٢١٦كتب عليكم القتال . . . . . {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ } قال ابن عباس : لما فرض اللّه الجهاد على المسلمين ، شق عليهم ، وكرهوا ، فنزلت هذه الآية . وظاهر قوله : كتب ، أنه فرض على الأعيان ، كقوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ }{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ }{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَواةَ فَاذْكُرُواْ اللّه قِيَاماً وَقُعُوداً } وبه قال عطاء ، قال : فرض القتال على أعيان أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فلما استقرّ الشرع ، وقيم به ، صار على الكفاية . وقال الجمهور : أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين ، ثم استمرّ الإجماع على أنه فرض كفاية إلى أن نزل بساحة الإسلام ، فيكون فرض عين . وحكى المهدوي ، وغيره عن الثوري أنه قال : الجهاد تطوّع ، ويحمل على سؤال سائل ، وقد قيم بالجهاد ، فأجيب بأنه في حقه تطوّع . وقرأ الجمهور : كتب ، مبنياً للمفعول على النمط الذي تقدّم قبل هذا من لفظ : كتب وقرأ قوم : كتب مبنياً للفاعل ، وينصب القتال ، والفاعل ضمير في كتب يعود على اسم اللّه تعالى . ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه : لما ذكر ما مس من تقدمنا من اتباع الرسل من البلايا ، وأن دخول الجنة معروف بالصبر على ما يبتلى به المكلف ، ثم ذكر الإنفاق على من ذكر ، فهو جهاد النفس بالمال ، انتقل إلى أعلا منه وهو الجهاد الذي يستقيم به الدين ، وفيه الصبر على بذل المال والنفس . {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } أي مكروه ، فهو من باب النقض بمنى المنقوض ، أو ذوكره إذا أريد به المصدر ، فهو على حذف مضاف ، أو لمبالغة الناس في كراهة القتال ، جعل نفس الكراهة . والظاهر عود : هو ، على القتال ، ويحتمل أن يعود على المصدر المفهوم من : كتب ، أي : وكتبه وفرضه شاق عليكم ، والجملة حال ، أي : وهو مكروه لكم بالطبيعة ، أو مكروه قبل ورود الأمر . وقرأ السلمي : كره بفتح الكاف ، وقد تقدّم ذكر مدلول الكره في الكلام على المفردات . وقال الزمخشري في توجيه قراءة السلمي : يجوز أن يكون بمعنى المضموم : كالضعف والضعف ، تريد المصدر ، قال : ويجوز أن يكون بمعنى الإكراه على سبيل المجاز ، كأنهم أكرهوا عليه لشدّة كراهته له ومشقته عليهم ، ومنه قوله تعالى :{ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} انتهى كلامه . وكون كره بمعنى الإكراه ، وهو أن يكون الثلاثي مصدراً للرباعي هو لا ينقاس ، فإن روي استعمال ذلك عن العرب استعملناه . {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} عسى هنا للاشفاق لا للترجي ، ومجيئها للإشفاق قليل ، وهي هنا تامة لا تحتاج إلى خبر ، ولو كانت ناقصة لكانت مثل قوله تعالى :{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ } فقوله : أن تكرهوا ، في موضع رفع بعسى ، وزعم الحوفي في أنه في موضع نصب ، ولا يمكن إلاَّ بتكلف بعيد ، واندرج في قوله : شيئاً القتال ، لأنه مكروه بالطبع لما فيه من التعرض للأسر والقتل ، وإفناء الأبدان ، وإتلاف الأموال . والخير الذي فيه هو الظفر . والغنيمة بالاستيلاء على النفوس ، والأموال أسراً وقتلاً ونهباً وفتحاً ، وأعظمها الشهادة وهي الحالة التي تمناها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مراراً . والجملة من قوله : وهو خير لكم ، حال من قوله : شيئاً ، وهو نكرة ، والحال من النكرة أقل من الحال من المعرفة ، وجوّزوا أن تكون الجملة في موضع الصفة ، قالوا : وساغ دخول الواو لما كانت صورة الجملة هنا كصورتها ، إذ كانت حالاً . انتهى . وهو ضعيف ، لأن الواو في النعوت إنما تكون للعطف في نحو : مررت برجل عالم وكريم ، وهنا لم يتقدم ما يعطف عليه ، ودعوى زيادة الواو بعيدة ، فلا يجوز أن تقع الجملة صفة . {وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} عسى هنا للترجي ، ومجيئها له هو الكثير في لسان العرب ، وقالوا : كل عسى في القرآن للتحقيق ، يعنون به الوقوع إلاَّ قوله تعالى : { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْواجاً } اندرج في قوله : شيئاً ، الخلود إلى الراحة وترك القتال ، لأن ذلك محبوب بالطبع لما في ذلك من ضد ما قد يتوقع من الشر في القتال ، والشر الذي فيه هو ذلهم ، وضعف أمرهم ، واستئصال شأفتهم ، وسبى ذراريهم ، ونهب أموالهم ، وملك بلادهم . والكلام على هذه إعراباً ، كالكلام على التي قبلها . {وَاللّه يَعْلَمُ } ما فيه المصلحة حيث كلفكم القتال { وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ما يعلمه اللّه تعالى ، لأن عواقب الأمور مغيبة عن عملكم ، وفي هذا الكلام تنبيه على الرضى بما جرت به المقادير ، قال الحسن : لا تكرهوا الملمات الواقعة ، فلرب أمر تكرهه فيه أربك ، ولرب أمر تحبه فيه عطبك . وقال أبو سعيد الضرير : رب أمر تتقيه جر أمراً ترتضيه خفى المحبوب منه وبدا المكروه فيه وقال الوضاحي : ربما خير الفتى وهو للخير كاره وقال ابن السرحان : كم فرحة مطوية لك بين أثناء المصائب ومسرة قد أقبلت من حيث تنتظر النوائب وقال آخر : كم مرة حفت بك المكاره خار لك اللّه وأنت كاره |
﴿ ٢١٦ ﴾