١٦

الذين يقولون ربنا . . . . .

ولما ذكر المتقين أفهم مقابلهم فختم الآية بهذا .

{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } لما ذكر أن الجنة للمتقين ذكر شيئاً من صفاتهم ، فبدأ بالإيمان الذي هو رأس التقوى ، وذكر دعاءهم ربهم عند الإخبار عن أنفسهم بالإيمان ، وأكد الجملة بأن مبالغة في الإخبار ، ثم سألوا الغفران ووقايتهم من العذاب مرتباً ذلك على مجرد الإيمان ، فدل على أن الإيمان يترتب عليه المغفرة ، ولا يكون الإيمان عبارة عن سائر الطاعات ، كما يذهب إليه بعضهم ، لأن من تاب وأطاع اللّه لا يدخله النار بوعده الصادق ، فكان يكون السؤال في أن لا يفعله مما لا ينبغي ، ونظيرها ، { بِنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً } الآية ، فالصفات الآتية بعد هذا ليست شرائط بل هي صفات تقتضي كمال الدرجات . وقال الماتريدي : مدحهم تعالى بهذا القول ، وفيه تزكية أنفسهم بالإيمان ، واللّه تعالى نهى عن تزكية الأنفس بالطاعات ، كما

قال تعالى :{ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ } فلو كان الإيمان إسما لجميع الطاعات لم يرض منهم التزكية بالإيمان ، كما لم يرضها بسائر الطاعات ، فالآية حجة من جعل الطاعات من الإيمان ، وفيها دلالة على أن إدخال الاستثناء في الإيماغن باطل ، لأنه رضيه منهم دون استثناء . إنتهى .

قيل : ولا تدل على شيء من التزكية ولا من الاسثنتاء ، لأن قولهم : آمنا ، هو اعتراف بما أمروا به ، فلا يكون ذلك تزكية منهم لأنفسهم ، ولأن الاستثناء إنما هو فيما يموت عليه المرء ، لا فيما هو متصف به ، ولا قائل بأن الإيمان الذي يتصف به العبد يجوز الاستثناء فيه ، فإن ذلك محال عقلاً .

وأعرب : الذين يقولون ، صفة وبدلاً ومقطوعاً لرفع أو لنصب ، ويكون ذلك من توابع :{ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ } أو من توابع : العباد ، والأول أظهر .

﴿ ١٦