١٣٧فإن آمنوا بمثل . . . . . فأنزل اللّه : { فَإِنْ ءامَنُواْ } الآية . والضمير في آمنوا عائد على من عاد عليه في قوله :{ وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى} ويجوز أن يكون الخطاب خاصاً ، والمراد به العموم ، ويجوز أن يكون عائداً على كل كافر ، فيفسره المعنى . وقرأ الجمهور :{ بِمِثْلِ مَا ءامَنتُمْ بِهِ} وقرأ عبد اللّه بن مسعود وابن عباس : بما آمنتم به . وقرأ أبيّ : بالذي آمنتم به ، وقال ابن عباس : ليس للّه مثل . وهذا يدل على إقرار الباء على حالها في آمنت باللّه ، وإطلاق على ما على اللّه تعالى . كما ذهب إليه بعضهم في قوله :{ وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا } ، يريد ومن بناها على قوله . وقراءة أبيّ ظاهرة ، ويشمل جميع ما آمن به المؤمنون . وأما قراءة الجمهور ، فخرجت الباء على لزيادة ، والتقدير : إيماناً مثل إيمانكم ، كما زيدت في قوله :{ وَهُزّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} وسود المحاجر لا يقرأن بالسور {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } ، وتكون ما مصدرية . وقيل : ليست بزائدة ، وهي بمعنى على ، أي فإن آمنوا على مثل ما آمنتم به ، وكون الباء بمعنى على ، قد قيل به ، وممن قال به ابن مالك ، قال ذلك في قوله تعالى :{ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ } ،أي على قنطار . وقيل : هي للاستعانة ، كقولك : عملت بالقدوم ، وكتبت بالقلم ، أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم ، وذلك فرار من زيادة الباء ، لأنه ليس من أماكن زيادة الياء قياساً . والمؤمن به على هذه الأوجه الثلاثة محذوف ، التقدير : فإن آمنوا باللّه ، ويكون الضمير في به عائداً على ما عاد عليه قوله : { وَنَحْنُ لَهُ } ، وهو اللّه تعالى . وقيل : يعود على ما ، وتكون إذ ذاك موصولة . وأما مثل ، فقيل : زائدة ، والتقدير : فإن آمنوا بما آمنتم به ، قالوا : كهي في قوله :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } ،أي ليس كهو شيء ، وكقوله : فصيروا مثل كعصف مأكول وكقوله : يا عاذلي دعني من عذلكا مثلي لا يقبل من مثلكما وقيل : ليست بزائدة . والمثلية هنا متعلقة بالاعتقاد ، أي فإن اعتقدوا مثل اعتقادكم ، أو متعلقة بالكتاب ، أي فإن آمنوا بكتاب مثل الكتاب الذي آمنتم به . والمعنى : فإن آمنوا بكتابكم المماثل لكتابهم ، أي فإن آمنوا بالقرآن الذي هو مصدق لما في التوراة والإنجيل ، وعلى هذا التأويل ، لا تكون الباء زائدة ، بل هي مثلها في قوله : آمنت بالكتاب . وقالت فرقة : هذا من مجاز الكلام ، يقول : هذا أمر لا يفعله مثلك ، أي لا تفعله أنت . والمعنى : فإن آمنوا بالذي آمنتم به ، وهذا يؤول إلى إلغاء مثل ، وزيادتها من حيث المعنى . وقال الزمخشري : بمثل ما آمنتم به من باب التبكيت ، لأن دين الحق واحد ، لا مثل له ، وهو دين الإسلام .{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } ، فلا يوجد إذاً دين آخر يماثل دين الإسلام في كونه حقاً ، حتى إن آمنوا بذلك الدين المماثل له ، كانوا مهتدين ، فقيل : فإن آمنوا بكلمة الشك ، على سبيل العرض ، والتقدير : أي فإن حصلوا ديناً آخر مثل دينكم ، مساوياً له في الصحة والسداد . {فَقَدِ اهْتَدَواْ } : وفيه أن دينهم الذي هم عليه ، وكل دين سواه مغاير له غير مماثل ، لأنه حق وهدى ، وما سواه باطل وضلال ، ونحو هذا قولك للرجل الذي تشير عليه : هذا هو الرأي الصواب ، فإن كان عندك رأي أصوب منه ، فاعمل به ، وقد علمت أن لا أصوب من رأيك ، ولكنك تريد تبكيت صاحبك وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأي وراءه . انتهى كلامه ، وهو حسن . وجواب الشرط قوله :{ فَقَدِ اهْتَدَواْ } ، وليس الجواب محذوفاً ، كهو في قوله :{ وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ } لمعنى تكذيب الرسل قطعاً ، واستقبال الهداية هنا ، لأنها معلقة على مستقبل ، ولم تكن واقعة قبل . {وَإِن تَوَلَّوْاْ } : أي إن أعرضوا عن الدخول في الإيمان .{ فَإِنَّمَا هُمْ فِى شِقَاقٍ } : أكد الجملة الواقعة شرطاً بأن ، وتأكد معنى الخبر بحيث صار ظرفاً لهم ، وهم مظروفون له . فالشقاق مستول عليهم من جميع جوانبهم ، ومحيط بهم إحاطة البيت بمن فيه . وهذه مبالغة في الشقاق الحاصل لهم بالتولي ، وهذا كقوله :{ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } ،{ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } ، هو أبلغ من قولك : زيد مشاق لعمرو ، وزيد ضال ، وبكر سفيه . والشقاق هنا : الخلاف ، قاله ابن عباس ، أو العداوة ، أو الفراق ، أو المنازعة ، قاله زيد بن أسلم ، أو المجادلة ، أو الضلال والاختلاف ، أو خلع الطاعة ، قاله الكسائي ؛ أو البعاد والفراق إلى يوم القيامة . وهذه تفاسير للشقاق متقاربة المعنى . وقد ذكرنا مدار ذلك في المفردات على عنيين : إما من المشقة ، وإما أن يصير في شق وصاحبه في شق ، أي يقع بينهم خلاف . قال القاضي : ولا يكاد يقال في العداوة على وجه الحق شقاق ، لأن الشقاق في مخالفة عظيمة توقع صاحبها في عداوة اللّه وغضبه ، وهذا وعيد لهم . انتهى . {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّه} : لما ذكر أن توليهم يترتب عليه الشقاق ، وهو العداوة العظيمة ، أخبر تعالى أن تلك العداوة لا يصلون إليك بشيء منها ، لأنه تعالى قد كفاه شرهم . وهذا الإخبار ضمان من اللّه لرسوله ، كفايته ومنعه منهم ، ويضمن ذلك إظهاره على أعدائه ، وغلبته إياهم ، لأن من كان مشاقاً لك غاية الشقاق هو مجتهد في أذاك ، إذا لم يتوصل إلى ذلك ، فإنما ذلك لظهورك عليه وقوّة منعتك منه ، وهذا نظير قوله تعالى : { وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وكفاه اللّه أمرهم بالسبي والقتل في قريظة وبني قينقاع ، والنفي في بني النضير ، والجزية في نصارى نجران . وعطف الجملة بالفاء مشعر بتعقب الكفاية عقيب شقاقهم ، والمجيء بالسين يدل على قرب الاستقبال ، إذ السين في وضعها أقرب في التنفيس من سوف ، والذوات ليست المكفية ، فهو على حذف مضاف ، أي فسيكفيك شقاقهم ، والمكفى به محذوف ، أي بمن يهديه اللّه من المؤمنين ، أو بتفريق كلمة المشاقين ، أو بإهلاك أعيانهم وإذلال باقيهم بالسبي والنفي والجزية ، كما بيناه . {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ، مناسبة هاتين الصفتين : أن كلاً من الإيمان وضدّه مشتمل على أقوال وأفعال ، وعلى عقائد ينشأ عنها تلك الأقوال والأفعال ، فناسب أن يختتم ذلك بهما ، أي وهو السميع لأقوالكم ، العليم بنياتكم واعتقادكم . ولما كانت الأقوال هي الظاهرة لنا الدالة على ما في الباطن ، قدّمت صفة السميع على العليم ، ولأن العليم فاصلة أيضاً . وتضمنت هاتان الصفتان الوعيد ، لأن المعنى ، وهو السميع العليم ، فيجازيكم بما يصدر منكم . |
﴿ ١٣٧ ﴾