٢٢أولئك الذين حبطت . . . . . {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ} تقدم تفسير هذه الجملة عند قوله ومن { يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } فأغنى عن إعادته . وقرأ ابن عباس ، وأبو السمال : حبطت ، بفتح الباء وهي لغة . {وَمَا لَهُم مّن نَّاصِرِينَ } مجيء الجمع هنا أحسن من مجيء الإفراد ، لأنه رأس آية ، ولأنه بإزاء من للمؤمنين من الشفعاء الذين هم الملائكة والأنبياء وصالحو المؤمنين ، أي : ليس لهم كأمثال هؤلاء ، والمعنى : بانتفاء الناصرين انتفاء ما يترتب على النصر من المنافع والفوائد ، وإذا انتفت من جمع فانتفاؤها من واحد أَولى ، وإذا كان جمع لا ينصر فأحرى أن لا ينصر واحد ، ولما تقدم ذكر معصيتهم بثلاثة أوصاف ناسب أن يكون جزاؤهم بثلاثة ، ليقابل كل وصف بمناسبة ، ولما كان الكفر بآيات اللّه أعظم ، كان التبشير بالعذاب الأليم أعظم ، وقابل قتل الأنبياء بحبوط العمل في الدنيا والأخرة ، ففي الدنيا بالقتل والسبي وأخذ المال والاسترقاق ، وفي الآخرة بالعقاب الدائم ، وقابل قتل الآمرين بالقسط ، بانتفاء الناصرين عنهم إذا حل بهم العذاب ، كما لم يكن للآمرين بالقسط من ينصرهم حين حل بهم قتل المعتدين ، كذلك المعتدون لا ناصر لهم إذا حل بهم العذاب . وفي قوله : أولئك ، إشارة إلى من تقدم موصوفاً بتلك الأوصاف الذميمة ، وأخبر عنه : بالذين ، إذ هو أبلغ من الخبر بالفعل ، ولأن فيه نوع انحصار ، ولأن جعل الفعل صلة يدل على كونها معلومة للسامع ، معهودة عنده ، فإذا أخبرت بالموصول عن اسم استفاد المخاطب أن ذلك الفعل المعهود المعلوم عنده المعهود هو منسوب للمخبر عنه بالموصول ، بخلاف الإخبار بالفعل ، فإنك تخبر المخاطب بصدوده عن من أخبرت به عنه ، ولا يكون ذلك الفعل معلوماً عنده ، فإن كان معلوماً عنده جعلته صلة ، وأخبرت بالموصول عن الأسم . قيل وجمعت هذه الآيات ضروباً من الفصاحة والبلاغة . أحدهما : التقديم والتأخير في :{ إِنَّ الدّينَ عِندَ اللّه الإِسْلَامُ } قال ابن عباس التقدير : شهد اللّه أن الدين عند اللّه الاسلام ، أنه لا إله إلا هو ، ولذلك قرأ إنه ، بالكسر : وأن الدين ، بالفتح . وأطلق اسم السبب على المسبب في قوله { مِنْ بَعْدَمَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ } عبر بالعلم عن التوراة والإنجيل أو النبي صلى اللّه عليه وسلم ، على الخلاف الذي سبق . وإسناد الفعل إلى غير فاعله في :{ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } وأصحاب النار والإيماء في قوله : { بَغْياً بَيْنَهُمْ } فيه إيماء إلى أن النفي دائر شائع فيهم ، وكل فرقة منهم تجاذب طرفاً منه . والتعبير ببعض عن كل في :{ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ} والاستفهام الذي يراد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله { ءأَسْلَمْتُمْ} والطباق المقدر في قوله :{ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ } ووجهه : أن الإسلام الانقياد إلى الإسلام ، والإقبال عليه ، والتولي ضد الإقبال . والتقدير : وإن تولوا فقد ضلوا ، والضلالة ضد الهداية . والحشو الحسن في قوله { بِغَيْرِ حَقّ } فإنه لم يقتل قط نبي بحق ، وإنما أتى بهذه الحشوة ليتأكد قبح قتل الأنبياء ، ويعظم أمره في قلب العازم عليه . والتكرار في { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ } تأكيداً لقبح ذلك الفعل . والزيادة في { فَبَشّرْهُم } زاد الفاء إيذاناً بأن الموصول ضمن معنى الشرط . والحذف في مواضع قد تكلمنا عليها فيما سبق . |
﴿ ٢٢ ﴾