١١٩إنا أرسلناك بالحق . . . . . {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } : بشيراً لمن آمن ، ونذيراً لمن كفر . وهذه الآية تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإنه كان يضيق صدره لتماديهم على ضلالهم . ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه لما ذكر أنه بين الآيات ، ذكر من بينت على يديه ، فأقبل عليه وخاطبه صلى اللّه عليه وسلم ليعلم أنه هو صاحب الآيات فقال :{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقّ } ،أي بالآيات الواضحة ، وفسر الحق هنا بالصدق وبالقرآن وبالإسلام . وبالحق في موضع الحال ، أي أرسلناك ومعك الحق لا يزايلك . وانتصاب بشيراً ونذيراً على الحال من الكاف ، ويحتمل أن يكون حالاً من الحق ، لأن ما جاء به من الحق يتصف أيضاً بالبشارة والنذارة . والأظهر الأول . وعدل إلى فعيل للمبالغة ، لأن فعيلاً من صفات السجايا ، والعدل في بشير للمبالغة ، مقيس عند سيبويه ، إذا جعلناه من بشر لأنهم قالوا بشر مخففاً ، وليس مقيساً في نذير لأنه من أنذر ، ولعل محسن العدل فيه كونه معطوفاً على ما يجوز ذلك فيه ، لأنه قد يسوغ في الكلمة مع الاجتماع مع ما يقابلها ما لا يسوغ فيها لو انفردت ، كما قالوا : أخذه ما قدم وما حدث وشبهة . {وَلاَ تُسْئَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } : قراءة الجمهور : بضم التاء واللام . وقرأ أبي : وما تسأل . وقرأ ابن مسعود : ولن تسأل ، وهذا كله خبر . فالقراءة الأولى ، وقراءة أبي يحتمل أن تكون الجملة مستأنفة ، وهو الأظهر ، ويحتمل أن تكون في موضع الحال . وأما قراءة ابن مسعود فيتعين فيها الاستئناف ، والمعنى على الاستئناف أنك لا تسأل عن الكفار ما لهم لم يؤمنوا ، لأن ذلك ليس إليك ، { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلَاغُ } ،{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } ،{ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} وفي ذلك تسلية له صلى اللّه عليه وسلم ، وتخفيف ما كان يجده من عنادهم ، فكأنه قيل : لست مسؤولاً عنهم ، فلا يحزنك كفرهم . وفي ذلك دليل على أن أحداً لا يسأل عن ذنب أحد ، { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وأما الحال فعطف على ما قبلها من الحال ، أي وغير مسؤول عن الكفار ما لهم لا يؤمنون ، فيكون قيداً في الإرسال ، بخلاف الاستئناف . وقرأ نافع ويعقوب : ولا تسأل ، بفتح التاء وجزم اللام ، وذلك على النهي ، وظاهره : أنه نهى حقيقة ، نهى صلى اللّه عليه وسلم أن يسأل عن أحوال الكفار . قال محمد بن كعب القرظي : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : { ليت شعري ما فعل أبواي } ، فنزلت ، واستبعد في المنتخب هذا ، لأنه عالم بما آل إليه أمرهما . وقد ذكر عياض أنهما أحييا له فأسلما . وقد صح أن اللّه أذن له في زيارتهما ، واستبعد أيضاً ذلك ، لأن سياق الكلام يدل على أن ذلك عائد على اليهود والنصارى ومشركي العرب ، الذين جحدوا نبوّته ، وكفروا عناداً ، وأصروا على كفرهم . وكذلك جاء بعده : { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى } إلا إن كان ذلك على سبيل الانقطاع من الكلام الأول ، ويكون من تلوين الخطاب وهو بعيد . وقيل : يحتمل أن لا يكون نهياً حقيقة ، بل جاء ذلك على سبيل تعظيم ما وقع فيه أهل الكفر من العذاب ، كما تقول : كيف حال فلان ، إذا كان قد وقع في بلية ، فيقال لك : لا تسأل عنه . ووجه التعظيم : أن المستخبر يجزع أن يجري على لسانه ما ذلك الشخص فيه لفظاعته ، فلا تسأله ولا تكلفه ما يضجره ، أو أنت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره لإيحاشه السامع وإضجاره ، فلا تسأل ، فيكون معنى التعظيم : إما بالنسبة إلى المجيب ، وإما بالنسبة إلى المجاب ، ولا يراد بذلك حقيقة النهي . |
﴿ ١١٩ ﴾