٢٨٣

وإن كنتم على . . . . .

{وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} مفهوم الشرط يقتضي امتناع الاستيثاق بالرهن ، وأخذه في الحضر ، وعند وجدان الكاتب ، لأنه تعالى علق جواز ذلك على وجود السفر وفقدان الكاتب ، وقد ذهب مجاهد ، والضحاك : إلى أن الرهن والائتمان إنما هو في السفر ،

وأما في الحضر فلا ينبغي شيء من ذلك ، ونقل عنهما أنهما لا يجوزان الارتهان إلاَّ في حال السفر ، وجمهور العلماء على جواز الرهن في الحضر ، ومع وجود الكاتب ، وأن اللّه تعالى ذكر السفر على سبيل التمثيل للإعذار ، لأنه مظنة فقدان الكاتب ، وإعواز الإشهاد ، فأقام التوثق بالرهن مقام الكتابة والشهادة ، ونبه بالسفر على كل عذر ، وقد يتعذر الكاتب في الحضر ؛ كأوقات الاشتغال والليل وقد صح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رهن درعه في الحضر ، فدل ذلك على أن الشرط لا يراد مفهومه .

وقرأ الجمهور : كاتباً ، على الإفراد

وقرأ أبي ، ومجاهد ، وأبو العالية : كاتباً على أنه مصدر ، أو جمع كاتب . كصاحب وصحاب . ونفي الكاتب يقتضي نفي الكتابة ، ونفي الكتابة يقتضي أيضاً نفي الكتب .

وقرأ ابن عباس والضحاك : كتاباً ، على الجمع اعتباراً بأن كل نازلة لها كاتب ، وروي عن أبي العالية : كتباً جمع كتاب ، وجمع اعتباراً بالنوازل أيضاً .

وقرأ الجمهور : فرهان ، جمع رهن نحو : كعب وكعاب .

وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : فرهن ، بضم الراء والهاء . وروي عنهما تسكين الهاء .

وقرأ بكل واحدة منهما جماعة غيرهما ، فقيل : هو جمع رهان ، ورهان جمع رهن ، قاله الكسائي ، والفراء . وجمع الجمع لا يطرد عند سيبويه ،

وقيل : هو جمع رهن ، كسقف ، ومن قرأ بسكون الهاء فهو تخفيف من رهن ، وهي لغة في هذا الباب ، نحو : كتب في كتب ، واختاره أبو عمرو بن العلاء وغيره ، وقال أبو عمرو بن العلاء : لا أعرف الرهان إلاَّ في الخيل لا غير ، وقال يونس : الرهن والرهان عربيان ، والرهن في الرهن أكثر ، والرهان في الخيل أكثر . انتهى . وجمع فعل على فعل قليل ، ومما جاء فيه : رهن قول الأعشى : آليت لا يعطيه من أبنائنا

رهناً فيفسدهم كرهن أفسدا

وقال بكسر : رهن ، على أقل العدد لم أعلمه جاء ، وقياسه : أفعل ، فكأنهم استغنوا بالكثير عن القليل . انتهى .

والظاهر من قوله : مقبوضة ، اشتراط القبض . وأجمع الناس على صحة قبض المرتهن ، وقبض وكيله ،

وإما قبض عدل يوضع الرهن على يديه ، فقال الجمهور به وقال عطاء ، وقتادة ، والحكم ، وابن أبي ليلى : ليس بقبض ، فإن وقع الرهن بالإيجاب والقبول ، ولم يقع القبض ، فالظاهر من الآية أنه لا يصح إلاَّ بالقبض ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، وقالت المالكية : يلزم الرهن بالعقد ، ويجبر الراهن على دفع الرهن ليحوزه المرتهن ، فالقبض عند مالك شرط في كمال فائدته ، وعند أبي حنيفة والشافعي شرط في صحته ، وأجمعوا على أنه لا يتم إلاَّ بالقبض .

واختلفوا في استمراره ، فقال مالك : إذا ردّه بعارية أو غيرها بطل وقال أبو حنيفة : إن ردّه بعارية أو وديعة لم يبطل . وقال الشافعي : يبطل برجوعه إلى يد الراهن

مطلقاً .

والظاهر من اشتراط القبض أن يكون المرهون ذاتاً متقومّة يصح بيعها وشراؤها ، ويتهيأ فيها القبض أو التخلية . فقال الجمهور : لا يجوز رهن ما في الذمّة . وقالت المالكية : يجوز ، وقال الجمهور : لا يصح رهن الغرر ، مثل : العبد الآبق ، والبعير الشارد ، والأجنة في بطون أمّهاتها ، والسمك في الماء ، والثمرة قبل بدو صلاحها وقال مالك : لا بأس بذلك .

واختلفوا في رهن المشاع ، فقال مالك ، والشافعي : يصح فيما يقسم وفيما لا يقسم . وقال أبو حنيفة : لا يصح مطلقاً . وقال الحسن بن صالح : يجوز فيما لا يقسم ، ولا يجوز فيما يقسم .

ومعنى : على سفر ، أي : مسافرين ، وقد تقدّم الكلام على مثله في آية الصيام .

ويحتمل قوله : ولم تجدوا ، أن يكون معطوفاً على فعل الشرط ، فتكون الجملة في موضع جزم ، ويحتمل أن تكون الواو للحال ، فتكون الجملة في موضع نصب . ويحتمل أن يكون معطوفاً على خبر كان ، فتكون الجملة في موضع نصب ، لأن المعطوف على الخبر خبر ، وارتفاع : فرهان ، على أنه خبر مبتدأ محذوف ، التقدير : فالوثيقة رهان مقبوضة .

{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدّ الَّذِى اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } أي : إن وثق رب الدين بأمانة الغريم ، فدفع إليه ماله بغير كتاب ولا إشهاد ولا رهن ، فليؤدّ الغريم أمانته ، أي ما ائتمنه عليه رب المال

وقرأ أبيّ : فإن أومن ، رباعيا مبنياً للمفعول ، أي : آمنه الناس ، هكذا نقل هذه القراءة عن أبيّ الزمخشري ، وقال السجاوندي :

وقرأ أبيّ : فإن ائتمن ، افتعل من الأمن ، أي : وثق بلا وثيقة صك ، ولا رهن .

والضمير في : أمانته ، يحتمل أن يعود إلى رب الدين ، ويحتمل أن يعود إلى الذي اؤتمن . والأمانة : هو مصدر أطلق على الشيء الذي في الذمّة ، ويحتمل أن يراد به نفس المصدر ، ويكون على حذف مضاف ، أي : فليؤدّ دين أمانته . واللام في : فليؤدّ ، للأمر ، وهو للوجوب . وأجمعوا على وجوب أداء الديون ، وثبوت حكم الحاكم به وجبره الغرماء عليه ، ويجوز إبدال همزة : فليؤدّ ، واواً نحو : يوجل ويوخر ويواخذ ، لضمة ما قبلها .

وروى أبو بكر عن عاصم : الذي اؤتمن ، برفع الألف ، ويشير بالضمة إلى الهمزة . قال ابن مجاهد : وهذه الترجمة غلط . وروي سليم عن حمزة إشمام الهمزة الضم ، وفي الإشارة والإشمام المذكورين نظر .

وقرأ ابن محيصن ، وورش بإبدال الهمزة ياء ، كما أبدلت في بئر وذئب ، وأصل هذا الفعل : أؤتمن ، بهمزتين : الأولى همزة الوصل ، وهي مضمومة .

والثاني : فالكلمة ، وهي ساكنة ، فتبدل هذه واواً لضمة ما قبلها ، ولاستثقال اجتماع الهمزتين ، فإذا اتصلت الكلمة بما قبلها رجعت الواو إلى أصلها من الهمزة ، لزوال ما أوجب إبدالها . وهي همزة الوصل ، فإذا كان قبلها كسرة جاز ، إبدالها ياءً لذلك .

وقرأ عاصم في شاذه : اللذتمن ، بإدغام التاء المبدلة من الهمزة قياساً على : اتسر ، في الافتعال من اليسر

قال الزمخشري : وليس بصحيح ، لأن التاء منقلبة عن الهمزة في حكم الهمزة ، واتزر عامّي ، وكذلك ريّا في رؤيا . انتهى . كلامه .

وما ذكر الزمخشري فيه أنه ليس بصحيح ، وأن اترز عامي يعني : أنه من إحداث العامّة ، لا أصل له في اللغة ، قد ذكره غيره ، أن بعضهم أبدل وأدغم ، فقال : اتمن واتزر ، وذكر أن ذلك لغة رديئة .

وأما قوله : وكذلك ريّا في رؤيا ، فهذا التشبيه إما أن يعود إلى قوله : واترز عامي ، فيكون إدغام ريّاً عامياً .

وإما أن يعود إلى قوله : فليس بصحيح ، أي : وكذلك إدغام : ريا ، ليس بصحيح . وقد حكى الإدغام في ريا الكسائي .

{وَلْيَتَّقِ اللّه رَبَّهُ } أي عذاب اللّه في أداء ما ائتمنه رب المال ، وجمع بين قوله : اللّه ربه ، تأكيداً الأمر التقوى في أداء الدين كما جمعهما في قوله :{ وَلْيُمْلِلِ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ } فأمر بالتقوى حين الإقرار بالحق ، وحين أداء ما لزمه من الدين ، فاكتنفه الأمر بالتقوى حين الأخذ وحين الوفاء .

{وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ } هذا نهي تحريم ، ألا ترى إلى الوعيد لمن كتمها ؟ وموضع النهي حيث يخاف الشاهد ضياع الحق .

وقال ابن عباس : على الشاهد أن يشهد حيث ما استشهد ، ويخبر حيث ما استخبر . ولا تقل : أخبر بها عن الأمير ، بل أخبره بها لعله يرجع ويرعوي .

وقرأ السملي : ولا يكتموا ، بالياء على الغيبة .

{وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءاثِمٌ قَلْبُهُ } كتم الشهادة هو إخفاؤها بالامتناع من أدائها ، والكتم من معاصي القلب ، لأن الشهادة علم قام بالقلب ، فلذلك علق الإثم به . وهو من التعبير بالبعض عن الكل : إلا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب . وإسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ وآكد ، ألا ترى أنك تقول : أبصرته عيني ؟ وسمعته أذني ؟ ووعاه قلبي ؟ فأسند الإثم إلى القلب إذ هو متعلق الإثم ، ومكان اقترافه ، وعنه يترجم اللسان . ولئلا يظنّ أن الكتمان من الآثام المتعلقة باللسان فقط ، وأفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ، وهي لها كالأصول التي تتشعب منها ، لو خشع قلبه لخشعت جوارحه . وقراءة الجمهور : آثم ، اسم فاعل من : أثم قلبه ، و : قلبه ، مرفوع به على الفاعلية ، و : آثم ، خبر : إن ، وجوّز الزمخشري أن يكون : آثم ، خبراً مقدّماً ، و : قلبه ، مبتدأ . والجملة في موضع خبر : إن ، وهذا الوجه لا يجيزه الكوفيون .

و

قال ابن عطية : ويجوز أن يكون يعني : آثم ابتداء وقلبه فاعل يسدّ مسدّ الخبر ، والجملة خبر إن . انتهى . وهذا لا يصح على مذهب سيبويه وجمهور البصريين ، لأن اسم الفاعل لم يعتمد على أداة نفي ولا أداة استفهام ، نحو : أقائم الزيدان ؟ وأقائم الزيدون ؟ وما قائم الزيدان ؟ لكنه يجوز على مذهب أبي الحسن ، إذ يجيز : قائم الزيدان ؟ فيرفع الزيدان باسم الفاعل دون اعتماد على أداة نفي ولا استفهام .

قال ابن عطية : ويجوز أن يكون : قلبه ، بدلاً على بدل بعض من كل ، يعنى : أن يكون ب لا من الضمير المرفوع المستكن في : آثم ، والإعراب الأول هو الوجه .

وقرأ قوم : قلبَه ، بالنصب ، ونسبها ابن عطية إلى ابن أبي عبلة . وقال : قال مكي : هو على التفسير يعنى التمييز ، ثم ضعف من أجل أنه معرفة . والكوفيون يجيزون مجيء التمييز معرفة . وقد خرجه بعضهم على أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به ، نحو قولهم : مررت برجل حسن وجهه ومثله ما أنشد الكسائي رحمه اللّه تعالى : أنعتها إني من نعاتها

مدارة الأخفاف مجمراتها

غلب الدفار وعفر يناتها

كوم الذرى وادقة سراتها

وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين جائز ، وعلى مذهب المبرد ممنوع ، وعلى مذهب سيبويه جائز في الشعر لا في الكلام ، ويجوز أن ينتصب على البدل من اسم إن بدل بعض من كل ، ولا مبالاة بالفصل بين البدل والمبدل منه بالخبر ، لأن ذلك جائز . وقد فصلوا بالخبر بين الصفة والموصوف ، نحو : زيد منطلق العاقل ، نص عليه سيبويه ، مع أن العامل في النعت والمنعوت واحد ، فأحرى في البدل ، لأن الأصح أن العامل فيه هو غير العامل في المبدل منه .

ونقل الزمخشري وغيره : أن ابن أبي عبلة قرأ : أثم قلبه ، بفتح الهمزة والثاء والميم وتشديد الثاء ، جعله فعلاً ماضياً . وقلبه بفتح الباء نصباً على

المفعول بأثم ، أي : جعله آثماً .

{وَاللّه بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } بما تعملون عام في جميع الأعمال ، فيدخل فيها كتمان الشهادة وأداؤها على وجهها . وفي الجملة توعد شديد لكاتم الشهادة ، لأن علمه بها يترتب عليه المجازاة ، وإن كان لفظ العلم يعم الوعد والوعيد .

وقرأ السلمي : بما يعملون ، بالياء جرياً على قراءته ، و : لا يكتموا ، بالياء على الغيبة .

وقد تضمنت هذه الآية من ضروب الفصاحة .

التجنيس المغاير في قوله : إذا تداينتم بدين ،

وفي قوله : وليكتب بينكم كاتب .

وفي قوله : ولا يأب كاتب أن يكتب .

وفي قوله : ويعلمكم اللّه واللّه بكل شيء عليم . وفي قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم .

وفي قوله : أؤتمن أمانته .

والتجنيس المماثل في قوله : ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها .

والتأكيد في قوله : تداينتم بدين ،

وفي قوله : وليكتب بينكم كاتب ، إذ يفهم من قوله : تداينتم ، قوله : بدين ، ومن قوله : فليكتب ، قوله : كاتب .

والطباق في قوله : أن تضل إحداهما فتذكر ، لأن الضلال هنا بمعنى النسيان .

وفي قوله : صغيراً أو كبيراً .

والتشبيه في قوله : أن يكتب كما علمه اللّه .

والاختصاص في قوله : كاتب بالعدل .

وفي قوله : فليملل وليه بالعدل ،

وفي قوله : أقسط عند اللّه وأقوم للشهادة .

وفي قوله : تجارة حاضرة تديرونها بينكم .

والتكرار في قوله : فاكتبوه وليكتب ، وأن يكتب كما علمه اللّه ، فليكتب ، ولا يأب كاتب ،

وفي قوله : فليملل الذي عليه الحق ، فإن كان الذي عليه الحق . كرر الحق للدّعاء إلى اتباعه ، وأتى بلفظة على للإعلام أن لصاحب الحق مقالاً واستعلاء ،

وفي قوله : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى .

وفي قوله : واتقوا اللّه ، ويعلمكم اللّه ، واللّه .

والحذف في قوله : يا أيها الذين آمنوا ، حذف متعلق الإيمان .

وفي قوله : مسمى ، أي بينكم فليكتب الكاتب ، أن يكتب الكتاب كما علمه اللّه الكتابة والخط ، فليكتب كتاب الذي عليه الحق ما عليه من الدين ، وليتق اللّه ربه في املائه سفيهاً في الرأي أو ضعيفاً في البينة ، أو لا يستطيع أن يمل هو لخرس أو بكم فليملل الدين وليه على الكاتب ، واستشهدوا إذا تعاملتم من رجالكم المعينين للشهادة المرضيين ، فرجل مرضي وامرأتان مرضيتان من الشهداء المرضيين فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة ، ولا يأب الشهداء من تحمل الشهادة أو من أدائها عند الحاكم إذا ما دعوا أي دعائهم صاحب الحق للتحمل ، أو للأداء إلى أجله المضروب بينكم ، ذلكم الكتاب أقسط وأقوم للشهادة المرضية أن لا ترتابوا في الشهادة تديرونها بينكم ، ولا تحتاجون إلى الكتب والإشهاد فيها ، وأشهدوا إذا تبايعتم شاهدين ، أو رجلاً وامرأتين ، ولا يضارّ كاتب ولا شهيد أي صاحب الحق ، أو : لا يضار صاحب الحق كاتباً ولا شهيداً ، ثم حذف وبنى للمفعول ، وأن تفعلوا الضرر ، واتقوا عذاب اللّه ، ويعلمكم اللّه الصواب ، وإن كنتم على سبيل سفر ولم تجدوا كاتباً يتوثق بكتابته ، فالوثيقة رهن أمن بعضكم بعضاً ، فأعطاه مالاً بلا إشهاد ولا رهن أمانته من غير حيف ولا مطل ، وليتق عذاب اللّه ، ولا تكتموا الشهادة عن طالبها .

وتلوين الخطاب ، وهو الانتقال من الحضور إلى الغيبة ، في قوله : فاكتبوه ، وليكتب ، ومن الغيبة إلى الحضور في قوله : ولا يأب كاتب ، وأشهدوا . ثم انتقل إلى الغيبة بقوله : ولا يضار ، ثم إلى الحضور بقوله : ولا تكمتوا الشهادة ، ثم إلى الغيبة بقوله : ومن يكتمها ، ثم إلى الحضور بقوله : بما تعملون .

والعدول من فاعل إلى فعيل ، في قوله : شهيدين ، ولا يضار كاتب ولا شهيد .

والتقديم والتأخير في قوله : فليكتب ، وليملل ، أو الإملال ، بتقديم الكتابة قبل ، ومن ذلك : ممن ترضون من الشهداء ، التقدير واستشهدوا ممن ترضون ، ومنه وأشهدوا إذا تبايعتم .

انتهى ما لخصناه مما ذكر في هذه الآية . من أنواع الفصاحة . وفيها من التأكيد في حفظ الأموال في المعاملات ما لا يخفي : من الأمر بالكتابة للمتداينين ، ومن الأمر للكاتب بالكتابة بالعدل ، ومن النهي عن الامتناع من الكتابة ، ومن أمره ثانياً بالكتابة ، ومن الأمر لمن عليه الحق بالإملال إن أمكن ، أو لوليه إن لم يمكنه ، ومن الأمر بالاستشهاد ، ومن الاحتياط في من يشهد وفي وصفه ، ومن النهي للشهود عن الامتناع من الشهادة إذا ما دعوا إليها ، ومن النهي عن الملل في كتابة الدين وإن كان حقيراً ، ومن الثناء على الضبط بالكتابة ، ومن الأمر بالإشهاد عند التبايع ، ومن النهي للكاتب والشاهد عن ضرار من يشهد له ويكتب ، ومن التنبيه على أن الضرار في مثل هذا هو فسوق ، ومن الأمر بالتقوى ، ومن الإذكار بنعمة التعلم ، ومن التهديد بعد ذلك ، ومن الاستيثاق في السفر وعدم الكاتب بالرهن المقبوض ، ومن الأمر بأداء

أمانة من لم يستوثق بكاتب وشاهد ورهن ، ومن الأمر لمن استوثق بتقوى اللّه المانعة من الإخلال بالأمانة ، ومن النهي عن كتم الشهادة ، ومن التنبيه على أن كاتمها مرتكب الإثم ، ومن التهديد آخرها بقوله : { وَاللّه بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } فانظر إلى هذه المبالغة والتأكيد في حفظ الأموال وصيانتها عن الضياع ، وقد قرنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالنفوس والدماء ، فقال : { من قتل دون ماله فهو شهيد} . وقال : { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم} . ولصيانتها والمنع من إضاعتها ، ومن التبذير فيها كان حجر الإفلاس ، وحجر الجنون ، وحجر الصغر ، وحجر الرق ، وحجر المرض ، وحجر الإرتداد .

﴿ ٢٨٣