١٤٢

سيقول السفهاء من . . . . .

القبلة : الجهة التي يستقبلها الإنسان ، وهي من المقابلة . وقال قطرب : يقولون في كلامهم ليس له قبلة ، أي جهة يأوي إليها . وقال غيره : إذا تقابل رجلان ، فكل واحد منهما قبلة الآخر . وجاءت القبلة ، وإن أريد بها الجهة ، على وزن الهيئات ، كالقعدة والجلسة . الوسط : اسم لما بين الطرفين وصف به ، فأطلق على الخيار من الشيء ، لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل ، ولكونه اسماً كان للواحد والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد . وقال حبيب : كانت هي الوسط المحمّي ، فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفاً . ووسط الوادي : خير موضع فيه ، وأكثره كلأً وماء .

ويقال : فلان من أوسط قومه ، وأنه لواسطة قومه ، ووسط قومه : أي من خيارهم ، وأهل الحسب فيهم . وقال زهير : وهم وسط يرضى الأنام بحكمهم

إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

وقد وسط سطة ووساطة ، وقال :

وكن من الناس جميعاً وسطاً

وأما وسط ، بسكون السين ، فهو طرف المكان ، وله أحكام مذكورة في النحو . أضاع الرجل الشيء : أهمله ولم يحفظه ، والهمزة فيه للنقل من ضاع يضيع ضياعاً ، وضاع المسك يضوع : فاح . الانقلاب : الانصراف والارتجاع ، وهو للمطاوعة ، قلبته فانقلب . عقب الرجل : معروف ، والعقب : النسل ،

ويقال : عقب ، بسكون القاف . الرأفة والرحمة : متقاربان في المعنى .

وقيل : الرأفة أشد الرحمة ، واسم الفاعل جاء للمبالغة على فعول ، كضروب ، وجاء على فعل ، كحذر ، وجاء على فعل ، كندس ، وجاء على فعل ، كصعب . التقلب : التردّد ، وهو للمطاوعة ، قلبته فتقلب . الشطر : النصف ، والجزء من الشيء والجهة ، قال الشاعر :

ألا من مبلغ عني رسولا

وما تغني الرسالة شطر عمرو

أي نحوه ، وقال الشاعر : أقول لأمّ زنباع أقيمي

صدور العيس شطر بني تميم

وقال : وقد أظلكم من شطر ثغركم

هول له ظلم يغشاكم قطعا

وقال ابن أحمر : تعدو بنا شطر نجد وهي عاقدة

قد كارب العقد من إيقاده الحقبا

وقال آخر :

وأظعن بالقوم شطر الملوك

أي نحوهم ، وقال : إن العشير بها داء مخامرها

وشطرها نظر العينين مسجور

ويقال : شطر عنه : بعد ، وشطر إليه : أقبل ، والشاطر من الشباب : البعيد من الجيران ، الغائب عن منزله . يقال : شطر شطوراً ، والشطير : البعيد ، منزل شطير : أي بعيد . الحرام والحرم والحرم : الممتنع ، وقد تقدّم الكلام في ذلك في قوله : { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ هُمْ } الامتراء : افتعال من المرية ، وهي الشك . امترى في الشيء : شك فيه ، ومنه المراء . ماريته أي جادلته وشاككته فيما يدعيه . وافتعل : بمعنى تفاعل . تقول : تمارينا وامترينا فيه ، كقولك : تجاورنا واحتورنا . وجهة ، قال قوم ، منهم المازني والمبرد والفارسي : إن وجهة اسم للمكان المتوجه إليه ، فعلى هذا يكون إثبات الواو أصلاً ، إذ هو اسم غير مصدر . قال سيبويه : ولو بنيت فعلة من الوعد لقلت وعدة ، ولو بنيت مصدراً لقلت عدة . وذهب قوم ، منهم المازني ، فيما نقل المهدوي إلى أنه مصدر ، وهو الذي يظهر من كلام سيبويه . قال ، بعد ما ذكر حذف الواو من المصادر ، وقدأ ثبتوا فقالوا : وجهة في الجهة ، فعلى هذا يكون إثبات الواو شاذاً ، منبهة على الأصل المتروك في المصادر . والذي سوّغ عندي إقرار الواو ، وإن كان مصدراً ، أنه مصدر ليس بجار على فعله ، إذ لا يحفظ وجه يجه ، فيكون المصدر جهة . قالوا : وعد يعد عدة ، إذ الموجب لحذف الواو من عدة هو الحمل على المضارع ، لأن حذفها في المضارع لعلة مفقودة في المصدر . ولما فقد يجه ، ولم يسمع ، لم يحذف من وجهة ، وإن كان مصدراً ، لأنه ليس مصدراً ليجه ، وإنما هو مصدر على حذف الزوائد ، لأن الفعل منه : توجه واتجه . فالمصدر الجاري هو التوجه والاتجاه ، وإطلاقه على المكان المتوجه إليه هو من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول .

الاستباق : افتعال من السبق ، وهو الوصول

إلى الشيء أولاً ، ويكون افتعل منه ، إما لموافقة المجرد ، فيكون معناه ومعنى سبق واحداً ، أو لموافقة تفاعل ، فيكون استبق وتسابق بمعنى واحد . الخيرات : جمع خيرة ، ويحتمل أن يكون بناء على فعلة ، أو بناء على فيعلة ، فحذف منه ، كالميتة واللينة . وقد تقدّم القول في هذا الحذف ، قالوا : رجل خير ، وامرأة خيرة ، كما قالوا : رجل شر ، وامرأة شرّة ، ولا يكونان إذ ذاك أفعل التفضيل . الجوع : القحط ،

وأما الحاجة إلى الأكل فإنما اسمها : الغرث . يقال : غرث يغرث غرثاً ، فهو غرث وغرثان ، قال : مغرّثة زرقاً كأن عيونها

من الذمر والإيحاء نوّار عضرس

وقد استعمل المحدثون في الغرث : الجوع اتساعاً .

{سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا } : سبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري ، عن البراء بن عازب قال : لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة ، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ، أو سبعة عشر شهراً . وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة ، فأنزل اللّه تعالى :{ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء } الآية . فقال : السفهاء من الناس ، وهم اليهود ، ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فقال اللّه تعالى :{ قُل للّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } الآية . ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أن اليهود والنصارى قالوا : إن إبراهيم ، ومن ذكر معه ، كانوا يهوداً ونصارى . ذكروا ذلك طعناً في الإسلام ، لأن النسخ عند اليهود باطل ، فقالوا : الانتقال عن قبلتنا باطل وسفه ، فرد اللّه تعالى ذلك عليهم بقوله :{ قُل للّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } الآية ، فبين ما كان هداية ، وما كان سفهاً . وسيقول ، ظاهر في الاستقبال ، وأنه إخبار من اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم ، أنه يصدر منهم هذا القول في المستقبل ، وذلك قبل أن يؤمروا باستقبال الكعبة ، وتكون هذه الآية متقدمة في النزول على الآية المتضمنة الأمر باستقبال الكعبة ، فتكون من باب الإخبار بالشيء قبل وقوعه ، ليكون ذلك معجزاً ، إذ هو إخبار بالغيب . ولتتوطن النفس على ما يرد من الأعداء ، وتستعد له ، فيكون أقل تأثيراً منه إذا فاجأ ، ولم يتقدم به علم ، وليكون الجواب مستعداً لمنكر ذلك ، وهو قوله :{ قُل للّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وإلى هذا القول ذهب الزمخشري وغيره . وذهب قوم إلى أنها متقدمة في التلاوة ، متأخرة في النزول ، وأنه نزل قوله :{ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ } الآية ، ثم نزل :{ سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ} نص على ذلك ابن عباس وغيره . ويدل على هذا ويصححه حديث البراء المتقدم ، الذي خرجه البخاري . وإذا كان كذلك ، فمعنى قوله : سيقول ، أنهم مستمرون على هذا القول ، وإن كانوا قد قالوه ، فحكمة الاستقبال أنهم ، كما صدر عنهم هذا القول في الماضي ، فهم أيضاً يقولونه في المستقبل . وليس عندنا من وضع المستقبل موضع الماضي . وإن معنى سيقول : قال ، كما زعم بعضهم ، لأن ذلك لا يتأتى مع السين لبعد المجاز فيه . ولو كان عارياً من السين ، لقرب ذلك وكان يكون حكاية حال ماضية . والسفهاء : اليهود ، قاله البراء بن عازب ، ومجاهد ، وابن جبير . وأهل مكة قالوا : اشتاق محمد إلى مولده ، وعن قريب يرجع إلى دينكم ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس ، واختاره الزجاج . أو المنافقون قالوا : ذلك استهزاء بالمسلمين ، ذكره السدي ، عن ابن مسعود . وقد جرى تسمية المنافقين بالسفهاء في قوله :{ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء } ،أو الطوائف الثلاث الذين تقدم ذكرهم من الناس . قال ابن عطية وغيره : وخص بقوله من الناس ، لأن السفه أصله الخفة ، يوصف به الجماد . قالوا : ثوب سفيه ، أي خفيف النسج والهلهلة ، ورمح سفيه : أي خفيف سريع النفوذ . ويوصف به الحيوانات غير الناس ، فلو اقتصر ، لاحتمل الناس وغيرهم ، لأن القول ينسب إلى الناس حقيقة ، وإلى

غيرهم مجازاً ، فارتفع المجاز بقوله : { مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ } ،أي ما صرفهم ، والضمير عائد على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، والمؤمنين عن قبلتهم . أضاف القبلة إليهم لأنهم كانوا استقبلوها زمناً طويلاً ، فصحت الإضافة .

وأجمع المفسرون على أن هذه التولية كانت من بيت المقدس إلى الكعبة . هكذا ذكر بعض المفسرين ، وليس ذلك إجماعاً ، بل قد ذهب قوم إلى أن هذه القبلة ، التي عيب التحول منها إلى غيرها هي الكعبة ، وأنه كان يصلي إليها عندما فرضت الصلاة ، لأنها قبلة أبيه إبراهيم . فلما توجه إلى بيت المقدس ، قال أهل مكة ، زارّين عليه وعائبين ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، هذا على حذف مضاف ، أي على استقبالها . والاستعلاء هنا مجاز ، وحكمته أانهم لمواظبتهم على امتثال أمر اللّه في المحافظة على الصلوات . صارت القبلة لهم كالشيء المستعلى عليه ، الملازم دائماً . وفي وصف القبلة بقوله :{ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا } ، ما يدل على تمكن استقبالها ، وديمومتهم على ذلك . والضمير في قوله : قبلتهم وكانوا ، ضمير المؤمنين .

وقيل : يحتمل أن يكون الضمير عائداً على السفهاء ، فإنهم كانوا لا يعرفون إلا قبلة اليهود ، وهي إلى المغرب ، وقبلة النصارى ، وهي إلى المشرق ، والعرب لم يكن لهم صلاة ، فيتوجهون إلى شيء من الجهات . فلما توجه نحو الكعبة ، استنكروا ذلك فقالوا : كيف يتوجه إلى غير هاتين المعروفتين ؟ واختلفوا في استقبال بيت المقدس ، أكان بوحي متلوّ ؟ أو بأمر من اللّه غير متلو ؟ أو بتخيير اللّه رسوله في النواحي ؟ فاختار بيت المقدس ، قاله الربيع ؛ أو باجتهاده بغير وحي ، قاله الحسن وعكرمة وأبو العالية . أقوال :

الأول : عن ابن عباس ، روي عنه أنه قال : أول ما نسخ من القرآن القبلة : وكذلك اختلفوا في المدة التي صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيها إلى بيت المقدس ، فقيل : ستة عشر شهراً ، أو سبعة عشر شهراً .

وقيل : تسعة ، أو عشرة أشهر .

وقيل : ثلاثة عشر شهراً .

وقيل : من وقت فرض الخمس وائتمامه بجبريل ، إثر الإسراء ، وكان ليلة سبع عشرة من ربيع الآخر ، قبل الهجرة بسنة ، ثم هاجر في ربيع الأول ، وتمادى يصلي إلى بيت المقدس ، إلى رجب من سنة اثنتين .

وقيل : إلى جمادى .

وقيل : إلى نصف شعبان . وروي أنه صلى اللّه عليه وسلم صلى ركعتي الظهر ، فانصرف بالآخرتين إلى الكعبة ، وقد استدل بهذه الآية على جواز نسه السنة بالقرآن ، إذ صلاته إلى بيت المقدس ليس فيها قرآن ، واستدل بها أيضاً على بطلان قول من يزعم أنه النسخ بداء .

{قُل للّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } : الأمر متوجه للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، وفيه تعليم له صلى اللّه عليه وسلم كيف يبطل مقالتهم ، ورد عليهم إنكارهم . والمعنى : أن الجهات كلها للّه تعالى ، يكلف عباده بما شاء أن يستقبل منها ، وأن تجعل قبلة . وقد تقدم الكلام على قوله :{للّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } ، فأغنى عن الإعادة هنا . وقد شرح المشرق ببيت المقدس ، والمغرب بالكعبة ، لأن الكعبة غربي بيت المقدس ، فيكون بالضرورة بيت المقدس شرقيها .{ يَهْدِى مَن يَشَآء إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ } : أي من يشاء هدايته . وقد تقدم الكلام على ما يشبه هذه الجملة في قوله :{ اهْدِنَا الصّرَاطَ } ، فأغنى عن إعادته : وتقدم أن هدى يتعدى باللام وبإلى وبنفسه ، وهنا عدى بإلى . وقد اختلفوا في الصلاة التي حولت القبلة فيها ، فقيل : الصبح ،

وقيل : الظهر ،

وقيل : العصر . وكذلك أكثروا الكلام في الحكمة التي لأجلها كان تحويل القبلة ، بأشياء لا يقوم على صحتها دليل ، وعللوا ذلك بعلل لم يشر إليها الشرع ، ولا قاد نحوها العقل ، فتركنا نقل ذلك في كتابنا هذا ، على عادتنا في ذلك . ومن طلب للوضعيات تعاليل ، فأحرى بأن يقل صوابه ويكثر خطؤه .

وأما ما نص الشرع على حكته ، أو أشار ، أو قاد إليه النظر الصحيح ، فهو الذي لا معدل عنه ، ولا استفادة إلا منه . وقد فسر قوله :{ إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ } بأنه القبلة التي هي الكعبة . والظاهر أنه ملة الإسلام وشرائعه ، فالكعبة من بعض مشروعاته .

﴿ ١٤٢