٢٠

فإن حاجوك فقل . . . . .

{فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للّه} الضمير في : حاجوك ، ابلظاهر أنه يعود على { الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } وقال أبو مسلم : يعود على جميع الناس ، لقوله بعد { وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالاْمّيّينَ }

وقيل : يعود على نصارى نجران ، قدموا المدينة للمحاجة . وظاهر المحاج فيه أنه دين الإسلام ، لأنه السابق . وجواب الشرط هو :{ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للّه } والمعنى : انقدت وأطعت وخضعت للّه وحده ، وعبر : بالوجه ، عن جميع ذاته ، لأن الوجه أشرف الأعضاء ، وإذا خضع الوجه فما سواه أخضع وقال الزوزي ، وسبقه الفراء إلى معناه : معنى أسلمت وجهي ، أي : ديني ، لأن الإيمان كالوجه بين الأعمال إذ هو الأصل ، وجاء في التفسير أقوال : أقول لكم ، كما قال ابن نعيم : وقد أجمعتم على أنه محق { قَالَ يَاءادَمُ قَوْمٌ إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

وقال الزمخشري : وأسلمت وجهي ، أي : أخلصت نفسي وعملي للّه وحده ، لم أجعل له شريكاً بأن أعبده وأدعوا إلها معه ، يعني : أن ديني التوحيد ، وهو الدين القديم الذي ثبت عندكم صحته ، كما ثبت عندي . وما جئت بشيء بديع حتى تجادلوني فيه ، ونحوه { قُلْ ياأَهْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ } الآية ، فهو دفع للمجادلة . إنتهى .

وفي تفسيره أطلق الوجه على النفس والعمل معاً ، إلاَّ إن كان أراد تفسير المعنى لا تفسير اللفظ ، فيسوغ له ذلك .

وقال الرازي : في كيفية إيراد هذا الكلام طريقان :

الأول : أنه إعراض عن المحاجة ، إذ قد أظهر لهم الحجة على صدقة قبل نزول هذه الآية ، فإن هذه السورة مدنية ، وذلك بإظهار بالمعجزات بالقرآن وغيره ، وقد ذكر قبل هذه الآية الحجة بقوله :{ الْحَىُّ الْقَيُّومُ } على فساد قول النصارى في إلهية عيسى ، وبقوله { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ } على صحة نبوّته ، وذكر شُبَهَ القوم وأجاب عنها ، وذكر معجزات

أخرى ، وهي ما شاهدوه يوم بدر ، بين القول بالتوحيد بقوله : شهد اللّه .

والطريق

الثاني : أنه إظهار للدليل ، وذلك أنهم كانوا مقرين بالصانع واستحقاقه للعبادة فكأنه قال : أنا متمسك بهذا القدر المتفق عليه ، والخلف فيما وراءه ، وعلى المدعي الإثبات . وأيضاً كانوا معظمين إبراهيم عليه السلام وأنه كان محقاً ، وقد أمر أن يتبع ملته ، وهنا أمر أن يقول كقوله ، فيكون هذا من باب الإلزام ، أي : أنا متمسك بطريق من هو عندكم محق ، وهذا قاله أبو مسلم ، وأيضاً لما تقدّم أن الدين هو الإسلام ، قيل له : إن نازعوك فقل : الدليل عليه أني أسلمت وجهي للّه ، فهذا تمام الوفاء بلزوم الربوبية والعبودية ، فصح أن الدين الكامل الإسلام ، وأيضاً فالآية مناسبة لقول إبراهيم { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ } أي : لا تجوز العبادة إلاَّ لمن يكون نافعاً وضاراً وقادراً على جميع الأشياء ، وعيسى ليس كذلك ، وأيضاً فهذه إشارة إلى طريقة إبراهيم عليه السلام إذ قال له ربه : أسلم قال أسلمت لرب العالمين } وروي هذا عن ابن عباس . إنتهى ما لخص من كلام الرازي . وليس أواخر كلامه بظاهرة من مراد الآية ومدلولها .

وفتح الياء : من : وجهي ، هنا ، وفي الأنعام نافع ، وابن عامر ، وحفص ، وسكنها الباقون .

وروي هذا عن ابن عباس . إنتهى ما لخص من كلام الرازي . وليس أواخر كلامه بظاهرة من مراد الآية ومدلولها .

وفتح الياء : من : وجهي ، هنا ، وفي الأنعام نافع ، وابن عامر ، وحفص ، وسكنها الباقون .

{وَمَنِ اتَّبَعَنِ } قيل : من ، في موضع رفع ،

وقيل : ي موضع نصب على أنه مفعول معه ،

وقيل : في موضع خفض عطفاً على اسم اللّه .

ومعناه : جعلت مقصدي بالإيمان به ، والطاعة له ، ولمن اتبعني بالحفظ له ، والتحفي بتعلمه ، وصحته .

فأما الرفع فعطفاً على الفاعل في : أسلمت ، قاله الزمخشري ، وبدأ به قال : وحسن للفاصل ، يعنى أنه عطف على الضمير المتصل ، ولا يجوز العطف على الضمير المتصل المرفوع إلاَّ في الشعر ، على رأي البصريين . إلاَّ أنه فصل بين الضمير والمعطوف ، فيحسن . وقاله ابن عطية أيضاً ، وبدأ به . ولا يمكن حمله على ظاهره لأنه إذا عطف على الضمير في نحو : أكلت رغيفاً وزيد ، لزم من ذلك أن يكونا شريكين في أكل الرغيف ، وهنا لا يسوغ ذلك ، لأن المعنى ليس على أنهم أسلموا هم وهو صلى اللّه عليه وسلم وجهه للّه ، وإنما المعنى : أنه صلى اللّه عليه وسلم أسلم وجهه للّه ، وهم أسلموا وجوههم للّه ، فالذي يقوى في الإعراب أنه معطوف على ضمير محذوف منه المفعول ، لا مشارك في مفعول : أسلمت ، التقدير : ومن اتبعني وجهه .

أو أنه مبتدأ محذوف الخبر لدلالة المعنى عليه ، ومن اتبعني كذلك ، أي : أسلموا وجوههم للّه ، كما تقول : قضى زيد نحبه وعمرو ، أي : وعمرو كذلك . أي : قضى نحبه .

ومن الجهة التي امتنع عطف . ومن ، على الضمير إذا حمل الكلام على ظاهره دون تأويل ، يمتنع كون : من ، منصوباً على أنه مفعول معه ، لأنك إذا

قلت : أكلت رغيفاً وعمراً ، أي : مع عمرو ، دل ذلك على أنه مشارك لك في أكل الرغيف ، وقد أجاز هذا الوجه الزمخشري ، وهو لا يجوز لما ذكرنا على كل حال ، لأنه لا يمكن تأويل حذف المفعول مع كون الواو واو المعية .

وأثبت ياء : اتبعني ، في الوصل أبو عمرو ، ونافع ، وحذفها الباقون ، وحذفها أحسن لموافقة خط المصحف ، ولأنها رأس آية كقوله : أكرمن وأهانن ، فتشبه قوافي الشعر كقول الشاعر : وهل يمنعنّي ارتيادُ البلا

د من حذر الموت أن يأتيَنْ

{وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } هم : اليهود والنصارى باتفاق { وَالاْمّيّينَ } هم مشركو العرب ، ودخل في ذلك كل من لا كتاب له { ءأَسْلَمْتُمْ } تقدير في ضمنه الأمر . وقال الزجاج : تهدّد .

قال ابن عطية : وهذا احسن ، لأن المعنى : أأسلمتم له أم لا ؟

وقال الزمخشري : يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضى حصوله لا محالة ، فهل أسلمتم أم أنتم على كفركم ؟ وهذا كقولكم لمن لخصت له المسألة ، ولم تبقِ من طرق البيان والكشف طريقاً إلاَّ سلكته ، هل فهمتها لا أمّ لك ؟ ومنه قوله عز وعلا :{ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر ، وفي هذا الاستفهام استقصار وتغيير بالمعاندة وقلة الإنصاف ، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة ولم يتوقف إذعانه للحق ، وللمعاند بعد تجلي الحجة ما يضرب أسداداً بينه وبين الإذعان ، وكذلك في : هل فهمتها ؟ توبيخ بالبلادة وكله القريحة ، وفي { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه . انتهى كلامه . وهو حسن ، وأكثره من باب الخطابة .

{فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ } أي إن دخلوا في الإسلام فقد حصلت لهم الهداية ، وعبر بصيغة الماضي المصحوب بقد الدالة على التحقيق مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى ، ومن الظلمة إلى النور . انتهى .

{وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ } أي : هم لا يضرونك بتوليهم ، وما عليك أنت إلاَّ تنبيههم بما تبلغه إليهم من طلب إسلامهم وانتظامهم في عبادة اللّه وحده ،

وقيل : إنها آية مواعدة منسوخة بآية السيف ، ولا نحتاج إلى معرفة تاريخ النزول ، وإذا نظرت إلى سبب نزول هذه الآيات ، وهو وفود وفد نجران ، فيكون المعنى : فإنما عليك البلاغ بقتالٍ وغيره .

{وَاللّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} وفيه وعيد وتهديد شديد لمن تولى عن الإسلام ، ووعد بالخير لمن أسلم ، إذ معناه : إن اللّه مطلع على أحوال عبيده فيجازيهم بما تقتضي حكمته .

﴿ ٢٠