، أو لا تفسدوا ، فيكون سبباً لإخراجكم من دياركم ، كأنه يشير إلى تغريب الجاني ، أو لا تفسدوا وتشاقوا الأنبياء والمؤمنين ، فيكتب عليكم الجلاء . أقوال ستة . ثم أقررتم : أي بالميثاق ، واعترفتم بلزومه ، أو اعترفتم بقبوله ، أو رضيتم به ، كما قال البعيث : ولست كليبياً إذا سيم خطة

أقر كإقرار الحليلة للبعل

{وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } : أي تعلمون أن اللّه أخذه عليكم ، وأراد على قدماء بني إسرائيل ، إن كان الخطاب وارداً عليهم ، وإن كان على معاصريه / صلى اللّه عليه وسلم من أبنائهم ، فمعناه : وأنتم تشهدون على أسلافكم بما أخذه اللّه عليهم من العهد ، إما بالنقل المتواتر ،

وإما بما تتلونه من التوراة . وإن كان معنى الشهادة الحضور ، فيتعين أن يكون الخطاب لأسلافهم . وقال بعض المفسرين : ثم أقررتم عائد إلى الخلف ، وأنتم تشهدون عائد إلى السلف ؟ لأنهم عاينوا سفك دماء بعضهم بعضاً . وقال : وأنتم تشهدون لأن الأوائل والأصاغر صاروا كالشيء الواحد ، فلذلك أطلق عليهم خطاب الحضرة

﴿ ٨٤