١٩٠وقاتلوا في سبيل . . . . . {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه} الآية . قال ابن عباس : نزلت لما صدّ المشركون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام الحديبية ، وصالحوه على أن يرجع من قابل فيحلوا له مكة ثلاثة أيام ، فرجع لعمرة القضاء ، وخاف المسلمون أن لا تفي لهم قريش ، ويصدوهم ، ويقاتلوهم في الحرم وفي الشهر الحرام ، وكرهوا ذلك ، فنزلت . وأطلق لهم قتال الذين يقاتلونهم منهم في الحرم وفي الشهر الحرام ، ورفع عنهم الجناح في ذلك ، وبذكر هذا السبب ظهرت مناسبة هذه الآية لما قبلها ، لأن ما قبلها متضمن شيئاً من متعلقات الحج ، ويظهر أيضاً أن المناسب هو : أنه لما أمر تعالى بالتقوى ، وكان أشدّ أقسام التقوى وأشقها على النفس قتال أعداء اللّه ، فأمر به ف قال تعالى :{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه } والظاهر أن المقاتلة في سبيل اللّه هي الجهاد في الكفار لإظهار دين اللّه وإعلاء كلمته ، وأكثر علماء التفسير على أنها أول آية نزلت في الأمر بالقتال ، أمر فيها بقتال من قاتل ، والكف عن من كف ، فهي ناسخة لآيات الموادعة . وروي عن أبي بكر أن أول آية نزلت في القتال { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } قال الراغب : أمر أولاً بالرفق والاقتصار على الوعظ والمجادلة الحسنة ، ثم أذن له في القتال ، ثم أمر بقتال من يأبى الحق بالحرب ، وذلك كان أمراً بعد أمر على حسب مقتضى السياسة انتهى . وقيل : إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتال المشركين ، وقيل : هي محكمة ، وفي { ريّ الظمآن} هي منسوخة بقوله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فَتَنَّاهُ } وضعف نسخها بقوله :{ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } لانه من باب التخصيص لا من باب النسخ ، ونسخ :{ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ } بقوله :{ وَقَاتِلُوهُمْ } بأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم ، وهذا الحكم لم ينسخ ، بل هو باق ، وبأنه يبعد أن يجمع بين آيات متوالية يكون كل واحدة منها ناسخة للاخرى ، وأبعد من ذهب إلى أن قوله : وقاتلوا ، ليس أمراً بقتال ، وإنما أراد بالمقاتلة المخاصمة والمجادلة والتشدّد في الدين ، وجعل ذلك قتالاً ، لأنه يؤول إلى القتال غالباً ، تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه . والآية على هذا محكمة . هذا القول خلاف الظاهر ، والعدول عن الظاهر لغير مانع لا يناسب : في سبيل اللّه ، السبيل هو الطريق ، واستعير لدين اللّه وشرائعه ، فإن المتبع ذلك يصل به إلى بغيته الدينية والدنيوية ، فشبه بالطريق الموصل الإنسان إلى ما يقصده ، وهذا من استعارة الإجرام للمعاني ، ويتعلق : في سبيل اللّه ، بقوله : وقاتلوا ، وهو ظرف مجازي ، لأنه لما وقع القتال بسببب نصرة الدين صار كأنه وقع فيه ، وهو على حذف مضاف التقدير : في نصرة دين اللّه ، ويحتمل أن يكون من باب التضمين كأنه قيل : وبالغوا بالقتال في نصرة سبيل اللّه ، فضمن : قاتلوا ، معنى المبالعة في القتال . {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } ظاهره : من يناجزكم القتال ابتداءً ، أو دفعاً عن الحق ، وقيل : من له أهلية القتال سوى من جنح للسلم فيخرج من هذا : النسوان ، والصبيان ، والرهبان . وقيل : من له قدرة على القتال ، وتسمية من له الأهلية والقدرة مقاتلاً مجاز ، وأبعد منه مجازاً من ذهب إلى أن المعنى : الذين يخالفونكم ، فجعل المخالفة قتالاً ، لأنه يؤول إلى القتال ، فيكون أمراً بقتال من خالف ، سواء قاتل أم لم يقاتل ، وقدّم المجرور على المفعول الصريح لأنه الأهم ، وهو أن يكون القتال بسبب إظهار شريعة الإسلام ، ألا ترى الاقتصار عليه في نحو قوله :{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ }{ وَلاَ تَعْتَدُواْ } نهي عام في جميع مجاوزة كل حدّ ، حدّة اللّه تعالى ، فدخل فيه الإعتداء في القتال بما لا يجوز ، وقيل : المعنى : ولا تعتدوا في قتل النساء ، والصبيان ، والرهبان ، والأطفال ، ومن يجري مجراهم . قاله ابن عباس ، وعمر بن عبد العزيز ، ومجاهد . ورجحه جماعة من المفسرين : كالنحاس وغيره ، لأن المفاعلة غالباً لا تكون إلاَّ من اثنين ، والقتال لا يكون من هؤلاء . ولأن النهي ورد في ذلك نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قتل النساء ، والصبيان ، وعن المثلة ، وفي وصاية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان النهي عن قتل هؤلاء ، والشيخ الفاني ، وعن تخريب العامر ، وذبح البقرة والشاة لغير مأكل ، وإفساد شجرة مثمرة بحرق أو غيره . وقيل : ولا تعتدوا في قتال من بذل الجزية . قاله ابن بحر ، وقيل : في ترك القتال ، وقيل : بالبداءة والمفاجأة قبل بلوغ الدعوة . وقيل : بالمثلة ، وقيل : بابتدائهم في الحرم في الشهر الحرام ، وقيل : في القتال لغير وجه اللّه ، كالحمية وكسب الذكر . {إِنَّ اللّه لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} هذا كالتعليل لما قبله كقوله : أكرم زيداً إن عمراً يكرمه . وحقيقة المحبة : وهي ميل النفس إلى ما تؤثره مستحيلة في حق اللّه تعالى ، ولا واسطة بين المحبة والبغضاء بالنسبة إلى اللّه تعالى ، لأنهما مجازان عن إرادة ثوابه ، وإرادة عقابه ، أو عن متعلق الإرادة من الثواب والعقاب . وذلك بخلاف محبة الانسان وبغضه ، فإن بينهما واسطة ، وهي عدمهما ، فلذلك لا يرد على نفي محبة اللّه تعالى أن يقال : لا يلزم من نفي المحبة وجود البغض ، بل ذلك لازم لما بيناه من عدم الواسطة بينهما في حقه تعالى . |
﴿ ١٩٠ ﴾