٤٧

قالت رب أنى . . . . .

{قَالَتْ رَبّ أَنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ } لما أخبرتها الملائكة أن اللّه بشرها بالمسيح ، نادت ربها ، وهو اللّه ، مستفهمة على طريق التعجب من حدوث الولد من غير أب إذ ذاك من الأمور الموجبة للتعجب ، وهذه القضية أعجب

من قضية زكريا ، لأن قضية زكريا حدث منها الولد بين رجل وامرأة ، وهنا حدث من امرأة بغير واسطة بشر ، ولذلك قالت : { وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ}

وقيل : استفهمت عن الكيفية ، كما سأل زكريا عن الكيفية ، تقديره : هل يكون ذلك على جري العادة بتقدم وطء ؟ أَمْ بأمر من قدرة اللّه ؟ .

وقال الانباري : لما خاطبها جبريل ظنته آدمياً يريد بها سوءاً ، ولهذا قالت :{ إِنّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } فلما بشرها لم تتيقن صحة قوله لأنها لم تعلم أنه ملك ، فقال :{ رَبّ أَنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ } ؟

ومن ذهب إلى أن قولها : رب ، وقول زكريا : رب ، إنما هو نداء لجبريل لما بشرهما ، ومعناه : يا سيدي فقد أبعد

وقال الزمخشري : هو من بدع التفاسير ، و : يكون ، يحتمل أن تكون الناقصة والتامة ، كما سبق في قصة زكريا . و : لم يمسسني بشر ، جملة حالية ، والمسيس هنا كناية عن الوطء ، وهذا نفي عام أن يكون باشرها أحد بأي نوع كان من تزوّج أو غيره ، والبشر يطلق على الواحد والجمع ، والمراد هنا النفي العام ، وسمي بشراً لظهور بشرته وهو جلده ، وبشرت الأديم قشرت وجهه ، وأبشرت الأرض أخرجت نباتها ، وتباشير الصبح أول ما يبدو من نوره .

{قَالَ كَذالِكَ اللّه يَخْلُقُ مَا يَشَاء } تقدم الكلام في نظيرها في قصة زكريا ، إلاَّ أن في قصته { يَفْعَلُ مَا يَشَاء } من حيث إن أمر زكريا داخل في الإمكان العادي الذي يتعارف ، وإن قل ، وفي قصة مريم : يخلق ، لأنه لا يتعارف مثله ، وهو وجود ولد من غير والد ، فهو إيجاد واختراع من غير سبب عادي ، فلذلك جاء بلفظ : يخلق ، الدال على هذا المعنى .

وقد ألغز بعض العرب المستشهد بكلامها فقال : ألا رب مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان يريد : عيسى وآدم .

{إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } تقدم الكلام على هذه الجملة في البقرة : لغةً وتفسيراً وقراءةً وإعراباً ، فأغنى ذلك عن إعادته .

﴿ ٤٧