١١

كدأب آل فرعون . . . . .

{كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } لما ذكر أن من كفر وكذب باللّه مآله إلى النار ، ولن يغني عنه ماله ولا ولده ، ذكر أن شأن هؤلاء في تكذيبهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وترتب العذاب على كفرهم ، كشأن من تقدّم من كفار الأمم ، أخذوا بذنوبهم ، وعذبوا عليها ، ونبه على آل فرعون ، لأن الكلام مع بني إسرائيل ، وهم يعرفون ما جرى لهم حين كذبوا بموسى من إغراقهم وتصييرهم آخراً إلى النار ، وظهور بني إسرائيل عليهم ، وتوريثهم أماكن ملكهم ، ففي هذا كله بشارة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ولمن آمن به . أن الكفار مآلهم في الدنيا إلى الاسئصال ، وفي الآخرة إلى النار ، كما جرى لآل فرعون ، أهلكوا في الدنياد وصاروا إلى النار .

واختلفوا في إعراب : كدأب ، فقيل : هو خبر مبتدأ محذوف ، فهو في موضع رفع ، التقدير : دأبهم كدأب ، وبه بدأ الزمشخري وابن عطية .

وقيل : هو في موضع نصب بوقود ، أي : توقد النار بهم ، كما توقد بآل فرعون . كما تقول : إنك لتثلم الناس كدأب أبيك ، تريد : كظلم أبيك ، قاله الزمخشري .

وقيل : يفعل مقدّر من لفظ الوقود ، ويكون التشبيه في نفس الإحتراق ، قاله ابن عطية .

وقيل : من معناه أي عذبوا تعذيباً كدأب آل فرعون . ويدل عليه وقود النار .

وقيل : بلن تغني ، أي : لن تغني عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك ، قاله الزمخشري . وهو ضعيف ، للفصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي :{ أُولَائِكَ هُمُ وَقُودُ النَّارِ } على أي التقديرين اللذين قدرناهما ، فيها من أن تكون معطوفة على خبر إن ، أو على الجملة المؤكدة بإن ، فان قدرتها اعتراضية ، وهو بعيد ، جاز ما قاله الزمخشري .

وقيل : بفعل منصوب من معنى : لن تغني ، أي بطل انتفاعهم بالأموال والأولاد بطلاناً كعادة آل فرعون .

وقيل : هو نعت لمصدر محذوف تقديره : كفراً كدأب والعامل فيه : كفروا ، قاله الفراء وهو خطأ ، لأنه إذا كان معمولاً للصلة كان من الصلة ، ولا يجوز أن يخبر عن الموصول حتى يستوفي صلته ومتعلقاتها ، وهنا قد أخبر ، فلا تجوز أن يكون معمولاً لما في الصلة .

وقيل : بفعل محذوف يدل عليه : كفروا ، التقدير : كفروا كفراً كعادة آل فرعون .

وقيل : العامل في الكاف كذبوا بآياتنا ، والضمير في : كذبوا ، على هذا لكفار مكة وغيرهم من معاصري رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،أي : كذبوا تكذيباً كعادة آل فرعون .

وقيل : يتعلق بقوله :{ فَأَخَذَهُمُ اللّه بِذُنُوبِهِمْ } أي : أخذهم أخذاً كما أخذ آل فرعون ، وهذا ضعيف ، لأن ما بعد الفاء العاطفة لا يعمل فيما قبلها .

وحكى بعض أصحابنا عن الكوفيين أنهم أجازوا : زيداً قمت فضربت ، فعلى هذا يجوز هذا القول .

فهذه عشرة أقوال في العامل في الكاف .

قال ابن عطية : والدأب ، بسكون الهمزة وفتحها ، مصدر دأب يدأب ، إذا لازم فعل شيء ودام عليه مجتهداً فيه ، ويقال للعادة : دأب . وقال أبو حاتم : وسمعت يعقوب يذكر : كدأب ، بفتح الهمزة ، وقال لي : وأنا غُلَيْمٌ على أي شيء يجوز كدأب ؟ فقلت له : أظنه من : دئب يدأب دأباً ، فقبل ذلك مني ، وتعجب من جودة تقديري على صغري ، ولا أدري : أيقال أم لا ؟ قال النحاس : لا يقال دئب ألبتة ، وإنما يقال : دأب يدأب دؤباً هكذا حكى النحويون ، منهم الفرّاء ، حكاه في كتاب } المصادر صلى اللّه عليه وسلم.

وآل فرعون : أشياعه وأتباعه . .

{وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } هم كفار الأمم السالفة ، كقوم نوح ، وقوم هود ، وقوم شعيب ، وغيرهم . فالضمير على هذا عائد على آل فرعون ، ويحتمل أن يعود الضمير على الذين كفروا وهم معاصر ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وموضع : والذين ، جر عطفاً على : آل فرعون .

{كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا } بهذه الجملة تفسير للدأب ، كأنه قيل : ما فعلوا ؟ وما فعلوا بهم ؟ فقيل : كذبوا بآياتنا ، فهي كأنها جواب سؤال مقدّر ، وجوّزوا أن تكون في موضع الحال ، أي : مكذبين ، وجوزوا أن يكون الكلام تم عند قوله :{ كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } ثم ابتدأ فقال :{ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ } فيكون : الذين ، مبتدأ ، و : كذبوا خبره

وفي قوله : بآياتنا ، التنفات ، إذ قبله من اللّه ، فهو اسم غيبة ، فانتقل منه إلى التكلم .

و : الآيات ، يحتمل أن تكون المتلوة في كتب اللّه ، ويحتمل أن تكون العلامات الدالة على توحيد اللّه وصدق أنبيائه

{فَأَخَذَهُمُ اللّه بِذُنُوبِهِمْ } رجع من التكلم إلى الغيبة ، ومعنى الأخذ بالذنب : العقاب عليه ، والباء في : بذنوبهم ، للسبب .

{وَاللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ } تقدّم تفسير مثل هذا ، وفيه إشارة إلى سطوة اللّه على من كفر بآياته وكذب بها .

قيل : وتضمنت هذه الآيات من ضروب الفصاحة .

حسن الإبهام ، وهو فيما افتتحت به ، لينبه الفكر إلى النظر فيما بعده من الكلام .

ومجاز التشبيه في مواضع منها { نُزّلَتْ عَلَيْكَ الْكِتَابَ } وحقيقة النزول طرح جرم من علوٍ إلى أسفل ، والقرآن مثمبت في اللوح الحفوظ ، فلما أثبت في القلب صار بمنزلة جرم ألقي من علو إلى أسفل فشبه به ، وأطلق عليه لفظ الإنزال

وفي قوله :{ لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } القرآن مصدّق لما تقدّمه من الكتب ، شبه بالإنسان الذي بين يديه شيء يناله شيئاً فشيئاً

وفي قوله :{ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ الإنجِيلِ مِن قَبْلُ هُدًى النَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ } أقام المصدر فيه مقام اسم الفاعل ، فجعل التوراة كالرجل الذي يوري عنك أمراً ، أي : يستره لما فيها من المعاني الغامضة ، والإنجيل شبه لما فيه من اتساع الترغيب والترهيب والمواعظ والخضوع بالعين النجلاء ، وجعل ذلك هدى لما فيه من الإرشاد ، كالطريق الذي يهديك إلى المكان الذي ترومه ، وشبه الفرقان بالجرم الفارق بين جرمين ،

وفي قوله :{ عَذَابٍ شَدِيدٍ } شبه ما يحصل للنفس من ضيق العذاب وألمه بالمشدود الموثق المضيق عليه ،

وفي قوله :{ يُصَوّرُكُمْ } شبه أمره بقوله : كن أو تعلق إرادته بكونه جاء على غاية من الإحكام والصنع بمصوّر يمثل شيئاً ، فيضم جرماً إلى جرم ، ويصوّر منه صورة

وفي قوله :{ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } جعل ما اتضح من معاني كتابه ، وظهرت آثار الحكمة عليه محكماً ، وشبه المحكم لما فيه من أصول المعاني التي تتفرّع منها فروع متعدّدة ترجع إليها بالأم التي ترجع إليها ما تفرّع من نسلها ويؤمونها ، وشبه ما خفيت معانيه لاختلاف أنحائه كالفواتح ، والألفاظ المحتملة معاني شتى ، والأيات الدالة على أمر المعاد والحساب بالشيء المشتبه الملبس أمره الذي وجم العقل عن تكييفه ؛

وفي قوله :{ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } شبه القلب المائل عن القصد بالشيء الزائغ عن مكانه ،

وفي قوله :{ وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } شبه المعقول من الرحمة عن إرادة الخير ، بالمحسوس من الإجرام من العوض والمعوض في الهبة

وفي قوله :{ وَقُودُ النَّارِ } شبهم بالحطب الذي لا ينتفع به إلاَّ في الوقود .

وقال تعالى :{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه حَصَبُ جَهَنَّمَ } والحصب الحطب بلغة الحبشة ،

وفي قوله :{ فَأَخَذَهُمُ اللّه بِذُنُوبِهِمْ } شبه إحاطة عذابه بهم بالمأخوذ باليد المتصرف فيه بحكم إرادة الأخذ .

وقيل : هذه كلها استعارات ، ولا تشبيه فيها إلاَّ{ كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } فإنه صرح فيه بذكر أداة التشبيه .

والاختصاص في مواضع ، منها في قوله :{ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ } إلى { وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ } على من فسره بالزبور ، واختص الأربعة دون بقية ما أنزل ، لأن أصحاب الكتب إذ ذاك : المؤمنون ، واليهود ، والنصارى ،

وفي قوله :{ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَىْء فِي الاْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء } خصمهما لأنهما أكبر مخلوقاته الظاهرة لنا ، ولأنهما محلان للعقلاء ، ولأن منهما أكثر المنافع المختصة بعباده .

وفي قوله :{ وَالرسِخُونَ } اختصهم بخصوصية الرسوخ في العلم بهم ؛

وفي قوله :{ أُوْلُو الاْلْبَابِ } لأن العقلاء لهم خصوصية التمييز ، والنظر ، والاعتيار .

وفي قوله :{ لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } اختص القلوب لأن بها صلاح الجسد وفساده ، وليس كذلك بقية الأعضاء ، ولأنها محل الإيمان ومحل العقل على قول من يقول ذلك ،

وفي قوله :{ إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ } وهو جامعهم في الدنيا على وجه الأرض أحياءً وفي بطنها أمواتاً ، لأن في ذلك اليوم الجمع الأكبر ، وهو الحشر ، ولا يكون إلاَّ في ذلك اليوم ، ولا جامع إلاَّ هو تعالى .

وفي قوله :{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم } اختص الكفار لأن المؤمنين تغني عنهم أموالهم التي ينفقونها في وجوه البر ، فهم يجنون ثمرتها في الآخرة ، وتنفعهم أولادهم في الآخرة ، يسقونهم ويكونون لهم حجاباً من النار ، ويشفعون فيهم إذا ماتوا صغاراً ، وينفعونهم بالدعاء الصالح كباراً . وكل هذا ورد به الحديث الصحيح .

وفي قوله :{ كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } خصهم بالذكر ، وقدمهم لأنهم أكثر الأمم طغياناً ، وأعظمهم تعنتاً على أنبيائهم ، فكانوا أشد الناس عذاباً .

والحذف في مواضع ، في قوله :{ لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي : من الكتب و { أَنَزلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ } أي : وأنزل الإنجيل ، لأن الإنزالين في زمانين { هُدًى لّلنَّاسِ } أي : الدين أراد هداهم : عذاب شديد ، أي يوم القيامة ، .{ ذُو انتِقَامٍ } أي ممن أراد عقوبته { فِي الاْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء } أي ولا في غيرهما { الْعَزِيزُ } أي : في ملكه .{ الْحَكِيمُ } أي في صنعه { وَأَخَّرَ } أي : آيات أُخر { زَيْغٌ}

أي عن الحق { ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ } أي : لكم { وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ } أي : على غير الوجه المراد منه { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } أي : على الحقيقة المطلوبة { رَبَّنَا } أي يا ربنا { لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } أي : عن الحق { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } أي : إليه { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا } أي : المنزلة على الرسل ، أو المنصوبات علماً على التوحيد { بِذُنُوبِهِمْ } أي السالفة .

والتكرار : نزل عليك الكتاب ، وأنزل التوراة ، وأنزل الفرقان . كرر لاختلاف الإنزال ، وكيفيته ، وزمانه ، بآيات اللّه ، واللّه . كرر اسمه تعالى تفخيماً ، لأن في ذكر المظهر من التفخيم ما ليس في المضمر . لا إله إلاَّ هو الحي القيوم ، لا إله إلا هو العزيز . كرر الجملة تنبيهاً على استقرار ذلك في النفوس ، ورداً على من زعم أن معه إلهاً غيره . ابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله . كرر لاختلاف التأويلين ، أو للتفخيم لشأن التأويل . ربنا لا تزغ ، ربنا إنك . كرر الدعاء تنبيهاً على ملازمته ، وتحذيراً من الغفلة عنه لما فيه من إظهار الافتقار .

والتقديم والتأخير ، وذلك في ذكر إنزال الكتب ، لم يجيء الإخبار عن ذلك على حسب الزمان ، إذ التوراة أولاً ، ثم الزبور ، ثم الإنجيل ، ثم القرآن . وقدم القرآن لشرفه ، وعظم ثوابه ونسخه لما تقدم ، وبقائه ، واستمرار حكمه إلى آخر الزمان . وثنى بالتوراة لما فيها من الأحكام الكثيرة ، والقصص ، وخفايا الاستنباط .

ورواها من : أن التوراة حين نزلت كانت سبعين وسقاً ، ثم ثلث بالإنجيل ، لأنه كتاب فيه من المواعظ والحكم ما لا يحصى ، ثم تلاه بالزبور لأن فيه مواعظ وحكما لم تبلغ مبلغ الإنجيل ، وهذا إذا قلنا إن الفرقان هو الزبور ،

وفي قوله :{ فِي الاْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء } قدم الأرض على السماء وإن كانت السماء أكثر في العوالم ، وأكبر في الأجرام ، وأكبر في الدلائل والآيات ، وأجزل في الفضائل لطهارة سكانها ، بخلاف سكان الأرض ، ليعلمهم ، إطلاعه على خفايا أمورهم ، فاهتم بتقديم محلهم عسى أن يزدجروا عن قبيح أفعالهم ، لأنه إذا أنبه على أن اللّه لا يخفى عليه شيء من أمره ، استحيا منه .

والالتفات { رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ } ثم قال { إِنَّ اللّه }

وفي قوله :{ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا } ثم قال { وَاللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ}

والتأكيد :{ وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } فاكد بلفظة : هم ، وأكد بقوله :{ هُوَ الَّذِي يُصَوّرُكُمْ } قوله { لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ } وأكد بقوله { هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ } قوله { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ}

والتوسع بإقامة المصدر مقام اسم الفاعل في قوله : هدى ، والفرقان ، أي : هادياً ، والفارق . وبإقامة الحرف مقام الظرف في قوله : من اللّه ، أي : عند اللّه ، على قول من أوَّل : من ، بمعنى : عند .

والتجنيس المغاير في قوله : وهب ، والوهاب .

{قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللّه وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ وَاللّه يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِى ذالِكَ لَعِبْرَةً لاوْلِى الاٌّ بْصَارِ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذالِكَ مَتَاعُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَاللّه عِندَهُ حُسْنُ الْمَأَبِ }

العبرة : الاتعاظ يقال : منه اعتبر ، وهو الاستدلال بشيء على شيء يشبهه ، واشتقاقها من العبور ، وهو مجاوزة الشيء إلى الشيء ، ومنه : عبر النهر ، وهو شطه ، والمعبر : السفينة ، والعبارة يعبر بها إلى المخاطب بالمعاني ، وعبرت الرؤيا مخففاً ومثقلاً : نقلت ما

عندك من علمها إلى الرائي أو غيره ممن يجهل : وكان الاعتبار انتقالاً عن منزلة الجهل إلى منزلة العلم ، ومنه ، العَبرة ، وهي الدمع ، لأنها تجاوز العين .

الشهوة : ما تدعو النفس إليه ، والفعل منه : اشتهى ، ويجمع بالألف والتاء فيقال : شهوات ، ووجدت أنا في شعر العرب جمعها على : شُهى ، نحو : نزوة ونزى ، و : كوة وكوى ، على قول من زعم أن : كوى ، جمع كوة بفتح الكاف ، وهذا مع : قرية وقرى ، ذكره النحويون مما جاء على وزن فعلة معتل اللام ، وجمع على فعل ، واستدركت أنا : شهى ، وقالت امرأة من بني نضر بن معاوية : فلولا الشُّهى واللّه كنت جديرة

بأن أترك اللذات في كل مشهد

القنطار : فنعال نونه زائدة ، قاله ابن دريد ، فيكون وزنه : فنعالاً من : قطر يقطر

وقيل : أصل ووزن فعلال ، وفيه خلاف : أهو واقع على عدد مخصوص ؟ أم هو وزن لا يحد ولا يحصر ؟ والقائلون بأنه عدد مخصوص اختلفوا في ذلك العدد ، ويأتي ذلك في التفسير ، إن شاء اللّه تعالى .

ويقال منه : قنطر الرجل إذا كان عنده قناطير ، أو قنطار من المال وقال الزجاج : هو مأخوذ من : قنطرت الشيء ، عقدته وأحكمته ، ومنه سميت القنطرة لإحكامها

وقيل : قنطرته : عبيته شيئاً على شيء ، ومنه سمي القنطرة . فشبه المال الكثير الذي يعبى بعضه على بعض بالقنطرة .

الذهب : معروف ، وهو مؤنث يجمع على ذهاب وذهوب .

وقيل : الذهب جمع ذهبية .

والفضة : معروفة ، وجمعها قضض ، فالذهب مشتق من الذهاب ، والفضة من انفض الشيء : تفرق ، ومنه : فضضت القوم .

الخيل : جمع لا واحد له من لفظه ، بل واحدة : فرس .

وقيل : واحده خايل ، كراكب وركب ، قاله أبو عبيدة . سميت بذلك لاختيالها في مشيها .

وقيل : اشتقاقه من التخيل ، لأنه يتخيل في صورة من هو أعظم منه .

وقيل : الاختيال مأخوذ من التخيل .

النعم : الإبل فقط ، قال الفراء : وهو مذكر ولا يؤنث ، يقولون هذا نعم وارد . وقال الهروي : النعم ، يذكر ويؤنث ، وإذا جمع انطلق على الإبل والبقر والغنم . وقال ابن قتيبة : الأنعام : الإبل والبقر والغنم ، واحدها نعم ، وهو جمع لا واحد له من لفظه ، وسميت بذلك لنعومة مسها وهو لينها ، ومنه : الناعم ، والنعامة ، والنعامي الجنوب ، سميت بذلك للين هبوبها .

المآب : مفعل من آب يؤوب إياباً . أي : رجع ، يكون للمصدر والمكان والزمان .

﴿ ١١