١٩٤

الشهر الحرام بالشهر . . . . .

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحُرُمُ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقسم ، والسدي ، والربيع ، والضحاك ، وغيرهم : نزلت في عمرة القضاء عام الحديبية ، وكان المشركون قاتلوهم ذلك العام في الشهر الحرام ، وهو ذو القعدة ، فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهتهم القتال ، وذلك في ذي القعدة :{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ } أي : هتكه بهتكه ، تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم .

وقال الحسن : سأل الكفار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : هل تقاتل في الشهر الحرام ؟ فأخبرهم أنه لا يقاتل فيه ، فهموا بالهجوم عليه وقتل من معه حين طمعوا أنه لا يقاتل ، فنزلت .

والشهرُ ، مبتدأ وخبره الجار والمجرور وبعده ، ولا يصح من حيث اللفظ أن يكون خبراً ، فلا بد من حذف التقدير : انتهاك حرمة الشهر الحرام ، كائن بانتهاك حرمة الشهر الحرام ؛ والألف واللام في الشهر ، في اللفظ هي للعهد ، فالشهر الأول هو ذو القعدة من سنة سبع في عمرة القضاء ، والشهر الثاني هو من سنة ست عام الحديبية { وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } والالف واللام للعهد في الحرمات ، أي : حرمة الشهر وحرمة المحرمين حين صددتم بحرمة البلد ، والشهر ، والقطان ، حين دخلتم . وهذا التفسير على السبب المنقول عن ابن عباس ومن معه ،

وأما على السبب المنقول عن الحسن فتكون الألف واللام للعموم في النفس والمال والعرض ، أي : وكل حرمة يجري فيها القصاص ، فيدخل في ذلك تلك الحرمات السابقة وغيرها ،

وقيل :{ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } جملة مقطوعة مما قبلها ليست في أمر الحج والعمرة ، بل هو ابتداء أمر كان في أول الإسلام ، أي : من انتهك حرمتك نلت منه مثل ما اعتدى عليك به ، ثم نسخ ذلك بالقتال .

وقالت طائفة : ما كان من تعدَ في مال أو جرح لم ينسخ ، وله أن يتعدى عليه من ذلك بمثل ما تعدى عليه ، ويخفى ذلك إذا أمكنه دون الحاكم ولا يأثم بذلك ، وبه قال الشافعي ، وهي رواية في مذهب مالك .

وقالت طائفة ، منهم مالك : القصاص وقف على الحكام فلا يستوفيه إلاَّهم .

وقرأ الحسن { وَالْحُرُمَاتُ } باسكان الراء على الأصل ، إذ هو جمع حرمة ، والضم في

الجمع اتباع .

{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } هذا مؤكد لما قبله من قوله { وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } وقد اختلف فيها : أهي منسوخة أم لا ؟ على ما تقدم من مذهب الشافعي ومذهب مالك .

وقال ابن عباس : نزلت هذه الآية وما بمعناها بمكة ، والاسلام لم يعز ، فلما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعز دينه ، أُمرالمسلمون برفع أمورهم إلى حكامهم ، وأُمروا بقتال الكفار .

وقال مجاهد : بل نزلت هذه الآية بالمدينة بعد عمرة القضاء ، وهو من التدريج في الأمر بالقتال .

وقوله :{ فَاعْتَدُواْ } ليس أمراً على التحتم إذ يجوز العفو ، وسمي ذلك اعتداءً على سبيل المقابلة ، والباء في : بمثل ، متعلقة بقوله : فاعتدوا عليه ، والمعنى : بعقوبة مثل جناية اعتدائه ،

وقيل : الباء زائدة ، أي : مثل اعتدائه ، وهو نعت لمصدر محذوف ، أي : اعتداءً مماثلاً لاعتدائه .

{وَاتَّقُواْ اللّه} أمر بتقوى اللّه فيدخل فيه اتقاؤه بأن لا يتعدّى الإنسان في القصاص من إلى ما لا يحل له .

{وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّه مَعَ الْمُتَّقِينَ } بالنصرة والتمكين والتأييد ، وجاء بلفظ : مع ، الدالة على الصحبة والملازمة حضاً على الناس بالتقوى دائماً إذ من كان اللّه معه فهو الغالب المنتصر ، أَلا ترى إلى ما جاء في الحديث { أرموا وأنا مع بني فلان} ؛ فأمسكوا ، فقال :  { إرموا وأنا معكم كلكم ؛ } أو : كلاماً هذا معناه ، وكذلك قوله لحسان :  { إهجم وروح القدس معك } ؛

﴿ ١٩٤