٢٢٧وإن عزموا الطلاق . . . . . {وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَاقَ } قرأ ابن عباس : وإن عزموا السراح ، وانتصاب الطلاق : إما على إسقاط حرف الجر ، وهو على ، لأن عزم يتعدى بعلى كما قال : عزمت على إقامة ذي صباح وأما إن تضمن : عزم ، معنى : نوى ، فيتعدى إلى مفعول به . ومعنى العزم هنا التصميم على الطلاق ، ويظهر أن جواب الشرط محذوف ، تقديره : فليوقعوه ، أي : الطلاق ، وفي قوله في هذا التقسيم :{ فَانٍ } و { ءانٍ عَزَمُواْ الطَّلَاقَ } دليل على أن الفرقة التي تقع في الإيلاء لا تقع بمضي الأربعة الأشهر من غير قول ، بل لا بد من القول لقوله : عزموا الطلاق ، لأن العزم على فعل الشيء ليس فعلاً للشيء ، ويؤكده :{ فَإِنَّ اللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ } إذ لا يسمع إلاَّ الأقوال ، وجاءت هاتان الصفتان باعتبار الشرط وجوابه ، إذ قدرناه : فليوقعوه ، أي الطلاق ، فجاء : سميع ، باعتبار إيقاع الطلاق ، لأنه من باب المسموعات ، وهو جواب الشرط ، وجاء : عليم ، باعتبار العزم على الطلاق ، لأنه من باب النيات ، وهو الشرط ، ولا تدرك النيات إلاَّ بالعلم . وتأخر هذا الوصف لمؤاخاة رؤوس الآي ، ولأن العلم أعم من السمع ، فمتعلقة أعم ، ومتعلق السمع أخص ، وأبعد من قال : فإن اللّه سميع لإيلائه ، لبعد انتظامه مع الشرط قبله . وقال الزمخشري : فإن قلت ما تقول في قوله : فإن اللّه سميع عليم ؟ وعزمهم الطلاق مما لا يعلم ولا يسمع ؟ قلت : الغالب أن العازم للطلاق ، وترك الفيئة والفرار لا يخلو من مقارنة ودمدمة ، ولا بد من أن يحدث نفسه ويناجيها بذلك ، وذلك حديث لا يسمعه إلاَّ اللّه ، كما يسمع وسوسة الشيطان . انتهى كلامه . وقد قدّمنا أن صفة السمع جاءت هنا لأن المعنى : وإن عزموا الطلاق أوقعوه ، أي : الطلاق ، والإيقاع لا يكون إلاَّ باللفظ ، فهو من باب المسموعات ، والصفة تتعلق بالجواب لا بالشرط ، فلا تحتاج إلى تأويل الزمخشري . وفي قوله :{ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَاقَ } دلالة مطلق الطلاق ، فلا يدل على خصوصية طلاق بكونه رجعياً أو بائناً ، وقد اختلف في الطلاق الداخل على المولي في ذلك ، فقال عثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعطاء ، والنخعي ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة : هي طلقة بائنة لا رجعة له فيها وقال ابن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، ومكحول ، والزهري ، ومالك ، وابن شبرمة : هي رجعية . وفي الحكم للمولي بأحد الأمرين ، إما الفيئة ، وإما الطلاق دليل على أنه لا يجوز تقديم الكفارة في الإيلاء قبل الفيء على قول من يوجب الكفارة ، لأنه لو جاز ذلك لبطل الإيلاء بغير فيء ولا عزيمة طلاق ، لأنه إن حنث لم يلزم بالحنث شيء ، ومتى لم يلزم الحالف بالحنث شيء لم يكن مولياً ، ففي جواز تقديم الكفارة إسقاط حكم الإيلاء ، قاله محمد بن الحسن ، ومذهب أبي حنيفة ومشهور مذهب مالك : أنه يجوز تقديم الكفارة . وقال الزمخشري : وإن عزموا الطلاق فتربصوا إلى مضي المدة . فإن اللّه سميع عليم ، وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة ، وعلى قول الشافعي معناه : فإن فاؤوا فإن اللّه غفور رحيم ، وإن عزموا بعد مضي المدة . انتهى . وكان قد تقدّم في تفسير قوله : فإن فاؤوا ، ما نصه فإن فاؤوا في الأشهر ، بدليل قراءة عبد اللّه ، فإن فاؤوا فيهنّ فإن اللّه غفور رحيم ، يغفر للمؤمنين ما عسى يقدّمون عليه من طلب ضرار النساء بالإيلاء ، وهو الغالب ، وإن كان يجوز أن يكون على رضى منهن ، خوفاً من طلب ضرار النساء بالإيلاء ، وهو الغالب . وإن كان يجوز أن يكون على رضى منهن خوفاً على الولد من الغيل ، أو لبعض الأسباب لأجل الفيئة التي هي مثل التوبة ، فنزل الزمخشري الآية على مذهب أبي حنيفة ، وغاير بين متعلق الفعلين من الطرفين ، إذ جعل بعد : فاؤوا ، في مدة الأشهر ، وبعد : عزموا ، بعد مضي المدة ، والذي يدل عليه ظاهر اللفظ أن الفيئة والعزم على الطلاق لا يكونان إلا بعد مضي الأشهر ، ولما أحسّ الزمخشري بهذا اعترض على نفسه فقال : فإن قلت : كيف موقع الفاء إذا كانت الفيئة قبل انتهاء مدة التربص ؟ قلت : موقع صحيح ، لأن قوله : فإن فاؤوا ، وإن عزموا ، تفصيل لقوله : للذين يؤلون من نسائهم ، والتفصيل يعقب المفصل ، كما تقول : أنا نزيلكم هذا الشهر فان أحمدتكم أقمت عندكم ، إلى آخره . وإلاَّ لم أقم إلاَّ ريثما أتحول . انتهى كلامه . وليس بصحيح لأن ما مثل به ليس مطابقاً لما في الآية ، ألا ترى أن المثال فيه إخبار عن المفصل حاله ، وهو قوله : أنا نزيلكم هذا الشهر ، وما بعد الشرطين مصرح فيه بالجواب الدال على اختلاف متعلق فعل الجزاء ، والآية ليس كذلك التركيب فيها ، لأن الذين يؤلون ليس مخبراً عنهم ، ولا مسنداً إليهم حكم ، وإنما المخبر عنه هو : تربصهم ، فالمعنى تربص المولي أربعة أشر مشروع لهم بعد إيلائهم ، ثم قال : فإن فاؤوا ، وإن عزموا ، فالظاهر أنه يعقب تربص المدة المشروعة بأسرها ، لأن الفيئة تكون فيها ، والعزم بعدها ، لأن هذا التقييد المغاير لا يدل عليه اللفظ ، وإنما تطابق الآية أن نقول : للضيف اكرام ثلاثة أيام ، فإن أقام فنحن كرماء مؤثرون ، وإن عزم على الرحيل فله أن يرحل . فالذي يتبادر إليه الذهن أن الشرطين مقدران بعد إكرامه الثلاثة الأيام ، وأما أن يكون المعنى : فإن أقام في مدة الثلاثة الأيام ، وإن عزم على الرحيل بعد ذلك ، فهذا الاختلاف في الطرفين لا يتبادر إليه الذهن ، وإن كان مما يحتمله اللفظ ، وفرق بين الظاهر والمحتمل ، ولا يفرق بين الآية وتمثيل الزمخشري إلاَّ من ارتاض ذهنه في التراكيب العربية ، وعرى من حمل كتاب اللّه على الفروع المذهبية ، باتباعه الحق واجتنابه العصبية . |
﴿ ٢٢٧ ﴾