٢٠١

ومنهم من يقول . . . . .

{وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً } الحسنة : مطلقة ، والمعنى : أنهم سألوا اللّه في الدنيا الحالة الحسنة ، وقد مثل المفسرون ذلك بأنها المرأة الصالحة ، قاله علي . أو : العافية في الصحة وكفاف المال ، قاله قتادة . أو : العلم ، أو العبادة ، قاله الحسن . أو : المال ، قاله السدي ، وأبو وائل ، وابن زيد . أو : الرزق الواسع ، قاله مقاتل . أو : النعمة في الدنيا ، قاله : ابن قتيبة ، أو القناعة بالرزق ، أو : التوفيق والعصمة ، أو : الأولاد الأبرار ، أو : الثبات على الإيمان ، أو : حلاوة الطاعة ، أو : اتباع السنة ، أو : ثناء الخلق ، أو : الصحة والأمن والكفاءة والنصرة على الأعداء ، أو : الفهم في كتاب اللّه تعالى . أو : صحبة الصالحين ، قاله جعفر . وعن الصوفية في ذلك مثل كثيرة .

{وَفِي الاْخِرَةِ حَسَنَةً } مثلوا حسنة الآخرة بأنها الجنة ، أو العفو والمغفرة والسلامة من هول الموقف وسوء الحساب ، أو النعمة ، أو الحور العين ، أو تيسير الحساب ، أو مرافقة الأنبياء ، أو لذة الرؤية ، أو الرضا ، أو اللقاء .

و

قال ابن عطية : هي الحسنة بإجماع . قيل : وينبغي أن تكون الحسنتان هما العافية في الدنيا والآخرة لثبوت ذلك في حديث الذي زاره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد صار مثل الفرخ ، وإنه سأله عما كان يدعو به ، فأخبره أنه سأل اللّه في الدنيا تعجيل ما يعاقبه به في الآخرة ، وأنه قال له : { لا تستطيعه } وقال :  { هلا قلت اللّهم آتنا في الدنيا . . . } إلى آخره . فدعا بهما اللّه تعالى فشفاه .

وصح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أكثر ما كان يدعو به ، وكان يقول ذلك فيما بين الركن والحجر الأسود ، وكان يأمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الموقوف .

وأبو بكر أول من قالها في الموسم عام الفتح ، ثم اتبعه علي ، والناس أجمعون ؛ وأنس سئل الدعاء فدعا بها ، ثم سئل الزيادة فأعادها ، ثم سئل الزيادة فقال : ما تريدون ؟ قد سألت اللّه خير الدنيا والآخرة .

وفي الآخرة حسنة : الواو فيها لعطف شيئين على شيئين ، فعطفت : في الأخرة حسنة ، على : الدنيا حسنة ، والحرف قد يعطف شيئين فأكثر على شيئين فأكثر ، تقول : أعلمت زيداً أخاك منطلقاً وعمراً أباه مقيماً ، إلاَّ إن ناب عن عاملين ففيه خلاف ، وفي الجواز تفصيل . وليس هذا من الفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف والمجرور كما ظن بعضهم ، فأجاز ذلك مستدلاً به على ضعف مذهب الفارسي في أن ذلك مخصوص بالشعر ، لأن الآية ليست من هذا الباب ، بل من عطف شيئين فأكثر على شيئين فأكثر ، وإنما الذي وقع فيه خلاف أبي علي هو : ضربت زيداً وفي الدار عمراً ، وإنما يستدل على ضعف مذهب أبي علي بقوله : { اللّه الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الاْرْضِ مِثْلَهُنَّ } وبقوله :{ إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الاحمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } وتمام الكلام على هذه المسألة مذكور في علم النحو .

{وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } هو سؤال بالوقاية من النار ، وهو : أن لا يدخلوها ، وهي نار جهنم ،

وقيل : المرأة السوء الكثيرة الشر .

وقال القيثري : واللام في النار لام الجنس ، فتحصل الاستعاذة عن نيران الحرقة ونيران الفرقة انتهى .

وظاهر هذا الدعاء أنه لما كان قولهم : وفي الآخرة حسنة ،

يقتضي أن من دخل الجنة ، ولو آخر الناس ، صدق عليه أنه : أوتي في الآخرة حسنة ، قد دعوا اللّه تعالى أن يكونوا مع دخول الجنة يقيهم عذاب النار ، فكأنه دعاء بدخول الجنة أولاً دون عذاب ، وأنهم لا يكونون ممن يدخل النار بمعاصيهم ويخرجون منا بالشفاعة . ويحتمل أن يكون مؤكداً لطلب دخول الجنة ، كما قال بعض الصحابة .

إنما أقول في دعائي : اللّهم أدخلني الجنة ، وعافني من النار ، ولا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { حولها ندندن} .

﴿ ٢٠١