٢٣

ألم تر إلى . . . . .

غَر ، يغر ، غروراً : خدع والغِر : الصغير ، والغريرة : الصغيرة ، سميا بذلك لأنهما ينخدعان بالعجلة ، والغِرة منه يقال : أخذه على غرة ، أي : تغفل وخداع ، والغُرة : بياض في الوجه ، يقال منه : وجه أغر ، ورجل أغر ، وامرأة غراء . والجمع على القياس فيهما غُر . قالوا : وليس بقياس وغران . قال الشاعر : ثياب بني عوف طهارى نقية

وأوجههم عند المشاهد غران

نزع ينزع : جذب ، وتنازعنا الحديث تجاذبناه ، ومنه : نزاع الميت ، ونزع إلى كذا : مال إليه وانجذب ، ثم يعبر به عن الزوال ، يقال : نزع اللّه عنه الشر : أزاله .

ولج يلج ولوجاً ولجة وولجاً ، وولج تولجاً وأتلج إتلاجاً قال الشاعر : فإن القوافي يتَّلجْن موالجا

تضايق عنها أن تولجها الإبر

الامد : غاية الشيء ، ومنتهاه ، وجمعه آماد .

اللّهم : هو اللّه إلاَّ أنه مختص بالنداء فلا يستعمل في غيره ، وهذه الميم التي لحقته عند البصريين هي عوض من حرف النداء ، ولذلك لا تدخل عليه إلاَّ في الضرورة . وعند الفراء : هي من قوله : يا اللّه أمنا بخير ، وقد أبطلوا هذا النصب في علم النحو ، وكبرت هذه اللفظة حتى حذفوا منها : أل ، فقالوا : لا همّ ، بمعنى : اللّهمّ . قال الزاجر : لا هم إني عامر بن جهم

أحرم حجاً في ثياب دسم

وخففت ميمها في بعض اللغات قال : كَحَلْقَه من أبي رياح

يسمعها اللّهمَ الكُبار

الصدر : معروف ، وجمعه : صدور .

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ الْكِتَابِ } قال السدّي : دعا النبي صلى اللّه عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ، فقال له النعمان بن أبي أوفى : هلم نخاصمك إلى الأحبار . فقال : { بل إلى كتاب اللّه} . فقال : بل إلى الأحبار . فنزلت .

وقال ابن عباس : دخل صلى اللّه عليه وسلم إلى المدارس على اليهود ، فدعاهم إلى اللّه ، فقال نعيم بن عمرو ، والحارث بن زيد : على

أي دين أنت يا محمد ؟ فقال :  { على ملة إبراهيم} . قالا : إن إبراهيم كان يهودياً . فقال صلى اللّه عليه وسلم : { فهلموا إلى التوراة} . فأبيا عليه ، فنزلت .

وقالَ الكلبي : زنى رجل منهم بامرأة ولم يكن بعد في ديننا الرجم ، فتحاكموا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تخفيفاً للزانيين لشرفهما ، فقال صلى اللّه عليه وسلم : { إنما أحكم بكتابكم} . فأنكروا الرجم ، فجيء بالتوراة ، فوضع حبرهم ، ابن صوريا ، يده على آية الرجم ، فقال عبد اللّه بن سلام : جاوزها يا رسول اللّه ، فأظهرها فرُجما .

وقال النقاش : نزلت في جماعة من اليهود أنكروا نبوّته ، فقال لهم : { هلموا إلى التوراة ففيها صفتي} .

وقال مقاتل : دعا جماعة من اليهود إلى الإسلام ، فقالوا : نحن أحق بالهدى منك ، وما أرسل اللّه نبياً إلا من بين إسرائيل ، قال : { فأخرجوا التوراة فإني مكتوب فيها أني نبي } فأبوا ، فنزلت { وَالَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ } هم : اليهود ، والكتاب : التوراة .

وقال مكي وغيره : اللوح المحفوظ ،

وقيل :{ مّنَ الْكِتَابِ } جنس للكتب المنزلة ، قاله ابن عطية ، وبدأ به الزمخشري و : من ، تبعيض .

وفي قوله : نصيباً ، أي : طرفاً ، وظاهر بعض الكتاب ، وفي ذلك إذ هم لم يحفظوه ولم يعلموا جميع ما فيه .

{يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّه} هو : التوراة ، وقال الحسن ، وقتادة ، وابن جريح : القرآن . و : يدعون ، في موضع الحال من الذين ، والعامل : تر ، والمعنى : ألا تعجب من هؤلاء مدعوين إلى كتاب اللّه ؟ أي : في حال أن يدعوا إلى كتاب اللّه { لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } أي : ليحكم الكتاب .

وقرأ الحسن ، وأبو جعفر ، وعاصم الجحدري : ليُحكم ، مبيناً للمفعول والمحكوم فيه هو ما ذكر في سبب النزول .

{ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مّنْهُمْ } هذا استبعاد لتوليهم بعد علمهم بأن الرجوع إلى كتاب اللّه واجب ، ونسب التولي إلى فريق منهم لا إلى جميع المبعدين ، لأن منهم من أسلم ولم يتول كابن سلام وغيره .

{وَهُم مُّعْرِضُونَ } جملة حالية مؤكدة لأن التولي هو الإعراض ، أو مبينة لكون التولي عن الداعي ، والإعراض عما دعا إليه ، فيكون المتعلق مختلفاً ، أو لكون التولي بالبدن والإعراض بالقلب ، أو لكون التولي من علمائهم والإعراض من أتباعهم ، قاله ابن الأنباري . أو جملة مستأنفة أخبر عنهم قوم لا يزال الإعراض عن الحق وأتباعه من شأنهم وعادتهم ،

وفي قوله :{ بَيْنَهُمْ } دليل على أن المتنازع فيه كان بينهم واقعاً لا بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو خلاف ما ذكر في أسباب النزول ، فإن صح سبب منها كان المعنى : ليحكم بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وإن لم يصح حمل على الاختلاف الواقع بين من أسلم من أحبارهم وبين من لم يسلم ، فدعوا إلى التوراة التي لا اختلاف في صحتها عندكم ، ليحكم بين المحق والمبطل ، فتولى من لم يسلم .

قيل وفي هذه الآية دليل على صحة نبوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، لأنهم ولولا علمهم بما ادّعاه في كتبهم من نعته وصحة نبوته ، لما أعرضوا وتسارعوا إلى موافقة ما في كتبهم ، حتى ينبئوا عن بطلان دعواه . وفيا دليل على أن من دعاه خصمه إلى الحكم الحق لزمته إجابته لأنه دعاه إلى كتاب اللّه ، ويعضده :{ وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللّه وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ}

قال القرطبي : وإذا دعي إلى كتاب اللّه وخالف تعين زجره بالأدب على قدر المخالِف ، والمخالَف . وهذا الحكم جارٍ عندنا بالأندلس وبلاد المغرب ، وليس بالديار المصرية .

قال ابن خويزمنداد المالكي : واجب على من دعي إلى مجلس الحكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق .

﴿ ٢٣