٢٩

قل إن تخفوا . . . . .

{قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّه} تقدّم تفسير نظير هذه الآية في أواخر آي البقرة ، وهناك قدّم الإبداء على الإخفاء ، وهنا قدم الإخفاء على الإبداء ، وجعل محلهما ما في الصدور ، وأتى جواب الشرط قوله :{ يَعْلَمْهُ اللّه } وذلك من التفنن في الفصاحة . والمفهوم أن

الباري تعالى مطلع على ما في الضمائر ، لا يتفاوت علمه تعالى بخفاياها ، وهو مرتب على ما فيها الثواب والعقاب إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . وفي ذلك تأكيد لعدم الموالاة ، وتحذير من ذلك .

{وَيَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي } هذا دليل على سعة علمه ، وذكر عموم بعد خصوص ، فصار علمه بما في صدورهم مذكوراً مرتين على سبيل التوكيد ،

أحدهما : بالخصوص ، والآخر : بالعموم ، إذ هم ممن في الأرض .

{يَشَاء وَاللّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } فيه تحذير مما يترتب على علمه تعالى بأحوالهم من المجازاة على ما أكنته صدروهم .

وقال الزمخشري : وهذا بيان لقوله { وَيُحَذّرُكُمُ اللّه نَفْسَهُ } لأن نفسه ، وهي ذاته المتميزة من سائر الذوات ، متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم دون معلوم ، فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور ، فهي قادرة على المقدورات كلها ، فكان حقها أن تحذر وتتقي ، فلا يجسر أحد على قبيح ، ولا يقصر عن واجب ، فإن ذلك مطلع عليه لا محالة ، فلا حق به العذاب . إنتهى . وهو كلام حسن ، وفيه التصريح بإثبات صفة العلم ، والقدرة للّه تعالى ، وهو خلاف ما عليه أشياخه من المعتزلة ، وموافقة لأهل السنة في إثبات الصفات .

﴿ ٢٩