١٣٣أم كنتم شهداء . . . . . {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ } : نزلت في اليهود . قالوا : ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية ؟ قال الكلبي : لما دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيرين ، فجمع بنيه وخاف عليهم ذلك ، فقال لهم : ما تعبدون من بعدي ؟ فأنزل اللّه هذه الآية إعلاماً لنبيه بما وصى به يعقوب ، وتكذيباً لليهود . وأم هنا منقطعة ، تتضمن معنى بل وهمزة الاستفهام الدالة على الإنكار ، والتقدير : بل أكنتم شهداء ؟ فمعنى الإضراب : الانتقال من شيء إلى شيء ، لا أن ذلك إبطال لما قبله . ومعنى الاستفهام هنا : التقريع والتوبيخ ، وهو في معنى النفي ، أي ما كنتم شهداء ، فكيف تنسبون إليه ما لا تعلمون ؟ ولا شهدتموه أنتم ولا أسلافكم . وقيل : أم هنا بمعنى : بل ، والمعنى بل كنتم ، أي كان أسلافكم ، أو نزلهم منزلة أسلافهم ، إذ كان أسلافهم قد نقلوا ذلك إليهم ، وفي إثبات ذلك إنكار عليهم ما نسبوه إلى يعقوب من اليهودية . والخطاب في كنتم لمن كان بحضرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أحبار اليهود والنصارى ورؤسائهم . و قال ابن عطية : قال لهم على جهة التقرير والتوبيخ أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى ، فتدّعون عن علم ، أي لم تشهدوا ، بل أنتم تفترون . وأم تكون بمعنى ألف الاستفهام في صدر الكلام لغة يمانية . انتهى ما ذكره . ولم أقف لأحد من النحويين على أن أم يستفهم بها في صدر الكلام . وأين ذلك ؟ وإذا صح النقل فلا مدفع فيه ولا مطعن . وحكى الطبري أن أم يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره ، وهذا منه . ومنه :{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} انتهى ، وهذا أيضاً قول غريب . وتلخص أن أم هنا فيها ثلاثة أقوال : المشهور أنها هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة . الثاني : أنها للإضراب فقط ، بمعنى بل . الثالث : بمعنى همزة الاستفهام فقط . وقال الزمخشري : الخطاب للمؤمنين بمعنى : ما شاهدتم ذلك ، وإنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي . وقيل : الخطاب لليهود ، لأنهم كانوا يقولون : ما مات نبي إلا على اليهودية ، إلا أنهم لو شهدوه ، ولو سمعوا ما قاله لبنيه ، وما قالوه ، لظهر لهم حرصه على ملة الإسلام ، ولما ادعوا عليه اليهودية . فالآية منافية لقولهم ، فكيف يقال لهم :{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء } ؟ ولكن الوجه أن تكون أم متصلة ، على أن يقدر قبلها محذوف ، كأنه قيل : أتدعون على الأنبياء اليهودية ؟{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ } ؟ يعني أن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له ، إذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام ، فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه برآء ؟ انتهى كلامه . وملخصه : أنه جعل أم متصلة ، وأنه حذف قبلها ما يعادلها ، ولا نعلم أحداً أجاز حذف هذه الجملة ، ولا يحفظ ذلك ، لا في شعر ولا غيره ، فلا يجوز : أم زيد ؟ وأنت تريد : أقام عمرو أم زيد ؟ ولا أم قام خالد ؟ وأنت تريد : أخرج زيد ؟ أم قام خالد ؟ والسبب في أنه لا يجوز الحذف . إن الكلام في معنى : أي الأمرين وقع ؟ فهي في الحقيقة جملة واحدة . وإما يحذف المعطوف عليه ويبقى المعطوف مع الواو والفاء ، إذا دل على ذلك دليل نحو قولك : بلى وعمراً ، جواباً لمن . قال : ألم تضرب زيداً ؟ ونحو قوله تعالى :{ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ } ،أي فضرب فانفجرت . وندر حذف المعطوف عليه مع أو ، نحو قوله : فهل لك أو من والد لك قبلنا أراد : فهل لك من أخ أو من والد ؟ ومع حتى على نظر فيه في قوله : فيا عجباً حتى كليب تسبني أي : يسبني الناس حتى كليب ، لكن الذي سمع من كلام العرب حذف أم المتصلة مع المعطوف ، قال دعاني إليها القلب إني لأمرها سميع فما أدرى أرشد طلابها يريد : أم غير رشد ، فحذف لدلالة الكلام عليه ، وإنما جاز ذلك لأن المستفهم عن الإثبات يتضمن نقيضه . فالمعنى : أقام زيد أم لم يقم ، ولذلك صلح الجواب أن يكون بنعم وبلا ، فلذلك جاز ذلك في البيت في قوله : أرشد طلابها ، أي أم غير رشد . ويجوز حذف الثواني المقابلات إذ دل عليها المعنى . ألا ترى إلى قوله :{ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } ، كيف حذف والبرد ؟ إذ حضر العامل في إذ شهداء ، وذلك على جهة الظرف ، لا على جهة المفعول ، كأنه قيل : حاضري كلامه في وقت حضور الموت ، وكنى بالموت عن مقدّماته لأنه إذا حضر الموت نفسه لا يقول المحتضر شيئاً ، ومنه :{ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ } ،أي ويأتيه دواعيه وأسبابه ، وقال الشاعر : وقل لهم بادروا العذر والتمسوا قولاً يبرئكم إني أنا الموت وفي قوله : حضر ، كناية غريبة ، إنه غائب لا بد أن يقدم ، ولذلك يقال في الدعاء : واجعل الموت خير غائب ننتظره . وقرىء : حضر بكسر الضاد ، وقد ذكرنا أن ذلك لغة ، وأن مضارعها بضم الضاد شاذ ، وقدم المفعول هنا على الفاعل للاعتناء .{ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ } ، إذ : بدل من إذ في قوله : إذ حضر ، فالعامل فيه إما شهداء العاملة في إذ الأولى على قول من زعم أن العامل في البدل العامل في المبدل منه ، وإما شهداء مكررة على قول من زعم أن البدل على تكرار العامل . وزعم القفال أن إذا وقت للحضور ، فالعامل فيه حضر ، وهو يؤول إلى اتحاد الظرفين ، وإن اختلف عاملهما .{ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى } ما : استفهام عما لا يعقل ، وهو اسم تام منصوب بالفعل بعده . فعلى قول من زعم أن ما مبهمة في كل شيء ، يكون هنا يقع على من يعقل وما لا يعقل ، لأنه قد عبد بنو آدم والملائكة والشمس والقمر وبعض النجوم والأوثان المنحوتة ، وأما من يذهب إلى تخصيص ما بغير العاقل ، فقيل : هو سؤال عن صفة المعبود ، لأن ما يسأل بها عن الصفات تقول : ما زيد ، أفقيه أم شاعر ؟ وقيل : سأل بما لأن المعبودات المتعارة في ذلك الوقت كانت جمادات ، كالأوثان والنار والشمس والحجارة ، فاستفهم بما التي يستفهم بها عما لا يعقل . وفهم عنه بنوه فأجابوه : بأنا لا نعبد شيئاً من هؤلاء . وقيل : استفهم بما عن المعبود تجربة لهم ، ولم يقل من لئلا يطرّق لهم الاهتداء ، وإنما أراد أن يختبرهم وينظر ثبوتهم على ما هم عليه . وظاهر الكلام أنه استفهم عن الذي يعبدون ، أي العبادة المشروعة ؟ وقال القفال : دعاهم إلى أن لا يتحرّوا في أعمالهم غير وجه اللّه تعالى ، ولم يخف عليهم الاشتغال بعبادة الأصنام ، وإنما خاف عليهم أن تشغلهم دنياهم . وفي ذلك دليل على أن شفقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على أولادهم كانت في باب الدين ، وهمتهم مصروفة إليهم . من بعدي : يريد من بعد موتي ، وحكى أن يعقوب عليه السلام حين خير ، كما يخير الأنبياء ، اختار الموت وقال : أمهلوني حتى أوصي بني وأهلي ، فجمعهم وقال لهم هذا القول . {قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَاهَكَ وَإِلَاهَ آبَائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } : هذه قراءة الجمهور . وقرأ أبي : وإله إبراهيم ، بإسقاط آبائك . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وابن يعمر ، والجحدري ، وأبو رجاء : وإله أبيك . فأما على قراءة الجمهور ، فإبراهيم وما بعده بدل من آبائك ، أو عطف بيان . وإذا كان بدلاً ، فهو من البدل التفصيلي ، ولو قرىء فيه بالقطع ، لكان ذلك جائزاً . وأجاز المهدوي أن يكون إبراهيم وما بعده منصوباً على إضمار ، أعني : وفيه دلالة على أن العم يطلق عليه أب . وقد جاء في العباس : هذا بقية آبائي ، وردّوا عليّ أبي ، وأنا ابن الذبيحين ، على القول الشهير : أن الذبيح هو إسحاق ، وفيه دلالة على أن الجدّ يسمى أباً لقوله : { وَإِلَاهَ آبَائِكَ إِبْراهِيمَ } ، وإبراهيم جدّ ليعقوب . وقد استدل ابن عباس بذلك وبقوله :{ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءابَاءي إِبْراهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } على توريث الجدّ دون الإخوة ، وإنزاله منزلة الأب في الميراث ، عند فقد الأب ، وأن لا يختلف حكمه وحكم الأب في الميراث ، إذا لم يكن أب ، وهو مذهب الصديق وجماعة من الصحابة ، رضوان اللّه عليهم أجمعين ، وهو قول أبي حنيفة . وقال زيد بن ثابت : هو بمنزلة الإخوة ، ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث ، فيعطى الثلث ، ولم ينقص منه شيئاً ، وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي . وقال علي : هو بمنزلة أحد الإخوة ، ما لم تنقصه المقاسمة من السدس ، فيعطى السدس ، ولم ينقص منه شيئاً ، وبه قال ابن أبي ليلى ، وحجج هذه الأقوال في كتب الفقه . وأما قراءة أبيّ فظاهرة ، وأما على قراءة ابن عباس ، ومن ذكر معه ، فالظاهر أن لفظ أبيك أريد به الإفراد ويكون إبراهيم بدلاً منه ، أو عطف بيان . وقيل : هو جمع سقطت منه النون للإضافة ، فقد جمع أب على أبين نصباً وجراً ، وأبون رفعاً ، حكى ذلك سيبويه ، وقال الشاعر : فلما تبين أصواتنا بكين وفدّيننا بالأبينا وعلى هذا الوجه يكون إعراب إبراهيم مثل إعرابه حين كان جمع تكسير . وفي إجابتهم له بإظهار الفعل تأكيد لما أجابوه به ، إذ كان يجوز أن يقال : قالوا إلهك ، فتصريحهم بالفعل تأكيد في الجواب أنه مطابق للسؤال ، أعني في العامل الملفوظ به في السؤال . وإضافة الإله إلى يعقوب فيه دليل على اتحاد معبود السائل والمجيب لفظاً . وفي قوله : وإله آبائك دليل على اتحاد المعبود أيضاً من حيث اللفظ ، وإنما كرر لفظ وإله ، لأنه لا يصح العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة جاره ، إلا في الشعر ، أو على مذهب من يرى ذلك ، وهو عنده قليل . فلو كان المعطوف عليه ظاهراً ، لكان حذف الجار ، إذا كان اسماً ، أولى من إثباته ، لما يوهم إثباته من المغايرة . فإن حذفه يدل على الاتحاد . وبدأ أولاً بإضافة الإله إلى يعقوب ، لأنه هو السائل ، وقدم إبراهيم ، لأنه الأصل ، وقدم إسماعيل على إسحاق ، لأنه أسنّ أو أفضل ، لكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ذريته ، وهو في عمود نسبه . واقتصر على هؤلاء ، لأنهم كانوا خير الناس في أزمانهم ، ولم يعم ، لأن الناس كان لهم معبودون كثيرون دون اللّه . {إِلَاهاً واحِداً } : يجوز أن يكون بدلاً ، وهو بدل نكرة موصوفة من معرفة ، ويجوز أن يكون حالاً ، ويكون حالاً موطئة نحو : رأيتك رجلاً صالحاً . فالمقصود إنما هو الوصف ، وجيء باسم الذات توطئة للوصف . وجوّز الزمخشري أن ينتصب على الاختصاص ، أي يريد بإلهك إلهاً واحداً . وقد نص النحويون على أن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرة ولا مبهماً . وفائدة هذه الحال ، أو البدل ، هو التنصيص على أن معبودهم واحد فرد ، إذ قد توهم إضافة الشيء إلى كثيرين تعداد ذلك المضاف ، فنهض بهذه الحال أو البدل على نفي ذلك الإيهام .{ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } : أي منقادون لما ذكر الجواب بالفعل الذي هو نعبد ، لأن العبادة متجددة دائماً . ذكر هذه الجملة الإسمية المخبر عن المبتدأ فيها باسم الفاعل الدال على الثبوت ، لأن الانقياد لا ينفكون عنه دائماً ، وعنه تكون العبادة ، فيكون قوله :{ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أحد جملتي الجواب . فأجابوه بشيئين : أحدهما : الذي سأل عنه ، والثاني : مؤكد لما أجابوا به ، فيكون من باب الجواب المربي على السؤال . وأجاز بعضهم أن تكون الجملة حالية من الضمير في نعبد ، والأول أبلغ ، وهو أن تكون الجملة معطوفة على قوله {نَعْبُدُ } ، فيكون أحد شقي الجواب . وأجاز الزمخشري أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة ، أي : ومن حالنا أنا نحن له مسلمون مخلصون التوحيد أو مذعنون . والذي ذكره النحويون أن جملة الاعتراض هي الجملة التي تفيد تقوية بين جزأي موصول وصلة ، نحو قوله : ماذا ولا عتب في المقدور رمت إما تخطيك بالنجح أم خسر وتضليل وقال : ذاك الذي وأبيك يعرف مالكا والحق يدفع ترهات الباطل أو بين جزأي إسناد ، نحو قوله : وقد أدركتني والحوادث جمة أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل أو بين فعل شرط وجزائه ، أو بين قسم وجوابه ، أو بين منعوت ونعته ، أو ما أشبه ذلك مما بينهما تلازم مّا . وهذه الجملة التي هي قوله :{ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ليست من هذا الباب ، لأن قبلها كلاماً مستقلاً ، وبعدها كلام مستقل ، وهو قوله :{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} لا يقال : إن بين المشار إليه وبين الإخبار عنه تلازم يصح به أن تكون الجملة معترضة ، لأن ما قبلها من كلام بني يعقوب ، حكاه اللّه عنهم ، وما بعدها من كلام اللّه تعالى ، أخبر عنهم بما أخبر تعالى . والجملة الاعتراضية الواقعة بين متلازمين لا تكون إلا من الناطق بالمتلازمين ، يؤكد بها ويقوي ما تضمن كلامه . فتبين بهذا كله أن قوله :{ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ليس جملة اعتراضية . و قال ابن عطية :{ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ابتداء وخبر ، أي : كذلك كنا ونحن نكون . ويحتمل أن يكون في موضع الحال . والعامل نعبد والتأويل الأول أمدح . انتهى كلامه . ويظهر منه أنه جعل الجملة معطوفة على جملة محذوفة ، وهي قوله : كذلك كنا ، ولا حاجة إلى تكلف هذا الإضمار ، لأنه يصح عطفها على نعبد إلهك ، كما ذكرناه وقررناه قبل . ومتى أمكن حمل الكلام على غير إضمار ، مع صحة المعنى ، كان أولى من حمله الإضمار . وفي المنتخب ما ملخصه تمسك بهذه الآية المقلدة ، وقالوا : إن أبناء يعقوب اكتفوا بالتقليد ، ولم ينكره هو عليهم ، فدل على أن التقليد كاف ، واستدل بها التعليمية ، قالوا : لا طريق لمعرفة اللّه تعالى إلا بتعليم الرسول والإمام ، فإنهم لم يقولوا : نعبد الإله الذي دل عليه العقل ، قالوا : لا نعبد إلا الذي أنت تعبده وآباؤك تعبده ، وهذا يدل على أن طرية المعرفة التعلم . وما ذهبوا إليه لا دليل في الآية عليه ، لأن الآية لم تتضمن إلا الإقرار بعبادة الإله . والإقرار بالعبادة للّه لا تدل على أن ذلك ناشىء عن تقليد ، ولا تعليم ، ولا أنه أيضاً ناشىء عن استدلال بالعقل ، فبطل تمسكهم بالآية . وإنما لم تتعرض الآية للاستدلال العقلي ، لأنها لم تجيء في معرض ذلك ، لأنه إنما سألهم عما يعبدونه من بعد موته ، فأحالوه على معبوده ومعبود آبائه ، وهو اللّه تعالى ، وكان ذلك أخصر في القول من شرح صفاته تعالى من الوحدانية والعلم والقدرة وغير ذلك من صفاته ، وأقرب إلى سكون ننفس يعقوب ، فكأنهم قالوا : لسنا نجري إلا على طريقتك . وقد يقال : إنفي قوله : { نَعْبُدُ إِلَاهَكَ وَإِلَاهَ آبَائِكَ } إشارة إلى الاستدلال العقلي على وجود الصانع ، لأنه قد تقدّم في أول السورة :{ قَدِيرٌ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } ، فمرادهم هنا بقولهم :{ نَعْبُدُ إِلَاهَكَ وَإِلَاهَ آبَائِكَ } الإله الذي دل عليه وجود آبائك ، وهذا إشارة إلى الاستدلال . |
﴿ ١٣٣ ﴾