٢٢٤ولا تجعلوا اللّه . . . . . العرضة : فعلة من العرض وهو بمعنى المفعول ، كالفرقة والقبضة ، يقال : فلان عرضة لكذا والمرأة عرضة للنكاح ، أي : معرضة له ، قال كعب : عرضتها طامس الاعلام مجهول {وقال حسان : وقال اللّه قد يسرت جندا هم الانصار } عرضتها اللقاء وقال حبيب : متى كان سمعي عرضة للوائمي وكيف صفت للعاذلين عزائمي ويقال جعله عرضة للبلاء أي : معرضاً ، وقال أوس بن حجر : وأدماء مثل الفحل يوماً عرضتها لرحلي وفيها جرأة وتقاذف وقيل : هو اسم ما تعرضه دون الشيء ، من عرض العود على الإناء ، فيعترض دونه ، ويصير حاجزاً ومانعاً . وقيل : أصل العرضة القوة ، ومنه يقال للجمل : القوي : هذا عرضة للسفر ، أي : قوي عليه ، وللفرس الشديد الجري عرضة لارتحالنا . اليمين : أصلها العضو ، واستعمل للحلف لما جرت العادة في تصافح المتعاقدين ، وتجمع على ، أيمان ، وعلى : أيمن ، وفي العضو والحلف ، وتستعمل : اليمين ، للجهة التي تكون للعضو المسمى باليمين ، فتنصب على الظرف ، تقول : زيد يمين عمرو ، وهي في العضو مشتقة من اليمين ، ويقال : فلان ميمون الطلعة ، وميمون النقيبة ، وميمون الطائر . اللغو : ما يسبق به اللسان من غير قصد ، قاله الفراء ، وهو مأخوذ من قولهم لما لا يعتدّ به في الدية من أولاد الإبل : ويقال : لغا يلغو لغواً ولغى يلغي لغاً ، وقال ابن المظفر : تقول العرب : اللغو واللاغية واللواغي واللغوي ، وقال ابن الأنباري : اللغو عند العرب ما يطرح من الكلام استغناءً عنه ، ويقال : هو ما لا يفهم لفظه . يقال : لغا الطائر يلغو : صوّت ، ويقال : لغا بالأمر لهج به يلغا ، ويقال : اشتق من هذا اللغة ، وقال ابن عيسى ، وقد ذكر أن اللغو ما لا يفيد قال : ومنه اللغة لأنها عند غير أهلها لغو وغلط في هذا الاشتقاق ، فإن اللغة إنما اشتقت من قولهم : لغى بكذا إذا أولع به . الحليم : الصفوح عن الذنب مع القدرة على المؤاخذة به ، يقال : حلم الرجل يحلم حلماً ، وهو حليم ، وقال النابغة الجعدي : ولا خير في حلم إذا لم يكن له موارد تحمي صفوه أن يكدّرا ويقال : حلم الأديم يحلم حلماً ، إذا تثقب وفسد ، قال : فإنك والكتاب إلى علي كدابغه وقد حلم الأديم و : حلم في النوم يحلم حلماً وحلماً ، وهو : حالم ، { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاْحْلَامِ بِعَالِمِينَ} الإيلاء : مصدر آلى ، أي : حلف ، ويقال : تألى وأيتلى ، أي : حلف ، ويقال للحلف : ألية وألوّة وإلوة ، وجمع ألية ألايا ، كعشية وعشايا . وقيل : تجمع ألوة على ألايا كركوبة وركائب . التربص : الترقب والانتظار ، مصدر : تربص وهو مقلوب التبصر ، قال : تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوماً أو يموت حليلُها فاء : يفيء فيأ وفيأةً ، رجع ، عن جانب المشرق إلى المغرب ، وهو سريع الفيأة أي : الرجوع ، وقال علقمة : فقلت لها فيئي فما تستنفزين ذوات العيون والبنان المخضب العزم : ما يعقد عليه القلبَ ويصمم ، ويقال : عزم عليه يعزم عزماً وعزماً وعزيمة وعزاماً ، ويقال : أعزم إعزاماً ، وعزمت عليك لتفعلنّ : أقسمت . الطلاق : انحلال عقد النكاح ، يقال منه : طلقت تطلق فهي طالق وطالقة ، قال الأعشى . أيا جارتا بيني فإنك طالقه ويقال : طلقت بضم اللام حكاه أحمد بن يحيى ، وأنكره الأخفش . القرء : أصله في اللغة الوقت المعتاد تردده ، وقرء النجم وقت طلوعه ووقت غروبه ، ويقال منه : أقرأ النجم أي طلع أو غرب ، وقرء المرأة حيضها وطهرها ، فهو من الأضداد ، قاله أبو عمرو ، ويونس ، وأبو عبيد ؛ ويقال منهما : أقرأت المرأة ، وقال أبو عمرو : من العرب من يسمي الحيض مع الطهرر قرءاً ، وقال بعضهم : القرء ما بين الحيضتين ، وقال الأخفش : أقرأت صارت صاحبة حيض ، فإذا حاضت قلت قرت بغير ألف . وقيل : القرء أصله الجمع من قولهم ، قرأت الماء في الحوض ، جمعته ، ومنه : ما أقرأت هذه الناقة سلاً قطُّ ، أي : ما جمعت في بطنها جنيناً ، فإذا أريد به الحيض : فهو اجتماع الدم في الرحم ، أو الطهر ، فهو اجتماع الدم في البدن . الرحم : الفرج من المؤنث ، وقد يستعار للقرابة ، يقال : بينهما رحم ، أي قرابة ، ويصل الرحم . البعل : الزوج يقال منه ، بعل يبعل بعولة ، أي : صار بعلاً ، وباعل الرجل امرأته إذا جامعها ، وهي تباعله إذا فعلت ذلك معه ، وامرأة حسنة التبعيل إذا كانت تحسن عشرة زوجها ، والبعل أيضاً الملك ، وبه سمي الصنم لأنه المكتفي بنفسه ، ومنه بعل النخل . وجمع البعل : بعول وبعولة ، كفحل وفحولة ، التاء فيه لتأنيث الجمع ولا ينقاس ، فلا يقال : في كعوب جمع كعب كعوبة . الرجل : معروف يجمع على : رجال ، وهو مشتق من الرجلة ، وهي القوة ، يقال : رجل بيِّن الرجولة والرجلة ، وهو أرجل الرجلين أي : أقواهما ، وفرس رجيل قوي على المشي ، ومنه : سميت الرجل لقوّتها على المشي ، وارتجل الكلام قوي عليه ، وترجل النهار قوي ضياؤه ، ويقال : رجل ورجلة ، كما قالوا : امرؤ وامرأة ، وكتبتَ من خط أستاذنا أبي جعفر بن الزبير رحمه اللّه تعالى : كل جار ظل مغتبطا غير جيراني بني جبله هتكوا جيب فتاتهم لم يبالوا حرمة الرجله الدرجة : المنزلة ، وأصله من درجت الشيء وأدرجته : طويته ، ودرج القوم فنوا ، وأدرجهم اللّه فهو كطي الشيء منزلة منزلة والدرجة المنزلة من منازل الطي ، ومنه الدرجة التي يرتقى إليها . الإمساك : للشيء حبسه ، ومنه اسمان : مسك ومساك ، يقال : إنه لذو مسك وميساك إذا كان بخيلاً ، وفيه مسكة من خير أي : قوة ، وتماسك ومسيك بيَّن المساكة . التسريح : الإرسال ، وسرح الشعر خلص بعضه من بعض ، والماشية أرسلها لترعى ، والسرح الماشية ، وناقة مسرح سهلة المسير لانطلاقها فيه . {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّه عُرْضَةً لاِيْمَانِكُمْ } قال ابن عباس : نزلت في عبد اللّه بن رواحة وختنه بشير بن النعمان ، كان بينهما شيء ، فحلف عبد اللّه أن لا يدخل عليه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين زوجته ، وجعل يقول : حلفت باللّه ، فلا يحل لي إلاَّ برّ يميني . وقال الربيع : نزلت في الرجل يحلف أن لا يصل رحمه ولايصلح بين الناس ؛ وقال ابن جريج : في أبي بكر حين حلف لا ينفق على مسطح حين تكلم في الإفك ، وقال المقاتلان ابن حيان وابن سليمان : حلف لا ينفق على ابنه عبد الرحمن حتى يسلم ؛ وقيل : حلف أن لا يأكل مع الأضياف حين أخر ولده عنهم العشاء ، وغضب هو على ولده . وقالت عائشة : نزلت في تكرير الأيمان باللّه ، فنهى أن يحلف به براً ، فكيف فاجراً . ومناسبة هذه الآية لما قبلها ، أنه تعالى لما أمر بتقوى باللّه تعالى ، وحذرهم يوم الميعاد ، نهاهم عن ابتذال اسمه ، وجعله معرضاً لما يحلفون عليه دائماً ، لأن من يتقي ويحذر تجب صيانة اسمه وتنزيهه عمالا يليق به من كونه يذكر في كل ما يحلف عليه ، من قليل أو كثير ، عظيم أو حقير ، لأن كثرة ذلك توجب عدم الاكتراث بالمحلوف به . وقد تكون المناسبة بأنه تعالى لما أمر المؤمنين بالتحرز في أفعالهم السابقة من : الخمر ، والميسر ، وإنفاق العفو ، وأمر اليتامى ، ونكاح من أشرك ، وحيال وطء الحائض ، أمرهم تعالى بالتحرز في أقوالهم ، فانتظم بذاك أمرهم بالتحرز في الأفعال والأقوال . واختلفوا في فهم هذه الجملة من قوله { وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّه عُرْضَةً لاِيْمَانِكُمْ } وهو خلاف مبنى على الاختلاف في اشتقاق العرضة ، فقيل : نهوا عن أن يجعلوا اللّه معداً لايمانهم فيحلفوا به في البر والفجور ، فإن الحنث مع الإكثار فيه قلة رعي بحق اللّه تعالى ، كما روي عن عائشة أنها نزلت في تكثير اليمين باللّه ، نهى أن يحلف الرجل به براً فكيف فاجراً ؟ وقد ذم اللّه من أكثر الحلف بقوله :{ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } وقال :{ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ} والعرب تمدح بالإقلال من الحلف قال كثير : قليل ألا لا يا حافظ ليمينه إذا صدرت منه الألية برت والحكمة في النهي عن تكثير الأيمان باللّه أن ذلك لا يبقي لليمين في قلبه وقعاً ، ولا يؤمن من إقدامه على اليمين الكاذبة ، وذكر اللّه أجل من أن يستشهد به في الأعراض الدنيويه . وقيل : المعنى : ولا تجعلوا اللّه قوة لأيمانكم ، وتوكيداً لها ، وروي عن قريب من هذا المعنى عن : ابن عباس ، وابراهيم ، ومجاهد ، والربيع ، وغيرهم قال : المعنى : فيما تريدون الشدة فيه من ترك صلة الرحم ، والبر والإصلاح ، وقيل : المعنى : ولا تجعلوا اللّه حاجزاً ومانعاً من البر والإصلاح ، ويؤكذه قول من قال : نزلت في عبد اللّه بن رواحة ، أو في أبي بكر على ما تقدم في سبب النزول ، فيكون المعنى : أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم ، وإصلاح ذات بين ، أو إحسان إلى أحد ، أو عبادة ، ثم يقول : أخاف اللّه أن أحنث في يميني ، فيترك البر في يمينه ، فنهوا أن يجعلوا اللّه حاجزاً لما حلفوا عليه . {لاِيْمَانِكُمْ } تحتمل اللام أن تكون متعلقة ، بعرضة ، فتكون كالمقوية للتعدي ، أو معداً ومرصداً لأيمانكم ، ويحتمل أن تكون متعلقة بقوله :{ وَلاَ تَجْعَلُواْ } فتكون للتعليل ، أي : لا تجعلوا اللّه عرضة لأجل أيمانكم . والظاهر أن المراد بالأيمان هنا الاقتسام ، لا المقسم عليه ، وقال الزمخشري : أي : حاجزاً لما حلفتم عليه ، وسمي المحلوف عليه يميناً لتلبسه باليمين ، كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة : { إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير ، وكفر عن يمينك } أي : على شيء مما يحلف عليه إنتهى كلامه ولا حاجة هنا للخروج عن الظاهر وإنما احتيج في الحديث إلى أنه أطلق اليمين ، ويراد بها متعلقها ، لأنه قال : إذا حلفت على يمين ، فععّدى حلفت بعلى ، فاحتيج إلى هذا التأويل ، وليس في الآية ما يحوج إلى هذا التجويل ، لكن الزمخشري لما حمل : عرضة ، على أن معناه حاجزاً ومانعاً ، اضطر إلى هذا التأويل . {أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ } قال الزجاج ، وتبعه التبريزي : أن تبروا ، في موضع رفع بالابتداء ، قال الزجاج والمعنى : بركم وتقواكم وإصلاحكم أمثل وأولى ، وجعل الكلام منتهياً عند قوله : لأيمانكم ، ومعنى الجملة التي فيها النهي عنده أنها في الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل باللّه ، فقال : علي يمين ، وهو لم يحلف ، وقدر التيريزي خبر المبتدأ المحذوف بأن المعنى : أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس خير لكم من أن تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم ، وهذا الذي ذهب إليه الزجاج والتبريزي ضعيف ، لأن فيه اقتطاع : أن تبروا ، مما قبله ، والظلم هو اتصاله به ، ولأن فيه حذفاً لا دليل عليه وقال الزمخشري : أن تبروا وتتقوا وتصلحوا ، عطف بيان لأيمانكم ، أي للأمور المحلوف عليها التي هي : البر والتقوى والإصلاح بين الناس إنتهى كلامه وهو ضعيف ، لأن فيه مخالفة للظاهر ، لأن الظاهر من الأيمان هي الأقسام ، والبر والتقوى والإصلاح هي المقسم عليها ، فهما متباينان ، فلا يجوز أن يكون عطف بيان على الإيمان ، لكنه لما تأول الأيمان على أنها المحلوف عليها ، ساغ له ذلك ، وقد بينا أنه لا حاجة تدعونا إلى تأويل الأيمان بالأشياء المحلوف عليها ، وعلى مذهبه تكون : أن تبروا ، في موضع جر ، ولو أدعى أن يكون : أن تبروا ، وما بعده بدلاً من : أيمانكم ، لكان أولى ، لأن عطف البيان أكثر ما يكون في الأعلام . وذهب الجمهور إلى أن قوله : أن تبروا ، مفعول من أجله ، ثم اختلفوا في التقدير ، فقيل : كراهة أن تبروا ، قاله المهدوى ، أو لترك أن تبروا ، قاله المبرد ، وقيل : لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا ، قال أبو عبيدة ، والطبري كقوله : فخالف فلا واللّه تهبط تلعة أي : لا تهبط ، وقيل : ارادة تبروا ، والتقادير الأول متلاقية حيث المعنى ، وروي هذا المعنى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن جريج ، وابراهيم ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج ، في آخر من روي عنهم أن المعنى : لا تحلفوا باللّه أن لا تبروا ، فيتعلق بقوله : ولا تجعلوا ، ولا يظهر هذا المعنى لما فيه من تعليل امتناع الحلف بانتفاء البر ، بل وقوع الحلف معلل بانتفاء البر ، ولا ينعقد منه شرط ، وجزاء لو قلت في معنى هذا النهي وعلته : إن حلفت باللّه بررت ، لم يصح وذلك كما تقول : لا تضرب زيداً لئلا يؤذك ، فانتفت الاذاية للامتناع من الضرب ، والمعنى : إن لم تضربه لم يؤذيك ، وإن ضربته أذاك ، فلا يترتب على الامتناع من الحلف انتفاء البر ، ولا على وجوده ، بل يترتب على الامتناع من الحلف وجود البر ، وعلى وقوع الحلف انتفاء البر ، وهذا الذي ذكرناه يؤيد القول بان التقدير : إرادة أن تبروا ، لأنه لا يعلل الامتناع من الحلف بإرادة وجود البر ، ويتعلق منه الشرط والجزاء ، تقول : إن حلفت لم تبر ، وإن لم تحلف بررت . وقد شرح بعض العلماء هذا المعنى فقال : إن تبروا وتتقوا وتصلحوا علة لهذا النهي ، أي : إرادة أن تبروا ، والمعنى إنما نهيكم عن هذا لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح ، فتكونون معاشر المؤمنين بررة أتقياء مصلحين في الأرض غير مفسدين ، فإن قلت : كيف يلزم من ترك الحلف حصول البر والتقوى واللإصلاح بين الناس ؟ قلنا : لأن من ترك الحلف لاعتقاده أن اللّه تبارك وتعالى ، أعظم وأجل أن يستشهد باسمه المعظم في طلب الدنيا ، إن هذا من أعظم أبواب البر . وأما معنى التقوى فظاهر ، لأنه اتقى أن يصدر منه ما يخل بتعظيم اللّه تعالى وأما الإصلاح بين الناس ، فلأن الناس متى اعتقدوا فيه كونه معظماً للّه تعالى إلى هذا الحد ، محترزاً عن الإخلال بواجب حقه ، اعتقدوا فيه كونه معظماً للّه ، وكونه صادقاً بعيداً من الأغراض الفاسدة ، فيتقبلون قوله ، فيحصل الصلح يتوسطه إنتهى هذا الكلام . وفي { المنتخب} وهو بسط ما قاله الزمخشري قال : ومعناها على الأخرى يزيد على أن يكون عرضة ، بمعنى معرضاً للأمر ، قال : ولا تجعلوا اللّه معرضاً لأيمانكم فتتبذلوه بكثرة الحلف به ، ولذلك ذم من أنزل فيه : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } باشنع المذام ، وجعل الحلاف مقدمتها ، وأن تبروا ، علة للنهي أي : إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن الحلاف مجترىء ، على اللّه ، غير معظم له ، فلا يكون براً متقياً ، ولا يثق به الناس ، فلا يدخلونه في وساطتهم وإصلاح بذات بينهم . وقيل : المعنى ولا تحلفوا باللّه كاذبين ، لتبروا المحلوف لهم ، وتتقوهم وتصلحوا بينهم بالكذب . روي هذا المعنى عن ابن عباس ، فقيد المعلوم بالكذب ، وقيد العلة بالناس ، والإصلاح بالكذب ، وهو خلاف الظاهر . وقال الزمخشري : ويتعلق : أن تبروا ، بالفعل و : بالعرضة ، أي : ولا تجعلوا اللّه لأجل أيمانكم به عرضة لأن تبروا . إنتهى . ولا يصح هذا التقدير ، لأن فيه فصلاً بين العامل والمعمول بأجنبي ، لأنه علق : لأيمانكم ، بتجعلوا ، وعلق : لأن تبروا بعرضة ، فقد فصل بين : عرضة ، وبين : لأن تبروا بقوله : لأيمانكم ، وهو أجنبي منهما ، لأنه معمول عنده لتجعلوا ، وذلك لا يجوز ، ونظير ما أجازه أن تقول : أمرر وأضرب بزيد هنداً ، فهذا لا يجوز ونصوا على انه لا يجوز : جاءني رجل ذو فرس راكب أبلق ، لما فيه من الفصل بالأجنبي . والذي يظهر لي أن تبروا ، وفي موضع نصب على إسقاط الخافض ، والعمل فيه قوله : لأيمانكم ، التقدير : لأقسامكم على أن تبروا ، فنهوا عن ابتذال اسم اللّه تعالى ، وجعله معرضاً لأقسامهم على البر و . التقوى والإصلاح اللاتي هن أوصاف جميلة ، لما نخاف في ذلك من الحنث ، فكيف إذا كانت أقساماً على ما تنافي البر والتقوى والإصلاح ؟ وعلى هذا يكون الكلام منتظماً واقعاً كل لفظ منه مكانه الذي يليق به ، فصار في موضع : أن تبروا ، ثلاثة أقوال : الرفع على الابتداء ، والخلاف في تقدير الجر ، والجر على وجهين : عطف البيان ، والبدل والنصب على وجهين : إما على المفعول من أجله على الاختلاف في تقديره ، وإما على أن يكون معمولاً : لأيمانكم ، على إسقاط الخافض . {وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ختم هذه الآية بهاتين الصفتين لأنه تقدم ما يتعلق بهما ، فالذي يتعلق بالسمع الحلف لأنه من المسموعات ، والذي يتعلق بالعلم هو إرادة البر والتقوى والإصلاح إذ هو شيء محله القلب ، فهو من المعلومات ، فجاءت هاتان الصفتان منتظمتين للعلة والمعلول ، وجاءتا على ترتيب ما سبق من تقديم السمع على العلم ، كما قدم الحلف على الإرادة . |
﴿ ٢٢٤ ﴾