٢٠٢أولئك لهم نصيب . . . . . {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ } تقدّم انقسام الناس إلى فريقين : فريق اقتصر في سؤآله على دنياه ، وفريق أشرك في دنياه أخراه ، فالظاهر أن : أولئك ، إشارة إلى الفريقين ، إذ المحكوم به ، وهو كون : نصيب لهم مما كسبوا ، مشترك بينهما ، والمعنى : أن كل فريق له نصيب مما كسب ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . ولا يكون الكسب هنا الدعاء ، بل هذا مجرد إخبار من اللّه بما يؤول إليه أمر كل واحد من الفريقين ، وأن انصباءهم من الخير والشر تابعة لاكسابهم . وقيل : المراد بالكسب هنا الدعاء ، أي : لكل واحد منهم نصيب مما دعا به . وسمي الدعاء كسباً لأنه عمل ، فيكون ذلك ضماناً للإجابة وعداً منه تعالى أنه يعطي كّلاً منه نصيباً مما اقتضاه دعاؤه ، إما الدنيا فقط ، وإما الدنيا والآخرة ، فيكون كقوله :{ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاْخِرَةِ }{ وَمَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ } و { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } الآيات . وكما جاء في الصحيح : وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا ما عمل للّه بها ، فإذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها . وفي المعنى الأول لا يكون فيه وعد بالإجابة . و : من ، في قوله : مما كسبوا ، يحتمل أن تكون للتبعيض ، أي : نصيب من جنس ما كسبوا ، ويحتمل أن يكون للسبب ، و : ما ، يحتمل أن تكون موصولة لمعنى الذي أو موصولة مصدرية أي : من كسبهم ، وقيل : أولئك ، مختص بالإشارة إلى طالبي الحسنتين فقط ، ولم يذكر ابن عطية غيره . وذكره الزمخشري بإزائه . قال ابن عطية : وعد على كسب الأعمال الصالحة في صيغة الإخبار المجرد ، وقال الزمخشري : أولئك الداعون بالحسنتين لهم نصيب من جنس ما كسبوا من الأعمال الصالحة ، وهو الثواب الذي هو منافع الحسنة ، أو من أجل ما كسبوا ، كقوله : مما خطاياهم اغرقوا ، ثم قال بعد كلام : ويجوز أن يكون أولئك الفريقين جميعاً ، وأن لكل فريق نصيباً من جنس ما كسبوا . انتهى كلامه . والأظهر ما قدمناه من أن : أولئك ، إشارة إلى الفريقين ، ويؤيده قوله :{ وَاللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ } وهذا ليس مما يختص به فريق دون فريق ، بل هذا بالنسبة لجميع الخلق ، والحساب يعم محاسبة العالم كلهم ، لا محاسبة هذا الفريق الطالب الحسنتين . وروي عن ابن عباس : أن النصيب هنا مخصوص بمن حج عن ميت ، يكون الثواب بينه وبين الميت ، وروي عنه أيضاً ، في حديث الذي سأل هل يحج عن أبيه . وكان مات ؟ وفي آخره ، قال : فهل لي من أجر ؟ فنزلت هذه الآية ، قيل : وإذا صح هذا فتكون الآية منفصلة عن التي قبلها ، معلقة بما قبله من ذكر الحج ومناسكه وأحكامه . انتهى . وليست كما ذكر منفصلة ، بل هي متصلة بما قبلها ، لأن ما قبلها هو في الحج ، وأن انقسام الفريقين هو في الحج ، فمنهم من كان يسأل اللّه الدنيا فقط ، ومنهم من يسأل الدنيا والآخرة . وحصل الجواب للسائل عن حجه عن أبيه : أله فيه أجر ؟ لعموم قوله :{ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ } وقد أجاب ابن عباس بهذه الآية من سأله أن يكرى دابته ويشرط عليهم أن يحج ، فهل يجزى عنه ؟ وذلك لعموم قوله :{ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ} {وَاللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ } ظاهره الإخبار عنه تعالى بسرعة حسابه ، وسرعته بانقضائه عجلاً كقصد مدته ، فروى : بقدر حلب شاة ، وروي بمقدار فواق ناق ، وروي بمقدار لمحة البصر . أو لكونه لا يحتاج إلى فكر ، ولا رؤية كالمعاجز ، قاله أبو سليمان . أو : لما علم ما للمحاسب وما عليه قبل حسابه ، قاله الزجاج . أو : لكون حساب العالم كحساب رجل واحداً ، و : لقرب مجيء الحساب ، قاله مقاتل . قيل : كنى بالحساب عن المجازاة على الأعمال إذا كانت ناشئة عنها كقوله : { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } يعنى ما جزائي ، وقيل : كنى بالحساب عن العلم بمجاري الأمور ، لأن الحساب يفضي إلى العلم ، قاله الزجاج أيضاً . وقيل : عبر بالحساب عن القبول لدعاء عباده ، وقيل : عبر به عن القدرة والوفاء ، أي : لا يؤخر ثواب محسن ولا عقاب مسيء . وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : سريع مجيء يوم الحساب . فالمقصود بالآية الإنذار بسرعة يوم القيامة . وقيل : سرعة الحساب تعالى رحمته وكثرتها ، فهي لا تغب ولا تنقطع . وروي ما يقاربه عن ابن عباس . وظاهر سياق هذا الكلام عموم الحساب للكافر والمؤمن إذ جاء بعد ما ظاهره أنه للطائعين ، ويكون حساب الكفار تقريعاً وتوبيخاً ، لأنه ليس له حسنة في الآخرة يجزىء بها ، وهو ظاهر قوله :{ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } وقال الجمهور : الكفار لا يحاسبون ، قال تعالى :{ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً }{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } وظاهر ثقل الموازين وخفتها ، وما ترتب عليهاف ي الآيات الواردة في القرآن شمول الحسنات للبر والفاجر ، والمؤمن والكافر . وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة : أن الحج له أشهر معلومات ، وجمعها على أشهر لقلتها ، وهي : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة . بكمالها ، على ما يقتضيه ظاهر الجمع ، ووصفها : بمعلومات ، لعلمهم بها . وأخبر تعالى أن من ألزم نفسه الحج فيها فلا يرفت ولا يفسق ولا يجادل ، فنهاه عن مفسد الحج مما كان جائزاً قبله ، وما كان غير جائز مطلقاً ليسوي بين التحريمين ، وإن كان أحدهما مؤقتاً ، والآخر ليس بمؤقت . ثم لما نهى عن هذه المفسدات ، أخبر تعالى أن ما يفعله الإنسان من الخير الذي فرض الحج منه يعلمه اللّه ، فهو تعالى يثيب عليه . ثم أمر تعالى بالتزوّد للدّار الآخرة بأعمال الطاعات ، ودخل فيها ما هم ملتبسون به من الحج ، وأخبر أن خير الزاد هو ما كان وقاية بينك وبين النار ، ثم نادى ذوي العقول ، الذين هم أهل الخطاب ، وأمرهم باتقاء عقابه ، لأنه قد تقدّم ذكر المناهي ، فناسب أن ينتهوا على اتقاء عذاب اللّه بالمخالفة فيما نهى عنه ، ثم أنه لما كان الحاج مشغولاً بهذه العبادة الشاقة ، ملتبساً بأقوالها وأفعالها ، كان مما يتوهم أنها لا يمزج وقتها بشيء غير أفعالها ، فبين تعالى أنه لا حرج على من ابتغى فيها فضلاً بتجارة ، أو إجارة ، أو غير ذلك من الأعمال المعينة على كلف الدنيا ، ثم أمرهم تعالى بذكره عند المشعر الحرام إذا أفاضوا من عرفات ، ليرجعهم بذكره إلى الاشتغال بأفعال الحج ، لئلا يستغرقهم التعلق بالتجارات والمكاسب ، ثم أمرهم بالذكر على هدايته التي منحها إياهم ، وقد كانوا قبل في ضلال ، فاصطفاهم للّهداية ، ثم أمرهم بأن يفيضوا من حيث أفاض الناس ، وهي التي جرت عادة الناس بأن يفيضوا منها ، وذلك المكان هو عرفة ، والمعنى أنهم أمروا أن يكونوا تلك الإِفاضة السابقة من عرفة لا من غيرها ، كما ذكر في سبب النزول . وأتى بثم لا لترتيب في الزمان ، بل للترتيب في الذكر ، لا في الوقوع . ثم أمر بالاستغفار ، ثم أمر بعد أداء المناسك يذكر اللّه تعالى ، ولما كان الإِنسان كثيراً ما يذكر أباه ويثني عليه بما أسلفه من كريم المآثر ، وكان ذلك عندهم الغاية في الذكر ، مثل ذكر اللّه بذلك الذكر ، ثم أكد مطلوبية المبالغة في الذكر بقوله : أو أشدّ ، ليفهم أن ما مثل به أولاً ليس إلاّ على طريق ضرب المثل لهم ؛ والمقصود أن لا يغفلوا عن ذكر اللّه تعالى طرفة عين . ثم قسم مقصد الحاج إلى دنيويّ صرف ، وإلى دنيويّ وأخروي ، وبيّن ذلك في سؤاله ، إياه وذكر أن من اقتصر على دنياه فإنه لا حظ له في الآخرة ، ثم أشار إلى مجموع الصنفين بأن كلا منهما له مما كسب من أعمال حظ ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، وأنه تعالى حسابه سريع ، فيجازي العبد بما كسب . |
﴿ ٢٠٢ ﴾