١٠٤يا أيها الذين . . . . . الرعاية والمراعاة : النظر في مصالح الإنسان وتدبير أموره . والرعونة والرعن : الجهل والهوج . ذو : يكون بمعنى صاحب ، وتثنى ، وتجمع ، وتؤنث ، وتلزم الإضافة لاسم جنس ظاهر . وفي إضافتها إلى ضمير الجنس خلاف ، المشهور : المنع ، ولا خلاف أنه مسموع ، لكن من منع ذلك خصه بالضرورة . وإضافته إلى العلم المقرون به في الوضع ، أو الذي لا يقرن به في أول الوضع مسموع . فمن الأول قولهم : ذو يزن ، وذو جدن ، وذو رعين ، وذو الكلاع . فتجب الإضافة إذ ذاك . ومن الثاني قولهم : في تبوك ، وعمرو ، وقطرى : ذو تبوك ، وذو عمرو ، وذو قطرى . والأكثر أن لا يعتد بلفظ ذو ، بل ينطق بالاسم عارياً من ذو . وما جاء من إضافته لضمير العلم ، أو لضمير مخاطب لا ينقاس ، كقولهم : اللّهم صل على محمد وعلى ذويه ، وقول الشاعر : وإنا لنرجو عاجلاً منك مثل ما رجوناه قدماً من ذويك الأفاضل ومذهب سيبويه : أن وزنه فعل ، بفتح العين ، ومذهب الخليل : أن وزنه فعل ، بسكونها . واتفقوا على أنه يجمع في التكسير على أفعال . قالوا : أذواء وذو من الأسماء الستة التي تكون في الرفع بالواو ، وفي النصب بالألف ، وفي الجر بالياء . وإعراب ذو كذا لازم بخلاف غيرها من تلك الأسماء ، فذلك على جهة الجواز . وفيما أعربت به هذه الأسماء عشرة مذاهب ذكرت في النحو ، وقد جاءت ذو أيضاً موصولة ، وذلك في لغة طيء ، ولها أحكام ، ولم تقع في القرآن . النسخ : إزالة الشيء بغير بدل يعقبه ، نحو : نسخت الشمس الظل ، ونسخت الريح الأثر . أو نقل الشيء من غير إزالة نحو : نسخت الكتاب ، إذا نقلت ما فيه إلى مكان آخر . النسيئة : التأخير ، نسأ ينسأ ، ويأتي نسأ : بمعنى أمضى الشيء ، قال الشاعر : لمؤن كألواح الإران نسأتها على لاحب كأنه ظهر برجد الولي : فعيل للمبالغة ، من ولي الشيء : جاوره ولصق به . الحسد : تمني زوال النعمة عن الإنسان ، حسد يحسد حسداً وحسادة . الصفح : قريب معناه من العفو ، وهو الإعراض عن المؤاخذة على الذنب ، مأخوذ من تولية صفحة الوجه إعراضاً . وقيل : هو التجاوز من قولك ، تصفحت الورقة ، أي تجاوزت عما فيها . والصفوح ، قيل : من أسماء اللّه ، والصفوح : المرأة تستر بعض وجهها إعراضاً ، قال : صفوح فما تلقاك إلا بخيلة فمن ملّ منها ذلك الوصل ملت تلك : من أسماء الإشارة ، يطلق على المؤنثة في حالة البعد ، ويقال : تلك وتيلك وتالك ، بفتح التاء وسكون اللام ، وبكسرها وياء بعدها ، وكسر اللام وبفتحها ، وألف بعدها وكسر اللام ، قال : إلى الجودي حتى صار حجرا وحان لتالك الغمر انحسارا هاتوا : معناه أحضروا ، والهاء أصلية لا بدل من همزة أتى ، لتعديها إلى واحد لا يحفظ هاتي الجواب ، وللزوم الألف ، إذ لو كانت همزة لظهرت ، إذ زال موجب إبدالها ، وهو الهمزة قبلها ، فليس وزنها أفعل ، خلافاً لمن زعم ذلك ، بل وزنها فاعل كرام . وهي فعل ، خلافاً لمن زعم أنها اسم فعل ، والدليل على فعليتها اتصال الضمائر بها . ولمن زعم أنها صوت بمنزلة هاء في معنى أحضر ، وهو الزمخشري ، وهو أمر وفعله متصرف . تقول : هاتي بهاتي مهاتاة ، وليس من الأفعال التي أميت تصريف لفظه إلا الأمر منه ، خلافاً لمن زعم ذلك . وليست ها للتنبيه دخلت على أتى فألزمت همزة أتى الحذف ، لأن الأصل أن لا حذف ، ولأن معنى هات ومعنى ائت مختلفان . فمعنى هات أحضر ، ومعنى ائت أحضر . وتقول : هات هاتي هاتيا هاتوا هاتين ، تصرفها كرامي . البرهان : الدليل على صحة الدعوى ، قيل : هو مأخوذ من البره ، وهو القطع ، فتكون النون زائدة . وقيل : من البرهنة ، وهي البيان ، قالوا : برهن إذا بين ، فتكون النون زائدة لفقدان فعلن ووجود فعلل ، فينبني على هذا الاشتقاق . التسمية ببرهان ، هل ينصرف أو لا ينصرف ؟ الوجه : معروف ، ويجمع قلة على أوجه ، وكثرة على وجوه ، فينقاس أفعل في فعل الاسم الصحيح العين ، وينقاس فعول في فعل الاسم ليس عينه واواً . اليهود : ملة معروفة ، والياء أصلية ، فليست مادة الكملة مادة هود من قوله : { هُودًا أَوْ نَصَارَى } ، لثبوتها في التصريف يهده . وأما هوّده فمن مادة هود . قال الأستاذ أبو عليّ الشلوبين ، وهو الإمام الذي انتهى إليه علم اللسان في زمانه : يهود فيها وجهان ، أحدهما : أن تكون جمع يهودي ، فتكون نكرة مصروفة . والثاني : أن تكون علماً لهذه القبيلة ، فتكون ممنوعة الصرف . انتهى كلامه . وعلى الوجه الأول دخلته الألف واللام فقالوا : اليهود ، إذ لو كان علماً لما دخلته ، وعلى الثاني قال الشاعر : أولئك أولى من يهود بمدحة إذا أنت يوماً قلتها لم تؤنب ليس : فعل ماض ، خلافاً لأبي بكر بن شقير ، وللفارسي في أحد قوليه ، إذ زعما أنها حرف نفي مثل ما ، ووزنها فعل بكسر العين . ومن قال : لست بضم اللام ، فوزنها عنده فعل بضم العين ، وهو بناء نادر في الثلاثي اليائي العين ، لم يسمع منه إلا قولهم : هيؤ الرجل ، فهو هيىء ، إذا حسنت هيئته . وأحكام ليس كثيرة مشروحة في كتب النحو . الحكم : الفصل ، ومنه سمي القاضي : الحاكم ، لأنه يفصل بين الخصمين . الاختلاف : ضد الاتفاق . {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } : هذا أول خطاب خوطب به المؤمنون في هذه السورة ، بالنداء الدال على الإقبال عليهم ، وذلك أن أول نداء جاء أتى عامًّا :{ قَدِيرٌ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } ، وثاني نداء أتى خاصاً :{ خَالِدُونَ يَابَنِى إِسْراءيلَ اذْكُرُواْ } ، وهي الطائفة العظيمة التي اشتملت على الملتين : اليهودية والنصرانية ، وثالث نداء لأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم المؤمنين . فكان أول نداء عامًّا ، أمروا فيه بأصل الإسلام ، وهو عبادة اللّه . وثاني نداء ، ذكروا فيه بالنعم الجزيلة ، وتعبدوا بالتكاليف الجليلة ، وخوّفوا من حلول النقم الوبيلة وثالث نداء : علموا فيه أدباً من آداب الشريعة مع نبيهم ، إذ قد حصلت لهم عبادة اللّه ، والتذكير بالنعم ، والتخويف من النقم ، والاتعاظ بمن سبق من الأمم ، فلم يبق إلا ما أمروا به على سبيل التكميل ، من تعظيم من كانت هدايتهم على يديه . والتبجيل والخطاب بيا أيها الذين آمنوا متوجه إلى من بالمدينة من المؤمنين ، قيل : ويحتمل أن يكون إلى كل مؤمن في عصره . وروي عن ابن عباس : أنه حيث جاء هذا الخطاب ، فالمراد به أهل المدينة ، وحيث ورد يا أيها الناس ، فالمراد أهل مكة . {لاَ تَقُولُواْ راعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا } : بدىء بالنهي ، لأنه من باب التروك ، فهو أسهل . ثم أتى بالأمر بعده الذي هو أشق لحصول الاستئناس ، قبل بالنهي . ثم لم يكن نهياً عن شيء سبق تحريمه ، ولكن لما كانت لفظة المفاعلة تقتضي الاشتراك غالباً ، فصار المعنى : ليقع منك رعي لنا ومنا رعي لك ، وهذا فيه ما لا يخفى مع من يعظم نهوا عن هذه اللفظة لهذه العلة ، وأمروا بأن يقولوا : انظرنا ، إذ هو فعل من النبي صلى اللّه عليه وسلم ، لا مشاركة لهم فيه معه . وقراءة الجمهور : راعنا . وفي مصحف عبد اللّه وقراءته ، وقراءة أبي : راعونا ، على إسناد الفعل لضمير الجمع . وذكر أيضاً أن في مصحف عبد اللّه : ارعونا . خاطبوه بذلك إكباراً وتعظيماً ، إذ أقاموه مقام الجمع . وتضمن هذا النهي ، النهي عن كل ما يكون فيه استواء مع النبي صلى اللّه عليه وسلم. وقرأ الحسن ، وابن أبي ليلى ، وأبو حياة ، وابن محيصن : راعنا بالتنوين ، جعله صفة لمصدر محذوف ، أي قولاً راعناً ، وهو على طريق النسب كلابن وتامر . لما كان القول سبباً في السبب ، اتصف بالرعن ، فنهوا في هذه القراءة عن أن يخاطبوا الرسول بلفظ يكون فيه ، أو يوهم شيئاً من الغض ، مما يستحقه صلى اللّه عليه وسلم من التعظيم وتلطيف القول وأدبه . وقد ذكر أن سبب نزول هذه الآية أن اليهود كانت تقصد بذلك ، إذ خاطبوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الرعونة ، وكذا قيل في راعونا ، إنه فاعولاً من الرعونة ، كعاشورا . وقيل : كانت لليهود كلمة عبرانية ، أو سريانية يتسابون بها وهي : راعينا ، فلما سمعوا بقول المؤمنين راعنا ، اقترضوه وخاطبوا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهم يعنون تلك المسبة ، فنهي المؤمنون عنها ، وأمروا بما هو في معناها . ومن زعم أن راعنا لغة مختصة بالأنصار ، فليس قوله بشيء ، لأن ذلك محفوظ في جميع لغة العرب . وكذلك قول من قال : إن هذه الآية ناسخة لفعل قد كان مباحاً ، لأن الأول لم يكن شرعاً متقرراً قبل . وقيل في سبب نزولها غير ذلك . وبالجملة ، فهي كما قال محمد بن جرير : كلمة كرهها اللّه أن يخاطب بها نبيه ، كما قال صلى اللّه عليه وسلم : { لا تقولوا عبدي وأمتي وقولوا فتاي وفتاتي ولا تسموا العنب الكرم} . وذكر في النهي وجوه : إن معناها اسمع لا سمعت ، أو إن أهل الحجاز كانوا يقولونها عند المفر ، قاله قطرب ، أو أن اليهود كانوا يقولون : راعينا أي راعي غنمنا ، أو أنه مفاعلة فيوهم مساواة ، أو معناه راع كلامنا ولا تغفل عنه ، أو لأنه يتوهم أنه من الرعونة . وقوله : انظرنا ، قراءة الجمهور ، موصول الهمزة ، مضموم الظاء ، من النظرة ، وهي التأخير ، أي انتظرنا وتأنّ علينا ، نحو قوله : فإنكما إن تنظراني ساعة من الدهر تنفعني لدى أم جندب أو من النظر ، واتسع في الفعل فعدى بنفسه ، وأصله أن يتعدى بإلى ، كما قال الشاعر : ظاهرات الجمال والحسن ينظر ن كما ينظر الأراك الظباء يريد : إلى الأراك ، ومعناه : تفقدنا بنظرك . وقال مجاهد : معناه فهمنا وبين لنا ، فسر باللازم في الأصل ، وهو انظر ، لأنه يلزم من الرفق والإمهال على السائل ، والتأني به أن يفهم بذلك . وقيل : هو من نظر البصيرة بالتفكر والتدبر فيما يصلح للمنظور فيه ، فاتسع في الفعل أيضاً ، إذ أصله أن يتعدى بفي ، ويكون أيضاً على حذف مضاف ، أي انظر في أمرنا . قال ابن عطية : وهذه لفظة مخلصة لتعظيم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، والظاهر عندي استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال ، وهذا هو معنى : راعنا ، فبدلت للمؤمنين اللفظة ، ليزول تعلق اليهود . انتهى . وقرأ أبي والأعمش : أنظرنا ، بقطع الهمزة وكسر الظاء ، من الإنظار ، ومعناه : أخرنا وأمهلنا حتى نتلقى عنك . وهذه القراءة تشهد للقول الأول في قراءة الجمهور . {وَاسْمَعُواْ } : أي سماع قبول وطاعة . وقيل : معناه اقبلوا . وقيل : فرغوا أسماعكم حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة . وقيل : اسمعوا ما أمرتم به حتى لا ترجعوا تعودون إليه . أكد عليهم ترك تلك الكلمة . وروي أن سعد بن معاذ سمعها منهم فقال : يا أعداء اللّه ، عليكم لعنة اللّه ، فوالذي نفسي بيده ، لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأضربن عنقه .{ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } : ظاهره العموم ، فيدخل فيه اليهود . وقيل : المراد به اليهود ، أي ولليهود الذين تهاونوا بالرسول وسبوه . ولما نهى أوّلاً ، وأمر ثانياً ، وأمر بالسمع وحض عليه ، إذ في ضمنه الطاعة ، أخذ يذكر لمن خالف أمره وكفر ، { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} |
﴿ ١٠٤ ﴾