٨

ربنا لا تزغ . . . . .

{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } ويحتمل أن يكون هذا من جملة المقول أي : يقولون ربنا ، وكأنهم لما رأوا انقسام الناس إلى زائغ ، ومتذكر مؤمن ، دعوا اللّه تعالى بلفظ الرب أن لا يزيغ قلوبهم بعد هدايتهم ، فيلحقوا بمن في قلبه زيغ ، ويحتمل أن يكون تعالى علمهم هذا الدعاء ، والتقدير : قولوا ربنا .

ومعنى الإزاغة هنا الضلالة . وفي نسبة ذلك إليه تعالى رد على المعتزلة في قولهم : إن اللّه لا يضل ، إذ لو لم تكن الإزاغة من قبله تعالى لما جاز أن يدعى في رفع ما لا يجوز عليه فعله .

وقال الزجاج : لا تكلفنا عبادة ثقيلة تزيغ بها قلوبنا ، وهذا القول فيه التحفظ من خلق اللّه الزيغ والضلالة في قلب أحد من العباد .

وقال ابن كيسان : سألوا أن لا يزيغوا ، فيزيغ اللّه قلوبهم ، نحو :{ فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللّه قُلُوبَهُمْ } أي : ثبتنا على هدايتك ، وأن لا نزيغ ، فنستحق أن تزيغ قلوبنا . وهذه نزغة إعتزالية ، كما قال الجبائي : لا تمنعها الألطاف التي بها يستمر القلب على صفة الإيمان . ولما منعهم الألطاف لاستحقاقهم منع ذلك ، جاز أن يقال : أزاغهم ، ويدل عليه : فلما زاغوا . وقال الجبائي أيضاً : لا تزغنا عن جنتك وثوابك .

وقال أبو مسلم : أحرسنا من الشيطان وشر أنفسنا حتى لا نزيغ .

وقال الزمخشري : لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا ، أو : لا تمنعنا ألطافك بعد أن لطفت بنا . انتهى .

وهذه مسألة كلامية : هل اللّه تعالى خالق الشر كما هو خالق الخبر ؟ أو لا يخلق الشر ؟ ف

الأول : قول أهل السنة .

والثاني : قول المعتزلة . وكل يفسر على مذهبه .

وقرأ الصديق ، وأبو قائله ، والجراح : لا تزغ قلوبنا ، بفتح التاء ورفع الباء

وقرأ بعضهم : لا يزغ بالياء مفتوحة ، ورفع باء قلوبنا ، جعله من زاغ ، وأسنده إلى القلوب . وظاهره نهي القلوب عن الزيغ ، وإنما هو من باب : لا أرينك ههنا .

ولا أعرفن ربرباً حوراً مدامعه

أي : لا تزغنا فتزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا . ظاهره الهداية التي هي مقابلة الضلال

وقيل : بعد اذ هديتنا للعلم بالمحكم ، والتسليم للمتشابه من كتابك ، و : إذ ، أصلها أن تكون ظرفاً ، وهنا أضيف إليها : بعد ، فصارت إسماً غير ظرف ، وهي كانت قبل أن تخرج عن الظرفية تضاف إلى الجملة ، واستصحب فيها حالها من الإضافة إلى الجملة ، وليست الإضامة إليها تخرجها عن هذا الحكم . ألا ترى إلى قوله تعالى : { هَاذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ } ؟{ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } في قراءة من رفع يوم ؟ وقول الشاعر . على حين عاتبت المشيب على الصبا

على حين من تكتب عليه ذنوبه

على حين الكرام قليل

ألا ليت أيام الصفاء جديد

كيف خرج الظرف هنا عن بابه ، واستعمل خبراً ومجروراً بحرف الجر ، واسم ليت ، وهو مع ذلك مضاف إلى الجملة ؟ .

{وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } سألوا بلفظ الهبة المشعرة بالتفضل والإحسان إليهم من غير سبب ولا عمل ولا معاوضة ، لأن الهبة كذلك تكون ، وخصوها بأنها من عنده ، والرحمة إن كانت من صفات الذات فلا يمكن فيها الهبة ، بل يكون المعنى : نعيماً ، أو ثواباً صادراً عن الرحمة . ولما كان المسؤول صادراً عن الرحمة ، صح أن يسألوا الرحمة إجراءً للسبب مجرى المسبب

وقيل : معنى رحمة توفيقاً وسداداً وتثبيتاً لما نحن عليه من الإيمان والهدى .

{إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } هذا كالتعليل لقولهم : وهب لنا ، كقولك : حل هذا المشكل أنك أنت العالم بالمشكلات ، وأتى بصيغة المبالغة التي على فعال ، وإن كانوا قد قالوا : وهاب ، لمناسبة رؤوس الآي ، ويجوز في : أنت ، التوكيد للضمير ، والفصل ، والابتداء .

﴿ ٨