٢٦٨الشيطان يعدكم الفقر . . . . . {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ } أي : يخوفكم بالفقر ، يقول للرجل أمسك فإن تصدّقت افتقرت وروى أبو حيوة عن رجل من أهل الرباط أنه قرأ : الفقر ، بضم الفاء ، وهي لغة . وقرىء : الفقر ، بفتحتين . {وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء } أي : يغريكم بها إغراء الآمر ، والفحشاء : البخل وترك الصدقة ، أو المعاصي مطلقاً ، أو الزنا ، أقوال . ويحتمل أن تكون الفحشاء : الكلمة السيئة ، كما قال الشاعر : ولا ينطق الفحشاء من كان منهم إذا جلسوا منا ولا من سوائنا وكأن الشيطان يعد الفقر لمن أراد أن يتصدق ، ويأمره ، إذ منع ، بالرد القبيح على السائل ، وبخه وأقهره بالكلام السيء . وروي ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أنه قال : { إن للشيطان لمة من ابن آدم ، وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، فمن وجد ذلك فليتعوذ . وأما لمة الملك فوعد بالحق وتصديق بالخير ، فمن وجد ذلك فليحمد اللّه} . ثم قرأ عليه السلام :{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء } الآية . وتقدّم وعد الشيطان على أمره ، لأنه بالوعد يحصل الاطمئنان إليه ، فإذا اطمأن إليه وخاف الفقر تسلط عليه بالأمر ، إذ الأمر استعلاء على المأمور . وقال الزمخشري : والفاحش عند العرب البخيل ، وقال أيضاً : ويأمركم بالفحشاء ويغريكم على البخل ومنع الصدقات ، انتهى . فتكون الجملة الثانية كالتوكيد للأولى ، ونظرنا إلى ما شرحه الشراح في الفاحش في نحو قول الشاعر : حتى تأوى إلى لا فاحش برم ولا شحيح إذا أصحابه غنموا وقال الآخر : أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى عقيلة مال الفاحش المتشدّد فقالوا : الفاحش السيء الخلق ، ولو كان الفاحش هو البخيل لكان قوله : ولا شحيح ، من باب التوكيد . وقال في قول امرىء القيس : وجيد كجيد الريم ليس بفاحش إن معناه ليس بقبيح ، ووافق الزمخشري أبا مسلم في تفسير الفاحش بالبخيل ، والفحشاء بالبخل ، قال بعضهم . وأنشد أبو مسلم قول طرفة : عقيلة مال الفاحش المتشدّد قال : والأغلب في كلام العرب ، وفي تفسير البيت الذي أنشده أن الفاحش السيء الردّ لضيفانه ، وسؤَّاله . قال : وقد وجدنا بعد ذلك شعراً يشهد لتأويل أبي مسلم أن الفحشاء البخل . وقال راجز من طيء : قد أخذ المجد كما أرادا ليس بفحاش يصر الزادا انتهى . ولا حجة في هذا البيت على أنه أراد بالفحاش البخيل ، بل يحمل على السيء الخلق ، أو السيء الردّ ، ويفهم البخيل من قوله : يصر الزادا . {وَاللّه يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً } أي ستراً لذنوبكم مكافأة للبذل ، وفضلاً زيادة على مقتضى ثواب البذل . وقيل : وفضلاً ، أن يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم ، أو وثواباً عليه في الآخرة ، ولما تقدّم قوله :{ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } وكان الحامل لهم على ذلك إنما هو الشح والبخل بالجيد الذي مثيره الشيطان ، بدىء بهذه الجملة من قوله { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ } وإن ما تصدّقتم من الخبيث إنما ذلك من نزغات الشيطان ليقبح لهم ما ارتكبوه من ذلك بنسبته إلى الشيطان ، فيكون أبعد شيء عنه . ثم ذكر تعالى في مقابلة وعد الشيطان وعد اللّه بشيئين : أحدهما : الستر لما اجترحوه من الذنوب ، والثاني : الفضل وهو زيادة الرزق والتوسعة في الدنيا والآخرة . روي أن في التوراة : عبدي ، أنفق من رزقي أبسط عليك فضلي ، فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة ، وفي كتاب اللّه مصداقه :{ وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ} {وَاللّه واسِعٌ عَلِيمٌ } أي : واسع بالجود والفضل على من أنفق ، عليم بنيات من أنفق ، وقيل : عليم أين يضع فضله ، ووردت الأحاديث بتفضيل الإنفاق والسماحة وذمّ البخل ، منها حديث البراء ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { إن اللّه يحب الإنفاق ويبغض الإقتار فكل وأطعم ولا تصرر ، فيعسر عليك الطلب} . وقوله صلى اللّه عليه وسلم : { وأي داء أردأ من البخل} . |
﴿ ٢٦٨ ﴾