٢٦٧يا أيها الذين . . . . . التيمم : القصد يقال أمّ كردّ . وأمم كأخر ، وتيمم بالتاء والياء ، وتأمّم بالتاء والهمزة ، وكلها بمعنى . وقال الخليل أممته قصدت أمامه ، ويممته قصدته من أي جهة كانت . الخبيث : الرديء وهو ضد الطيب اسم فاعل من خبث . الإغماض : التساهل يقال : أغمض في حقه تساهل فيه ورضى به ، والإغماض تغميض العين ، وهو كالإغضاء . وأغمض الرجل أتى غامضاً من الأمر ، كما يقال : أعمن وأعرق وأنجد ، أي : أتى عمان والعراق ونجداً ، وأصل هذه الكلمة من الغموض وهو : الخفاء ، غمض الشيء يغمض غموضاً خفي ، وإطباق الجفن إخفاء للعين ، والغمض المتطامن الخفي من الأرض . الحميد : المحمود فعيل بمعنى مفعول ، ولا ينقاس ، وتقدّمت أقسام فعيل في أول هذه السورة . وتفسير الحمد في أوّل سورته . النذر : تقدّمت مادّته في قوله : { أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ } وهو عقد الإنسان ضميره على فعل شيء والتزامه . وأصله من الخوف ، والفعل منه . نذر ينذر وينذر ، بضم الذال وكسرها ، وكانت النذور من سيرة العرب يكثرون منها فيما يرجون وقوعه ، وكانوا أيضاً ينذرون قتل أعدائهم كما قال الشاعر : الشاتمي عرضي ، ولم أشتمهما والناذرين إذ لقيتهما دمي وأما على ما ينطلق شرعاً فسيأتى بيانه إن شاء اللّه . نعم : أصلها نعم ، وهي مقابلة بئس ، وأحكامها مذكورة في النحو ، وتقدّم القول في : بئس ، في قوله : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ} التعفف : تفعل من العفة ، عف عن الشيء أمسك عنه ، وتنزه عن طلبه ، من عشق فعف فمات مات شهيداً . أي : كف عن محارم اللّه تعالى ، وقال رؤبة بن العجاج : فعف عن أسرارها بعد الغسق ولم يدعها بعد فرك وعشق السيما : العلامة ، ويمد ويقال : بالسيمياء ، كالكيمياء . قال الشاعر : غلام رماه اللّه بالحسن يافعا له سيمياء لا تشق على البصر وهو من الوسم ، والسمة العلامة ، جعلت فأؤه مكان عينه ، وعينه مكان فائه ، وإذا مدّ : سيمياء ، فالهمزة فيه للإلحاق لا للتأنيث . الإلحاف : الإلحاح واللجاج في السؤال ، ويقال : ألحف وأحفى ، واشتقاق : الإلحاف ، من اللحاف ، لأنه يشتمل على وجوه الطلب في كل حال ، وقيل : مِن : ألحف الشيء إذا اغطاه وعمه بالتغطية ، ومنه اللحاف . ومنه قول أبن أحمر : يظل يحفهنّ بقفقفيه ويلحفهنّ هفهافاً ثخينا يصف ذكر النعام يحضن بيضاً بجناحيه ، ويجعل جناحه كاللحاف . وقال الشاعر : ثم راحوا عبق المسك بهم يلحفون الأرض هدّاب الأزر أي : يجعلونها كاللحاف للأرض ، أي يلبسونها إياها . وقيل : اشتقاقه من لحف الجبل لما فيه من الخشونة ، وقيل : من قولهم : لحفني من فضل لحافه ، أي : أعطاني من فضل ما عنده . {تَتَفَكَّرُونَ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ } تظافرت النصوص في الحديث على أن سبب نزول هذه الآية هو أنهم لما أمروا بالصدقة كانوا يأتون بالأقناء من التمر فيعلقونها في المسجد ليأكل منها المحاويج ، فجاء بعض الصحابة بحشف ، وفي بعض الطرق : بشيص ، وفي بعضها : برديء ، وهو يرى أن ذلك جائز ، فنزلت . وهذا الخطاب بالأمر بالإنفاق عامّ لجميع هذه الأمّة . قال علي ، وعبيدة السلماني ، وابن سيرين : هي في الزكاة المفروضة ، وأنه كما يجوز التطوّع بالقليل فله أن يتطوع بنازل في القدر ، ودرهم زائف خير من تمرة ، فالأمر على هذا للوجوب . والظاهر من قول البراء بن عازب ، والحسن ، وقتادة : أنها في التطوع ، وهو الذي يدل عليه سبب النزول ندبوا إلى أن لا يتطوّعوا إلا بجيد مختار . ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه لما ذكر فضل النفقة في سبيل اللّه وحث عليها ، وقبح المنة ونهى عنها ، ثم ذكر القصد فيها من الرياء وابتغاء رضا اللّه ، ذكر هنا وصف المنفق من المختار ، وسواء كان الأمر للوجوب أو للندب . والأكثرون على أن : { طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ } هو الجيد المختار ، وأن الخبيث هو الرديء . وقال ابن زيد : من طيبات ، أي : الحلال والخبيث الحرام ، وقال علي : هو الذهب والفضة . وقال مجاهد : هو أموال التجارة . قال ابن عطية قوله :{ مِن طَيّبَاتِ } يحتمل أن لا يقصد به لا الحل ولا الجيد ، لكن يكون المعنى كأنه قال : أنفقوا مما كسبتم ، فهو حض على الإنفاق فقط ، ثم دخل ذكر الطيب تبييناً لصفة حسنه في المكسوب عاماً ، وتقريراً للنعمة . كما تقول : أطعمت فلاناً من مشبع الخبز ، وسقيته من مروي الماء ، والطيب على هذه الجهة يعم الجودة ، والحل ، ويؤيد هذا الاحتمال أن عبد اللّه بن مغفل قال : ليس في مال المؤمن من خبيث . إنتهى كلامه . وظاهر قوله :{ مَّا كَسَبْتُم } عموم كل ما حصل بكسب من الإنسان المنفق ، وسعاية وتحصيل بتعب ببدن ، أو بمقاولة في تجارة . وقيل : هو ما استقر عليه الملك من حادث أو قديم ، فيدخل فيه المال الموروث لأنه مكسوب للموروث عنه . الضمير في كسبتم إنما هو لنوع الإنسان أو المؤمنين ، وهو الظاهر . وقال الراغب : تخصيص المكتسب دون الموروث لأن الإنسان بما يكتسبه أضن به مما يرثه ، فاذن الموروث معقول من فحواه . إنتهى . وهو حسن . و : مِنْ ، للتبعيض ، وهي في موضع المفعول ، و : ما ، في { مَّا كَسَبْتُم } موصولة والعائد محذوف ، وجوز أن تكون مصدرية ، فيحتاج أن يكون المصدر مؤولاً بالمفعول ، تقديره : من طيبات كسبكم ، أي : مكسوبكم . وظاهر الآية يدل على أن الأمر بالإنفاق عام في جميع أصناف الأموال الطيبة ، مجمل في المقدار الواجب فيها ، مفتقر إلى البيان بذكر المقادير ، فيصح الإحتجاج بها في إيجاب الحق فيما وقع الخلاف فيه ، نحو : أموال التجارة ، وصدقة الخيل ، وزكاة مال الصبي ، والحلي المباح اللبس غير المعد للتجارة ، والعروض ، والغنم ، والبقر المعلوفة ، والدين ، وغير ذلك مما اختلف فيه . وقال خويزمنداذ : في الآية دليل على بجواز أكل الوالد من مال الولد ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : { أولادكم من طيب أكسابكم فكلوا من مال أولادكم هنيأً } إنتهى . وروت عائشة عنه صلى اللّه عليه وسلم : { أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه} . {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الاْرْضِ } يعني من أنواع الحبوب والثمار والمعادن والركاز ، وفي قوله : أخرجنا لكم ، امتنان وتنبيه على الإحسان التام كقوله :{ هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الاْرْضِ جَمِيعاً } والمراد : من طيبات ما أخرجنا ، فحذف لدلالة ما قبله . وما بعده عليه ، وكرر حرف الجر على سبيل التوكيد ، أو إشعاراً بتقدير عامل آخر ، حتى يكون الأمر مرتين . وفي قوله :{ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الاْرْضِ } دلالة على وجوب الزكاة فيما تخرجه الأرض من قليل وكثير من سائر الأصناف لعموم الآية ، إذ قلنا إن الأمر للوجوب ، وبين العلماء خلاف في مسائل كثيرة مما أخرجت الأرض تذكر في كتب الفقه . {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } هذا مؤكد للأمر ، إذ هو مفهوم من قوله :{ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ } وفي هذا طباق بذكر الطيبات والخبيث . وقرأ البزي : ولا تمموا ، بتشديد التاء ، أصله : تتيمموا ، فأدغم التاء في التاء ، وذلك في مواضع من القرآن ، وقد حصرتها في قصيدتي في القراءات المسماة { عقدة اللآلىء} وذلك في أبيات وهي : تولوا بأنفال وهود هما معا ونور وفي المحنه بهم قد توصلا تنزل في حجر وفي الشعرا معا وفي القدر في الأحزاب لا أن تبدّل ا تبرجن مع تناصرون تنازعوا تكلم مع تيمموا قبلهن لا تلقف أنى كان مع لتعارفوا وصاحبتيها فتفرّق حصلا بعمران لا تفرقوا بالنساء أتى توفاهم تخيرون له انجلا تلهى تلقونه تلظى تربصو ن زد لا تعارفوا تميز تكملا ثلاثين مع احدى وفي اللات خلفه تمنون مع ما بعد ظلتم تنزلا وفي بدئه خفف ، وإن كان قبلها لدى الوصل حرف المدِّ مُدَّ وطَوِّلا وروي عن أبي ربيعة ، عن البزي : تخفيف التاء كباقي القراء ، وهذه التاءات منها ما قبله متحرك ، نحو : { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ }{ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ } ومنها ما قبله ساكن من حرف المد واللين نحو :{ وَلاَ تَيَمَّمُواْ } ومنها ما قبله ساكن غير حرف مدّولين نحو :{ فَإِن تَوَلَّوْاْ }{ نَّارٍ تَلَظَّى }{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ }{ هَلْ تَرَبَّصُونَ } قال صاحب { الممتع} : لا يجيز سيبويه إسكان هذه التاء في يتكلمون ونحوه ، لأنها إذا سكنت احتيج لها ألف وصل ، وألف الوصل لا تلحق الفعل المضارع ، فإذا اتصلت بما قبلها جاز ، لأنه لا يحتاج إلى همزة وصل . إلاَّ أن مثل { أَن تُوَلُّواْ } و { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ } لا يجوز عند البصريين على حال لما في ذلك من الجمع بين الساكنين ، وليس الساكن الأول حرف مدولين . إنتهى كلامه . وقراءة البزي ثابتة تلقتها الأمة بالقبول ، وليس العلم محصوراً ولا مقصوراً على ما نقله وقاله البصريون ، فلا تنظر إلى قولهم : إن هذا لا يجوز . وقرأ عبد اللّه : ولا تأمموا ، من : أممت ، أي : قصدت . وقرأ ابن عباس ، والزهري ، ومسلم بن جندب : تيمموا . وحكى الطبري أن في قراءة عبد تاللّه ولا تأمّوا ، من : أممت ، أي : قصدت ، والخبيث والطيب صفتان غالبتان لا يذكر معهما الموصوف إلاَّ قليلا ، ولذلك جاء :{ وَالطَّيّبُونَ لِلْطَّيّبَاتِ } وجاء :{ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } وقال تعالى :{ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَئِثَ } وقال صلى اللّه عليه وسلم : { أعوذ باللّه من الخبث والخبائث} . ومنه متعلق بقوله : تنفقون ، والضمير في : منه ، عائد على الخبيث . و : تنفقون ، حال من الفاعل في : تيمموا ، قيل : وهي حال مقدرة ، لأن الإنفاق منه يقع بعد القصد إليه ، ويجوز أن يكون حالاً من المفعول ، لأن في الكلام ضميراً يعود عليه ، وأجاز قوم أن يكون الكلام في قوله : الخبيث ، ثم ابتدأ خبراً آخر في وصف الخبيث ، فقال : تنفقون منه وأنتم لا تأخذونه إلاَّ إذا أغمضتم ، أي تساهلتم ، كأن هذا المعنى عتاب للناس وتقريع ، وفيه تنبيه على أن المنهي عنه هو القصد للرديء من جملة ما في يده ، فيخصه بالإنفاق في سبيل اللّه ، وأما إنفاق الرديء لمن ليس له غيره ، أو لمن لا يقصده ، فغير منهي عنه . {وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ} وقيل : هذه الجملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب ، وقيل : الواو للحال ، فالجملة في موضع نصب . قال البراء ، وابن عباس ، والضحاك ، وغيرهم : معناه : ولستم بآخذيه في ديونكم وحقوقكم عند الناس ، إلاَّ بأن تساهلوا في ذلك ، وتتركوا من حقوقكم وتكرهوه ولا ترضوه ، أي : فلا تفعلوا مع اللّه ما لا ترضونه لأنفسكم . وقال الحسن : المعنى : ولستم بآخذيه لو وجدتموه في السوق يباع إلاَّ أن يهضم لكم من ثمنه . وروري نحوه عن علي . وقال البراء أيضاً : معناه : ولستم بآخذيه لو أهدي لكم إلاَّ أن تغمضوا ، أي : تستحوا من المهدي أن تقبلوا من ما لا حاجة لكم به ، ولا قدر له في نفسه . وقال ابن زيد : ولستم بآخذي الحرام إلاَّ أن تغمضوا في مكروهه . والظاهر عموم نفي الأخذ بأي طريق أخذ الخبيث ، من أخذ حق ، أوهبة . والهاء في : بآخذيه ، عائدة على الخبيث ، وهي مجرورة بالإضافة ، وأن كانت من حيث المعنى مفعوله . قال بعض المعربين : والهاء في موضع نصب : بآخذين ، والهاء والنون لا يجتمعان ، لأن النون زائدة ، وهاء الضمير زائدة ومتصلة كاتصال النون ، فهي لا تجتمع مع المضمر المتصل . إنتهى كلامه . وهو قول الأخفش : أن التنوين والنون قد تسقطان للطافة الضمير لا للإضافة ، وذلك في نحو : ضاربك ، فالكاف ضمير نصب ، ومذهب الجمهور أنه لا يسقط شيء منها للطافة الضمير ، وهذا مذكور في النحو . وقد أجاز هشام : ضاربنك ، بالتنوين ، ونصب الضمير ، وقياسه جواز إثبات النون مع الضمير ، ويمكن أن يستدل له بقوله : هم الفاعلون الخير والآمرونه وقوله : ولم يرتفق والناس محتضرونه {إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } موضع أن نصب أو خفض عند من قدره إلاَّ بأن تغمضوا ، فحذف الحرف ، إذ حذف جائز مطرد ، وقيل : نصب بتغمضوا ، وهو موضع الحال ، وقد قدمنا قبل ، أن سيبويه لا يجيز انتصاب أن والفعل مقدراً بالمصدر في موضع الحال ، وقال الفراء : المعنى معنى الشرط والجزاء ، لأن معناه إن أغمضتم أخذتم ، ولكن إلاَّ وقعت على أن ففتحتها ، ومثله : { الا أن يخافه } و { إَّلا أَن يَعْفُونَ } هذا كله جزاء ، وأنكر أبو العباس وغيره قول الفراء ، وقالوا : أن ، هذه لم تكن مكسورة قط ، وهي التي تتقدّر ، هي وما بعدها ، بالمصدر ، وهي مفتوحة على كل حال ، والمعنى : إلاَّ بإغماضكم . وقرأ الجمهور : تغمضوا ، من أغمض ، وجعلوه مما حذف مفعوله ، أي : تغمضوا ، بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم مشدودة ، ومعناه معنى قراءة الجمهور . وروى عنه : تغمضوا ، بفتح التاء وسكون الغين وكسر الميم ، مضارع : غمض ، وهي لغة في أغمض ، ورويت عن اليزيدي : تغمضوا ، بفتح وضم الميم ، ومعناه : إلاَّ أن يخفي عليكم رأيكم فيه . وروي عن الحسن : تغمضوا مشددة الميم مفتوحة . وقرأ قتادة تغمضوا ، بضم التاء وسكون الغين وفتح الميم مخففاً ، ومعناه : إلاَّ أن يغمض لكم . وقال أبو الفتح : معناه إلاَّ أن توجدوا قد أغمصتم في الأمر بتأولكم أو بتساهلكم ، كما تقول : أحمد الرجل أصيب محموداً ، وقيل : معنى قراءة قتادة : إلاَّ أن تدخلوا فيه وتجذبوا إليه . {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّه غَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي : غني عن صدقاتكم ، وإنما هي أعمالكم ترد عليكم ، حميد أي : محمود على كل حال ، إذ هو مستحق للحمد . وقال الحسن : يستحمد إلى خلقه ، أي : يعطيهم نعماً يستدعي بها حمدهم . وقيل : مستحق للحمد على ما تعبدكم به . |
﴿ ٢٦٧ ﴾