١٠

إن الذين كفروا . . . . .

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مّنَ اللّه شَيْئًا } قيل : المراد وفد نجران لأنه روي أن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه : إني أعلم أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ولكني إن أظهرت ذلك أخذ ملوك الرّوم مني ما أعطوني من المال .

وقيل : الإشارة إلى معاصري رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال ابن عباس : قريظة ، والنضير . وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم ، وهي عامّة تتناول كل كافر .

ومعنى : من اللّه ، أي : من عذابه الدنيوي والأخروي ، ومعنى : أغنى عنه ، دفع عنه ومنعه ، ولما كان المال في باب المدافعة والتقرب والفتنة أبلغ من الأولاد ، قدم في هذه الآية ،

وفي قوله :{ وَمَا أَمْوالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى وَفِى قَوْلُهُ إِنَّمَا أَمْوالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ }

وفي قوله :{ وَتَكَاثُرٌ فِى الاْمْوالِ وَالاْوْلْادِ }

وفي قوله :{ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } بخلاف قوله تعالى :{ زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ } إلى آخرها ، فإنه ذكر هنا حب الشهوات ، فقدّم فيه النساء والبنين على ذكر الأموال . وسيأتى

الكلام على ذلك إن شاء اللّه .

وقرأ أبو عبد الرحمن : لن يغني ، بالياء على تذكير العلامة .

وقرأ علي : لن يغني ، بسكون الياء .

وقرأ الحسن : لن يغني بالياء أولاً وبالياء منالساكنة آخراً ، وذلك لاستثقال الحركة في حرف اللين ، وإجراء المنصوب مجرى المرفوع . وبعض النحويين يخص هذا بالضرورة ، وينبغي أن لا يخص بها ، إذ كثر ذلك في كلامهم .

و : من ، لابتداء الغاية عند اعبد ، وبمعنى : عند ، قاله أبو عبيدة ، وجعله كقوله تعالى : { الَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ } قال : معناه عند جوع وعند خوف ، وكون : من ، بمعنى : عند ، ضعيف جداً .

وقال الزمشخري : قوله : من اللّه ، مثله في قوله :{ إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقّ شَيْئًا } والمعنى : لن تغني عنهم من رحمة اللّه ، أو من طاعة اللّه شيئاً ، أي : بدل رحمته وطاعته ، وبدل الحق . ومنه : ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد أي : لا ينفعه جدّه وحظه من الدنيا بذلك ، أي : بدل طاعتك وعبادتك . وما عندك . وفي معناه قوله تعالى :{ وَمَا أَمْوالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى } إنتهى كلامه .

وإثبات البدلية : لمن ، فيه خلاف أصحابنا ينكرونه ، وغيرهم قد أثبته ، وزعم أنها تأتي بمعنى البدل . واستدل بقوله تعالى :{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ }{ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَئِكَةً } أي : بدل الآخرة وبدلكم . وقال الشاعر : أخذوا المخاض من الفصيل غلبة

ظلماً ويكتب للأمير إفيلا

أي بدل الفصيل ، وشيئاً ينتصب على أنه مصدر ، كما تقول ضربت شيئاً من الضرب ، ويحتمل أن ينتصب على المفعول به ، لأن معنى : لن تغني ، لن تدفع أو تمنع ، فعلى هذا يجوز أن يكون : من ، في موضع الحال من شيئاً ، لأنه لو تأخر لكان في موضع النعت لها ، فلما تقدّم انتصب على الحال . وتكون : من إذ ذاك للتبعيض .

فتلخص في : من ، أربعة أقوال : ابتداء الغاية ، وهو قول المبرد ، والكلبي . و : كونها بمعنى : عند ، وهو قول أبي عبيدة . و : البدلية ، وهو قول الزمخشري ، و : التبعيض ، وهو الذي قررناه .

{وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } لما قدم : إن الذين كفروا لن تغني عنهم كثرة أموالهم ، ولا تناصر أولادهم ، أخبر بمآلهم . وأن غاية من كفر ، ومنتهى من كذب بآيات اللّه النار ، فاحتملت هذه الجملة أن تكون معطوفة على خبر : إن ، واحتمل أن تكونه مستأنفة عطفت على الجملة الأولى ، وأشار : بأولئك ، إلى بعدهم . وأتى بلفظ : هم ، المشعرة بالاختصاص ، وجعلهم نفس الوقود مبالغة في الاحتراق ، كأن النار ليس لها ما يضرمها إلا هم ، وتقدّم الكلام في الوقود في قوله :{ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}

وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما : وقود ، بضم الواو ، وهو مصدر : وقدت النار تقد وقوداً ، ويكون على حذف مضاف ، أي : أهل وقود النار ، أو : حطب وقود ، أو جعلهم نفس الوقود مبالغة ، كما تقول : زيد رضا .

وقد قيل في المصدر أيضاً : وقود ، بفتح الواو ، وهو من المصادر التي جاءت على فعول بفتح الواو ، وتقدّم ذكر ذلك ، و :

هم ، يحتمل أن يكون مبتدأ ، ويحتمل أن يكون فصلاً .

﴿ ١٠